الأخـفـيـاء
فضيلة الشيخ : إبراهيم الدويش
-1-
سلسلة متجددة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه ليلة الاثنين الموافق 23/10/1414هـ وعنوان هذا اللقاء(الأخفياء).
فقد كنت تأملت، ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزهد قوله:
(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وسلم (الخفي) فمازالت تلك الهواجس والأفكار والأسئلة تدور في الخاطر المكدود؛
من هو هذا العبد الخفي ؟
من الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟
من هم الأخفياء ؟
قلت ربما هم الذين عرفوا ربهم وعرفهم فأحبوه وأحبهم وحرسوا أن يكون بينهم وبينه أسرار وأسرار، والله سبحانه وتعالى يعلم إسرارهم فكان خيرا لهم.
وقلت ولربما هم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم، وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.
وقلت ربما هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة، فكم من ناصح ، وكم من مرب وكم من داع للحق لا يعرف، وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار، وسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم.
وقلت أيضا ربما هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء، وكم من دمعة بللت الأرض، فبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقينا ربنا.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم اللذين يسعون في ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام، لإطعام الطعام، وبذل المال ليفكوا كربة مكروه، وليفرجوا هم أرملة ضعيفة، شديدة الحال، كثير العيال.
وقلت فلربما أن الأخفياء هم أولئك اللذين لا يعرفهم الناس أو اللذين لا يعرفوا أعمالهم الناس، ولكن الله سبحانه وتعال يعرفهم، وكفا بالله شهيد، فهنيئا لهم .
ثم قلت وما الذي يمنع أن يكون أولئك جميعا؟
وما الذي يمنع أن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟
ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا.
ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم........ليس صحيح إذا مشى كا المقعد
رحمك الله يا بن المبارك، عندما قلت هذا لبيت، تعني به نفسك.
فماذا نقول إذا نحن عن أنفسنا؟
ورحم الله القائل :
أحب الصالحين ولست منهم.......لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي........ولو كنا سواء في البضاعة
الروابط المفضلة