معاناتي مع الشهوة
-1-

رسالة تسلط الضوء على أسباب الشهوة
ومخاطرها وطرق علاجها

زيد بن محمد الزعيبر

المقدمة

الحمد للـه وصلاةً وسلاماً على خير رسل اللـه، محمد بن عبداللـه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
نعم ! إنها حقيقة لا بد أن نتصارح بها أخي، الشهوة ومعاناتنا معها...
مررنا ولا زال بعضنا يمر بمرحلة الشباب، وعايشنا لحظات الشباب وعنفوانه، ربما شعرنا بسعير الشهوة يوماً ما، بين ما نعيشه من فتن ومغريات، وبين ما تدعونا الفطرة إليه من الخير والهدى.
فالحال لم تعد على ما يراه بعضنا خارج البيت، وما قد يزين له الشيطان فعله على توجس وخوف، بل في البيت، وأثناء الأكل والشرب، وعند النوم، فتلك محطة تعرض مسلسلاً مختلطاً خالٍ من المحاذير الشرعية، سوى ما دعت الحاجة إليه من صداقة بريئة تستدعي أن يتبادل الجنسان بعض المشاعر اللاإرادية!! وأخرى تعرض أغنية ماجنة، ومحطة أخيرة في غرفة النوم فقط تعرض كل ما يتبادر إلى الأذهان من صور الإباحية الحيوانية.
بل إن بعض مجالسنا لم تعد تخلو أحاديث بعضنا من تلك الأحاديث التي تصف ما يحدث في تلك الفضائيات دون خجل أو استحياء، فهذا يصف وجهها، والآخر يصف قوامها، والآخر ... ، والآخر....



* مع الشهوة:
الشهوة أمر فطري وغريزي يعيشه الإنسان لتحقيق غايات شرعية نبيلة، فقد حث الشارع وندب إلى صرفها في النكاح والاستعفاف، فقال ـ عزَّ قائلاً عليماً ـ:]فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[، وقال سبحانه: ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[، وجاء في السنة من حديث ابن مسعود ـ رضي اللـه عنه ـ عن النبي ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ أنه قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء" 1، وفي رواية " فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج". 2
بل جاء الذم على من ترك الزواج تأبيداً على نفسه كما في حديث الرهط الثلاثة " عندما قال أحدهم: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فكان الرد منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ الرادع لتلكم المبالغة والتشديد ، فقال: "أما واللـه إني لأخشاكم للـه وأتقاكم له ، لكني أصوم وأُفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني" , وفي هذا يقول ابن حجر ـ رحمه اللـه ـ: وطريقة النبي ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل 3.

* الحكمة من الشهوة:
من الحكم التي شرعها الشارع الحكيم لنا في الشهوة: الزواج ، ولا شك أن له حكماً، فمنها:
Z تكثير النسل.
Zحفظ النسل.
Z طهارة الإنجاب.
Z منع الفساد.
Zحفظ القلوب من التعلق بالمحرمات.
Z تطهير الذمم.
Z تأليف القلوب.
Z حفظ الأعراض بين أفراد المجتمع.
Zالتفرغ للعلم والعمل
Z ترويح النفس وإيناسها 4، وغيرها من الحكم والفوائد التي قد يطول المقام في إحصائها وذكرها ، وأنّى لنا ذلك.
ولابن القيم ـ رحمه اللـه ـ تعليق بديع فيقول: وللشهوة حدٌّ ، وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك. فمتى زادت على ذلك ؛ صارت نهمة وشَبقاً والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات ، ومتى نَقَصَت عنه ولم يكن فراغاً في طلب الكمال والفضل ، كانت عجزاً ومهانة 5.

* أسباب الوقوع في الشهوة :
السبب الأول / المحبة الموهوم صلاحها:
وإن شئت فقل المحبة لغير اللـه ، وهذا ما يعيشه بعضهم، ويطلق عليه وصف التعلق ، فأحياناً تكون البداية بمحبة في اللـه وتصبح هي الهدف من تلك العلاقة ، فإذا غاب ذلك الهدف ، وكثرة اللقاءات وأصبحت هي الغايات وقع الخلل ، وبخاصة إذا كان فارق السن كبيراً ، أو وجد عوامل تغذي جانب التعلق: كالمزاح ، والخواء الروحي، والتجمل الزائد، وغيرها من الأمور، وقد درج ابن حزم ـ رحمه اللـه ـ أقسام تلك المحبة على خمس درجات:
أولها: الاستحسان ، وهو أن يتمثل الناظر صورة المنظور حسنةٌ ، أو يستحسن أخلاقه ، وهذا يدخل في باب التصادق.
ثم الإعجاب، وهو رغبة الناظر في المنظور إليه، وفي قربه.
ثم الألفة، وهي الوحشة إليه متى غاب.
ثم الكَلَفُ، وهو غَلَبَةُ شُغْلِ البال به، وهذا النوع يسمى في باب الغزل بالعشق.
ثم الشغف، وهو امتناع النوم، والأكل ، والشرب إلا اليسير من ذلك، وربما أدى ذلك إلى المرض، أو إلى التوسوس، أو إلى الموت، وليس وراء ذلك منزِلَةٌ في تناهي المحبة أصلاً. 6
وزيادة على ما سبق أسوق لك أخي الكريم بعض الدلائل التي تدل على وجود داء التعلق، فمنها:
1- إيثار بعضهم أنسه بصاحبه ومن تعلق قلبه به على أنسه باللـه ـ عزوجل ــ ، وأنسه بالخير والهدى.
2- استقلال رغبات الصاحب، بينما استكثاره لداعي الاستجابة للـه ـ عزوجل ـ وداعي الخير والهدى.
3- الغضب والغيرة للصاحب أكثر من الغضب والغيرة عند انتهاك حرمات اللـه ـ عزوجل ـ.
4- غض الطرف عن مساوئ الصاحب ومن القلب به، والنظر إلى حسناته مع إسقاط أخطائه وزلاته، أو مقارنته بمن هو أسوأ خشية التأثير في نفسيته !!
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيع

5- دوام المجالسة والممازحة ، وبذل المال دون وجود الداعي لذلك.
وأذكر بعض ضوابط الأخوة في اللـه، والتي تجلي لنا داء التعلق وكوامنه:
أولها: التجرد والصدق في طلب الأخوة.
ثانيها: أن تكون مبنية على البر والتقوى.
ثالثها: أن يكون هناك تناصح ودعوة بالحسنى.
رابعها: ألا تؤدي هذه الإخوة إلى التفريط في حق اللـه، بحجة الإنشغال بالأهم!
خامسها: أن تقترن بالإيمان والعمل الصالح ، فهما المقياس لتلك العلاقة ؛ متى ما فقدت فقدت معها الأخوة في اللـه.




=================
1 ) وجاء: بالكسر والمد رضُ البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيهاً بالخصاء (مختار الصحاح: 342)
2 ) فتح الباري ، 9/134، 141.
3 ) فتح الباري ، 9/131ـ 133.
4 ) موسوعة نضرة النعيم ، 5/1664.
5) الفوائد ص 207.
6 ) الأخلاق والسير ، لابن حزم ص136.