في المقال السابق عرضنا ثلاثة من ملامح المنهج التربوي النبوي .

وبهذا المقال الثاني نستوفي بقية هذه الملامح .


والملمح الرابع - وهومن أهم ملامح هذا المنهج النبوي

أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يكن يواجه المخطئ بخطئه إلا إذا وجد

للمواجهة ضرورة من دين أو خلق، بل كان يجعل الخطاب بضمير الغائب،

وبصيغة الجمع غالبًا، وبمسمع من الجميع

"ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ..؟!!".


- يروى أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعمل رجلاً من الأَسْد يقال له ابن اللتْبيَّة، فلما قدم قال:

"هذا لكم، وهذا لي" فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ، أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده لا ينال أحد منكم شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه".

وهذا الأسلوب غير المباشر في التوجيه يدل على أنه ـ صلى الله عليه

وسلم ـ كان يحترم آدمية الإنسان، وكان يدرك بوعي النبوة الهادية أن

الغاية من التشريع هي الإصلاح والبناء، لا التشهير والتدمي


فالتشهير بالمخطئ قد يقوده إلى حالة من الإحباط والاكتئاب، واعتزال الناس، والتردد والقلق والاضطراب، أو يدفعه إلى أن تأخذه العزة بالإثم، فيصرّ ـ بعناد شديد ـ على السير في طريق الخطأ والخطيئة، وقد غضب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على خالد بن الوليد حين سب الغامدية، وهو يقيم عليها حد الرجم لزناها.

ومسلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو انعكاس عملي لفضيلة نفسية وهي عفة اللسان وصونه من الهُجْروالفُحش والبُذاء،

حتى في حق الأعداء، يروى أنه حينما شجه الكفار يوم أحد، وسال دمه، وكسرت رباعيته، قال له أصحابه:

"لو دعوت عليهم"

قال: "إني لم أبعث لعانًا، ولكني بعثت هاديا ورحمة. اللهم اهدِ قومي، فإنهم لا يعلمون".

وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مقام المسئول الذي يقصده المسلمون يسألونه، ويستفتونه في أمور دينهم ودنياهم، وكثيرًا ما كان القرآن يتكفل بالإجابة، كما نرى في الآيات الآتية:

(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ...) (المائدة: 4).

ـ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ...) (الأعراف: 187).

ـ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ...) (الأنفال: 1).

ونلاحظ أن أغلبية آيات "السؤال" مدنية، وأن سورة البقرة ـ

وهي أولى السور المدنية نزولاً ـ هي أعمر السور بالأسئلة والأجوبة،

إذ كان المسلمون يتطلعون إلى معرفة الكثير في المجتمع الإسلامي

الجديد، الذي كان يمثل الأساس القوي للدولة الإسلامية الوليدة.


وإذا لم يقدم القرآن الجواب على ما يطرحه المسلمون من أسئلة، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجيبهم بما ينفعهم في دنياهم،

وأخراهم، وكان يعطي لكل سؤال حقه من الإجابة:

إيجازًا، أو تفصيلاً، صراحة أو ضمنًا، تبعًا لمقتضيات الحال، وتأتي الإجابة دائمًا شافية كافية، بحيث لا يترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من يسأل، وفي نفسه أثارة من حرج، أو أثارة من جهل لأي جانب من جوانب الموضوع الذي يسأل عنه:

- ساله رجل ذات مرة: يا رسول الله: أستأذن على أمي؟

فقال: نعم. قال الرجل: إني معها في البيت.

قال: استأذن عليها.

قال الرجل: إني خادمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟

قال: لا. قال فاستأذِنْ عليها.


هكذا بصدر رحب، وإنسانية ضافية، يقنع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ

الرجل مثيرًا فيه عاطفة "البنوة" التي تكره، وترفض أن ترى من الأم ما يسيئ إليها وإليه.

فكان اتساع صدره ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسئلة المسلمين ـ أيًّا كان نوعها ووجهتها ـ وحرصه على الإجابة عليها،

يمثل الملمح الخامس من معالم منهجه في تربيتهم.

والملمح السادس - وهو آخر هذه الملامح التربوية في تعليم الدين والحياة والخلق ـ

أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أحيانًا يضع نفسه موضع السائل، على سبيل ما يسمى "بتجاهل العارف"، والمسلمون يجيبون، فإن كانت الإجابة سديدة أقرها، وإن كانت غالطة قوَّمها، وأبان عن الصواب،

وإن كانت ناقصة جبر ما فيها من نقص:


ومن الأمثلة في هذا المقام:

1 ـ روى معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما بعثه إلى اليمن، قال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي، ولا آلو، قال معاذ: فضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى الله ورسوله.

ومن الأسئلة التي وجهها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

إلى المسلمين، وجاءت إجاباتها غالطة، فطرح عليهم الجواب الصحيح:

سؤال عن الصُّـرَعة، فكان الجواب:


أنه ذلك الذي يغلب هذا ويصرع ذاك. فقال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب.

وكانت إجابتهم عندما سألهم عن المفلس:

أنه من لا درْهم عنده ولا متاع. فيدلهم على الجواب السديد بقوله:


إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي، وقد شتم هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار.

***
والسنة الشريفة حافلة بهذا اللون الذي يقوم على طريقة

"السؤال والجواب"، وسواء أجاءت إجابة المسلمين كاملة شافية، وأقرها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ناقصة وأكملها، أو غالطة وطرح البديل الصحيح،

فإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يخلص من ذلك إلى القيمة الدينية، أو الخلقية، أو الحقيقة الاجتماعية، أو الدرس النفسي الذي حرص على أن يعيه المسلمون بهذه الطريقة في التعليم والتربية.

وهذا النهج أخذت به أحدث الطرق وأنجحها في التعليم، وهو ما يسمى "بالطريقة الاستنباطية" وهي الطريقة التي تعتمد على عرض

"الأمثلة المساعدة" ومن فهم هذه الأمثلة واستيعابها، والموازنة بينها تستخلص القواعد والحقائق المنشودة.

ومن أسس هذه الطريقة " طرح الأسئلة المنتجة" التي يصل بها المعلم ـ عن طريق تلاميذه ـ إلى حقائق الدرس ودلالاته، سواء أكانت حقائق جزئية تفرزها كل مرحلة من مراحل الدرس المختلفة، أم حقائق كلية يخلص إليها بعد انتهاء الدرس.

ومن أهم قواعد هذه الطريقة كذلك أن يحرص المعلم على إثارة كوامن المعارف والخبرات المختزنة عند التلاميذ، للانتفاع بها في الوصول إلى الحقائق المطلوبة.

نعم كانت "الطريقة الاستنباطية" جزءًا مهمًا في المنهج التربوي المحمدي، ذلك المنهج الذي كان يهدف ـ دون تعنت أو تعسف - إلى خلق المسلم الصالح الذي يجمع في حياته بين الدين والدنيا، بين العلم والعمل، بين الحق والواجب.
ـــــ
وبعد هذا العرض الموجز نرى أن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم تبالغ حينما قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كان خلقه القرآن: يرضى برضاه، ويسخط بسخطه"

فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ تجسيدًا لمجموعة من القيم الإنسانية في أرقى صورها ـ من ناحية ـ وأصلحها للتطبيق العملي من ناحية أخرى.
واستطاع ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يغرس هذه القيم، ويرسّخها في قلوب الرعيل الأول من المسلمين، متبعًا ـ كما ذكرنا ـ منهجًا واضح الملامح والسمات:


ـ فكان قدوة طيبة، وأسوة حسنة قولاً وفعلاً.

ـ واتخذ من الوقائع والأحداث وسيلة لتقويم أخلاق المسلمين وتربيتهم.
ـ واستعان في سبيل ذلك بالقصص والأمثال.


ـ ولم يكن يواجه المخطئ بخطئه صراحة، بل بطريقة غير مباشرة، حتى لا يكسر قلبه، أو تأخذه العزة بالإثم.

ـ وفتح صدره للمسلمين، يسألون، ويستفتون، وهو يجيب على كل يسأل، حتى ولو كان تافهًا صغيرًا، لا قيمة له في مسيرة المجتمع.
ـ واستعان ـ وهو أستاذ الحياة ـ بأسلوب المعلم الذي يستثير قرائح تلاميذه ومريديه بتوجيه أسئلة إليهم، ليخلصوا منها إلى الحق والحقيقة، في مجال النفس، والخلق والمجتمع.


وبهذا المنهج شكّل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعة من الأنجم الزواهر، انطلقت بنور الله في مشارق الأرض ومغاربها، يدكون قواعد الظلم، والفساد، والشر، والظلام، وبهذه الجماعة المسلمة صارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الباطل، والكفر، والضلال في أسفل سافلين

هذا ايها الاخوه والاخوات بعض من طريقه النبي في التربيه التي اثبتت وبينت لنا عظمه رسول الله صلي الله عليه وسلم


واليوم 14 - 2 - 2008 سمعنا ان 17 صحيفه دينماركيه ستقوم بعرض الرسوم المسيئه لرسول الله فينبغي ان نقدم للناس هذه النماذج من تربيه الرسول لاصحابه لكي يعرفوا من هو رسول الله صلي الله عليه وسلم
فداك ابي وامي وروحي ونفسي يارسول الله