استوقفني هذا الحوار المليء بالعبر و النصائح لشباب المسلمين و الفياض بالأمل...أنقل لكم هذا الحوار من الموقع الذي يشرف عليه الشيخ محمد موسى الشريف "موقع التاريخ"
http://www.altareekh.com/doc/article...&mode=&order=0
يكتسب الحوار مع الشيخ الداعية الدكتور محمد بن موسى بن عقيل الشريف أهمية خاصة ، لأن الرجل يعمل طياراً وأستاذاً جامعياً ، وبالإضافة إلى ذلك فهناك الدروس والمحاضرات والمشاركات الإعلامية والدعوية وإمامة المصلين في مسجد والخطابة في مسجد آخر ، هذا غير النشاط في التأليف والكتابة ، فمن أين يلقى الوقت لهذا كله ؟ كيف يربي أولاده ؟ وما هو السر الذي مكنه من ذلك كله ؟ وكيف ينظر إلى الظروف المحيطة بنا ؟ ومتى يكتب ويؤلف إذا كان يقضي معظم وقته طائراً في الجو من بلد إلى آخر ؟ وما هي المواقف الطريفة والمحرجة التي عرضت له في أثناء رحلاته المتكررة ؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها بين يدي الشيخ الفاضل فكانت هذه الإجابة بكل رحابة صدر وطيبة نفس:
* كم عدد أولاد الشيخ الدكتور محمد بن موسى الشريف ؟
- عدد أولادي أحد عشر ، خمسة أبناء وست بنات ، وهم من أم واحدة ، فأنا موحد ولله الحمد !!
* كيف يجد الدكتور محمد الشريف الوقت الكافي لتربية أولاده ، والتوفيق بين ذلك وبين الأعمال التي يقوم بها من تأليف وخطابة ومحاضرات ودروس ، إضافة إلى العمل الوظيفي كابتن طيار كثير الأسفار والرحلات ؟
- للحقيقة ولا أكتمكم ، لا أجد الوقت الكافي لتربية الأولاد ، إنما أستعين على ذلك بأمرين بعد الاستعانة بالله تعالى ودعائه بالهداية لهم :
1- أجلب للذكور مربين ومؤدبين ، وألحقهم بالنوادي والمراكز الصيفية والدائمة التي يقوم عليها الأخيار.
2- وأستعين على الأبناء والبنات بأم مربية وصالحة ، هي مديرة مدرسة فهي تعرف الأساليب التربوية المناسبة.
لكن عندي قناعة تامة بأن الله تعالى لن يضيع أولاد عبده إذا أقبل عليه وتفرغ للعمل الصالح والدعوة ، فقد قال جل من قائل : ( كان أبوهما صالحا) وهذا في قصة الغلامين اليتيمين اللذين ساق الله لهما نبياً من أولي العزم وساق لهما ولياً كبيراً وهو الخضر ، كل ذلك ليصلحا الجدار لهما لأن أباهما كان صالحاً ، وقيل كان الجد السابع فنفعهما الله تعالى بصلاح أبيهما أو جدهما.. ولا ننسى أيضاً قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)، إذاً كل من خاف على أولاده فعليه بتقوى الله والقول الصالح والعمل النافع ، ولا يعني كلامي هذا إهمال الأولاد ، معاذ الله ، إنما أذكر ما تيسر لي صنيعه بسبب ازدحام الأشغال وقلة الأوقات ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وكثير من السلف الصالح يتركون أولادهم شهوراً طويلة وربما سنوات من أجل الجهاد أو الدعوة أو طلب العلم فلم يعب عليهم أحد من الناس صنيعهم هذا ، والله أعلم.
* ما قصة تحولكم من كابتن طيار إلى دارس للعلوم الشرعية ؟
- انتسبت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود فرع أبها كلية الشريعة ، وتخرجت فيها سنة 1408هـ ، ثم خرجت من (شركة الخطوط الجوية العربية السعودية) ستة أشهر بدون راتب لألتحق بجامعة أم القرى كلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتاب والسنة طالباً منتظماً بمرحلة الدراسات العليا وحصلت على الماجستير سنة 1413هـ، ثم الدكتوراه سنة 1417هـ ولله الحمد ، وقد كنت أدرس العلوم على أيدي المشايخ قبل الدراسة النظامية لمدة ثلاثة سنوات.
* سفراتكم الكثيرة وانتقالكم بين بلدان العالم لا شك أنها أكسبتكم مخزوناً كبيراً من المواقف والذكريات والدروس التي تسر أو تحزن – فما هي أبرز هذه المواقف ؟
- أبرز هذه المواقف أني كنت أرى بعض المسافرين العصاة إذا اهتزت بهم الطائرة واضطربت ارتعدت فرائصهم وربما بكوا وصاحوا فأتذكر قول الله تعالى : (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد).
ومن الذكريات التي لا تنسى أيامي في قازقستان وقيرغيزيا ، وقد سجلتها في شريط وفي حلقات مكتوبة في موقع التاريخ ، ومن الذكريات الجميلة الدورات الشرعية والدعوية التي تشرفت بإلقائها في أمريكا وأوربا ، ومن الذكريات التي لا تنسى قصة ذهابي إلى الهند لمقابلة الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي والأستاذ الكبير أبي الحسن الندوي والأستاذ سعيد الأعظمي ، ولا أنسى أبداً حسن ذلك اللقاء في ندوة العلماء مع الندويين ونومي على ذلك السرير الشهير حيث أخبرني الأستاذ سعيد الأعظمي أني سأنام على سرير نام عليه عدد كبير من العظماء منهم الأستاذ الكبير علي الطنطاوي رحمه الله تعالى ، ولا أنسى منظر الأصنام الهائلة في لكنؤ بلد الأستاذ الندوي إذ كل صنم كعمارة من أدوار أربعة تقريباً فكان منظر هائلاً لا ينسى ، ولا يمكن أن أنسى فقر أهل بومباي المدقع الذي لم أر مثله في حياتي ، ولا أنسى القلعة المغولية الحمراء في دهلي – وليست دلهي – التي كانت مقر الحكام المغول العظام المسلمين والتي حكم فيها العالم السلطان الكبير أورنك زيب عالمكير الذي حكم الهند خمسين سنة، وإن أنس لا أنسى أبداً استانبول ومساجدها العظيمة ، خاصة مسجد السلطان محمد الفاتح الذي دخلته مرات وكرات ، فلم أدخله إلا بكيت بل ربما انتحبت كنحيب الطفل الصغير ولا تسلني لماذا ؟ لأني لا أدري ما الذي حدث لي حين دخلت ذلك المسجد المبارك ، ولا أنسى يوماً دخلته فإذا به يغص بالمصلين في يوم مطير فسألت فإذا هم يصلون لله شكراً على استقلال أذربيجان ، والناس يبكون وأئمتهم يدعون فكان منظراً لا ينسى أبداً ، ولا أنسى أبداً رحلة تونس سنة 1415هـ وما شاهدته فيها من اندراس شريعة الإسلام حتى أني قد أصابني من الحزن والكآبة ما الله به عليم ، ولا أنسى رحلتي إلى الجزائر سنة 1404هـ يوم كانت في بداية صحوتها الرائعة والمساجد مليئة بالشباب الأطهار ، ولا أنسى رحلتي إلى ترنجانو بماليزيا ، ولا رحلتي إلى ليبيا وما كان فيها من الغرائب العجيبة ، ولا أنسى رحلتي إلى دمشق الشام مراراً وإلى جبل الضنية بلبنان وعشرات الزيارات الأخرى.
* بعد أحداث 11 من سبتمبر تعرض كثير من الطيارين خاصة من عرف عنهم التدين والالتزام بكثير من المضايقات والمشاكل.. فهل مر بكم شيء من هذا القبيل؟ وكيف تعاملتم معه ؟
- لم يمر بي أي موقف ، والسبب أني لم أذهب إلى أمريكا بعد ذلك ، وأعوذ بالله أن أذهب إليها يوماً من الدهر ، إذ ليس للمرء أن يذل نفسه ، وبلد يهان فيه المسلم ويذل ، لا يمكن أن أطأه بعد ذلك أبداً إن شاء الله تعالى ، فالمسلم عزيز فكيف يقبل بتسلط هؤلاء الكفرة عليه ، والبلد لم يبق يحكمه قانون بل صار تحكمه مجموعة صليبية صهيونية فلماذا أذهب إلى مثل هؤلاء ؟ !!
* لكم جهد ملموس في التأليف والكتابة... ولعل أشهر ما ظهر لكم في هذا الباب من كتاب تهذيب أسير أعلام النبلاء ( في أربعة مجلدات) ... فما قصة عنايتكم بهذا الكتاب ؟ وما الفرق بين تهذيبكم وباقي التهذيبات الأخرى؟
- كنت قد دخلت جامعة الإمام – كما ذكرت سابقاً – وكان لي معرفة مسبقة بعقيدة السلف وفقههم وبعض أخبار كبارهم لكن كنت تلك الأخبار قليلة جداً وتكاد تقتصر على الصحابة رضي الله عنهم ، فلما دخلت الجامعة لم تضف إلى علمي شيئاً عن هؤلاء العظام ، وكان كتاب سير أعلام النبلاء قد نزل إلى الساحة آنذاك فاشتريته ، فكان حالي لما قرأته كحال رجل سار بسيارته بسرعة مائة وستين كيلاً في الساعة ثم اصطدم فجأة بجدار فكيف يكون حاله ؟ وهذا بالضبط ما حصل لي ، إذ لما قرأته صدمت واندهشت كيف لم أقرأ عن هؤلاء العظماء قبل ذلك ؟ ! بل كيف لا أعرف أسماء أكثر هؤلاء الذين قرأت عنهم ؟ وكم بكيت طويلاً عند مواقف رائعة في هذا الكتاب العظيم ، فأتيت عليه قراءة وكنت أتمنى ألا تفرغ صفحاته – وهو 23 مجلداً – ثم إني اختصرته بوضع علامات على المهم لعامة الناس ، ثم إني لما التحقت بالدراسات العليا قسم الكتاب والسنة – كما ذكرت سابقاً – وتعلمت أصول التخريج ودراسة الأسانيد على هيئة موسعة شاملة أعدت قراءة الكتاب مرة أخرى واختصرته على أصول منهجية حديثية علمية ، ثم وقفني الله تعالى لإخراجه إلى النور ، وأحمد الله على ذلك.
والفرق بين هذا التهذيب والتهذيب الذي أخرجته مؤسسة الرسالة ، ولا ثالث لهما فيما أعلم ، أن هذا التهذيب يسلط الضوء على قصص العظماء وأخبارهم فيما يهم عامة الناس متعلمهم ، ومثقفهم ، وداعيتهم ، ومشايخهم ، بل حتى من كان يعد في جهلة العوام لما فيه من قصص مشوقات وأخبار مرققات ، وجهاد عظيم ، وزهد جليل ، وغير ذلك من الروائع ، بينما كان التهذيب الذي أصدرته مؤسسة الرسالة تهذيباً علمياً محضاً فحذفوا أكثر القصص والأخبار وأبقوا ما لا يهتم به إلا الخواص من طلبة العلم ، والله أعلم.
* يلاحظ عليكم التركيز على الجانب الروحاني في الخطاب الدعوي والتربوي الذي تنهجونه ، وتغليب ذلك على الجوانب الفكرية ، فما السبب في ذلك ؟
- هذا في الحقيقة ليس مطرداً ، فكتبي الفكرية أكثر من كتبي الروحية ، بل أكثر كتبي يغلب عليها الطابع الفكري والثقافي لكن أمزج الفكر والثقافة بخطاب الروح وما يقوي الإيمان لأن ذلك هو عدة المسلم الحقيقية ؛ فربما لأجل هذا يظهر للقارئ أول وهلة أني اقتصر على خطاب الروح أو أن ذلك الخطاب يحتل المساحة الكبرى في رسائلي وكتبي ، والله أعلم.
* يمر العالم الإسلامي بمرحلة تحولات متسارعة في كل الأصعدة السياسية والإعلامية والتربوية والاقتصادية فكيف تقومون هذه المرحلة ؟ وما تداعياتها على الصحوة الإسلامية ؟
- تقويمي لهذه المرحلة التي نعيشها أنها مرحلة تمييز الخبيث من الطيب ، وأنها مرحلة بلاء وفتنة يشتد بها عود المؤمن ويفتضح فيها المنافق ، وهذه المرحلة ينبغي أن نواكب تحولاتها السريعة بثلاثة أمور :
أ- عدم اليأس والإحباط والتشاؤم ، لأن ذلك يؤدي إلى ضعف وذلة وهوان.
ب- العمل الجاد المتواصل حتى نستطيع أن نقف بالله تعالى والاعتصام بحبله المتين ، فهو المنجي من كل تلك الشدائد.
ت- وقبل كل ذلك وفي أثنائه وبعده: الاستعانة بالله تعالى والاعتصام بحبله المتين، فهو المنجي من كل تلك الشدائد.
وأنا أظن والله أعلم أن هذا الوقت الذي نعيشه هو السابق للفرج ، السائق للتفاؤل، الرافع للحرج ، ولا ننسى أن أشد ساعات الليل حلكة ما كان قبل الفجر ، وأن المستقبل لهذا الدين والنصر لأهله ولو بعد حين.
أما تداعيات المرحلة على الصحوة فأنا أجزم إن شاء الله تعالى إنها لن تعود على الصحوة إلا بمزيد من الصلابة والقوة والعزم على التغيير ، فالصحوة قد جازت القنطرة ، وحازت كل مفخرة ، وفاتت على الأعداء ، واستعصمت على الإنهاء وهي سائرة في الطريق الموصل إلى المسجد الأقصى وخاتمة الحسنى لكن :
صبراً قليلاً ما أقرب الفرجا *** من راقب الله في الأمور نجا
من راقب الله لم ينله أذى *** وكـان منـه اللـــــــه حيث رجا
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
لكن أناشد شباب الصحوة وشاباتها ألا يستنيموا لمثل هذا الكلام ، وأن يشمروا عن ساعد الجد ويقشعوا عنهم الكسل والهوان ، وأن يغتنموا الفرصة المواتية للدعوة والعمل الصالح فربما تأتي الأيام المقبلة بما لا يمكنهم معه الدعوة والعمل : ليالي الزمان مثقلات حبالى ... يلدن كل عجيب
يتبع
الروابط المفضلة