ذق إنك أنت العزيز الكريم

د.بـــاســــم خــفـــاجــي¨
articles@khafagi.com

لماذا نقبل أن نكون ضعفاء؟ سؤال يؤرقني كل يوم وأنا أتأمل المواقف الرسمية والمعلنة للكثير من قيادات الأمة .. ولا أعني هنا الحكام وأعوانهم .. ولكنني مهتم بمواقف من يقدمون أنفسهم للأمة على أنهم القادة والقيادات؟ .. لماذا يقفون في صف الإدارة الأمريكية وكأنها أصبحت اللسان الناطق بالحق؟ .. هل هكذا نحمي مصالح الأمة؟ وهل بالكذب والخداع نقدم أنفسنا لأمريكا؟

طوال أكثر من أسبوعين وخطابات التعازي الإسلامية من القيادات الإسلامية تنهال على الإدارة الأمريكية بصور معلنة وأخرى غير معلنة .. نحاول كل جهدنا أن ننفض عن أنفسنا تهمة الإرهاب .. نجعل من أنفسنا أشباه عملاء أو نظهر بشكل جبناء .. أختزل القرآن بكامله في كل أحاديث هؤلاء إلى أية واحدة أصبحت على كل لسان .. أن قتل النفس بغير حق .. كقتل الناس جميعاً .. ونسى الجميع أو تناسوا عشرات الآيات و الأحاديث التي تقدم صوراً مختلفة تماماً للمسلم تبعاً للمواقف والظروف التي تمر بها الأمة.

هل أصبحنا نستحي من الإسلام؟ .. هل نشعر بالعار أن يكون من بيننا –وهو مجرد احتمال- من أقدم على ضرب المصالح الأمريكية في أمريكا نفسها ؟ .. أم هو الخوف الذي تمكن من قلوبنا؟ أم هو الوهن؟ هل العار في ضرب أمريكا أم في الرجال –في الغرب- الذين تخلوا عن لحاهم وعن صلاتهم وعن مساجدهم والنساء اللائي خلعن النقاب والحجاب بدعوى الأمان. تساءلت في نفسي وأنا أستمع للقيادات وهي تشجب وتنادي بعقاب من خطط وساهم في التفجيرات الأخيرة .. أليسوا هؤلاء من أمة محمد التي أعرفها .. أليسوا هم من ينادي عقب كل صلاة أن يزلزل الله اليهود ومن شايعهم .. وأن يدمرهم ويهلكهم..

أليست هذه القيادات متفقة جميعاً أن أمريكا ترعى الإرهاب الإسرائيلي طوال أكثر من خمسين عاماً في الشرق الأوسط؟ أليسوا جميعاً يعرفون أن الصواريخ التي قتلت أكثر من مليون عراقي جاءت من أمريكا .. وأطلقت بأياد أمريكية .. على شعب مسلم .. لم يسلم من قهر حاكمه .. ولا من ظلم الغرب له.

إذا كانوا من أبناء هذه الأمة –وهم كذلك بلا شك- فلابد أنهم شعروا بداخلهم أن هذا هو انتقام العزيز الجبار. لابد أن الإحساس بعظمة الله وقدرته على العقاب قد تدفق على قلوبهم وعقولهم.. لابد أن آية " يخربون بيوتهم بأيديهم" قد حضرت في أذهانهم وهم يرون الهزة الاقتصادية واهتزاز الأسواق المالية وتدهور حركة الطيران. لابد أن آية "أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون" .. قد تحركت على شفاههم وهم يرون الأبراج تنهار وكأنها صنعت من ورق .. فلماذا لم نقل للعالم ذلك؟

هل نعتقد أن الإسلام يمكن أن ينتشر أكثر إذا أخفينا جزءاً من حقيقته عن الناس؟ أعلم أن البعض سيتحدث عن حكم قتل الأبرياء .. ولست مؤهلاً للحكم في مسألة حدثت وانتهت، وبالتالي فإن الحكم الشرعي لن يغير من واقعها.

الجميع يتحدث في أمريكا عن الاضطهاد والتمييز العنصري الذي بدأت الجالية العربية والإسلامية في أمريكا تتعرض له، وكأن الأمر غريباً أو شاذاً. إن الحرب ضد الأمة معلنة منذ سنوات بشهادة واقع هذه السنوات العجاف التي تمر بها الأمة، فلماذا نعجب أن يظهر الوجه الحقيقي لهذا العداء. وهل يعقل أن نعيش داخل دولة نتهمها طوال السنوات الماضية بمعاداة العالم الإسلامي ومحاولة قمعه ونهب ثروته وتغريبه وتحطيم قيمه .. ثم نعجب اليوم عندما تظهر مظاهر هذا العداء لتمس مصالحنا اليومية أو راحتنا الاجتماعية؟

المشكلة فيما يحدث اليوم من قيادات المسلمين أنها لا تخدع الإدارة الأمريكية والغرب فحسب، بل والأمة أيضاً عندما تحاول أن تصور المجتمع المسلم وكأنه قطيع من الجبناء ممن لا إحساس له إلا بالمعاناة الأمريكية الآنية. إن هذا المجتمع يتألم طوال السنوات الماضية للقهر الأمريكي الذي يمارس على العالم الإسلامي .. على الرصاص الأمريكي الذي استقر في ظهور ورؤوس الأطفال والمسنين والنساء من الأبرياء في فلسطين وأفغانستان والعراق .. فلم لم تخبروهم بذلك؟

إن المجتمع الإسلامي يتألم طوال الأعوام الماضية على الإرهاب الثقافي والفكري والاقتصادي الأمريكي في وجه كل من يرغب في الحياة بعيداً عن النموذج الحضاري الغربي الذي أصبح إلهاً يعبد من دون الله. فلماذا لم تخبروهم بذلك؟ إن المجتمع الإسلامي لم يفرح لقتل الأبرياء في برج التجارة العالمي ولكنه فرح لانتقام العزيز الجبار ضد الجبروت الأمريكي، فلم لم تخبروهم بذلك؟

إننا جميعاً نعتز بالجهاد ونعلم ألا رفعة للأمة إلا برفع أعلامه وراياته، وما تركه مجتمع إسلامي من قبل إلا وذل وعبثت بمصالحه الأعداء، فلم لم تخبروهم بذلك؟ أنا لا أقول أن ما حدث في نيويورك أو واشنطن كان جهاداً فنحن لا نعلم هوية من قام به، ولكننا لا نستطيع أن نخفي زفرات الرهبة التي امتلأت بها صدور المؤمنين وهم يشاهدون عقاب الخالق يحل على سماء مدينة الأحلام.

بدلاً من أن نشارك في العويل العالمي على اهتزاز الصنم الأمريكي .. علينا أن نعمل على شرح هذا الدين بدلاً من محاولة إخفائه تحت شعارات مقاومة الإرهاب.

إن الغرب يتفنن اليوم في محاولة تحييد الأمة المسلمة وفي الحديث الإيجابي عن حضارة الإسلام وعن سماحة الإسلام وعن قيمة الإسلام .. هل يحدث هذا لأنهم اكتشفوا هذه الحقائق من ألسنة الخائفين .. أم لأن منطق القوة قد كشف لهم عن مارد نائم يتعاون الجميع اليوم لكي يبقى مخدراً أو أن يعود إلى سباته لكي يتسنى للغرب أن يتم مشروع السيطرة على هذا العالم.

القرآن ليس آية واحدة تنتزع من سياقها لترضي من نحب ومن لا نحب .. والدين ليس مطية نستخدمها لنحيا حياة هانئة في أحضان الغرب .. وهيمنة الغرب.. أمريكا في طريقها إلى الانحدار وستأخذ معها من يتشبثون بدعاوى الحرية والعدالة المزعومة .. ومكانة أسامة وكل أسامة - وما أكثرهم اليوم - في قلوب أغلب أبناء الأمة لن تهتز لأن أمريكا العزيزة.. صاحبة السلطة العالمية قد قررت ذلك .. ولنتذكر أن في القرآن أيضاً قوله تعالى: " ذق إنك أنت العزيز الكريم".

** ¨ رئيس مجلس إدارة الـمجـمــوعــة الإعـلامـيــة الـدولـيــــــة - واشـنـطــن - الـولايـات الـمـتحـدة الأمـريـكـيــة.

شكرا أخي موضوع في غاية الاهميه ومميز
كثر الله من امثالك.

لا شلّت يمينك أخي الكريم على هذا العرض الطيّب لواقع الساحة العربية والإسلامية المؤلم و...... المضحك المبكي...

أرسلت بداية بواسطة شمس الضحى
لا شلّت يمينك أخي الكريم على هذا العرض الطيّب لواقع الساحة العربية والإسلامية المؤلم و...... المضحك المبكي...

بورك فيكي

أما أن الساحة مؤلمة فهذا صحيح .. ولكن شمس هذا الدين لا تغيب .. والإنكار حتى ولو باللسان واجب .. والتغيير ممكن .. والله هو المعين