بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي :
أيها الأحبة ،، تضاربت ردود الأفعال حول ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين مؤيد ومعارض ، واستقبل بعضنا التهاني والتبريكات وندد آخرون بالعدوان الغاشم واستهداف أرواح الأبرياء .
ولأنه لا بد للمسلم أن يحدد نظرته تجاه ما يحدث حوله كان الأجدر بنا أن نتريث حول هذا الأمر وأن لا نصدر الأحكام إلا عن ترو ونظر ؛ تحقيقاً لقول الحق تبارك وتعالى { وإذا قلتم فاعدلوا } ولقوله { و لايجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله }.
وعليه فقد رأيت أن استجمع رأيي حول هذا الموضوع ، وآمل من الأخوة والأخوات المشاركة بالرأي والمشورة . أقول وبالله التوفيق :
أولاً- العدل واجب علينا في كل الأمور كما قال الله تعالى في الآية المتقدمة . بل لما تحدث الله عن المشركين في نسبتهم الفاحشة إلى الله قال تعالى { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } فنفى أن يكون الله تعالى أمرهم بذلك ، وسكت عن كونهم وجدوا عليها آباءهم ولم يرد عليهم في ذلك لكونه حقاً . وفي حديث أبي هريرة في الصحيح حين جاءه الشيطان ليأكل من تمر صدقة الفطر وعلمه أن من قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (( صدقك وهو كذوب )) فأيده فيما عنده من الحق وبين أنه كذوب فيما يأتيه . هذا ميزان العدل الذي ينبغي علينا أجمعين أن نتحلى به .
ثانياً- من عقيدتنا وإيماننا أن نوالي المسلمين المؤمنين وأن نعادي الكافرين والمشركين والمنحرفين . والعداء يتعلق بالمحبة القلبية ، فلا يمكن لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يود أو يحب من حاد الله ورسوله قال تعالى { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادن من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } . ونحن إذ نبغض الكفار فبغضنا لهم لكونهم كافرين عاصين لله لا لكونهم من الجنسية الفلانية أو من البلد الفلاني . وبغضنا لهم مشوب برحمة وشفقة عليهم على ما هم عليه من الكفر فنسعى جاهدين لانتشالهم من براثن الكفر إلى نور الإسلام عن طريق الدعوة إلى منهج الله ودين التوحيد ، وعن طريق الجهاد في سبيل الله إن لم تنفع الحكمة والموعظة الحسنة وصدنا الكفار عن تبليغ الدعوة .
ثالثاً-نحن مأمورون بأخذ العظة والعبرة مما يحدث حولنا من حوادث .
رابعاً- فيما يتعلق بهذه الحادثة التي حصلت في أمريكا يجب علينا أن نفرق في هذا المقام بين أمور ينبني عليها استخلاص النظرة الصائبة ، فيجب علينا أن نفرق بين الحكومة الفيدرالية الأمريكية والإعلام الأمريكي والشعب الأمريكي ، فالحكومة الأمريكية بتياريها وقفت إلى جانب أعدائنا اليهود وحنت عليهم وأمدتهم بالسلاح ضد أهلنا في فلسطين المحتلة ، وأصدرت أوامرها ظلماً وعدواناً لضرب السودان وغيرها من بلاد المسلمين ، ولأجل هذا فرحنا بما أصابها كحكومة ظالمة باغية .
أما الإعلام الأمريكي فهو إعلام موجه يهودي النزعة و لا أرى أنه يعبر بالضرورة عن رأي كافة الشارع الأمريكي ، وإن كان له تأثير في صنع القرار السياسي والعسكري وتوجيه الرأي العام . ولذا سارع إلى إلصاق الاتهامات إلى المسلمين من قريب وبعيد ، واستظهر لغة الاستعداء تهييجاً للشارع العام كما حصل في انفجار أوكلهوما ستي .
أما الشعب الأمريكي فمنهم أناس عاديون لا هم لهم سوى إشباع حاجاتهم الأساسية من أكل وشرب ونكاح وتحصيل رزق ، فهؤلاء نحزن لما أصابهم من باب الرحمة بالإنسان وكون هذه مصيبة قد تسببت في إزهاق أرواح وتتييم أطفال وقطع أرزاق ، وإن كنا نبغضهم كلهم لما هم عليه من الكفر والإلحاد .
خامساً- ما حدث كارثة إنسانية ولا شك ، وقد تواتر قول بعضنا (ذهبت فيه دماء أبرياء) . ولي على كلمة أبرياء وقفة هي تفريع على ما سبق بيانه :
1- الطائرات المختطفة والمباني المستهدفة إن كان فيها مسلمون فلنا أن نقول إن هناك دماء لأبرياء أزهقت بغير وجه حق ، ودم المسلم عظيم عند الله تعالى وفي الحديث (( لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً )) .
2- أما الكفار الذين قتلوا في هذه الهجمات فلا يخلو أمرهم من حالين إما أن يكونوا قد بلغتهم دعوة التوحيد فأصروا على ما هم عليه من الكفر فهنا هم مجرمون في حق أنفسهم ففي الحديث (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار )) . والحال الثانية أن يكونوا ممن لم تبلغهم الدعوة فهؤلاء أمرهم إلى الله تعالى ، وليس لنا أن نقول عنهم أبرياء أو ليسوا بأبرياء .
3- إن كان في الحادثة أطفال صغار قد قتلوا فإن كانوا مسلمين فلهم حكم آبائهم ، وإن كانوا غير ذلك ((فالله أعلم بما كانوا عاملين )) ، كما قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أطفال المشركين . وإن كنا كما قلت سلفاً نحزن عليهم لأجل الكارثة التي حلت بهم .
وختاماً أقول : إن لنا إخواناً هناك ، وأبناء يدرسون نسأل الله تعالى لهم العون والتوفيق والمساعدة وأن يحفظهم من كل سوء .
كما نسأله سبحانه أن يرينا في أعدائنا يوماً أسود وأن يشفي غيظ قلوبنا فيهم ، إنه قوي عزيز .
هذا ما أراه ، فإن كان صواباً فمن الله تعالى الحمد والمنة ، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشطان ، والله ورسول منه بريئان ، والحمد لله ب العالمين ،،،
الروابط المفضلة