تعظيم الله


(1)








الدكتور أحمد عدنان الجبوري
المتخصص في جراحة الجملة العصبية


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قبل عشر سنوات أو تزيدُ وقع في يدي كتابُ لكاتبٍ إنكليزي قد اشتهر في قومهِ بالحكمةِ والفلسفةِ وكان أحدَ أعمدة إنكلترا بالعلم والأدبِ , ألّف أول كتبهِ وهو لا يزال في العشرينات من عمره فاهتزت له أركانُ الغرب ، وجاءته الرسائلُ من كل مكان تشكو له مرضاً قد وصفه في كتابه اللامنتمي ، ذلك الكاتب هو:(كولوم ولسن) أما كتابه الذي قرأت فهو: (سقوط الحضارة) ....
وصف فيه ولسن حضارة الغرب ومقوماتها وأسسها وأمراضها وإخفاقاتها ،
ثم إنه جزم بسقوطها لا محالة ؛لأنها تحمل جرثومة فناءها فيها تكبر معها كلما كبرت ، ثم وصف سبب هذا التداعي والانهيار فأوجزه بكلمة واحدة هي البعد عن الله ، ثم راح يصف العلاج فقال : (وطريق الخلاص الوحيد هو بتعظيم الله لكن ليس عن طريق الكنيسة) . ثم ضَلَّ السبيل فلم يعرف كيف يعظم الله ...




جاء بعده بسنين عالم آخر هو عملاق العلوم العصبية ومؤسسها ، ذلك هو: (أكلس) فوصف في كتابه: (مواجهة الحقيقة) الإنسان الغربي معاناته وانهياره وانحرافاته وآهاته: ثم قال: (فعلاج ذلك كله هو تعظيم الله والرجوع إلى الإيمان) فتركها هكذا كلمة مُعمّات مبهمة دون أن يوضح السبيل أو يرشد إلى معالمه ...


ثم جاء مسلم عظيم لم يكن ببعيد من حضارة الغرب لا مكانا ولا زماناً فوصف لهم الدواء كاملاً في رسائله النورية ذلك هو: (سعيد النورسي) وكان دواؤه يدور في ثلاثة محاور :-
الأول : هو الرجوع إلى كلام الله ... القرآن ، فكانت رسائله كلها هي تفسير معنوي للقرآن وخاصة تلك الآيات التي تشير إلى أسماء الله تعالى وصفاته وعلو شأنه وجلالة قدره .
أما المحور الثاني : الذي لا يكاد أن ينفصل عن الأول ذاك هو القرآن أيضا لكنه المنظور ... الطبيعة الكون الحياة فإنها في نظر القرآن المقروء مرآة تعكس أسماء الله وصفاته وهكذا تتعرف على الله من كلامه ومخلوقاته فيعظم شأنه في نفسك فتجد السكينة والطمأنينة والسعادة مصداقا لقوله جل جلاله : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلاَ يَشقَى ) سورة طه الآية :123
هذه هي مأساتنا ومأساة الغرب الضلال والشقاء فما أن تخرج من كنف الإيمان وظلاله حتى تتخطفك الآلام والآهات فتجد في نفسك حاجات عديدة ومطالب كثيرة يضطرب بعضها ببعض فتستهلكك وتنهكك فتفقد توازنك واستقرارك ولا يعود لك ذلك إلا بالرجوع إلى حظيرة الإيمان والاحتماء بحمى الرحمن فإن مثل الإنسان في ذلك كمثل الحياة على كوكب الأرض فإن الله قد هيأ كل أسبابها على هذه الأرض فإن أخذت حيواناً أو نبات ثم أخرجته من هذه الأرض لأحرقته الإشعاعات القاتلة أو النيازك المهلكة ثم لاختنق حتماً من قلة الهواء وهكذا في حظيرة الحياة هي هذه الأرض وما دونها فمهالك ومخاطر وكذلك الإنسان إن كان فرداً أو جماعة فالحياة والطمأنينة هي في كنف الله وفي تعظيم شأنه وإلا فالهلاك والانتحار والانحدار والحروب والأمراض .
أما المحور الثالث : لتعظيم الله فهو قراءة ، وان حالفك التوفيق الإلهي مجالسة المعظمين لله فإنك قابس من أنوارهم لا محالة ومستفيد من حالهم مع الله وهذا أيضا يرشدك إليه القرآن المقروء فانظر إلى حال ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ليس له شيء إلا تعظيم أمر الله فراح يدعو قومه إلى ذلك فقتلوه ، وانظر إلى فتية تركوا شهوة الحياة وزينتها تعظيما لشأن الله فعظم الله شأنهم ومكّنهم بعد ابتلاء وجعلهم أسياداً في قومهم ومن بعدهم ، وقصة موسى وشعيب وهود (عليهم السلام جميعا) كلها تُعِين على تعظيم الله في القلوب فتستقر تلك القلوب وتسكن معها الجوارح فيهدأ الإنسان ثم ينطلق في هذه الحياة ...

وهكذا سنبدأ إن شاء الله بمطالعة كتاب الله المنظور لنرى من آياته التي تعين على تعظيمه وعلو شأنه .


.
.


وللبحث بقية