بسم الله الرحمن الرحيم

عمرو محمد
24/6/1425
10/08/2004

زنجبار .. كما يسميها العرب من أبنائها، أو زنزبار كما يسميها الأجانب، وهي التسمية التي اصطلح عليها سكان البلاد منذ سقوط الحكم العربي فيها عام 1964 ، هذه البلاد يعتبرها المؤرخون البوابة الشرقية لأفريقيا، في الوقت الذي يطلق عليها السائحون "بستان أفريقيا الشرقية".
يبلغ عدد سكان زنجبار -حسب آخر إحصاء- مليون نسمة، نسبة المسلمين منهم 98 % ، أغلبهم يقطنون جزيرتي "أنجوجا وبمبا" ، والنسبة الباقية هم من المسيحيين والهندوس .
يتحدث أهلها اللغة السواحلية، وهي اللغة الرسمية، بجانب الإنجليزية التي عمل الاحتلال البريطاني على زرعها بين أبناء البلاد، ويرجع أصل سكانها إلى عمان وفارس وأفريقيا وآسيا، وخاصة الهند وباكستان.
ورغم عدد السكان الهائل من المسلمين في زنزبار، فإنهم يعانون الكثير من الفقر والتخلف العلمي، وهو ما يجعلهم غنيمة لحركات التنصير و الاستشراق أمام صمت عربي وإسلامي لافت عن عدم علاج هذا القلب الجريح في جسد العالم الإسلامي.
وفي جولة لزنجبار، التقينا عددًا من الدعاة ومبعوثي الأزهر الشريف هناك؛ لرصد أوضاع المسلمين ومواجهة أبرز المشكلات التي يعانون منها..
بداية وحسبما يصف سكان البلاد المسلمين زنجبار؛ فإنها تتكون من عدد كبير من الجزر يبلغ عددها 52 جزيرة، أكبر جزيرتين هما "أنجوجا وبمبا" ، وتمثل زنزبار أحد طرفي الجمهورية الاتحادية لتنزانيا، وهو الاسم المشتق من كل من "تنجانيقا وزنزبار".
وبعد انهيار الحكم البرتغالي لساحل شمال أفريقيا دانت زنجبار للحكم العماني، وتعاقب على حكمها أحد عشر سلطانًا من أسرة البوسعيدي من أهمهم السلطان سعيد الأكبر، الذي أدخل زراعة القرنفل للجزيرة في أوائل عام 1800، مما أدى إلى ازدهار الحالة الاقتصادية في البلاد، حتى أصبحت أكبر مصدر للقرنفل في العالم.

خلفية تاريخية

كثير من الدراسات التاريخية ترى أن تاريخ العرب في زنجبار أو زنزبار شوه كثيرًا، فألصق بالحكم العربي تجارة الرقيق، واتهم بالتعاون مع الاستعمار، وتحمل العرب والمسلمون أكثر التهم سوءًا في تاريخ أوربا وأفريقيا، فألصق بهم الميراث التاريخي الأسود الذي اخترعه الأوروبيون، وهو بيع الآلاف من الرقيق الأفارقة لأوربا المسيحية.
إلا أن الغالب، كما تذكره كتب التاريخ، فإنه منذ أن بدأت الوصاية البريطانية، وتغلغل نفوذ حركات التنصير في الدولة، حتى صار جميع موظفي الدولة من المسيحيين، وصار اقتصاد البلد بأيديهم، وأقاموا عشرات الكنائس، حتى بلغت نسبتها كنيسة مقابل كل مائة مسيحي، رغم كثرة عدد السكان المسلمين في هذه البلاد، والذي يصل إلى نسبة 98% من سكان البلاد .
وكان الاعتماد الرئيس لحملات التنصير في زنجبار على عنصري السلاح والإغراء بالمال، وإجبار النساء المسلمات على الزواج من المسيحيين لكي تستطيع حملات التنصير الوصول إلى تنصير اجتماعي شامل، وكذلك فقد وزعت الكتب المسيحية باللغة المحلية السواحلية، والأجنبية (الإنجليزية) و(العربية) ، وتشكلت مكتبة ضخمة سميت باسم "مجمع الكتب المسيحية"، وصار كل من يريد الحصول على الإنجيل يجده بلغته، وصار المسلمون يقرؤون الإنجيل، ويفهمون معانيه قبل أن يسمعوا شيئًا من القرآن؛ لأنهم بعد المذابح الرهيبة، ومخططات التذويب التي قضت على كل ما هو عربي عقب الثورة في 5 يناير 1964؛ أصبح المسلمون لا يعرفون شيئًا عن اللغة العربية!
ويقال إنه من جراء الثورة العارمة التي انطلقت في عام 1964 قُتل على أثرها ثلاثة وعشرون ألفًا من العرب المسلمين والهنود، وفرّ الكثير من العرب والشيرازيين، وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم من المتاجر والمزارع، وأعلنت زنزبار الجمهورية عنوة عن السكان برئاسة عبيد كرومي الذي كان يتزعم -آنذاك- الحزب "الأفروشيرازي" ، واعترف بالجمهورية غداة استقلالها عدة دول من أبرزها مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 24 أبريل من العام نفسه، أعلن الاتحاد بين كل من زنزبار ونتجانيقا تحت اسم الجمهورية الاتحادية لتنزانيا بين الرئيسين "نيريري وعبيد كرومي".
وحسب اعتقادات البعض؛ فإن الدستور الاتحادي لم يسفر عن إذابة الشخصية الاعتبارية لزنزبار، وإن كان قد وضعها في إطار اتحادي، ولكنها تمتعت بمساحة كبيرة من الحكم الذاتي كدولة طرف في الاتحاد، لها رئيس ومجلس نواب ورئيس للوزراء وحكومة ودستور خاص بها، وإن كانت الحكومة الاتحادية قد احتفظت لنفسها بإدراة السياسة الخارجية والدفاع والأمن والتعليم والإقامة والحدود!

واقع المسلمين

والآن وبعد مرور ما يزيد عن 40 عامًا على الوضع في البلاد ؛ فإن المسلمين في زنجبار يرون أن قضيتهم هي قضية منسية ، على نحو ما يعتقد الداعية الشيخ "سالم الريامي" -وهو من سكان البلد ومن أصل عماني- بأنه إذا لم يتحرك العالم الإسلامي لنصرة إخوانه في زنجبار ؛ فإن هذه البلاد التي امتد الحكم فيها من الصومال إلى موزمبيق ستكون مهددة في وجودها، بعد أن نجح أذناب الاستعمار في تسييد اللغة السواحلية، والتي ظهرت في القرن الثاني عشر الميلادي، مقابل محو تاريخ اللغة العربية.
وبلهجة يكسوها الحزن؛ يتحسر الريامي على التاريخ العربي الطويل في زنجبار الذي امتد نحو ألف عام، والذي وقف أمامه المستعمرون وأعوانهم ليفكروا كيف يمحونه من الذاكرة الوجدانية لأهالي زنجبار؛ فقاموا بإغراق أمهات الكتب العربية في المحيط الهندي، والذي تقع على ضفافه البلاد. إلا أنه يتساءل ومجيبًا في الوقت نفسه: إذا كان الاستعمار قد نجح في تشويه التاريخ العربي، فإنه فشل في إزالته من عقول وقلوب أهالي زنجبار!

دور المسلمين

وهنا يؤكد الشيخ عصام أحمد -مبعوث الأزهر الشريف لتدريس اللغة العربية في المعهد الإسلامي بزنجبار- أن هناك فهمًا واضحًا للمسلمين في البلاد، وهو ما يلمسه من خلال تدريسه اللغة العربية في المعهد الإسلامي؛ حيث يجد إقبالاً كبيرًا على تعلم لغة القرآن الكريم، فضلاً عن أن الكتب الإسلامية التي يرسلها الأزهر الشريف إلى زنجبار تحظى بإقبال كبير من مسلمي زنجبار، الأمر الذي يعكس -على حد قوله- الإقبال الكبير على تعلم الإسلام.
ويقول: إن مسلمي زنجبار حريصون للغاية على التمسك بالدين الإسلامي، رغم حالات الفقر الشديدة التي يواجهونها؛ إلا أنه لديهم رغبة في تعلم مفاهيم الدين، ودراسة اللغة العربية، خاصة وأن رسالته تقوم على تنوير المسلمين في زنجبار وتوعيتهم من خلال دروس العلم التي يلقيها، فضلاً عن دوره في تعليم طلاب المعهد الإسلامي للغة القرآن الكريم.
أما الشيخ عبد الفتاح بسطاوي -مدرس اللغة العربية بالمعهد التأسيسي للغة السواحلية واللغات الأجنبية-؛ فيؤكد أن دوره - كداعية- يهدف إلى الدعوة الإسلامية، وإبراز تعاليم الإسلام، وتعليم أبناء زنجبار اللغة العربية، حيث يجد فيهم إقبالاً كبيرًا على لغة القرآن الكريم، فيقبلون عليها بنهم شديد، إلا أن المشكلة التي تواجههم هي في قلة الكتب الإسلامية والدراسية للفقر الشديد، ولعدم حصولهم على قسط وافٍ من التعليم، وهو ما يلقي بالمسؤولية على دول العالم الإسلامي لإنقاذها هذا العضو العليل في الجسم الإسلامي.
ويقول: إن مسلمي زنجبار لو وجدوا دعمًا وإعانات من الدول العربية والإسلامية؛ فإن حالهم سوف يتغير كثيرًا، حيث يوجد وعي وصحوة إسلامية كبيرة، ورغبة في حب التعليم، وهو ما يظهر تكرار سؤالهم عن الأمور الدينية، في الوقت الذي يقوم فيه مبعوثو الأزهر بجهد كبير في تعليم مسلمي البلاد اللغة العربية، ونشر الدعوة الإسلامية؛ حيث هناك تقدير كبير لدور الدعاة الإسلاميين في هذه البلاد.
وعن دور الدعاة في توحيد الفرق والمذاهب المنتشرة في زنجبار كالأباضية والزيدية؛ يؤكد الشيخ بسطاوي أنه من خلال الاختلاط بهم في كثير من المناسبات الدينية والاجتماعية عرفنا أن هذه الفِرق موجودة منذ زمن طويل، ويستشهدون في ذلك بالآراء الفقهية، لكن الكثيرين من مسلمي زنجبار ليست لديهم بدعًا.
ومن جانبه يؤكد الشيخ علي إبراهيم - مبعوث الأزهر إلى مدرسة الوموبمبا الثانوية- أنه يقوم بتدريس اللغة العربية في هذه المدرسة التي يدرس طلابها أيضًا اللغتين الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى العلوم الطبيعية، وأن بها عددًا كبيرًا من المدرسين الذين تعلموا في الأزهر الشريف.
ويقول: إنه رغم حالات الفقر التي تظهر بين الدارسين من طلاب المدرسة، إلا أن لديهم رغبة في تعلم العربية تفوق رغبتهم في تعلم اللغات الأخرى وإنه يستغل وجوده في المدرسة لشرح تعاليم الإسلام، وتوضيحه للطلاب

منقول من الاسلام اليوم