بينات الرسالة
بقلم الشيخ عبد المجيد الزنداني
-1-
إن الحمد لله نحمدهونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، سيئات أعمالنا ، من يهده اللهفلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون)(آل عمران : 102)، (يأيها الناس اتقوا ربكم الذىخلقكم من نفس وحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونسآء واتقوا الله الذىتسآءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا) ( النساء: 1) (يأيها الذين ءامنوااتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعملكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما) (الأحزاب : 70- 71).
أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتابالله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةبدعة ، وكل بدعة ضلالة .
لقد أرسل الله الرسل وأيدهم بالبينات المصدقة لهم ولكييطمئن الناس إلى صدق ما أخبرهم به الرسل، وتقوم الحجة عليهم، وكي لا يكذبهم مكذبفقد أيدهم الله بالبينات المصدقة لهم . قال تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَابِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَالنَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد:25).
ومن حكمة الله البالغة أن جعل بينة كل رسول متناسبة مع قومه الذين أرسل إليهم لتكون الحجة أظهر ، والبينة أوضح وأبين، وقد أعطى الله محمداً صلى الله عليه وسلم بينات تتناسب مع من بعث فيهم من العرب ومع غيرهم من الأمم في ذلك الجيل وفيما يأتي بعدهم من الأجيال إلى يوم القيامة.
فبيناته صلى الله عليه وسلم من الأهمية بمكان ، ذلك لأنها البينات الوحيدة الباقية اليوم من بينات الرسل ، والتي تثبت صدقه صلى الله عليه وآله وسلم، وصدق الرسل من قبله ، وبها تقوم الحجة على جميع البشر .فلا يستطيع اليهود اليوم الإتيان بعصا موسى عليه السلام أو أي بينة من بيناته ، والنصارى كذلك لا يستطيعون أن يقدموا للناس اليوم بينات عيسى عليه السلام ، وليس لليهود والنصارى إلا الرواية التاريخية .لكن بينات محمد صلى الله عليه وسلم باقية وموجودة بين أيدينا، وستبقى إلى يوم الدين. وأكبر هذه البينات وأعظمها هو القرآن الكريم، فهو حجة في ذاته؛ لأنه نزل بعلم الله سبحانه وتعالى، ومن أبرز أدلته اليوم الإعجاز العلمي الذي قدم للبشر جميعا المعجزة الكبرى فيما يحمله من علم إلهي، كما قال تعالى: ( لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) (النساء:166).
وللرسول صلى الله عليه وسلم معجزات وبينات كثيرة غير القرآن تقوم بها الحجة في عصرنا وما يأتي من العصور , ومن هذه البينات والمعجزات:
وإنه لفي زبر الأولين
أخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إذا بعث وهم أحياء ، وأن يبلغوا أقوامهم بذلك ليشيع خبره بين جميع الأمم .
قال تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81).
وذلك لأن الرسل كانوا يبعثون في أقوامهم خاصة ، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة،فبشر به جميع الأنبياء، وكان مما قاله عيسى عليه السلام لقومه كما ذكر الله تعالى عنه(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6) .
والبشارات في الكتب السابقة هي تلك الأنباء والأوصاف التي وردت عن مقدم محمد صلى الله عليه وسلم مبينة اسمه وصفاته البدنية والمعنوية ونسبه ومكان بعثته، وصفة أصحابه وصفة أعدائه ، ومعالم الدين الذي يدعو إليه، والحوادث التي تواجهه، والزمن الذي يبعث فيه، ليكون ذلك دليلاً على صدقه عند ظهوره بانطباق تلك الأوصاف عليه ، وهي أوصاف وبشارات تلقاها أهل تلك الأديان نقلاً عن رهبانهم وأحبارهم وكهنتهم قبل ولادة محمد صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة.
وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك البشارات، ودلل بها على صدق محمد صلى الله عليه وسلم. فقال تعالى( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (الرعد:43).
وقال تعالى ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء:197).
وقال تعالى (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) (الشعراء:196).
وقال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم(الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) (البقرة:146).
وهذا يعني أن انطباق البشارات على محمد صلى الله عليه وسلم يدل على أنه المقصود بها ، وأنه الرسول الذي أخبر الله بمقدمه ، ومن هذه البشارات ما يأتي:
1- النبي الأمي:
لقد أشار القرآن الكريم إلى أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها مذكورة عند أهل التوراة والإنجيل.قال تعالى ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ )(الأعراف:157).
إن أمية النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية بدء الوحي إليه لأول مرة موجود عند أهل الكتاب إلى يومنا هذا .فقد جاء في سفر أشعيا: " ويدفع الكتاب للأمي ويقال له : اقرأ هذا أرجوك فيقول: أنا أمي " أي لست بقارئ .
(أ) وهذا ترجمة للنص الذي ورد في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس المعتمدة عند النصارى وهي أوثق النسخ للتوراة والإنجيل عندهم.
وفي النسخة المسماة BibleGood Newsورد ما ترجمته كالآتي:
" إذا تعطيه إلى شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف ."
(ب) وبينما نجد هذا النص الواضح في الطبعات الإنجليزية نرى أن القسس العرب قد حرفوا هذا النص في نسخته العربية فجعلوا العبارة كالآتي :
"أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا فيقول : لا أعرف الكتابة".
(ت) فانظر كيف حرفوا النص ! فالسائل يطلب القراءة والنبي ينفي عن نفسه معرفة الكتابة ! وهذا التحريف مقصود لئلا تتطابق الحادثة المذكورة في النص السابق مع قصة نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومطالبته له بالقراءة فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه القدرة على القراءة.
قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ".
وكم من الزمن قد مر بعد عيسى عليه السلام ، وما نزل وحي على نبي أمي إلا على النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أميته مكتوبةً عندهم حتى يومنا هذا .
الروابط المفضلة