انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 10 12345 ... الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 97

الموضوع: ๑ تابع الإيمان || دمــــعة مـــــوحد -14- || خوارمه و نواقضه و أسباب تركه ๑

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    ||| ديمةٌ بين "عِطرٍ" و "مَطر" ~
    الردود
    19,053
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    16
    التكريم
    • (القاب)
      • لمسة عطاء
      • بصمة إبداع
      • نبض وعطاء
      • زهرة الحوار
      • درة الإبداع
      • كاتبة دعوية متألقة
      • لمسة إبداع

    ๑ تابع الإيمان || دمــــعة مـــــوحد -14- || خوارمه و نواقضه و أسباب تركه ๑











    المعاصي وأثرها على الإيمان عند أهل السنة والجماعة


    المعاصي والذنوب التي هي دون الكفر أو الشرك عند أهل السنة والجماعة تنقسم إلى قسمين: كبائر، وصغائر.

    الكبيرة: هي كل معصية يترتب عليها حد في الدنيا، أو عقوبة، أو توعد بالنار، أو عذاب، أو لعنة، أو غضب.
    الصغيرة: هي كل معصية لا يترتب عليها حد في الدنيا، ولا وعيد في الآخرة.

    والأعمال الصالحة – عندهم – تكفر صغائر الذنوب.

    والتوبة الصادقة من المعاصي – أياً كان الذنب – مقبولة عند الله تعالى؛ إذا اجتمعت فيها شروطها، وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ذلك، والعزم على عدم العودة إليها.
    واستدلوا على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع (قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر؛ بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار) (مدارج السالكين) ج1، ص 342.).
    قال تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا } (سورة النساء، الآية: 31.) (قال القرطبي رحمه الله: (لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر، وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر، ودل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر، وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء). (الجامع لأحكام القرآن) ج 5، ص 104).
    وقال: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ } (سورة النجم، الآية: 32).
    وقال: { وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} (سورة الكهف، الآية: 49).

    وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
    (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر) ((رواه مسلم) في كتاب (الطهارة) باب: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ...).(قال الإمام النووي رحمه الله: (فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر، وما لا تكفره كبائر) (شرح النووي على صحيح مسلم) ج 2، ص 85).

    وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا : يا رسول الله، وما هن؟ قال : (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) ((رواه البخاري) في كتاب (الوصايا) باب: (قول الله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ).



    حكم الإصرار على المعاصي:

    أما الإصرار على المعاصي، والاستغراق فيها، والاستمرار عليها، وعدم الإقلاع عنها، وعدم الاستغفار والتوبة منها، وعزم القلب عليها، أو الفرح بفعلها؛ فحكمها عند أهل السنة والجماعة كحكم مرتكب الكبائر، ويخشى على صاحبه من سوء العاقبة؛ لأن المعصية عندهم بريد الكفر، وهي مشتقة منه وآيلة إليه، والإكثار منها ينبت النفاق في القلب، وقد يؤدي إلى الوقوع في الكفر والردة – والعياذ بالله – لأن المعاصي – مع الإصرار والاستغراق فيها – تحيط بصاحبها وتستولي على قلبه وتطمسه؛ حتى لا يبقى فيه من الإيمان شيء.
    قال تعالى: { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (سورة البقرة، الآية: 81).
    وقال : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (سورة آل عمران، الآية: 135).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) ((رواه الإمام أحمد في (المسند) ج1، ص 402 (مسند عبد الله بن مسعود) وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للمسند؛ ج 5، ص 312 (3818)).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء؛ فإذا نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن زيد فيها حتى تعلو قلبه، فهو الران الذي ذكر الله {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}) ((رواه الترمذي) في (أبواب تفسير القرآن) باب (سورة ويل للمطففين) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ج3 ، ص 127.).

    وقال حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
    (لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار) ((جامع البيان) الإمام الطبري: ج 8، ص 245.).

    وقال الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
    (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه) ((رواه البخاري) في (كتاب الدعوات) باب: (التوبة)).


    والصغائر من المعاصي والذنوب؛ قد تتحول إلى الكبائر لأسباب نذكر منها:

    1- الإصرار والمداومة عليها.
    2- استصغار المعصية واحتقارها.
    3- الفرح بفعل المعصية الصغيرة والافتخار بها.
    4- فعل المعصية ثم المجاهرة بها؛ لأن المجاهر غير معافى.
    5- أن يكون فاعل المعصية الصغيرة عالماً يقتدى به؛ لأنه إذا ظهر أمام الناس بمعصيته كبر ذنبه.
    إن المعاصي والذنوب عند أهل السنة والجماعة: تؤثر في الإيمان من حيث نقصه بحسب قلتها وكثرتها، لا من حيث بقاؤه وذهابه؛ فافتراق المعاصي بمفردها والإصرار عليها لا يخرج من الدين إن لم يقترن بها سبب من أسباب الكفر، كاستحلال المعصية، أو الاستهانة بحكمها سواء كان بالقلب، أو اللسان، أو الجوارح.



    آثار المعاصي الوخيمة على العبد:

    المعاصي والذنوب له من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى؛ فمنها(انظر : (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن القيم، بتصرف وتلخيص) :

    1- حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
    2- وحشة يجدها العاصي في قلبه، وبينه وبين الله تعالى، لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً. ووحشة تحصل بينه وبين الناس، ولاسيما أهل الخير منهم.
    3- تعسير أموره: فلا يتوجه لأمر؛ إلا يجده مغلقاً دونه، أو متعسراً عليه.
    4- ظلمة يجدها في قلبه حقيقة، يحس بها كما يحس بظلمة الليل؛ فتوهن قلبه وبدنه، وتحرمه الطاعة.
    5- أن المعاصي تقصر العمر، وتمحق بركته، والعياذ بالله.
    6- المعاصي تجر المعاصي، كما أن الطاعات تجر الطاعات.
    7- المعاصي تصد عن التوبة، وصاحبه أسير شيطانه.
    8- تكرار المعاصي يورث القلب إلفها ومحبتها؛ حتى يفتخر صاحبه بالمعصية فلا يعافى؛ لأن المعصية تهون أختها وتصغرها.
    9- المعاصي تورث صاحبه الهوان عند ربه، وسقوط منزلته.
    10- شؤم المعاصي يعم الإنسان والحيوان والنبات.
    11- المعاصي تورث الذل.
    12- المعاصي تفسد العقل وتذهب بنوره.
    13- المعاصي تورث الطبع على القلوب، وتوقع الوحشة فيه؛ فيكون صاحبه من الغافلين.
    14- الذنوب تورث العبد لعنة الله تعالى ولعنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
    15- الذنوب تورث حرمان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة.
    16- المعاصي سبب الخسف والزلازل وفساد البلاد والعباد.
    17- المعاصي والذنوب تميت غيرة القلب، وتذهب بحياءه، وتطمس نوره، وتعمي بصيرته.
    18- المعاصي والذنوب تزيل النعم وتحل النقم.
    19- المعاصي والذنوب مواريث الأمم الهالكة.



    حكم مرتكب الكبيرة:

    أهل السنة والجماعة لا يسلبون وصف الإيمان من العبد إذا عمل عملاً ما من المحذورات لا يكفر الله فاعله، أو ترك ما لا يكفر تاركه من الواجبات، ولا يخرجونه من الإيمان إلا بفعل ناقض من نواقضه.
    ومرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان؛ فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان؛ مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، وفي الآخرة تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
    أي: إن مرتكب الكبيرة – عندهم – له حكمان؛ حكم في الدنيا، وحكم في الآخرة.

    حكمه في الدنيا: أنه مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، ولا يصح أن يعطى اسم الإيمان المطلق؛ بل يكون معه مطلق الإيمان، وهو حد الإسلام.
    فإن كان الذنب الذي ارتكبه، لا حد فيه، وتاب منه، قبل الله تعالى توبته بفضله ومنه – سبحانه – أو فيه حد، وأقيم عليه الحد؛ فهو كفارة له، ويصبح حكمه حكم عامة المسلمين.

    حكمه في الآخرة: أنه يكون تحت المشيئة، إن لم يتب من كبيرته؛ فأمره إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة برحمته وفضله، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه وذلك بعدله سبحانه وتعالى؛ لأنه مستحق للعقاب، ولكنه لا يستحق الخلود في النار؛ بل يخرج من النار بما معه من الإيمان، وإن كان مثقال ذرة.
    لأن الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ يقبل التبعيض والتجزئة، وبقليله يخرج الله من النار من دخلها بفضله ورحمته.
    ولذلك فإنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بكل ذنب؛ إلا بذنب يزول به أصل الإيمان، قال الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} ((سورة النساء، الآية: 48، 116)(للبسط في تفسير هذه الآية الكريمة؛ انظر : (تفسير الطبري) و (تفسير ابن كثير) و (فتح الباري) لابن حجر العسقلاني: ج 1، ص 84).
    أي: إن العبد إذا مات على الشرك؛ فإن الله تعالى لا يغفر له، والمشرك مخلد في نار جهنم – والعياذ بالله – وإذا مات على ما دون الشرك من المعاصي من الكبائر؛ فإنه يدخل تحت مشيئة الله سبحانه، قال الله تبارك وتعالى:
    { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ( سورة الزمر، الآية: 53).


    وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة البقرة، الآية: 178).
    فسمى الله المقتول أخاً للقاتل: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ }.
    وقال تعالى : {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ((سورة الحجرات، الآية: 9)(للبسط في تفسير هذه الآية الكريمة؛ انظر : (تفسير الطبري) و (تفسير ابن كثير) و (فتح الباري) لابن حجر العسقلاني: ج 1، ص 210 و(تفسير البغوي)).

    أي: أن القتل كبيرة من الكبائر، ومع ذلك فإن الله تعالى لم يسلب عن هؤلاء المقاتلين اسم الإيمان وسماهم المؤمنين وإخوة في الدين رغم الاقتتال وبغي بعضهم على بعض؛ فالإيمان والأخوة الإيمانية لا يزولان مع القتال كغيره من الكبائر التي هي دون الشرك. وقال الله تعالى: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ } ((سورة الأنفال، الآية: 38)(قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: (ومعلوم أن هذا بعد الموت لمن لم يتب؛ لأن الشرك ممن تاب منه – قبل الموت 0 وانتهى عنه غفر له، كما تغفر الذنوب كلها بالتوبة جميعاً، قال الله عز وجل: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } (التمهيد) ج 17، ص 16).

    وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء) ((رواه مسلم) في (كتاب الإيمان) باب: (تحريم الكبر وبيانه)).
    وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – وكان شهد بدراً، وهو أحد النقباء ليلة العقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان، تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف؛ فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه ه، وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك) ((رواه البخاري) في (كتاب الإيمان) باب: (علامة الإيمان حب الأنصار)).

    وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    (أتاني جبريل – عليه السلام - فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة). قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : (وإن زنى وإن سرق)) ((رواه مسلم) في (كتاب الإيمان) باب: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة).) (وجه الدلالة من الحديث: أن من مات على التوحيد، وكان عليه بعض الذنوب كالزنا، والسرقة؛ فإنه لا تخرجه من الإيمان بالكلية بل يكون ناقص الإيمان، والدليل على ذلك أنه يدخل الجنة، ولكنه تحت المشيئة) وانظر (شرح مسلم) للنووي: ج2، ص 41 و(فتح الباري) ج3، ص 111).

    وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؛ لا يلقى الله بهما عبد غير شاك، فيحجب عنه الجنة) ((رواه مسلم) في (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب: (أفضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى)).

    وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (يقول الله عز وجل: .. من لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً، لقيته بمثلها مغفرة) ((سورة الأنفال، الآية: 38)(قال الإمام ابن رجب رحمه الله: (فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، وهو ملؤها أو ما يقارب خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة؛ لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة) (جامع العلوم والحكم): ص 374).

    وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
    (إياكم والكذب؛ فإن الكذب مجانب الإيمان) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة) اللالكائي: ج6، ص 1090 (1873)).
    وقال أبو هريرة رضي الله عنه :
    (الإيمان نزه؛ فمن زنا فارقه الإيمان، فإن لام نفسه وراجع؛ راجعه الإيمان) (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) اللالكائي: ج6، ص 1090 (1870)).

    وقال أبو الدرداء رضي الله عنه :
    (ما الإيمان؛ إلا كقميص أحدكم يخلعه مرة ويلبسه أخرى، والله ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه فوجد فقده) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة) اللالكائي: ج6، ص 1090 (1871)).

    وقد ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه كان يدعو غلاماً غلاماً، فيقول: (ألا أزوجك؟ ما من عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان) ((فتح الباري) ج12، ص 59، و(شرح أصول الاعتقاد) اللالكائي: (1866)).
    وسأله عكرمة؛ كيف ينزع الإيمان منه؟ قال: (هكذا – وشبك بين أصابعه ثم أخرجها – فإن تاب عاد إليه هكذا - وشبك بين أصابعه) ((رواه البخاري) في (كتاب المحاربين) باب: (إثم الزناة)).
    وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
    (ولا نكفر مسلماً بذنب من الذنوب، وإن كانت كبيرة، إذا لم يستحلها) ((متن الفقه الأكبر) الإمام أبو حنيفة.).
    وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى:
    (لو أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعد أن لا يشرك بالله؛ ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع؛ دخل الجنة) ((حلية الأولياء) أبو نعيم الأصفهاني: ج 6، ص 325).
    وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
    (من تولى يوم الزحف، لا منحرفاً لقتال، ولا متحيزاً إلى فئة؛ خفت عليه – إلا أن يعفو الله – أن يكون قد باء بسخط من الله)(منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة) الدكتور محمد بن عبد الوهاب العقيل: ج1، ص 202؛ وأحاله إلى كتاب: (الأم) ج4، ص 169).
    وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
    (يخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو برد فريضة من فرائض الله – عز وجل – جاحداً بها؛ فإن تركها كسلاً، أو تهاوناً كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه)(طبقات الحنابلة) ابن رجب الحنبلي: ج1، ص 343 ضمن رسالة مسدد بن مسرهد).
    وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى:
    (إن المعاصي والذنوب لا تزيل إيماناً، ولا توجب كفراً، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه، الذي نعت الله به أهله واشترط عليهم في مواضع من كتابه) ((كتاب الإيمان): ص 40 تحقيق الألباني.).
    وعقد الإمام البخاري - رحمه الله – باباً في (صحيحه) قطع فيه بأن المعاصي لا يكفر مرتكبها، قال: (باب: المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنك امرؤ فيك جاهلية) وقول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [النساء:48] ) ((صحيح البخاري): (كتاب الإيمان) باب: (المعاصي من أمر الجاهلية.. )).
    وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله في عقيدته:
    (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله).
    وقال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى:
    (وندين بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه؛ كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون. ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر؛ مثل الزنا والسرقة وما أشبهها، مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها؛ كان كافراً) ) ((الإبانة عن أصول الديانة) الإمام الأشعري: باب: (في إبانة قول أهل الحق والسنة)).
    وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي - رحمه الله – اعتقاد أهل الحديث وأهل السنة والجماعة، وقال:
    (ويقولون: إن أحداً من أهل التوحيد ومن يصلي إلى قبلة المسلمين؛ لو ارتكب ذنباً، أو ذنوباً كثيرة، صغائر، أو كبائر مع الإقامة على التوحيد لله، والإقرار بما التزمه وقبله عن الله؛ فإنه لا يكفر به، ويرجون له المغفرة، قال تعالى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء }) ((اعتقاد أهل الحديث) الإمام الإسماعيلي: ص 43 تحقيق د. محمد الخميس).
    وقال الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله تعالى:
    (وقد أجمعت العلماء – لا خلاف بينهم – أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بمعصية؛ نرجو للمحسن، ونخاف على المسئ)((الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة) المسمى بـ (الإبانة الصغرى): ص 292 تحقيق د. رضا بن نعسان معطي).
    ونقل الإمام أبو إسماعيل الصابوني - رحمه الله – اعتقاد أئمة السلف، أصحاب الحديث، أهل السنة والجماعة، وقال:
    (ويعتقد أهل السنة : أن المؤمن وإن أذنب ذنوباً كثيرة صغائر كانت، أو كبائر؛ فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص؛ فإن أمره إلى الله – عز وجل – إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً، غير مبتلى بالنار، ولا معاقب على ما ارتكبه من الذنوب، واكتسبه ثم استصحبه – إلى يوم القيامة – من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها؛ بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار) ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث) : ص 276 تحقيق د. ناصر بن عبد الرحمن الجديع).
    وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى:
    (اتفق أهل السنة على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب شيء من الكبائر، إذا لم يعتقد إباحتها، وإذا عمل شيئاً منها؛ فمات قبل التوبة، لا يخلد في النار؛ كما جاء به الحديث؛ بل هو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه بقدر ذنوبه، ثم أدخله الجنة برحمته) ((شرح السنة) الإمام البغوي: ج1، ص 103).

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
    (من أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وهم مع ذلك:
    لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي؛ كما قال سبحانه في آية القصاص : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } ..
    ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار، كما تقوله المعتزلة؛ بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ كما في قوله تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ }.
    وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق؛ كما في قوله تعالى:
    { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
    ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته؛ فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم) ((العقيدة الواسطية) بحاشية الشيخ ابن مانع: ص 81 تحقيق أشرف عبد المقصود.).
    وقال الإمام ابن أبي العز رحمه الله تعالى:
    (إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج؛ إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة؛ لكان مرتداً يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنى والسرقة وشرب الخمر، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام. ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود في النار مع الكافرين)(شرح (العقيدة الطحاوية) ابن أبي العز الحنفي: ص 442 تحقيق شعيب الأرناؤوط).



    من أسباب سقوط العقوبة عن عصاة الموحدين :

    أهل السنة والجماعة متفقون على أن الله – سبحانه وتعالى – قد جعل لعباده المؤمنين المذنبين الذين يقعون في المعاصي؛ أسباباً لنجاتهم من عقوبة معاصيهم التي توعد الله تعالى عليها في الدنيا والآخرة؛ ففتح لهم أبواب رحمته بهذه الأسباب؛ مناً وتفضلاً وكرماً منه جل وعلا، وقد دل عليها الكتاب والسنة، وأقوال أئمة أهل السنة والجماعة، ومنها:
    1- التوبة الصادقة والاستغفار الدائم: إذا كانت توبة نصوحاً وخالصة من القلب، ويصحبها الندم على ما فات من المعاصي، والاستغفار منها، وعزم القلب على عدم العودة إليها، يقبلها الله تعالى بمنه وفضله ورحمته، قال تعالى:
    {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {59} إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (سورة مريم، الآيتان: 59 -60).
    وقال تعالى: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (سورة الأنفال، الآيتان: 33).
    2- الأعمال الصالحة: إذا كان العمل صالحاً؛ خالصاً لله تعالى وحده، موافقاً لشرعه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويأتي في مكانه وزمانه الذي حدده الشرع؛ فإنه باتفاق أهل السنة والجماعة يكفر الذنوب والمعاصي، قال الله تبارك وتعالى:
    { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (سورة هود، الآيتان: 114).
    3- المصائب التي تصيب العبد في الدنيا: إذا صبر عليها وذكر الله وحمده واستغفره؛ فاز بالثواب، وكفرت خطاياه، وإن سخط اكتسب إثماً، وبقيت خطاياه، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم – حتى الشوكة يشاكها – إلا كفر الله بها من خطاياه) ((رواه البخاري) في (كتاب المرضى) باب: ( ما جاء في كفارة المرض)).
    4- ما يعمل للميت من أعمال البر: إن أعمال المؤمنين للعبد في حياته وبعد مماته؛ كالصدقة، والدعاء، والاستغفار، والترحم عليه .. ونحوها – شفاعة له عند الله عز وجل، قال تعالى:
    { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } (سورة الحشر، الآية: 10).
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ((رواه مسلم) في (كتاب الوصية) باب: ( ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته)).
    5- عذاب القبر: إن ما يحصل للعبد المؤمن في قبره من الفتنة والضغطة والروعة؛ يكفر به الله تعالى خطاياه.
    6- أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها: إن ما يحصل للعبد المؤمن من المحن، من ساعة موته إلى أن ينجيه الله من الحساب يوم القيامة، وإلى دخوله الجنة – كفارة له.
    7 – الشفاعة يوم القيامة: وهذه من رحمة الله تعالى لعباده المؤمنين يوم الحسرة والندامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأعظم الشفاعات في ذلك اليوم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ثم شفاعة غيره ممن يأذن الله تعالى لهم بالشفاعة في ذلك اليوم العصيب، والله المستعان.
    6 – رحمة الله – الغفور الرحيم – وعفوه ومغفرته:
    وهذه أهم وأعظم أسباب نجاة العبد المؤمن من النار، وفوزه بالجنة، وذلك بفضل الله ورحمته ومنه وكرمه وإحسانه من غير شفاعة أحد، والحمد لله رب العالمين.

    نسأل الله العظيم رب العرش العظيم؛ أن يجعلنا من عباده الصالحين المتقين الذين ينالون رحمته وفضله وجنته.
    ونسأله – جلت قدرته – أن يعاملنا ويتجاوز عنا يوم القيامة برحمته وفضله، لا بعدله .. اللهم آمين.




    طبقات عصاة الموحدين يوم الدين:

    فالذي دل عليه الكتاب، والسنة، وأقوال أئمة أهل السنة والجماعة؛ أن عصاة أهل التوحيد يوم القيامة ثلاث طبقات:
    الطبقة الأولى: قوم رجحت حسناتهم بسيئاتهم؛ فأولئك يدخلون الجنة من أول وهلة، ولا تمسهم النار أبداً.
    الطبقة الثانية: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وتكافأت فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، وهؤلاء هم أصحاب الأعراف – في أصح أقوال أهل العلم – الذين ذكر الله تعالى أنهم يوقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا؛ ثم يؤذن لهم في دخول الجنة.
    الطبقة الثالثة: قوم لقوا الله تعالى مصرين على كبائر الإثم والفواحش، ومعهم أصل التوحيد؛ فرجحت سيئاتهم بحسناتهم؛ فهؤلاء مستحقون للوعيد وهم تحت المشيئة، إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم؛ فمنهم من يشفع له فلا يعذب، ومنهم الذين يدخلون النار بقدر ذنوبهم، فمنهم من تأخذه إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من فوق ذلك؛ حتى إن منهم من لم يحرم منه على النار إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، وهؤلاء هم الذين يأذن الله تعالى بالشفاعة فيهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء من بعده، والأولياء، والملائكة، ومن شاء الله أن يكرمه؛ فيحد لهم حداً فيخرجونهم، ثم يحد لهم حداً فيخرجونهم، ثم هكذا، فيخرجون من كان في قلبه وزن دينار من خير، ثم من كان في قلبه نصف دينار من خير، ثم برة، ثم خردلة، ثم ذرة، ثم أدنى من ذلك إلى أن يقول الشفعاء: (ربنا لم نذر فيها خيرا).
    ويخرج الله تعالى من النار أقواماً لا يعلم عدتهم إلا هو بدون شفاعة الشافعين، ولن يخلد في النار أحد من الموحدين، ولو عمل أي عمل، ولكن كل من كان منهم أعظم إيماناً وأخف ذنباً كان أخف عذاباً في النار وأقل مكثاً فيها وأسرع خروجاً منها، وكل من كان أضعف إيماناً وأعظم ذنباً كان بضد ذلك، والعياذ بالله.
    وهذا مقام ضلت فيه الأفهام، وزلت فيه الأقدام، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.






  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    ||| ديمةٌ بين "عِطرٍ" و "مَطر" ~
    الردود
    19,053
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    16
    التكريم
    • (القاب)
      • لمسة عطاء
      • بصمة إبداع
      • نبض وعطاء
      • زهرة الحوار
      • درة الإبداع
      • كاتبة دعوية متألقة
      • لمسة إبداع


    نواقض الإيمان عند أهل السنة والجماعة


    إذا تبينت لنا حقيقة الإيمان على النحو الذي رضيه لنا الله تعالى، وجب علينا أن نعرف أن هذه الحقيقة لها نواقض تنقض عراها، عروة عروة؛ حتى تعري صاحبها منها، فالعبد المسلم قد يتصف بحقيقة الإيمان كما بينها أهل السنة والجماعة، ولكن قد يطرأ عليه اعتقاد أو قول أو عمل أو شك؛ يخرجه من حقيقة الإيمان إلى دائرة الكفر، وهو لا يشعر!
    ونواقض الإيمان الاعتقادية والقولية والعملية التي يكفر بها صاحبها؛ كثيرة جداً لا يمكن حصرها
    كما يجب أن نعلم قبل ذلك؛ أن الإيمان حقيقة كلية بأركانها ومسماها لا تقبل التجزئة، وتندرج تحتها فروع كثيرة، يجب الإيمان بجميعها جملة واحدة كما أمرنا الله تعالى؛ فإنكار أي فرع من فروعها، أو مسألة منها؛ هو كفر ببقية الفروع والمسائل، وخروج من دائرة الإيمان إلى حظيرة الكفر.

    قال الله تعالى: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (سورة البقرة، الآية: 85).
    وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً {150} أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (سورة النساء، الآيتان: 150- 151).
    ففي هذه النصوص – وغيرها كثيرة – دلالة واضحة وصريحة على أن الإيمان والالتزام يجب أن يكون كلياً غير منقوص، والإيمان لا يقبل التجزئة في عناصره وأركانه ومسماه.
    والإيمان ينتقض بانتقاض عنصر واحد من عناصره، فمن طعن في مسألة جزئية من مسائله، أو استحل المعصية؛ كأنما طعن في الإيمان كله.
    فالإيمان ليس أجزاء مفرقة مبعثرة نستطيع أن نأخذ من أركانها وعناصرها ما نشاء، ونترك ما نشاء، ثم نبقي في دائرة الإيمان!
    فإن من قال قولاً، أو فعل فعلاً، أو اعتقد أمراً؛ يدل على إنكار شيء من عناصر الإيمان أو أجزائه أو أركانه؛ فقد نقض إيمانه، وخرج من دائرة الإسلام، وتنطبق عليه أحكام الردة؛ ولو آت ببعض أجزاء الإيمان.
    وإذا لم يتب يكون من المخلدين في النار، والعياذ بالله.

    ويمكن حصر هذه النواقض وتلخيصها في النقاط التالية:
    نواقض توحيد الله تعالى في ربوبيته.
    نواقض توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته.
    نواقض توحيد الله تعالى في ألوهيته.
    نواقض عموم الدين.



    1- نواقض توحيد الله تعالى في ربوبيته:
    فكل اعتقاد، أو قول، أو فعل؛ فيه إنكار لخصائص ربوبية الله تعالى، أو بعضها؛ كفر وردة.
    أو ادعاء شيء من هذه الخصائص؛ كادعاء الربوبية، كما قال فرعون: { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } (سورة النازعات، الآية: 24).
    …أو ادعاء الملك، أو الرزق، أو التصرف من دون الله تعالى، وغيرها من الأمور التي هي من أفعال الله تعالى وخصائصه، وكذلك يكفر من يصدق بهذه الدعوى، ومن الأمثلة على ذلك:
    الاعتقاد بأن لله تعالى شريكاً في الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير.
    الاعتقاد بأن الأولياء لهم تصرف في الكون مع الله تعالى.
    اعتقاد تأثير وتصرف غير الله تعالى؛ من الأبراج والكواكب ومساراتها ومواقعها على حياة الناس.
    الاعتقاد بأن المخلوق يمكنه أن يزرق المخلوق، أو يمنع عنه الرزق، أو يمكنه أن يضر، أو ينفع من دون الله تعالى.
    الاعتقاد بأن أحداً دون الله تعالى يعلم الغيب.
    اعتقاد حلول الله تعالى في خلقه، أو أن الله في كل مكان.
    الاعتقاد بأن الشفاء من الطبيب أو الدواء، أو اعتقاد التوفيق في حياة العبد من ذكائه، أو جهده واجتهاده.
    الاعتقاد بأن للمخلوق حقاً في سن القوانين وتشريعها، وهي تلك النظم التي تحكم في أموال الناس وأعراضهم.
    وغيرها من الاعتقادات التي تناقض الإيمان وتبطله.


    2- نواقض توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته:
    فقد أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صفات وأسماء، ونفى – سبحانه – كذلك عن نفسه صفات؛ فمن انتقص شيئاً مما أثبته الله لنفسه، أو أثبت لله تعالى شيئاً مما نفاه عن نفسه؛ فقد كفر، ومن الأمثلة على ذلك:
    إنكار أو جحد أسماء الله، أو صفاته، أو بعض أسمائه، أو بعض صفاته، أو إثبات صفات لله تعالى نفاها الله عن نفسه.
    الإلحاد في أسماء الله وصفاته، أو نفيها، أو جحد معانيها، أو تحريفها عن الصواب، وإخراجها عن الحق المراد بالتأويلات الباطلة، أو تعطيل الله – سبحانه وتعالى – عن صفات كماله، ونعوت جلاله؛ الثابتة في الكتاب والسنة.
    تشبيه صفات الله – جل وعلا – بصفات خلقه، أو وصفه تعالى بصفة يجب تنزيهه عنها، مثل: أن يزعم أن لله تعالى شريكاً، أو ولداً، أو يصفه – سبحانه – بالنوم، أو السنة، أو الغفلة .. إلى غير ذلك من صفات النقص التي تعتري ابن آدم.


    3- نواقض توحيد الله تعالى في ألوهيته:
    توحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بأفعال العباد، أي: إفراده – جل وعلا – بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة، وأن لا يشرك به أحد كائناً من كان، ولا يصرف شيء من العبادة لغيره تعالى.
    أي: أن الله تعالى وحده هو المعبود بحق، وأن ما سواه من المعبودات كلها باطل لا تستحق أي شيء من العبادة.
    فمن اعتقد غير هذا، أو قال قولاً، أو فعل فعلاً، ينافي هذا المعنى، أو أنكر حق الله تعالى في ألوهيته، أو انتقص شيئاً منه، أو صرف شيئاً منه لغيره؛ فقد كفر، وارتد عن الإسلام.
    فأكثر الأمم السابقة، وأكثر الناس في الإسلام وقعوا في الشرك أو الكفر في توحيد الألوهية؛ لأنهم لم يكونوا ينكرون ربوبية الله تعالى؛ بل أقروا بأن الله تعالى هو الرب والخالق والرازق والمحي والمميت، ولكنهم صرفوا شيئاً من العبادة لغيره تعالى؛ فجعلهم الله في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة.
    وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له؛ هي غاية الخالق – جل جلاله – من خلق عباده، ولذلك هي موضوع الامتحان للعبادة في الدنيا، قال تعالى:
    {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (سورة الذاريات، الآية: 56).
    فكل اعتقاد، أو قول، أو عمل؛ يتضمن أحد هذين الأمرين يخرج صاحبه من الإسلام.
    قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ } (سورة البقرة، الآية: 165).
    وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة البقرة، الآيتان: 21- 22).
    وقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة يوسف، الآية: 40).
    الأمثلة من نواقض الإيمان في توحيد الألوهية والعبادة:
    عبادة أحد مع الله، أو دون الله، أو يدعي مع الله تعالى، وأن يستغاث بغيره سبحانه؛ في جلب خير، أو دفع ضر، أو يتوكل عليه، أو يستعاذ به، أو يخاف منه، أو يرجى، أو يخضع له، أو يتقرب إليه بأي نوع من أنواع العبادة، أو يطاع الطاعة المطلقة، أو يحب كحب الله تبارك وتعالى، أو يعظم كتعظيم الله تعالى؛ سواء كان هذا المعظم أو المدعو ملكاً، أو نبياً، أو ولياً، أو قبراً، أو حجراً، أو شجراً.
    الركوع، والسجود، والصوم، والطواف، والذبح، والنذر، والخشوع لغير الله تعالى.
    الطاعة والانقياد لغير الله تعالى، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
    الاعتقاد بأن لشخص حق تشريع ما لم يأذن به الله تعالى؛ من التحليل والتحريم وسن القوانين.
    الاعتقاد بأن شرع الله تعالى لا يصلح في هذا الزمان.
    يكفر من أتى شيئاً من هذه النواقض، أو رضي بها، أو عمل بعضها، وإلى غير ذلك من النواقض التي تخص توحيد العبادة.


    4- نواقض عموم الدين:

    …الدين الإسلامي هو التشريع الإلهي؛ سواء كان من الاعتقادات، أو العبادات، أو المعاملات، أو الأخلاق، وهو أوامر الله تعالى ونواهيه، وهو – سبحانه وتعالى – الذي يعلم ما يصلح لعباده وما يفسدهم؛ كيف لا وهو خالقهم سبحانه.
    فالتشريع الإلهي؛ واجب وفرض على كل من يعقل، لا يجوز مخالفته البتة بأي شكل من الأشكال؛ لأنه الغاية والمقصود من خلق العباد، وإلا أصبح خلقهم عبثاً وهملاً.
    ومخالفة أحد أوامر الله سبحانه، أو مخالفتها بالكلية؛ سواء عند الله تعالى، وكذلك الاعتراض على أوامره، أو على أحدها؛ اعتراض عليه سبحانه وتعالى؛ وهذا كفر وردة.
    فإن مقتضى الإيمان به تنفيذ أوامره وترك نواهيه سبحانه، وواجب المسلم أمام شرع الله – عز وجل – التسليم والرضى لحكمه تعالى، بقول: (سمعنا وأطعنا، آمنا وصدقنا) لاغير.
    وهكذا كان شعار الصادقين مع الله تعالى؛ من الصحابة الكرام والتابعين العظام، وشعار من تبعهم من الصالحين الصادقين بإحسان إلى يومنا هذا، قال تعالى:
    { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (سورة النور، الآيتان: 51- 52).
    وأما دأب الكافر – ماضياً وحاضراً ومستقبلاً – هو الاعتراض والاستهزاء والطعن في تشريع الله سبحانه، قال تعالى:
    { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ {7} يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {8} وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } (سورة الجاثية، الآيات: 7- 9).
    إذن الاعتراض وعدم الرضا بتشريع الله تعالى؛ كفر وردة.
    وهذا الاعتراض والطعن يقتضي الاعتراض والطعن في صاحب الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو إنكار ما جاء وأخبر به؛ وهو ناقض من نواقض الإيمان وردة عن الإسلام.
    وكذلك الاستهزاء بمن يعمل بهذا التشريع من المسلمين، أو الاستهزاء بهم بسبب تمسكهم بشعيرة من شعائره، أو معاداتهم من أجل ذلك؛ يكون كفراً وردة؛ لأنه محاربة لدين الله تعالى ومحادة له، وصد عن سبيل الله جل وعلا؛ لأن هذا الاستهزاء ينصرف في حقيقة الأمر إلى التشريع نفسه، ومن ثم إلى مبلغه صلى الله عليه وسلم ومن ثم إلى منزله سبحانه وتعالى، قال تعالى:
    {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {29} وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ {30}وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ {31}وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ {32} وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ {33} فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ {34} عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (سورة المطففين، الآيات: 29- 35).
    وقال: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } (سورة البقرة، الآية: 212).

    وهذه النواقض تكون باعتقاد، أو قول، أو فعل أي أمر يمس دين الإسلام، أو تشريعه، أو رسوله، أو سنته صلى الله عليه وسلم ؛ بطعن، أو تنقيص، أو استهزاء، أو تكذيب، أو شك، أو ريب، كل هذه الأمور تعتبر ناقضاً من نواقض الإيمان، وردة عن الإسلام.

    وللزيادة في الإيضاح؛ نذكر بعض الأمثلة – على سبيل المثال لا الحصر – لأقسام نواقض الإيمان الثلاثة؛ الاعتقاد، والفعل، والقول.


    الأول: نواقض الإيمان بالاعتقاد:

    ويكون بمجرد اعتقاد القلب، وإن لم يتكلم به، وإن لم يفعل شيئاً منه، وأسبابه كثيرة نذكر منها:
    1- الجحد، أو الشك في وجود الله سبحانه وتعالى، أو الاعتقاد بأن لله تعالى شريكاً في ربوبيته جل وعلا.
    2- التكذيب أو الشك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجحد عموم رسالته، وختمه للنبوة، أو إنكار بعض ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أو الطعن فيه بعد ثبوته.
    3- الاعتقاد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أوحى الله تعالى إليه وهو مأمور بتبليغه، أو بلغه لبعض المسلمين دون بعض.
    4- التكذيب أو الشك في شيء من أركان الإسلام الخمسة، أو أركان الإيمان الستة، أو الجنة أو النار، أو الثواب والعقاب، أو الجن أو الملائكة، أو شيء مما هو مجمع عليه؛ كالإسراء والمعراج، وغيرها.
    5- إنكار شيء من القرآن، أو اعتقاد زيادة فيه، أو الاعتقاد أن للقرآن ظاهراً وباطناً، وأن باطنه يخالف ظاهره، وأن هذا الباطن مخصوص للبعض دون بعض.
    6- الإيمان بشريعة غير الإسلام، واعتقاد صلاحيتها للبشر، والعمل بها، وتطبيقها.
    7- اعتقاد عدم كفر الكفار من الملحدين والمشركين والمرتدين، أو الشك في كفرهم، أو موالاتهم على حساب الدين.
    8- الاعتقاد بأن الكنائس بيوت الله – جل وعلا – وأن الله تعالى يعبد فيها، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله، وطاعة له - سبحانه – ولأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
    9 – جحد وجوب شيء معلوم من الدين بالضرورة؛ كالصلوات الخمس، والزكاة، والصوم، والحج وغيرها.
    10- اعتقاد تحريم مباح معلوم من الدين بالضرورة؛ كالبيع والنكاح، أو اعتقاد إباحة محرم معلوم من الدين بالضرورة؛ كالقتل، والزنا، والربا، أو إعطاء غير الله تعالى حق الأمر والنهي، وحق التحليل والتحريم، وحق التشريع، أو اعتقاد جواز الاحتكام إلى غيره تعالى.
    11- تكذيب واحد من رسل الله تعالى، في أي أمر من الأمور الثابتة عنهم.
    12- ادعاء النبوة، أو تصديق من يدعيها.
    13- الاعتقاد بأن البعض يسعه الخروج عن شريعة الإسلام، وأنه يجوز للشخص أن يلتزم بدين آخر غير الإسلام.
    14- الاعتقاد بأن جمهور الصحابة – رضي الله عنهم – ارتدوا، أو فسقوا؛ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
    15- الرضا بالكفر، والعزم على الكفر، أو تعليق الكفر بأمر مستقبل.
    16- من ضحك لمن تكلم بالكفر مع الرضا به.
    17- من شك في كفر من عمل الأعمال المكفرة الظاهرة التي استبان دليلها واتفق أئمة أهل السنة والجماعة عليها.
    وغيرها من صور نواقض الإيمان الاعتقادية.


    الثاني: نواقض الإيمان بالقول:

    1- سب الله تعالى، أو نسبه العيب إليه – جل وعلا – أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد الرسل – عليهم السلام – أو سب الملائكة، أو سب دين الإسلام.
    2- دعاء الأولياء والصالحين، والاستغاثة بهم عند الكرب والشدة، وسؤالهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وكذلك الاستعاذة بهم.
    3- الاستهزاء بالله تعالى، أو بكلامه وكتابه (القرآن العظيم)، أو سائر كتبه، أو بآية من آياته، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم مثل: الطعن في صدقه، أو في أمانته، أو عفته، أو الاستهزاء والاستخفاف به، أو بسنته صلى الله عليه وسلم .
    4- وكذلك السخرية من أسماء الله تعالى، أو تنقصه، أو بوعده بالجنة أو وعيده بالنار؛ كقول بعضهم: لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها، لو شهد عندي الأنبياء والرسل بكذا ما قبلت شهادتهم، أو ما لحقني خير منذ صليت، أو ما نفعتك صلاتك، وغير ذلك.
    القول: أنا لا أخاف الله. أو أنا لا أحب الله تعالى.
    5- القول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب علينا الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج .. إلخ.
    6- القول: إن الدين لا صلة له بالدولة، وسائر شؤون الحياة، أو إن تعاليم الإسلام لا تتناسب مع هذا الدين.
    7- القول لمن عمل بدين الإسلام: أنت رجعي.
    8- القول: إن دين الإسلام وتعاليمه؛ هو سبب تأخر المسلمين، أو بلاد المسلمين.
    9- قول شخص عن عدوه: لو كان ربي ما عبدته، أو لو كان نبياً ما آمنت به.
    10- قول شخص عن ولده أو زوجته: هو أحب إلي من الله، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم .
    11- ادعاء الوحي، وإن لم يدع معها النبوة.
    12- قول الشخص: إن الله نقص من مالي، وأنا أنقص من حقه ولا أصلي.
    13- قول من صلى في رمضان فقط، ثم قال: هذا أيضاً كثير، أو هذا يكفي وزيادة.
    14- قول الفاسق إذا قيل له صل حتى تجد حلاوة الصلاة: لا أصلي حتى أجد حلاوة الترك.
    15- من طعن في عدالة الصحابة، أو جمهورهم، كأن يقول عنهم: فساق، أو ضلال.
    16- من قال بألوهية علي – رضي الله عنه – أو نبوته.
    17- ادعاء أن جبريل – عليه السلام – خان الأمانة؛ فأنزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم بدلاً من أن ينزله على علي.
    18- قذف أم المؤمنين عائشة بنت الصديق – رضي الله عنها – بما برأها الله تعالى منه من فوق سبع سموات.
    إلى غير ذلك من الأقوال القبيحة المناقضة للإيمان والإسلام.


    الثالث: نواقض الإيمان بالفعل:

    1- السجود لغير الله تعالى، والنذر لغير الله سبحانه، والذبح لغيره تعالى.
    2- السخرية باسم من أسماء الله تعالى، أو بأمره، أو وعيده، أو ذكر اسم الله تعالى عند تعاطي الخمر والزنا والدخان؛ استخفافاً.
    3- الاستهانة بالمصحف الشريف، أو إلقاؤه في القاذورات، أو دوسه بالقدم متعمداً، أو الإشارة إليه باليد أو بالقدم أو بالشفة؛ إشارة استهانة، أو قراءته على ضرف الدف على سبيل الاستخفاف، وهكذا فعل أمثال هذه الأشياء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    4- الطواف بالأضرحة وقبور الأولياء والصالحين؛ من أجل التقرب إليهم.
    5- إظهار المقت والكراهية عند ذكر الله تعالى، أو عند ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، أو عند ذكر الإسلام، أو عند الدعوة إليه.
    6- لبس شيء من شعائر الكفار؛ كالصليب، أو قلنسوة المجوس، ونحوه مما هو خاص بشعائرهم الدينية؛ عالماً، عامداً، راضياً بذلك.
    7- مشاركة أهل الكفر في عباداتهم؛ كصلاتهم ونحوها.
    8 – هدم معالم الإسلام؛ كهدم المساجد لأجل ما يفعل فيها من العبادة.
    9 – بناء دور العبادة للكفار، أو إعانتهم على ذلك؛ كبناء الكنائس ونحوها.
    10- أن يعمل فعلاً أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر.
    11- تعلم السحر، وتعاطيه، وتعليمه.
    12- الإعراض التام عن دين الإسلام لا يتعلمه ولا يعمل به.
    13- عدم تكفير الكفار من الملحدين والمشركين والمرتدين، وموالاتهم، أو إظهار موافقتهم على دينهم، والتقرب إليهم بالأقوال والأفعال والنوايا.
    14- عدم إفراد الله تعالى بالحكم والتشريع:
    كالحكم بغير ما أنزل الله، أو التشريع المخالف لشرع الله، وتطبيقه، والإلزام به: فمن شرع حكماً غير حكم الله تعالى، وحكمه في عباده، أو بدل شرع الله تعالى، أو عطله، ولم يحكم به، واستبدل به حكماً طاغوتياً وحكم به؛ فهذا كفر أكبر، لأنه ناقض من نواقض الإيمان وردة عن الإسلام.
    ولا يشترط فيه الاستحلال؛ لأن فعله إباء وامتناع عن الالتزام بشرع الله تعالى، وتشريع من دون الله، وكره واحتقار لما جاء به الله، ودليل على تسويغه اتباع غير شرع الله، ولو لم يصرح بلسانه؛ لأن لسان الحال أقوى من لسان المقال.
    وذلك لأن التشريع والتحليل والتحريم من خصائص الله تعالى؛ فهو حق خالص لله وحده لا شريك له؛ فالحلال ما أحله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والحرام ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدين ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فمن شرع من دون الله، أو ألزم الناس بغير شرع الله؛ فقد نازع الله فيما اختص به سبحانه وتعالى، وتعدى على حق من حقوقه، وأعاره لنفسه، ورفض شريعة الله؛ فهذا العمل شرك بالله تعالى، وصاحبه مشرك ضال ضلالاً بعيداً.
    وأما من تحاكم إلى الطاغوت، أو حكمه في نفسه، أو في غيره؛ ثم ادعى الإيمان؛ فهذه دعوى كاذبة لا وزن لها عند رب العالمين؛ لأن الله تعالى جعل طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ومقتضياته.
    15- ترك الصلاة – وإن كان مقراً بوجوبها – من الكفر الأكبر المخرج من الملة؛ لأن باعث الإعراض عن الطاعة بالكلية فقدان عمل القلب الذي هو شرط لصحة الإيمان.
    والصلاة هي آكد الأعمال التي لا يصح إيمان العبد بدون شيء منها، وهي أعظم الواجبات وأدلها وأجلها.
    وهي كذلك أعظم قرينة دالة على إسلام المرء؛ تمنع من تكفيره، أو إساءة الظن فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله؛ فلا تخفروا الله في ذمته) ((رواه البخاري) في (كتاب أبواب القبلة) باب: (فضل استقبال القبلة)).
    هذه هي بعض نواقض الإيمان الاعتقادية، والقولية، والفعلية؛ التي يعتبر العبد بملابسة أحدهما كافراً كفراً مخرجاً من الملة؛ إذا وقع في أحد صورها.
    وإن السخرية والاستهزاء بشيء مما سبق من نواقض الإيمان، ولو على سبيل المزاح فهو كفر؛ لأنه يدخل في باب الاحتقار والاستخفاف، مما يجعل التلفظ بتلك الأقوال ردة عن الإسلام.
    فيجب على كل مسلم أن يحتاط لدينه؛ فلا يتلفظ بشيء فيه ما يخرج به من الدين؛ كما يجب على من وقع منه شيء من ذلك؛ النطق بالشهادتين فوراً، والاستغفار والندم على ما صدر منه، والعزم على أن لا يعود لمثله أبداً، قال تعالى:
    { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (سورة ق، الآية: 18).
    قال تعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (سورة ق، الإسراء، الآية: 36).
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً؛ يهوي بها سبعين خريفاً في النار) ((رواه الترمذي) في (كتاب الزهد) باب: (ما جاء في من تكلم بالكلمة ليضحك الناس) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ج2، ص 268).
    وقال صلى الله عليه وسلم : (من حلف فقال في حلفه : واللات والعزى، فليقل : لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك؛ فليتصدق) ((رواه البخاري) في (كتاب التفسير) باب: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى)).

    أقوال أئمة أهل السنة والجماعة على أن الكفر يكون بالاعتقاد والقول والفعل

    قال الإمام سفيان بن عيينة – رحمه الله تعالى – عندما سئل عن الإرجاء:
    (يقولون: الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله؛ مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارب، وليس بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر) ((كتاب السنة) الإمام عبد الله بن أحمد: ج1، ص 347 (745)).
    قال الإمام الشافعي – رحمه الله – حين سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى: (هو كافر) واستدل بقول الله تعالى:
    { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } (سورة التوبة، الآيتان: 65 - 66) (الصارم المسلول) ابن تيمية: ج3، ص 956 رمادي للنشر).
    قال الإمام عبد الله بن الزبير الحميدي رحمه الله:
    (أخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت؛ فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً .. إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة؛ فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين، قال عز وجل:
    { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) الإمام اللالكائي:ج 5، ص 957 (1594). والآية: 5 من سورة البينة).
    قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله:
    (ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد؛ فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبياً، أو أعان على قتله، وإن كان مقراً، ويقول: قتل الأنبياء محرم؛ فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً، أو رد عليه قوله من غير تقية ولا خوف) ((تعظيم قدر الصلاة) الإمام المروزي: ج2، ص 930، (991)).

    قال الإمام الفقيه أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي رحمه الله:
    (فاعلم – يرحمنا الله وإياك – أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله – عز وجل – واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به؛ أنه ليس بمسلم.
    ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، وقال: لم يعتقد قلبي على ذلك؛ أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) الإمام اللالكائي:ج 4/932 (1590)).
    قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله – عندما سأله ابنه عبد الله عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك:
    (هذا مرتد عن الإسلام) وسأله : تضرب عنقه؟ قال: (نعم تضرب عنقه) ((مسائل الإمام أحمد) رواية ابنه عبد الله: ج2، ص 1291).
    قال الإمام محمد بن سحنون المالكي - رحمه الله – :
    (أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له؛ كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة: القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر) ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى) القاضي عياض: ج2، ص 214).
    قال الإمام البربهاري رحمه الله:
    (ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام، حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإن فعل شيئاً من ذلك؛ فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة) ((شرح السنة) البربهاري: ص 73 (50) دار السلف).

    قال الإمام النووي – رحمه الله – في تعريف الردة:
    (هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريحاً؛ كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها. قال الإمام: في بعض التعاليق عن شيخي إن الفعل بمجرده لا يكون كفراً، قال: وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر؛ سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء)((روضة الطالبين) النووي: ج 10، ص 64 (كتاب الردة)).
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    (إن من سب الله، أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً؛ سواءً كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل) ((الصارم المسلول) ابن تيمية: ج3، ص 955 رمادي للنشر).
    قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسير الآية (106 – 109) من سورة النحل:
    (أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به؛ أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه، وأن لهم عذاباً عظيماً في الدار الآخرة؛ لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق؛ فطبع على قلوبهم، فهم لا يعقلون بها شيئاً ينفعهم).
    قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
    (فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة، وهو مقر بالشهادتين، ويدعي الإسلام؛ كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام، أو سب الله ورسوله، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن مع العلم بذلك) ((جامع العلوم والحكم) ابن رجب: (شرح الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية)).
    وقال أيضاً – رحمه الله – في شرحه لحديث ( بني الإسلام على خمس .. ):
    (وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمسة أركان .. وأن الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان ... وأما هذه الخمس؛ فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها، وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
    وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء ... وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة.
    وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعاً منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة .. وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.
    وروي عن عطاء ونافع – مولى ابن عمر – أنهما سئلا عمن قال: الصلاة فريضة ولا أصلي، فقالا: هو كافر. وكذا قال الإمام أحمد.
    ونقل حرب عن إسحاق قال: غلب المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد؛ إذ هو مقر؛ فهؤلاء الذين لا شك فيهم – يعني في أنهم مرجئة.
    وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض ...
    وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد – في المشهور عنه - ، وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم – كما سبق – وقال أيوب: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه.
    وقال عبد الله بن شفيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. خرجه الترمذي.
    وقد روي عن علي وسعد وابن مسعود وغيرهم قالوا: من ترك الصلاة فقد كفر ...) ((فتح الباري) لابن رجب: ج1، ص 22، حديث رقم (8) شرك كتاب الإيمان).

    قال الإمام العلامة مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي – رحمه الله – في تعريف الردة:
    (وهو من كفر بعد إسلامه، ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور: بالقول كسب الله تعالى ورسوله، أو ملائكته، أو ادعاء النبوة، أو الشرك له تعالى، وبالفعل كالسجود للصنم ونحوه وكإلقاء المصحف في قاذورة، وبالاعتقاد كاعتقاده الشريك له تعالى، أو أن الزنا أو الخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك، ومما أجمع عليه إجماعاً قطعياً، وبالشك في شيء من ذلك) ((دليل الطالب): ص 317).





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    ||| ديمةٌ بين "عِطرٍ" و "مَطر" ~
    الردود
    19,053
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    16
    التكريم
    • (القاب)
      • لمسة عطاء
      • بصمة إبداع
      • نبض وعطاء
      • زهرة الحوار
      • درة الإبداع
      • كاتبة دعوية متألقة
      • لمسة إبداع



    أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

    إذا علمنا مما سبق أن الإيمان الصحيح كما جاءنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه السعادة العاجلة والآجلة.
    وأنه يصلح الظاهر والباطن، والعقائد، والأخلاق، والآداب.
    وأنه يدعو جميع العباد إلى ما فيه من كل خير وصلاح، ويهدي للتي هي أقوم.
    فإذا كان الأمر كما ذكرنا؛ فلم أكثر الناس عن الدين والإيمان معرضون، وله محاربون، ومنه ساخرون؟
    وهلا كان الأمر بالعكس؛ لأن الناس لهم عقول وأذهان تختار الصالح على الطالح، والخير على الشر، والنافع على الضار؟
    نعم كان من المفروض أن يكون الأمر كذلك! واعلم أن الله تعالى قد ذكر هذا الإيراد في كتابه العزيز، وأجاب عنه بذكر الأسباب الواقعة، وبالموانع العائقة، وبذكر الأجوبة عن هذا الإيراد فلا يهول العبد ما يراه من إعراض أكثر البشر عنه، ولا يستغرب ذلك؛ فقد ذكر الله – عز وجل – من أسباب عدم الإيمان بالدين؛ موانع عديدة، واقعة من جمهور البشر، منها:


    الجهل بالإيمان:
    الجهل به، وعدم معرفته حقيقة، وعدم الوقوف على تعاليمه العالية، وإرشاداته السامية. والجهل بالعلوم النافعة؛ أكبر عائق، وأعظم مانع من الوصول إلى الحقائق الصحيحة، والأخلاق الحميدة، قال الله تبارك وتعالى:
    { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ }(سورة يونس، الآية: 39).
    وقال: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } (سورة الأنعام، الآية: 111).
    وقال: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } (سورة الأنعام، الآية: 37).
    وقال: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } (سورة الروم، الآية: 24).

    والجهل إما أن يكون بسيطاً؛ كحال كثير من دهماء المكذبين للرسول الرادين لدعوته اتباعاً لرؤسائهم وساداتهم.
    وهم الذين يقولون إذا مسهم العذاب:
    { رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا } (سورة الأحزاب، الآية: 67).

    وإما أن يكون الجهل مركباً؛ وهذا على نوعين:
    أحدهما: أن يكون على دين قومه وآبائه، ومن هو ناشئ معهم فيأتيه الحق فلا ينظر فيه وإن نظر فنظر قاصر جداً لرضاه بدينه الذي نشأ عليه وتعصبه لقومه، وهؤلاء جمهور المكذبين للرسل، الرادين لدعوتهم، الذين قال الله فيهم:
    { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } (سورة الزخرف، الآية: 23).
    وهذا هو التقليد الأعمى؛ الذي يظن صاحبه أنه على حق، وهو على الباطل.
    ويدخل في هذا النوع: أكثر الملحدين الماديين؛ فإن علومهم عند التحقيق تقليد لزعمائهم؛ إذا قالوا مقالة قبلوها كأنها وحي منزل، وإذا ابتكروا نظرية خاطئة سلكوا خلفهم في حال اتفاقهم وحال تناقضهم، وهؤلاء فتنة لكل مفتون لا بصيرة له.
    النوع الثاني من الجهل المركب: حالة أئمة الكفر وزعماء الملحدين الذين مهروا في علوم الطبيعة والكون.
    واستجهلوا غيرهم، وحصروا المعلومات في معارفهم الضئيلة الضيقة الدائرة، واستكبروا على الرسل وأتباعهم.
    وزعموا أن العلوم محصورة فيما وصلت إليه الحواس الإنسانية، والتجارب البشرية، وما سوى ذلك أنكروه، وكذبوه مهما كان من الحق؛ فأنكروا رب العالمين، وكذبوا رسله، وكذبوا بما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب كلها.
    وهؤلاء أحق الناس بالدخول تحت قوله تعالى:
    { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (سورة غافر، الآية: 83).
    ففرحهم بعلومهم – علوم الطبيعة – ومهارتهم فيها هو السبب الأقوى الذي أوجب لهم تمسكهم بما معهم من الباطل، وفرحهم بها يقتضي تفضيلهم لها، ومدحهم لها وتقديمها على ما جاءت به الرسل من الهدى والعلم؛ بل لم يكفهم هذه الحال؛ حتى وصلوا إلى الاستهزاء بعلوم الرسل واستهجانها، وسيحيق بهم ما كانوا به يستهزؤن.
    ولقد انخدع لهؤلاء الملحدين كثير من المشتغلين بالعلوم العصرية التي لم يصحبها دين صحيح، والعهدة في ذلك على المدارس التي لم تهتم بالتعاليم الدينية العاصمة من هذا الإلحاد.
    فإن التلميذ إذا تخرج فيها ولم يمهر في العلوم الدينية، ولا تخلق بالأخلاق الشرعية، ورأى نفسه أنه يعرف ما لا يعرفه غيره؛ احتقر الدين وأهله، وسهل عليه الانقياد لهؤلاء الملحدين الماديين.
    وهذا أكبر ضرر ضرب به الدين الإسلامي.
    فالواجب قبل كل شيء على المسلمين نحو المدارس:
    أن يكون اهتمامهم بتعليم العلوم الدينية قبل كل شيء.
    أن يكون النجاح وعدمه متعلقاً بها لا بغيرها؛ بل يجعل غيرها تبعاً.
    وهذا من أفرض الفرائض على من يتولاها ويباشر تدبيرها؛ فليتق الله من له ولاية، أو كلام عليها، وليحتسب الأجر عند الله.


    2 –الحسد والبغي:

    كحال اليهود الذين يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه وحقيقة ما جاء به كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم يكتمون الحق وهم يعلمون؛ تقديماً للأغراض الدنيوية والمطالب السفلية على نعمة الإيمان.
    وقد منع هذا الداء كثيراً من رؤساء قريش كما هو معروف من أخبارهم وسيرهم، وهذا الداء في حقيقة الأمر ناشئ عن داء آخر، وهو الكبر.


    3 –الكبر:

    الذي هو أعظم الموانع من اتباع الحق، قال تعالى:
    { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } (سورة الأعراف، الآية: 146).
    فالتكبر – الذي هو رد الحق واحتقار الخلق – منع خلقاً كثيراً من اتباع الحق والانقياد له بعد ما ظهرت آياته وبراهينه، قال تعالى:
    { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } (سورة النمل، الآية: 14.).


    4 – الإعراض عن الحق والإيمان:

    الإعراض عن الأدلة السمعية، والأدلة العقلية الصحيحة؛ من أهم موانع الإيمان، قال الله تبارك وتعالى:
    { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36}وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } (سورة الزخرف، الآيتان: 36- 37).
    وقال: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (سورة الملك، الآية: 10).
    فلم يكن لأمثال هؤلاء الذين اعترفوا بعدم عقلهم وسمعهم النافع رغبة في علوم الرسل، والكتب المنزلة من الله، ولا عقول صحيحة يهتدون بها إلى الصواب، وإنما لهم آراء ونظريات خاطئة يظنونها عقليات، وهي جهالات ولهم اقتداء خلف زعماء الضلال منعهم من اتباع الحق؛ حتى وردوا نار جهنم، فبئس مثوى المتكبرين.


    5– رد الإيمان بعد معرفته:

    رد الإيمان بعد ما تبين؛ فيعاقب العبد بانقلاب قلبه ورؤيته الحسن قبيحاً والقبيح حسناً، قال تعالى:
    { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } (سورة الصف، الآية: 5).
    لأن الجزاء من جنس العمل، وقد ولاهم الله ما قالوا لأنفسهم: { اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ } (سورة الأعراف، الآية: 30).


    6- الانغماس في الترف والإسراف في التنعم:

    فإنه يجعل العبد تابعاً لهواه، منقاداً للشهوات الضارة، كما ذكر الله هذا المانع في عدة آيات، مثل قوله:
    { بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ } ( سورة الأنبياء، الآية: 44).
    وقوله: { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } (سورة الواقعة، الآية: 45).
    فلما جاءتهم الأديان الصحيحة بما يعدل ترفهم، ويوقفهم على الحد النافع، ويمنعهم من الانهماك الضار في اللذات؛ رأوا ذلك صاداً لهم عن مؤاداتهم.
    وصاحب الهوى الباطل ينصر هواه بكل وسيلة. لما جاءهم الدين بوجوب عبادة الله، وشكر المنعم على نعمه، وعدم الانهماك في الشهوات، ولو على أدبارهم نفورا.


    7-احتقار الحق وأهله:

    احتقار المكذبين للرسل – عليهم السلام – وأتباعهم، واعتقاد نقصهم، والتهكم بهم، والتكبر عليهم؛ من الموانع الصادة عن وصول الإيمان إلى القلب؛ كما قال نوح عليه السلام:
    { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ } (سورة الشعراء، الآية: 111).
    وهذا الداء منشؤه من الكبر؛ فإذا تكبر وتعاظم في نفسه، واحتقر غيره اشمأز من قبول ما جاء به من الحق؛ حتى لو فرض أن هذا الذي رده جاءه من طريق من يعظمه لقبله بلا تردد.


    8- الفسق:

    فالفسق أكبر مانع من قبول الحق علماً وعملاً، قال تعالى:
    { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (سورة يونس، الآية: 33).
    والفسق : هو خروج العبد عن طاعة الله إلى طاعة الشيطان.
    والله تعالى لا يزكي من كان هذه حاله؛ بل يكله إلى نفسه الظالمة فتجول في الباطل عناداً وضلالاً، وتكون حركاته كلها شراً وفساداً؛ فالفسق يقرنه الباطل، ويصده عن الحق؛ لأن القلب متى خرج عن الانقياد لله والخضوع؛ فلابد أن ينقاد لكل شيطان مريد:
    { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } (سورة الحج، الآية: 4).


    9- حصر العلوم والحقائق في دائرة ضيقة:

    …كما فعل ملاحدة الماديين في حصرهم العلوم بمدركات الحس؛ فما أدركوه بحواسهم أثبتوه، وما لم يدركوه بها نفوه، ولو ثبت بطرق وبراهين أعظم بكثير، وأوضح وأجلى من مدركات الحس، وهذه فتنة وشبهة؛ ضل بها خلق كثير.
    ولكن المؤمن البصير يعرف بنور بصيرته أنهم في ضلال مبين.


    10- تجرد الماديين ومن تبعهم من المغرورين:

    …زعم هؤلاء الماديون: أن البشر لم يبلغوا الرشد، ونضوج العقل إلا في هذه الأوقات التي طغت فيها المادة، وعلوم الطبيعة، وأنهم قبل ذلك لم يبلغوا الرشد.
    وهذا فيه من الجراءة والإقدام على السفسطة والمكابرة للحقائق، والمباهتة ما لا يخفى على من له أدنى معقول لم تغيره الآراء الخبيثة.
    فلو قالوا: إن المادة والصناعة والاختراعات، وتطويع الأمور الطبيعية لم تنضج ولم تتم إلا في الوقت الأخير لصدقهم كل واحد.
    فإن العقول والعلوم الصحيحة؛ إنما تعرف ويستدل على كمالها، أو نقصها بآثارها وبأدلتها وغاياتها.

    انظر إلى الكمال والعلو في العقائد، والأخلاق، والدين، والدنيا، والرحمة، والحكمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وأخذها عنه المسلمون وأوصلتهم وقت عملهم بها إلى كل خير ديني ودنيوي، وكل صلاح، وأخضعت لهم جميع الأمم؛ وأنهم وصلوا إلى حالة وكمال؛ يستحيل أن يصل إليه أحد، حتى يسلك طريقهم.
    ثم انظر إلى ما وصلت إليه أخلاق الماديين الإباحيين الذين أطلقوا السراح لشهواتهم، ولم يقفوا عند حد؛ حتى هبطوا بذلك إلى أسفل سافلين، ولولا القوة المادية تمسكهم بعض التماسك لأردتهم هذه الإباحية والفوضى في الهلاك العاجل:
    { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } (سورة إبراهيم، الآية: 42).
    ثم لولا بقايا من آداب الأديان بقيت بعض آثارها في الشعوب الراقية صلحت بها دنياهم لم يكن لرقيهم المادي قيمة عاجلة؛ فإن الذين فقدوا الدين عجزوا كل العجز عن الحياة الطيبة، والراحة الحاضرة، والسعادة العاجلة، والمشاهدة أقوى شاهد لذلك.
    ومشركو العرب ونحوهم ممن عندهم بعض الإيمان، وبعض الاعتراف بالأصول الإيمانية؛ كتوحيد الربوبية والاعتراف بالجزاء؛ خير بكثير من هؤلاء الماديين، بلا ريب ولا شك.
    ثم قد علم بالضرورة أن الرسل – عليهم السلام – جاؤوا بالوحي، والهداية جملة وتفصيلاً، وبالنور والعلم الصحيح، والصلاح المطلق من جميع الوجوه، واعترفت العقول الصحيحة بذلك، وعلمت أنها في غاية الافتقار إليه، وخضعت لما جاءت به الرسل، وعلمت العقول أنها لو اجتمعت من أولها إلى آخرها لم تصل إلى درجة الكتب والحقائق النافعة التي جاءت بها الرسل، ونزلت بها الكتب، وأنه لولاها لكانت في ضلال مبين، وعمى عظيم وشفاء وهلاك مستمر، قال تعالى:
    {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (سورة آل عمران، الآية: 164).
    فالعقول لم تبلغ الرشد الصحيح، ولم تنضج إلا بما جاءت به الرسل، ومن ذلك انخداع أكثر الناس بالألفاظ التي يزوق بها الباطل، ويرد بها الحق من غير بصيرة، ولا علم صحيح، وذلك لتسميتهم علوم الدين، وأخلاقه العالية رجعية، وتسميتهم العلوم والأخلاق الأخر المنافية لذلك ثقافة وتجديداً.
    ومن المعلوم لكل صاحب عقل سليم: أن كل ثقافة وتجديد لم يستند في أصوله إلى هداية الدين، وإلى توجهاته؛ فإنه شر وضرر، عاجل وآجل.
    ومن تأمل ما عليه حال من يسمون (المثقفين الماديين) من هبوط الأخلاق، والإقبال على كل ضار، وترك كل نافع؛ عرف أن الثقافة الصحيحة تثقيف العقول بهداية الرسل، وعلومهم الصحيحة.
    ومن تأمل ما جاء به الدين الإسلامي من الكتاب والسنة جملة وتفصيلاً عرف أنه لا صلاح للبشر إلابالرجوع إلى هدايته وإرشاده، وأنه كما أصلح العقائد والأخلاق والأعمال؛ فقد أصلح أمور الدنيا، وأرشد إلى كل ما يعود إلى الخير والنفع العام والخاص، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين (*).


    *(باختصار وتصرف من (تعليم أصول الإيمان وبيان موانعه) للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ص 33. (دار أضواء السلف))







    .




    للأمان معاني أحلاها الرفقة الصالحة
    و للمعاني أماني أبقاها مع الرفقة الصالحة



    -حقوق جميع مواضيعي محفوظة لكل مُسلم-
    رحم الله ناقل مقالي و مُهديني الثواب

    يا من تذكُرني بالدّعا .. اجمعني فيه بـ "شقيقتي" .. و لكَ مني الوفا ()()

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الموقع
    ليبيا
    الردود
    1,075
    الجنس
    امرأة
    يسعدني اكون اول من يرد
    موضوع رائع
    ماقصرتي
    بارك الله فيك

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    الردود
    18,390
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    1
    التكريم
    • (القاب)
      • متألقة صيف 1432هـ
      • أميرة النظافة والتنظيم
      • بصمة إبداع
      • نبض وعطاء
    بارك اللـه فيك اختى

    موضوع رائع على قد انها طويل لكن استفدت كثير

    جزاك اللـه خيراً

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    الردود
    315
    الجنس
    امرأة
    جزاك الله خير

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الردود
    2
    الجنس
    أنثى
    موضوع رائع حبيبتي جزاك الله الجنة

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    الموقع
    ليبيا
    الردود
    132
    الجنس
    امرأة

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الموقع
    حيث الحلم والامل بأنتظار مستقبل مشرق مليء بالابتسامه :)
    الردود
    12,400
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    11
    التكريم
    • (القاب)
      • متألقة صيفنا إبداع 1431 هـ
      • أزاهير الروضة
      • ملكة النظافة والتنظيم
      • فن وإبتكار
      • شعلة العطاء
      • أنامل ذهبية

    الله يجازيكم كل خير
    ويكتب لكم الاجر والثواب بكل حرف كتبتوا
    ويزقكم الخير ياااارب




  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الموقع
    فلسطين
    الردود
    55
    الجنس
    أنثى
    بااااااااارك الله فيك وجزاك خير الجزاء

مواضيع مشابهه

  1. الردود: 52
    اخر موضوع: 22-04-2011, 12:40 PM
  2. الردود: 53
    اخر موضوع: 27-10-2010, 02:13 PM
  3. ๑ تابع الإيمان || دمــــعة مـــــوحد -14- || خوارمه و نواقضه و أسباب تركه ๑ نسخ
    بواسطة المعاني السامية في مواضيع روضة السعداء المتميزة
    الردود: 96
    اخر موضوع: 01-05-2010, 02:11 PM
  4. الردود: 76
    اخر موضوع: 12-03-2010, 03:17 PM
  5. ๑ الإيمان وأركانه || دمــــعة مـــــوحد -11- || الإيمان بالله تعالى 1 ๑ نسخ
    بواسطة أمل وضياء في مواضيع روضة السعداء المتميزة
    الردود: 76
    اخر موضوع: 12-03-2010, 03:17 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ