محاضرة (برامج عملية للتائبين)
-2-

سامي بن خالد الحمود


2) جاهد نفسك ، واصبر عن المعصية .
فإن قلت كما يقول بعض الشباب: صعب ما أقدر أن تعودت على ذا الشي .
فأقول لك: لا بد أن تصبر، وتذكر أن الصبر في الدنيا أهون من العذاب في الآخرة.
( قصة الكلب ) .
3) استشعار ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل اسم مذموم:
ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذى أدنى مثقال ذرة منه خير من الدنيا وما فيها ، وقد صح عن النبي r أنه قال: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) .
قال بعض الصحابة: ينزع منه الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع اليه .
4) استشعار العوض : وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها (وأما من خاف مقام ربه) .
5) تدبر القرآن والعمل به : فهو روح القلوب وشفاؤها من جميع الشهوات والشبهات .
6) سد الذرائع والطرق الموصلة للمنكر (رفقة ، وحدة ، مجلات ، أفلام ، انترنت).
كلنا ضعفاء أمام الشهوات إلا من عصم الله تعالى، ولكن مشكلة الكثير منا: أنه يضع الفريسة بجوار الوحش، والنار بجوار البنزين؛ بل يصب بنفسه الزيت على النار ثم يصرخ مستغيثا أدركوني. أغيثوني!!
7) البيئة الصالحة المعينة ( قوي بنفسه ) ، ( الذئب من الغنم القاصية ) .
حديث قاتل المائة .. فنقول: فر من رفيق السوء ، غيّر رقم هاتفك، وغيّر منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت تمر منه .
8) استحضار نعم الله عليك ( صحة ، أمن ، مال ، طعام شراب ، أهل ) .
( هل من خالق ) ، ( أخذ الله سمعكم ) ، ( أصبح ماؤكم ) .
في القيامة ( ألم أوتِك مالاً ... ، ألم أصحَّ لك جسمك ، ألم أذرْك ترأس وتربع .
من منا زار المستشفيات ، فكر في أهل البلاء .
- في قناة المجد ، التقيت بالأخ عبد الله با نعمة ، ولعل الكثير منكم شاهد قصة الأخ عبد الله .. شاب مشلول لا يتحرك منه إلا رقبته فقط ، لم يممنعه الشلل والإعاقة الشديدة من الاستقامة على امر الله ، والدعوة إلى الله ، عندما سألته عما يتمناه ، هل يتمنى أن تعود له صحته ليجمع المال ، أوليتلذذ بالمحرمات ، أو ليتعاطى المسكرات والمخدرات ، أو ليتمتع بالسهرات والزنا والفواحش المحرمة؟
لا ، ذكر لي ثلاث أماني : سجدة ، مصحف ، ضم أم .
كم منا يا إخوان ممن يتمتع بالصحة ، ويرفل في ثياب العافية ، وهو مقيم على معصية الله تعالى .
- ثم كان لي لقاء آخر سيعرض قريباً بإذن الله مع أخينا أحمد الشهري .. شاب عجيب ... .
عبد الله .. كيف تعصي الله وإحسانه إليك على مدى الأنفاس ، أعطاك السمع والبصر والفؤاد ، وأرسل إليك رسوله ، وأنزل إليك كتابه ، وأعانك بمدد من جنده الكرام ، يثبتوك ويحرسونك ويحاربون عدوك ، ويطردونه عنك ، وأنت تأبى إلا أن تقف مع عدوك ضد ربك وملائكته .
أمرك الله بشكره ليكرمك ، فكفرت نعمته .. وأمرك بذكره ليذكرك فنسيت ذكره .
أمرك بسؤاله ليعطيك ، فما سألته .. دعاك إلى بابه فما وقفت عليه ولا طرقته .. ثم فتح لك الباب فما ولجته .
ومع هذا فلم يؤيسك من رحمته ، بل قال : متى جئتني قبلتك ، إن أتيتني ليلاً ، قبلتك ، وإن أتيتني نهاراً قبلتك وإن تقربت مني شبراً تقربت منك ذراعاً ، وإن تقربت مني ذراعاً تقربت منك باعاً ، وإن مشيت إلي هرولت إليك . ولو لقيتني بقراب الأرض خطاياً ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ، أتيتك بقرابها مغفرة ، وبلغت ذنوبك عنان السماء , ثم استغفرتني غفرت لك , ومن أعظم مني جوداً وكرماً ؟
عبادي يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤكم على فرشهم .
إني والجن والانس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غير ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي .
أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أُقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم ، فإني أُحب التوابين ، وأحب المتطهرين ، وإن لم يتوبوا إلي ، فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب ، لأطهرهم من المعايب .
9) اتباع السيئة بالحسنة .. (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً) .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ . رواه الترمذيوقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
إن فعل المحرمات لا يسوغ ترك الطاعات : فإذا ابتلي العبد ببعض المحرمات ، فإن ذلك لا يسوغ له ترك الصلاة مثلاً ، لان الشيطان يأتي لبعض الناس ، ويقول له: كيف تصلي أمام الناس ، وأنت مبتلى بكذا وكذا ، أنت منافق؟ فيترك هذا المسكين الصلاةأو يتهاون في أدائها أو في غيرها من الأوامر .
وقد قرر أهل العلم قاعدة ، (إن ترك الأوامر أعظم من ارتكاب المناهي) .
قال سهل بن عبدالله - رحمه الله -: " ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي؛ لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها، فتاب عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد، فلم يتب عليه " .
فلهذا نقول: متى ما ابتلاك الشيطان بشيء من السيئات ، فادمغه بسيل من الحسنات من الصلاة والدعاء والذكر والصدقة وغيرها من الأعمال ، كما قال الله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وتأملوا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بينما كلب يُطيف برَكيَّة (أي بئر) كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) واستقت له به، فسقته إياه، فَغُفر لها به " .
انظروا يا إخواني ، ما الذي قام بقلب هذه المرأة الزانية ، من الرحمة ، مع عدم الآلة التي تسقي بها الماء، وعدم وجود المعين على السقي، وعدم وجود من ترائيه بعملها ، فغَرَّرَت المرأة الضعيفة بنفسها في نزول البئر، وملأت الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضه للتلف، ثم حملت الخف بفمها وهو ملآن ، ثم تواضعت لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً .
قال ابن القيم: فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فَغُفر لها .
وقد روى الترمذي والنسائي بسند حسن قصة أبي اليَسَر كعبِ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه وأصل القصة في الصحيحين .
كان هذا الصحابي يبيع التمر في المدينة ، فجاءته امرأة حسناء جميلة تشتري منه التمر ، وكان زوجها قد خرج غازياً في سبيل الله ، فوسوس له الشيطان وزين له الوقوع بالمرأة ، فقال لها: إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ . فدخلت معه في البيت ، فأخذ يقبلها ، ويباشرها دون أن يصل إلى الجماع .نعم لقد وقع هذا الصحابي في هذه المعصية في موطن من مواطن الضعف ، فما الذي حدث؟ضاقت به الدنيا ، وعظم به الأمر ، فذهب أولاً إلى أَبي بَكْرٍ ، وأخبره بما وقع له ، فقال أبو بكر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكن أبا اليسر لم يصبر ، فذهب إلى عمر ، فقال له عمر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكنه لم يصبر حتى أتى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَر ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ .في هذه اللحظة ، تقطع قلب أبي اليسر ، حَتَّى إنه تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ ، بل إنه ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ .ثم أَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا ، وأنزل رأسه إلى صدره ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي اليسر ، ففرح بها فرحاً شديداً .. ثم قَالَ بعض الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً .
وهذا التكفير الْمُطْلَق للسيئات ، حَمَلَه الْجُمْهُور عَلَى الْمُقَيَّد بالصغائر ، كما فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: "الصَّلَاة إِلَى الصَّلَاة كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر " ، فالكبائر لا بد فيها من التوبة .
وإذا تأملنا بعض الأحاديث، يمكن أن نستفيد فائدة مهمة ، وهي أنه متى ما وقع الإنسان في سيئة شُرِع له أن يدفعها بحسنة من جنس السيئة التي عملها .
ويدل على هذا ، حديث أبي هُرَيْرَةَ المتفق عليه عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ" .
وفي قصة تخلف كعب بن مالك لما أقعدته الدنيا والأموال عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك ، قال فِي آخِرِ حَدِيثِهِ" إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" . متفق عليه