كتبها الشيخ احسان العتيبي

==========

عبادته

وعرف عن الشيخ قيامه بالفرائض والنوافل والطاعات ، ومن صور ذلك :
أ . أنه يحج في كل عام منذ سنوات طويلة .
ب . أنه يعتمر في رمضان وفي غيره من مواسم " العطلات " .
ت . أنه يقيم الليل حتى مع شدة تعبه ، وقد حدَّث عن ذلك بعض تلامذته – وهو الشيخ حمد العثمان – ومما قال – بالمعنى – أنه سافر مع الشيخ إلى الرياض فمكثوا فيه وقتاً ثم غادروا إلى جدة فأدوا العمرة في مكة ، فلما انتهوا من عمرتهم وإذ بالتعب قد سرى لجسدهم فاستسلموا للنوم .
قال الشيخ حمد : فقمت في الليل إلى الحمام لقضاء الحاجة ، وإذ بي أرى الشيخ رحمه الله قائم يصلي!!
فقلت : سبحان الله ، أنا شاب واستسلمت للنوم ، وهذا شيخ كبير تعب معي مثلي ثم يقوم في الليل ليصلي ؟ فتشجع أخونا " حمد " ليصلي فقام وتوضأ ولما أراد أن يصلي وإذ بالنعاس يغالبه ! فقال : " يا عمي ! إحنا وين والشيخ وين !!؟ " فرجع للنوم ! – ولا أدري أصلَّى شيئاً أو لا - .

نجدته وفزعته

وللشيخ نجدات وفزعات للمسلمين ببذل الشفاعات وتيسير الحاجات وإعطاء المستحقين الكتب والأموال ، وقد حدَّث بعض تلامذته – مثل الأخ وليد الحسين – عن ذلك كثيراً ، لكن عندي شيء لعله لا يعرفه إلا نفر قليل عن حادثة عظيمة في حياة الشيخ رحمه الله ، وهي :
أ. أنه قد سافر شباب من " الأردن " إلى العمرة ، وفي " خيبر " قدَّر الله عليهم حادثاً صدموا به عمود الإنارة ! فهرعت الشرطة لمكان الحادث ، وأصروا على السائق أن يدفع تكاليف العمود وكانوا قد قدَّروا ذلك بـ ( 21000 ) واحد وعشرون ألف ريال !
وهذا السائق – ومعه المعتمرون – لا يقدرون على دفع مثل هذا المبلغ !
فحجز الشرطة جواز سفر السائق لحين تدبير المبلغ ودفعه عند رجعتهم من أداء العمرة .
فغلب الشباب على أمرهم وفكروا في طريقة تحصيل المبلغ ، فلم يكن أمامهم إلا عرض الموضوع على بعض المشايخ ، فكان أن ذهب واحدٌ منهم – وهو الذي حدثني بالقصة – إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في غرفته في الحرم المكي بعد صلاة العصر .
فعرف الشيخ منه القصة ، وقال له : تعال غداً وإن شاء الله يصير خير!
قال الشاب : فلم أرجع للشيخ لأنني عرفت أن المبلغ كبير ، والشيخ لا يعرفنا ، ولم يعرف عن الشيخ أنه يساعد في مثل هذه الأمور ، لكنني ذهبت – والكلام لمحدثي – تحقيقاً لرغبة الشباب في أن أكلِّم الشيخ فقط.
ثم رجع القوم إلى " الأردن " ، وكان لا بدَّ من المرور على " خيبر " ! لأخذ الجواز ، ولعلَّ الله أن يكون قد رقق قلوبهم فيسقطوا عنا المبلغ .
ولما دخل الشباب إلى المركز أصرَّ الضابط على إحضار المبلغ كاملاً وإلا لا سفر ، فإن أرادوا السفر فمن غير السائق !!
تحيَّر الشباب وسائقهم ! ماذا يفعلون ؟
توجهوا للشاب الذي ذهب للشيخ ابن عثيمين فقالوا له : ألم تذهب أنت للشيخ ماذا قال لك ؟ قال : قال تعال غداً !!
قالوا : فهل ذهبتَ له ؟ قال : لا !!
قالوا : اتصل به لعل الله أن يكون الفرج على يديه ونحن محبوسون عن أهلنا هنا ونخن في آخر أيام رمضان !!
قال : فاتصلتُ بالشيخ في غرفته فردَّ عليَّ وأخبرته بحالنا !
قال : أنت الشاب الأردني ؟؟!!
قلت : نعم يا شيخ !
قال : ألم أقل لك تعال في الغد ، لم لمْ تأتِ ؟
قال : استحييتُ !
قال : فلمَ كلمتني إذن ؟؟! على كل حال : المبلغ كان جاهزاً في اليوم نفسه !!!!!
فلم يصدِّق صاحبي الخبر ، وكاد الشباب أن يطيروا فرحاً – ومعهم السائق بالطبع ! - .
قال الشاب : والحل يا شيخ ؟
قال الشيخ : أنا أحوِّل المبلغ للمركز ، وأطلب منهم أن ييسروا أمركم وترجعوا إلى أهليكم قبل العيد!!
قال الشيخ : أعطني الضابط المسؤول !
كلَّم الضابطُ الشيخ بنوع من اللامبالاة !
قال الشيخ : المبلغ عندي وأعطني رقم حسابكم وأنا أحوله لكم وأطلقوا الشباب وسائقهم ليذهبوا إلى أهليهم !
ردَّ الضابط بقلة أدب : آسفين يا شيخ ! لا بدَّ من إحضار المبلغ نقداً وإلا فلن يسافروا ولن يرجعوا!!
غضب الشيخ جدّاً من الضابط ، وقال : أقول لك المبلغ عندي دعهم يذهبوا إلى أهليهم !!
رفض الضابط مرة أخرى !
أغلق الشيخ السماعة .
قال الشاب : فما هي إلا لحظات إلا والمركز ينقلب رأساً على عقب!!
ما الخطب ؟؟
إنه أمير المدينة !! – الأمير عبد المجيد – اتصل يسأل عن الضابط الذي رفض طلب الشيخ وبدأ يهدد ويتوعد بالعقوبة !!
حاول الضباط وأفراد الشرطة التستر على زميلهم !!
ورأى الشباب تغير العنجهية بصورة سريعة ومذهلة ! إلى رقة وأدب !
فأمرهم أمير المدينة بإطلاق الشباب وسائقهم فوراً وتصليح العمود على حساب الدولة !!
لا يتصور أحد مدى فرحة الشباب بهذا الخبر ! فشكروا للشيخ جهوده ووقفته معهم وارتفعت أصواتهم بالدعاء للشيخ ، وأكبروا في الأمير احترامه للعلماء وتقديره لمكانتهم في موقف لن ينساه أحد منهم ما عاش أبداً !
ب. أما ما قاله الأخ وليد الحسين فهو :
" ولقد لمستُ حرص الشيخ على طلابه منذ بداية ملازمتي له ، وذلك عندما قصدت هذه البلاد المباركة – المملكة العربية السعودية – قبل ثلاث عشرة سنة ، وقد صحبتُ معي القليل من المال حتى نفد ، ولم يبق عندي منه شيء فصبَّرتُ نفسي ، وأيقنتُ أن الله سيفر هذا الضيق :
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظن أنها لا تفرج
حتى إذا ما مضى أسابيع ، وأنا أعيش هذا الضيق ، فإذا بالشيخ يناديني بعد صلاة الفجر ، وبيده مبلغ من المال ليس بالقليل ، ويعلم الله أنني لم أشكُ له حالي ، ولكنه الفرج من الله .
وبعد مدة من الزمن نفد ما عندي من المال ، فخشيتُ أن أكون قد أحرجتُ الشيخ في مساعدته لي ، أو يظن أنني لازمته من أجل المال ، فقررتُ أن أرحل ، وأجمع مالاً أتقوى به على طلب العلم ، فرحلتُ إلى " الدمام " – حيث معارفي – وتركتُ رسالة للشيخ بيَّنتُ فيها سبب ارتحالي ، فساءه ذلك جدّاً ، وحاول أن يتعرف على عنواني ، فتيسر له الحصول عليه وعلى رقم هاتفي ، واتصل بي هاتفيّاً ! وألزمني بالرجوع ، وألحَّ عليَّ ، فأجبتُه إلى طلبه وأنا في حرج ، واستأنفتُ ملازمتي له .
وكان حفظه الله – والآن نقول : رحمه الله – لا يبخل عليَّ وعلى زملائي من المغتربين بالإنفاق علينا، ومتابعة أحوالنا ، وتذليل الصعاب التي تواجهنا " . أ.هـ
" مجلة الحكمة " عدد 2 ، ص 47 .

خلقه ودينه

ولا يتسع المقام هنا لذكر كثير من صور عظيم خلقه ودينه رحمه الله ، ونذكر في هذا المقام الضيق ثلاث صور لعل الله أن ينفع بها :
أ . في لقاءات الشيخ رحمه الله في بيته كل خميس قبل الظهر ، كان الشيخ رحمه الله يبدأ اللقاء بتفسير آيات من القرآن الكريم ، وقد رأى أن يبدأ من الأجزاء الأخيرة لكثرة قراءتها واستماعها من الناس ، ثم يفسح المجال لكل زائر بسؤال واحد .
وفي بعض تلك اللقاءات – والتي جمعت مادتها بما عرف بـ " الباب المفتوح " – استأذن بعض الشباب بقراءة أبيات من الشِّعر نظمها في مدح الشيخ رحمه الله ، وقد قاطعه الشيخ مراراً معترضاً على مدحه وطلب تغيير تلك الكلمات التي يُمدح فيها الشيخ ، وكلما سمع مدحاً اعترض وقاطع وأوقف الطالب ، حتى قال الطالب : لا يصلح هذا يا شيخ ! إما أن أقرأ ما كتبتُ أو أتوقف ! قال الشيخ : توقف أحب إليَّ !! ولم يرض رحمه الله بهذا المديح .
والقصة حن تسمعها مباشرة في الشريط تتأثر من خلق الشيخ وعظيم دينه ، وقد كُتبت الحادثة فيما جمع من تلك اللقاءات ، فكانت هذه الحادثة على هذا النحو :
الطالب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد يا فضيلة الشيخ : أستاذنكم في قصيدة أتلوها :
الجــواب :
يا أمـتي إن هـذا الليـل يعقبـه فجر وأنواره في الأرض تنتشر
والخيـر مـرتقب والفتح منتظـر والحق رغم جهود الشر منتشر
بصحوةٍ بـارَكَ الباري مسيـرتها نقية ما بها شوب ولا كـدر
ما دام فينا بن صالح شيخ صحوتنا بمثله يرتجى التأيـيد والظفـر
أنا لا أوافق على هذا المدح لأني لا أحب أن يربط الحق بالأشخاص ، كل شخص يأتي ويذهب ، فإذا ربطنا الحق بالأشخاص ، معناه أن الإنسان إذا مات قد ييأس الناس من بعده .
فأقول : إذا كان بإمكانك أن تغير البيت الأخير بقولك :
ما دام منهاجنا نـهج الأولى سلفوا بمثلها يرتجى التأيـيد والظفـر
فهذا طيب .
أنا أنصحكم من الآن وبعد الآن ألاّ تجعلوا الحق مربوطا بالرجال :
أولا ً : لأنهم قد يضلون ، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول : من كان مستنا فليستن بمن مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .
ثانيا : أنه سيموت ، ليس فينا أحدٌ يبقى أبداً ! { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } .
وثالثا : أنه ربما يغتر إذا رأى الناس يبجِّلونه ويكرمونه ويلتفون حوله ربما ظن أنه معصوم ويدَّعي لنفسه العصمة وأن كل شيء يفعله فهو حق ، وكل طريق يسلكه فهو مشروع ، ولا شك أنه يحصل بذلك هلاكه ، ولهذا امتدح رجل رجلا عند النبي عليه الصلاة والسلام فقال له : " ويحك ، قطعت عنق صاحبك " .
وأنا أشكر الأخ على ما يبديه من الشعور نحوي وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه أو أكثر ، ولكن لا أحب المديح .
" لقاء الباب المفتوح " / اللقاء السابع والأربعون / السؤال 1148 .
فلعلَّ في هذا عبرة لمحبي الشهرة والباحثين عن مديح الناس وهم لا يستحقونه ! أن يروا هذا الإمام الذي يستحق المدح كيف يقابله !
ب . في إحدى عمرات الشيخ كان قد أدى العمرة مع جمع من أصحابه وقد سكنوا جميعاً في مسكن واحدٍ ، وفي أثناء رجوعهم من المسجد الحرام إلى المسكن مرَّ الشيخ رحمه الله مع من معه على مجموعة من الشباب اللاهي وهم يلعبون " كرة القدم " ! فوقف الشيخ بينهم ينصحهم ويوجههم للصلاة ، فكان أن قابل أولئك الشباب الشيخَ بشيء من اللامبالاة والاستهزاء ! فطلب الشيخ ممن معه أن يذهب إلى السكن ويبقى وحده مع أولئك الشباب !
فكان أن حصل للشيخ ما أراده ، فلما رأى الشباب أن الشيخ مصرٌّ على البقاء ليذهبوا معه للصلاة سبَّ عليه واحدٌ منهم سبّاً مقذعاً بكلمات قبيحة نابية !
وقد فعل ذلك حتى لا يجعل مجالاً للشيخ في أن يبقى بينهم ، وهم – بطبيعة الحال – لا يعرفون أن هذا هو الشيخ ابن عثيمين !
فتبسم الشيخ ! وأصرَّ على البقاء حتى يصلِّي الشباب ، وأن يذهب هذا السابُّ معه ! وجلس الشيخ وسطهم على حجر مصرّاً على قوله .
والشباب استاءوا من مسبَّة صاحبهم لمثل هذه " الشيبة " !
فطلبوا من صاحبهم السابّ - لما رأوا إصرار الشيخ – أن يرافق الشيخ ، ومعنى كلامهم أن يمشوه على قدر عقله !
فذهب الشاب الساب أخيراً مع الشيخ !
ولما دخلوا المسكن ، استأذن الشيخ من الشاب قليلاً .
فخاطب بعض من مع الشيخ ذلك الشاب : هل تعرف الشيخ ابن عثيمين من قديم !!
فكاد الشاب أن يغمى عليه من الصعقة !
وقال : ماذا قلت ؟ من هذا الشيخ ؟
قال : هذا الشيخ ابن عثيمين ! ألا تعرفه ؟؟
فما كان من الشاب إلا أن تأثر من موقفه ذاك وبكى ، فلما حضر الشيخ قبَّل رأسَه وطلب منه المسامحة !
وما كان من الشيخ إلا أن يسامحه وهو الذي صبر عليه وهو يسبه ويشتمه ، ثم علَّمه الوضوء والصلاة، فالتزم ذلك الشاب على يد الشيخ رحمه الله .
فانظر إلى هذه الهمة ، وهذا الحرص ، وذلك الصبر من الإمام رحمه الله .
ت . ولما أفتى الشيخ رحمه الله بفتيا اتهمه بعض الناس بتهم شتى ، تتعلق باعتقاده ! والشيخ مقتنع بما قال وله في ذلك سلف مثل شيخ الإسلام رحمه الله .
وفي مرَّة زاره شبابٌ من طلبة العلم ومعهم أسئلة ، ومن ضمن تلك الأسئلة ما يتعلق بتلك الفتوى ، وما قيل في الشيخ – رحمه الله - .
فأجاب الشيخ ، ومن ضمن إجابته قال : إن الناس إذا رأوا إنساناً مشهوراً ! تكلموا عليه وطعنوا فيه حسداً من عند أنفسهم … إلخ .
وراح الشباب ومعهم التسجيل .
وفي الليل اتصل الشيخ رحمه الله بالشاب الذي أحضرهم إليه طالباً منه الشريط !!
فاستغرب الشاب – أولاً – اتصال الشيخ ، واستغرب أكثر من هذا الطلب !!
فطلب الشاب التوضيح من الشيخ عن سبب طلبه الشريط – عندما جاء به – فقال الشيخ : هناك كلمة قلتُها ما كان ينبغي لي قولها ! وأرى أن تحذف من الشريط ! وهي قولي " إنساناً مشهوراً " !! فهذه فيها تزكية للنفس أرى أن تحذف !!!
فلله درك يا إمام ما أعظم خلقك وما أمتن دينك ، ورحمك الله من قدوة صالحة .

=======

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم