بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سرٌّ من الأسرار*
ما أعجب هذه النفس البشرية , فهي سرُّ من الأسرار , وفيها تتجلى عظمة الله وإبداع خلقه .
فهي مسيرةٌ مخيّرةٌ ,تسلك الطريق السويّ والصراط المستقيم فتصلُ لدرجة الأخيار مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء .
وعلى النقيض .. فحينما تسلك الطريق الخطأ وتتخذ الباطل والهوى دليلاً فهي تسقط لمرتبة الشياطين ومردةَ الإنس والجن , لا ينتشلها منها إلا الذي خلقها .
فعجباً لهذه النفس !
فيها من النار الشهوة والجوع والغضب والحقد والحسد و الغلّ , وفيها من النور العفو والتسامح والحلم والفهم والحنين إلى النورِ الأعظم , وفيها من الطين الآليةُ والتكرار والجمود والرتابة والقصور والخمول والكسل والعجز عن التغيير والتثاقل .
وفيها من الروحانية الإنطلاق والحرية والشفافيّة و الإبتكار والإبداع والخيال والجمال والحب والإيمان .
فهي لا توجد نارية أو نوريّة أو طينيّة أو روحانية , بل هي مزيجٌ من كل هذه المكونات , تصعد وتهبط حسب مقدار أحدها فيها .
فلو تأملنا أنفسنا لوجدنا أننا في حالة تذبذب دائم بين هذه المراتب صاعدين وهابطين من مرتبةٍ لأخرى , من حالة روحانية إلى ناريّة إلى طينيّة .
والصوفيون يطلقون على هذه المراتب ( المقامات ) , ومما لا شك فيه أن الإنسان بطبعه مزيجٌ من كل هذه المراتب , فقد تشدّه جذبات الهوى والشهوة فينزل إلى الحضيض حين لا يذكر الله ولا عذابه , وفي هؤلاء يقول سبحانه : ( إن هم كالأنعام بل هم أضل ) .
وكثيرٌ من الخلق تقوده وتحركه مكوناته الناريّة فهو حقود حسود منصاع لنزواته وشهواته , لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً , يعيش ويرتع كالبهائم .
والقلة القليلة من الناس هم من وجدوا في روحانيتهم السعادةَ والأمان , فالخير طريقهم والحق سبيلهم , يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض , فالتفكر والإبتكار والإبداع والإنطلاق والتحرر من رق الشهوة هو باعثهم على إكتشاف الجمال والحب والإيمان .فهم يلامسون وجدانهم ويحركون مكامن الخير في أنفسهم ليصلوا إلى درجة الأخيار الأبرار ..
وعلى النقيض .. فما أكثر من يستقرّون في المراتب السفلية , حيث الحياة شهوات وأكل وشراب , فلا هموم إلا هموم البطن والفرج .
ويبقى أوساط الناس ممن يتأرجحون بين النار والنور , بين جذبات الهوى وجذبات التسافل , ينتشلون أنفسهم من إغراء ليقعوا في آخر .
فالشيطان لا يدخل إلا على الذين هبطوا إلى المرحلة الناريّة حيث توجد أبوابه ومداخله .
والنفس البشرية بطبعها تميل للراحة والدعة واللذائذ , ولكن السعيد من كبح جماح الشهوة ليرضي ربه ..
قال تعالى محدثاً عن النفس البشرية .. ( فألهمها فجورها وتقواها ) ..
فالنفس كما قلنا مسيّرة مخيّرة إما للفجور أو التقوى , تنزل وترتفع بنقص وزيادة الإيمان والمكونات الروحانية فيها .
يقول تعالى عن عباده المؤمنين .. ( قد أفلح من زكّاها ) .. أي من طهّر نفسه وأرتقى بها عن ما يدنس روحانيتها.
ويقول سبحانه .. ( وقد خاب من دسّاها ) ..أي خسر من خان نفسه ولوثّها وجعل إلهه هواه .. فهل ترى له من مرشد .. إلا الله ؟!
وتستمر هذه الرحلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وينجو من نجا ويسقط من أضاع عمره لهواً وعبثاً وخروجاً عن الحكم الإلهي .
وسبحان الله .. فالمتأمل لحال الإنسان يجد أنه نصفين .. نصف علوي .. ونصف سفلي ..
وقد جمع الله العقل والنور ( البصر ) والجنان والوعي والإدراك في نصفه العلوي .. وجمع الأعضاء ومداخل الشهوات والغرائز في نصفه السفلي ..
فمتى ألتفتت هذه الروح في هذا الجسد إلى نصفها العلوي .. أرتقت و سمَت و فازت .. و متى ما ألتفتت لنصفها السفلي .. سفُلَتْ وخسرت و ضلّت .
وفي النهاية نعوذ بالله من ناره ونسأله أن يهدي نفوسنا إلى نور الحق , لننعم بالنور التام يوم القيامه .
تحياتي
شـادن
رد مع الاستدلال
بارك الله فيك أخيتي...موضوع راائع
الروابط المفضلة