إبسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


-301 فَرِّق بين أن تكون طيبًا أو أن تكون مُغَفلاً، فالأولى لك وأنت مُثاب عليها مأجور مشكور، والأخرى ليست لك ولست لها إلَّا تغافلاً محمودًا لرفع حرج أو تجاوز عن زلَّة.
حُسن الخلق يرفع الدرجات ويُدْني البعيد، وأن يُثنى عليك بالطيبة خير لك في الدنيا والآخرة من أن تكون غير ذلك من الأوصاف الدنيئة, وبئست الأوصاف في حقِّ المُسْلم.
* * *
302- الأمن والطمأنينة مطلب أساسي وضرورة مُلِحّة في حياة الأمم والمجتمعات تسعى إلى استجلابه وإشاعته بشتَّى الوسائل والسبل! فأين هو يا ترى في حياة أسرة صغيرة، وقلب امرأة أسيرة كسيرة تقع في بيت الزوجية! يُردِّد زوجها كل يوم أُريد أن أتزوج .. يقض مضجعها ويظلم صاحبها، وتُظلَّم الدنيا في عينها!!
من أراد أن يعدد فليس له أن يُهدد! كل يوم بسكين يطعنها وتمضي السنوات، ولا شيء سوى الرُّعب والحزن يسكن قلبها وعينها!
* * *
303- المُسلم يعرف أن أذية الناس له – وخُصوصًا الأقوال السيئة والتُّهم الباطلة – لا تضره كثيرًا، بل تضرهم، وهو مع ما يناله من الأجر، يُهوِّن حزنه كلامًا نفيسًا للإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: "من ظنَّ أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا عن محمد r: ساحر ومجنون، فما ظنُّك بمن هو دونهما؟".
فهذه منزلة الربوبية ولم تسلم ومنزلة النبوة ولم تسلم، فما ظَنُّك بحديث الناس عنك، وعليك بالدعاء: «اللهم اكفينيهم بما شئت».
* * *
304- جاء في ترجمة الحُرَّة الصليحية مَلِكة اليمن: أنها ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء وتحكم من وراء حجاب ... [الأعلام 1/289].
* * *

305- إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا




من كان يألفهم في المسكن الخَشِنِ





كم من الأحباب والأصحاب وزُملاء الدراسة والطفولة نسيناهم أو تناسيناهم؟! بعضهم له حاجة, وآخر أصابته نائبة، وثالث طَريح الفراش .. وأنت من الكرام.
* * *
306- قال: ظننت أن زوجتي مَلاك فأغضبتني، وحلمت بأنها من الحُور فإذا بها من أهل الدنيا، أمسكت ورقة وقلمًا ولم أحصِ عيوبي؛ عندما علمت أن التجاوز عن الهفوات والتغاضي عن الزلَّات من أسباب الحياة السعيدة. تجربة عملية لكل زوج أن يطبقها!
* * *
307- إلى كل من يريد الخلود في جنَّة عرضها السموات والأرض، إلى كل من يُؤَرِّقه الندم، وتعلوه سَحابة التوبة، ويُخالط شغاف قلبه إيمان بالله ورسوله، إليك بِشارة من فوق سبع سموات: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135].
* * *
308- رحل الشافعي عندما كان عُمْره أربع عشْرة سَنَة للأخذ من الإمام مالك، فقال عن رحلته: "فختمت من مكة إلى المدينة ست عشْرة ختمة، ختمة بالليل وختمة بالنهار" وتأمل في عُمْره حينئذ، ولا تتأتى تلك الختمات إلا لحافظ كتاب الله عزَّ وجلَّ، يقرأ ماشيًا وراكبًا وعلى جنبه، وفي كل حين، فهنيئًا لمن وفقه الله لذلك.
* * *
309- رسالة مُؤثِّرة من صديق إلى صديقه: "قد وجدت عليَّ وهذا- وأيم الله- عليَّ لشديد، والعفو أقرب للتقوى، والصفح أكرم للعُقْبى، وترك المُؤاخذة أحسن في الذكرى، والمن أفضل في الآخرة والأولى".
* * *
310- مِن أمتع لحظات الإنسان جُلوسه بين زوجته وأبنائه، قد يخونه التعبير في إظهار المحبة واللطف لهم فتكون الجلسة مملة وطويلة! لكن حدثهم بما رأيت وأعلمهم بما قرأت، ارتقِ بعقولهم وأفكارهم، ناقشهم في قضاياهم واثنِ على طروحاتهم، وشجِّع أعمالهم فأنت لهم قُدوة تقود سفينتهم إلى بَرِّ الأمان، فأعطِ كلَّ ذي حق حقه.
* * *
311- قال لزوجته: لَأن أهديكِ ساعة نادرة يزينها معصمك قليلة في حقك .. وجدت أغلى منها ساعة أقضيها معك، وهكذا تكون بيوت المسلمين أُسوة وقُدوة بما كان يفعله r مع زوجاته من حُسن العِشرة وطيب المُعاملة «ولأهلك عليك حق».
* * *
312- بلغ من البرِّ بأبيه أعلى مراتبه، دعوة وصبرًا ورفقًا وإحسانًا! ومع ذلك يومًا أفاق فإذا به مُلقى على قارعة الطريق، قد أغلق الباب دونه بعد أن ناله الضرب المُبرح .. ما ردَّ يد والده ولا قال: لا، حتى قذفه خارج الباب ووطأه برجله مرات. وعندما سمِع أنَّةَ ابنه وبكائه تركه .. مسح الابن الدم من وجهه ورفع بصره إلى السماء، وقال: حسبي الله على من جلب المخدرات وأعان على ذلك! أبي من ضحاياهم!
* * *
313- يسهُل على كثير من الناس الدعوة إلى الله بإهداء شريط أو كتاب، لكنه يصعب عليهم فتح القلوب لقبول الدعوة؛ لأنها تحتاج إلى جُهد وصبر وحُسن معاملة! ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ ذُكر أن طفلاً لديه سُلحفاه يُطعمها ويلعب معها، وفي ليلة باردة جاء الطفل لسلحفاته فوجدها قد دخلت في غلافها طلبًا للدفء، فحاول أن يُخرجها فأبت، وضربها بالعصى فلم تأبه به، صرخ فزادت تمنعًا، فدخل عليه والده وقال: دعها وتعال معي ثم أشعل المدفأة وجلسا يتحدثان، فإذا بالسلحفاة تقترب منهما طالبة للدفء، فابتسم الأب، وقال: يا بُني الناس كالسلحفاة؛ إن أردتهم بقربك فأدفئهم بعطفك ولا تكرههم على ما تريد بالعصا يا بُني: استجلب حُبَّ الناس بدفء قلبك وصدق مشاعرك وسترى.
* * *
314- همومنا كثيرة، وغمومنا متلاحقة، أمَا فكرت يومًا من أين أتت إليك وكيف نزلت بك؟! سئل ابن عيينة عن غَمٍّ لا يُعرف سببه؟ فقال: هو ذنب هممت به في سرِّك ولم تفعله، فجزيت همًا به, قال ابن تيمية معلقًا: "فالذنوب لها عقوبات: السر بالسر، والعلانية بالعلانية" [مجموع الفتاوى: 4/111].
* * *
315- لمَّا تزوج النبي r صفية بنت حُيَي قال المسلمون: «إحدى أمهات المؤمنين، أو ما ملكت يمينه، فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه» [متفق عليه].
* * *
316- ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [المستدرك على فتاوى ابن تيمية].
* * *
317- (نحن لا نختلف على الدنيا) شعار جميل يغرس في النفس حُبَّ الخير للغير، ونبذ الحقد والحسد وحظوظ النفس، جَرِّب وطَبِّق الشعار أسبوعًا، وسترى صفاء وأُنسًا في قلبك ما رأيته من قبل.
* * *
318- كان الربيع بن خيثم لا يعطي أقل من رغيف، ويقول: إني لأستحي أن يرى في ميزاني أقل من رغيف.
وقال أبو إسحاق الطبري: كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة أكل تلك اللقم التي استفضلها وتصدق بالرغيف [تذكرة الحفاظ 3/868].
* * *
319- ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [يس: 68] الشيخوخة نكسة إلى الطفولة، بغير ملاحتها وبراءتها المحبوبة، وما يزال الشيخ يتراجع وينسى ما علم، وتضعف أعصابه، وحواسُّه وفكره واحتماله، حتى يرتد طفلاً، لكن الطفل محبوب اللثغة جميل الحركة، تبتسم له القلوب والوجوه عند كل فعل، والشيخ مُجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة، وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز قوست ظهره السنون! شتان بين صغير يؤمل كبره، وكبير ينظر إلى نهايته!
* * *
320- ليست التوبة عيبًا أو مذمة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ [التوبة: 117] بل هي عودة وأوبة وشرف وفرح: «لله أفرح بتوبة أحدكم» والتائب عند الله بمنزلة عظيمة، وحظوة رفيعة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: 222].
* * *
* * *

كتاب أطايب الجني
د. عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم


* * *