الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعدمقدمة 2
أشرت في المقدمة السابقة إلى أن هذا الدين أمانة وأن الله لا يقبل غيره وأن الله تكفل بحفظه لأنه خاتم الأديان ، ومن وسائل حفظه قيام العلماء الذين أنار الله بصائرهم .
كما ذكرت الأسباب التي دعتني لطرح هذا الموضوع ، وللزيادة أرجو الرجوع إلى المقدمة السابقة (مقدمة1)
http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=579486
ومصداقاً لكل ما سبق نجد أن آخر الزمان عندما يعم الجهل بالدين وينتشر الضلال إنما يكون بقبض العلماء .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّو)) البخاري ومسلم
ولا شك أن المراد بالعلم هنا العلم الشرعي والذي يطلق عليه أحياناً (الفقه) كما في حديث (( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )) المسند
وإذا كان الدين الصحيح إنما يقوم عليه العلماء الربانيون الذين هيأهم الله لحفظه ، وإذا كان الدين هو عبادة الله تعالى اعتقاداً وقولاً وعملاً وفق ما شرع بالكتاب والسنة ، وإذا كان مقتضى هذه العبودية هو الاستسلام لأمر الله والانقياد له والرضا بما شرع فهل يحق له بعد ذلك الخروج عن شرع الله باعتقادٍ أو قول أو عمل ؟
وإذا كان الجواب: لا
فهل لنا أن نجيب على الأسئلة التالية بموضوعية :
1-هل تسمح أنظمة البشر بفتح عيادة طبية لمن لا يحسن من الطب شيئاً ؟
2-هل تسمح أنظمة البشر بفتح مكتب هندسة معمارية لمن لا يحسن من ذلك شيئاً ؟
3-هل الخطر(الدنيوي ) المترتب على ما سبق أعظم وأخطر من الخطر على دين الناس ؟
4-ألم يأتِ الإسلام بحفظ الضرورات الخمس وهي (الدين – النفس – العقل – العرض – المال ) ؟
إذا اتفقنا على أن البشر لا يسمحون لأحد أن يهدد حياتهم وممتلكاتهم ، وأن الخلل في الدين أخطر من الخلل في أمور الدنيا ،وأن الإسلام جاء بحفظ هذه الضرورات والتي منها (الدين والعرض )
إذا كان الأمر كذلك فكيف يرضى الله أن يعبث الناس في دينه فيحللون ويحرمون كيفما شاءوا .
ويكفي من ذلك قوله تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) } النحل
والله جل شأنه إنما جعل للعلماء هذه المكانة الرفيعة لعظيم نفعهم للعباد ، ولصبرهم على طلب العلم واجتهادهم في معرفة الأحكام الشرعية . وسيرة علماء هذه الأمة خير دليل على أن هذه المكانة العظيمة لم تكن لأي أحد ولا ينالها بعد توفيق الله تعالى إلا بصبره وجهاده في طلب العلم .
ولذلك ورد ثم من يتكاسل عن طلب العلم وينشغل بالدنيا ثم يتشبع بما لم يعطه كما في الحديث :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ... الحديث )) أبو داود
وقد رأينا والله وسمعنا من يقول : هات نصاً من القرآن يدل على أن هذا الحكم كذا ، وإذا جيء بدليل قال : أريد آية تقول : يا أيها الذين أمنوا حرم عليكم كذا .
وإذا قيل هذا دليل من السنة قال : دلالته ليست صريحة أو هذا المراد به كذا .
أخي الكريم :
ربما أنك استثقلت هذه المقدمات وربما لسان حالك يقول : هيا هاتِ ما عندك فقد نفذ صبرنا .
ما زلت أقول أخي القارئ الكريم لا ترهقني من أمري عسراً .
لو كان الحديث في موضوع الحجاب حديثاً لتنبيه غافل وتعليم جاهل (جهلاً بسيطاً ) فكان يكفيني أن آتيك بفتوى واحدة معتبرة من عالم ثقة وينتهي الأمر .
ولكن حديثنا في موضوع الحجاب حديث إلى قسمين من الناس .
القسم الأول : أناس لا يكفيهم التنبيه ولا التعليم بمعنى آخر جهلهم ليس جهلاً بسيطاً يرفع بالتعليم ,وإنما الجهل هنا جهل مركب ، ورفضهم للحكم الصحيح نتاج خلل في عدة جوانب .
وفي طرحي هذا حاولت قدر الاستطاعة أن أعالج هذا الخلل من أوله وهو الجهل العام بدين الله ومعنى العبودية الحقة وخطورة القول على الله بغير علم إلى ما هنالك من الأمور التي مرت أو التي تأتي لاحقاً .
وأما القسم الآخر فلهم حديث آخر .
أعدك أخي القارئ الكريم ألا أقطع حديثي معك قبل أن يأتي أكله ، ما دام أن فيّ عرقاً ينبض .
كتبه : مبارك إبراهيم العجلاني
الروابط المفضلة