هل بمقدور الأمريكان تغيير الخارطة الأفغانية ؟

تركيبة أفغانستان القومية تماما كما هي في العراق. فهناك البشتون والطاجيك والأوزبك وأقلية من البلوج ، وهناك السنة والشيعة. ومنذ قرون والبشتون يحكمون في كابل كملوك ورؤوساء ، كما أن للبشتون عمقهم في باكستان في إقليم صوبة سرحد ـ بيشاور ـ. ومع كل إحتلال لأفغانستان هب البشتون في باكستان لمساعدة أهلهم في أفغانستان علنا أو بشكل مناورات عشائرية وفتح الحدود أمامهم للدخول الى مناطقهم كملجأ آمن لإعادة وتنظيم صفوفهم ومن ثم العودة الى أفغانستان للمقاومة والجهاد. إستطاعت الامبراطورية البريطانية إيصال 16 ألف جندي الى كابل العاصمة بهدف إحتلال أفغانستان ، ولكن الشعب الأفغاني بالرغم من قلة عدته إستطاع أن يهزم تلك الامبراطورية حينما أجبر قواته على الفرار من كابل عائدة الى باكستان. وفي مضيق كابل المشهور لم ينجو من تلك القوة الضخمة سوى ضابط واحد وكان طبيبا حيث وصل الى بيشاور مخبرا بأن القوة دمرت عن آخرها ولم ينجو منها سواه. وفي التاريخ الحديث لأفغانستان رأينا كيف أن الروس دخلوا بقواتهم الكبيرة الى المستنقع الافغاني الذي ظلوا يتخبطون فيه الى أن إعترفوا بالهزيمة النكراء وجروا أذيال الخيبة عائدين الى موسكو ليجدوا أنفسهم أمام غضب أسر قتلاهم

لم يهزم الأفغان أعدائهم عبر تاريخهم البطولي إلا بعد توحيد صفوفهم بشتونا وفارسا وتركمانا وبلوجا. وفي العراق كان هذا عامل مهم في فوز الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وأقلياته القومية الأخرى في مقاومة المحتل الانجليزي في العشرينات من القرن الفائت

الموقف الذي أعلنه قلب الدين حكمتيار رئيس الحزب الاسلامي يوم 23/9/2001 بأنه لابد للشعب الأفغاني من مواجهة الغزو الخارجي كرجل واحد موقف مطلوب من رباني وسياف وقادة الجهاد بالأمس. إذا كانت أمريكا قد أصبحت مظلة لبعض الدول والأنظمة فالأولى بالافغان الذين يتعرض بلدهم المدمر الى الاحتلال وشعبهم الى التشريد والابادة أن يراجعوا حساباتهم ومواقفهم ويضعوا جانبا خلافاتهم وصراعاتهم ويقفوا كصف واحد في وجه التحديات الجديدة التي هي ليست كتحديات الأمس. تحديات اليوم شارك فيها أصدقاء وأعداء الأمس دون إستثناء

صحيح أن حركة طالبان لم تستطع حل مشاكل البلاد حلا سلميا عادلا ولم تعط حق الاقليات بشكل يصون البلد من الأخطار الخارجية والتصدع الداخلي ، ولكن يبقى الحفاظ على أفغانستان كبلد تم إرساء قواعده إسلاميا واجبا شرعيا على عاتق الجميع. وتدقيق النظر في الحل الأمريكي للقضية الكردية في العراق يضع المرء أمام الحل الأمريكي للقضية الافغانية ، خاصة قضية الاقليات من الطاجيك والأوزبك والتركمان والبلوج. فربما تستطيع أمريكا إزاحة طالبان ولكنها لا تستطع فرض البديل إذا لم يكن بشتونيا وبالاتفاق مع باكستان. إذن كل ما تستطع أن تقدم عليه الإدارة الأمريكية بعد إزاحة طالبان هو فرض حظر جوي في شمال البلاد والضغط على باكستان للقبول بحكومة ذات قاعدة عريضة تضم جميع القوميات والمذاهب الدينية. أي إحياء المشروع الروسي الذي طرحه وزير خارجيتهم الأسبق كوردوفيز عام 1988 قبيل الرحيل عن أفغانستان والقاضي بتأسيس حكومة ذات قاعدة عريضة تضم السنة والشيعة كمذاهب ، و تضم العلمانيين والشيوعيين وأتباع ظاهر شاه كتيارات فكرية وأحزاب لها قواعد داخل الشعب الأفغاني. وربما تطلب أمريكا ـ كما خططت ـ من الأمم المتحدة إدارة أفغانستان كما فعلت في كوسوفو والبوسنة. ولا نعتقد بأن المشروع الأمريكي هذا سينجح نظرا لخصوصيات المنطقة. فالمنطقة هي وسط آسيا وليست أوربا ، والشعوب والانظمة القريبة من القضية هي شعوب وأنظمة متباينة ولكل منها أهدافها الخاصة وسياساتها المستقلة و إرتباطها الدولية المختلفة ومشاكلها كذلك ، ولا تملك بمجموعها كيانا موحدا كأوربا ونظرة واحدة الى قضاياها هي فكيف بها توحيد نظرتها الى قضية لا تؤثر بشكل مباشر على تركيبتها السكانية والاقتصادية ـ بإستثناء باكستان والى حد ما إيران ـ

إذن ، لم تأت أمريكا من أجل سواد عيون الأفغان أو الباكستانيين أو شعوب المنطقة ، بل جاءت من أجل تغيير الخارطة السياسية للمنطقة بشكل يحقق أهدافها ويعزز من هيمنتها الاقتصادية والسياسية

بارك الله في علمك أخي الفاضل..