انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 2 من 2

الموضوع: :: التجربــة مقيــاس ::

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2004
    الموقع
    اكناف بيت المقدس
    الردود
    1,229
    الجنس
    أنثى

    :: التجربــة مقيــاس ::

    بسم الله الرحمن الرحيم

    :: التجربــة مقيــاس ::

    بقلم: بسّام جرّار



    عندما وقف جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، أمام النجاشي ملك الحبشة يعرّفه بالإسلام، وجدناه يركّز على النقلة التي نقلها الإسلام للعرَب الجاهليين، على مستوى الاعتقاد والسّلوك. ويبدو لنا أنّ هذا المسلك هو الأمثل لإيصال الفكرة والإقناع بها؛ فالغالبية العظمى من الناس تقتنع بالفكرة بعد أن تلمس آثارها الإيجابية في الواقع، والقلّة القليلة من النّاس هم الذين يحكمون عقليّاً على الأفكار بغض النظر عن انعكاسها في الواقع، أي هم لا يحتاجون إلى رؤية واقع ملموس يؤيّد الفكرة، وهؤلاء هم الذين يؤمنون بالأفكار النظريّة قبل أن تكون واقعاً محسوساً، إنهم القادة الفكريّون، والمصلحون المبدعون. ويبقى هؤلاء قاصرون، مهما بلغت عبقريتهم، لأن القصور من أخص خصائص هذا الكائن المخلوق.

    عندما كان الاتحاد السوفييتي واقعاً يملأ العين والحس، كنتَ تجد الكثيرين يؤمنون بمبادئ الماركسيّة، ولم يكن يجدي معهم تقديم الدليل النظري على تهافت النظرية الماركسية، لأن ضجيج الواقع أقوى من المنطق، ولأن ضخامة الصّنم أقوى تأثيراً في النفوس من قوة الأفكار في العقول. أما القلة القليلة من المفكرين والمنظّرين فكانوا هم الأقدر على الحكم والتقييم، فهم الأقل تأثّراً بعالم الأصنام، لأنهم الأكثر إيماناً بعالم الأفكار.

    عندما انهار الاتحاد السوفييتي، وعندما تهاوى الصنم الضخم، أدرك الناس قصور وخطأ الفكرة الماركسيّة، فكفرت بها الغالبية العظمى من الماركسيّين أنفسهم. وهذه نتيجة حتميّة، لأنهم آمنوا عن طريق الحس، فكيف لا يكفرون عن طريق الحس أيضاً؟!. أما المنظّرون منهم فكان لا بدّ أن يكفروا بالماركسيّة، لأن من أهم أسسها النظريّة أنّ "التجربة هي مقياس الحقائق". وجاءت التجربة لتُثبت أنّ النظرية قاصرة. وهذا من أهم أسرار الانفضاض السريع للناس من حول الماركسية بعد تهاوي الاتحاد السوفييتي.

    جادلتني صحفيّة أوروبيّة في بعض مسائل الاجتماع الإنساني، فسألتها: من الأغنى: الدول الغربيّة أمّ الشرقية المسلمة؟ فقالت: الغربيّة. فسألتها: من الأقوى؟ من الأكثر تنظيماً؟ أين نجد الاستقرار السياسي؟ أين نجد الدّول القوية، والمسئولة، والقائمة بمصالح الجماهير؟ وهي تجيب عن كل سؤال فتقول: الغرب، الغرب،... فسألتها: منذ متى وأنتِ في فلسطين؟ فقالت: منذ أشهر: فقلت: هل شاهدتِ أحداً من النّاس ينام على قارعة الطريق، أو يسكن الطرقات؟ قالت: لم أر أحداً. فقلت: لو ذهبتُ أنا إلى أوروبا أو أمريكا، هل أجد أحداً يسكن الطرقات والأنفاق؟! ولم يكن هناك من داعٍ لأن تجيب، لأنّها أدركت مغزى الأسئلة، وهي تعلم أنّ الملايين من الرجال، والنساء، والأطفال، والشيوخ، لا يجدون المأوى.

    إنّ المنطق العقليّ النظريّ يقول:"لا بدّ أن تكون ظاهرة المشرّدين في بلادنا، وليس في بلاد الغرب" إلا أنّ الواقع العملي يكذّب هذا المنطق. وهذا يعني أنّ الحكم العقلي في قضايا العلوم الإنسانيّة كثيراً ما يخدعنا، فيأتي الواقع ليشهد بقصور هذا المنطق، على خلاف ما يحصل في عالم الرّياضيّات، وعالم الطبيعيات.

    في الشريعة الإسلامية يكفي أن يقول الرجل لامرأته:"أنت طالق" كي تنفضّ الحياة الزوجيّة. أمّا في الغرب، مثلاً، فيحتاج الأمر إلى اتفاق الزوجين، أو الاحتكام إلى القضاء. وعليه فإنّ المنطق العقليّ يقول: "لا بدّ أن تكون نسبة الطلاق في المجتمعات الإسلاميّة هي الأعلى في العالم"، إلا أنّ الواقع يثبت العكس؛ فأنت تجد، مثلاً، أنّ نسبة الطلاق في إيطاليا تصل إلى 85%، أما نسبة الطلاق في أمريكا فتصل إلى ما يقارب 65 % ، أما في فلسطين،مثلاً، فقد أشارت الدراسات إلى أنّ النسبة هي 12% وعندما نعلم أنّ ما يقارب 50% من حالات الطلاق تكون قبل الدّخول، أدركنا أنّ النسبة هي 6% فقط. وعندما نعلم أنّ بعض الأزواج يسجّل طلقة أو طلقتين ثم يرجع زوجته في العدّة من غير عقد جديد ، فإننا ندرك عندها أنّ نسبة الطلاق الحقيقية في قلسطين تزيد قليلاً عن 3 % وهذا ما أثبتته بعض الدراسات. وهذا عجيب، لأنّ الطلاق مجرّد كلمة في فم الرجل!!

    نعلم أنّ البعض قد يبادر إلى تفسير ذلك بالواقع الاجتماعيّ، والقيم، والمبادئ، وطريقة التربية ...الخ. ونحن نعلم أنّ كل ذلك يساهم في خلق واقع مختلف، وليس هذا محل جدال، وإنما قصدنا أن نبيّن أنّ المنطق العقليّ لا يصلح لأن يحكم على كل مسألة بمعزلٍ عن باقي المسائل؛ فلا بد أن تكون الفكرة شاملة، ولا بد من إدراك العلاقات بصورة كاملة. ولا بد من الإحاطة بتأثير القيم، ولا بد، ولا بد، ولا بد، ... قبل أن نُُصدر حكماً في جزئيّة من الجزئيّات. ومثل هذا الإدراك لا يسهل أن نجده في عالم البشر، فيأتي الواقع ليكون البديل الأسهل والأسلم لتقييم الأفكاروالنظريّات والعقائد.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2002
    الموقع
    ارض الله الواسعة
    الردود
    3,060
    الجنس
    ماشاءالله
    موضوع قيم
    استمتعت بقراءته فهو منطقي جدا
    جزاك الله خيرا

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ