لماذا اخذتنا الدنيا عن الاخرة
بماذ أغوتنا
ماذا ننتظر
ننتظر الأمل والتسويف أم ننتظر الأجل القريب
لماذ نحن في غفلة عن ذلك ؟ كلنا في غفلة. فالغفلة تحيط بنا، لأن الدنيا دار لهو وغرور، وكما جاء في الحديث الشريف " الدنيا تغر وتضر وتمر " هذه صفات الدنيا في ثلاث كلمات. نتصور نحن حينما نتعب...
ما هي حقيقة الحياة ؟ وهل الحياة التي نحن نعيشها فوق هذه البسيطة هي الحقيقة، ام تلك الحياة التي ننقل اليها ؟
وإذا كانت هذه التي نحن الان فيها، والتي تحيط بنا هي الحقيقة فلماذا هي كالسراب لا نلبث حتى نراها تتبخر امامنا.
كان معنا صديقا، حبيبا، عزيزا، أبا، أخا، ابن عم؛ رفيقا.. وبين عشية وضحاها، فإذا بنا لا نجد له شخصا ولا اسما ولا حياة ولا شيء.
لقد دارت الايام وإذا بهذا الانسان الذي كان لديه حساباته، بالبنوك وإعتباراته عند الناس وعلاقاته مع البشر، فإذا به رهين التراب.
اين ذهب ؟ وما هذه الحفرة التي وضع فيها ؟ هل هي بوابة ننفذ من خلالها الى ما لا يمكن لنا ان نتخيله، أم مجرد حفرة ؟
لنضرب مثل إذا كنت جالسا في قارب فوق سطح الماء، ثم وقع خاتمك في الماء،فماذا يبقى لك من ذكرى هذا الخاتم غير انك تذكر انه وقع في هذه النقطة.
ولكن هل الخاتم بقي هناك في الاعماق ؟ ام ان التيارات المائية اخذته بعيدا لا تدري، ولكن في ذهنك ان الخاتم وقع في هذه القطعة من سطح الماء، فقد رأيته يسقط هناك.
نحن اخذنا هذا العزيز وحفرنا له حفيرة ووضعناه فيها ثم اهلنا عليه التراب، ولكن اين ذهبت روحه ؟ لعل روحه ذهبت الى منطقة لو اردنا ان نصل اليها ما وصلنا الا بعد ملايين السنين.
ولا ندري غدا هل سيراه اهله وابناؤه ام لا ؟ فإذا كان مؤمنا صالحا، واولاده ايضا صالحين فسيرونه يوم القيامة، أما إذا هو في جهـة وهـم فـي جهة مغـايرة فإنهـم لا يرونه، وإذا صدفة رأى احدهم الاخر في يوم القيامة، فيوم يفر المرء من اخيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه. يفرون عن بعض ولا احد يريد رؤية الثاني، في ذلك اليوم { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا ورآءكم فالتـمسوا نورا } (الحديد/13)
هؤلاء كانوا اصدقاء وزملاء في نفس العمل والمنطقة.. في نفس الحوزة والمدرسة، ولكن احدهم كان مخلصا والاخر كان منافقا، فيقول المنافق للمخلص: { انظرونا نقتبس من نوركم }.
دعني انظر الى وجهك لأستفيـد من هذا النور الذي اعطاك الله آياه، فتجيبه ملائكة العذاب باستهزاء، وتقول: " ارجعوا ورائكم - أي الى الدنيا - فالتمسوا نورا ".
وهل يتمكن احد حينها ان يرجع الى الدنيا ؟ بالطبع لا؛ اذن لماذ نحن في غفلة عن ذلك ؟ كلنا في غفلة. فالغفلة تحيط بنا، لأن الدنيا دار لهو وغرور،نتصور نحن حينما نتعب على الاولاد، وعلى البيت الذي نبنيه ونقول للمهندس بأننا نريد لهذا البيت ان يبقى مائتي سنة، اننا باقون إلى ذلك الوقت،. نعم، البيت يبقى، لكن نحن نذهب.
وقد يبقى البيت ثلاثمائة سنة او اكثر، ولكن نحن نذهب. فهذه قلاع بعلبك، وهذا ايوان كسرى، وهذه اهرامات مصر.. كلها موجودة، ولكن اين اهلها ؟
والسؤال هنا متى يستيقظ الانسان ؟
الناس نوعان؛ قسم اذا مات انتبه، وقسم حتى وان مات فلن ينتبه، وانما يلهى عنه.
فالشهداء والصالـحون والصادقون تبقى ارواحهم يقظة، وفيها حياة. كذلك الذين محظوا الكفر محظا، فأنهم تبقى ارواحهم فيها حياة، ولكن الفرق ان المؤمنين تبقى لهم الحياة بعد الموت حتى ينعمهم الله بنعيم الاخرة. اما الكفار الممحظين بالكفر، فهؤلاء تبقى ارواحهم يقظة حتى يعذبون، ويعرضون على النار غدوا وعشيا.
ولكن اغلب الناس اذا ماتوا يصبحون في مثل نوم عميق حتى ينفخ بالصور، وما إن ينفخ في الصور فإذا هم قيام ينظرون. ولعل ما بين موت هذا الانسان وقيامه عشرين مليون سنة، ولكن كل تلك السنين تحذف في مخه مثل شخص يخضع للبنج عشر ساعات، فإذا فتح عينيه لا يحس بالساعات التي مرت عليه وهو مخدر فيها، فهم لا يحسون بالايام والليالي التي مرت عليهم.
وحينما يفكر احدنا بأمر الموت والاخرة، تفكيرا منطقيا بعيدا عن اهواء النفس وامالها، يمتلكه شعور بالحيرة ويتساءل كيف يمكننا مواجهة ذلك المصير بقلب مطمئن ؟
ويجيبنا القرآن على ذلك بقوله: { يآ أيها الناس اتقوا ربكم } احتموا من عذاب الله بالاعمال الصالحة.
فإذا كان الجو بارد فانك تتقي البرد بالملابس الشتوية الدافئة، كذلك ( اتقوا الله ) يعني احتموا عن الله سبحانه وتعالى وعذابه بطاعته بالصالحات؛ وبالتقوى، لأن زلزلة الساعة شيء عظيم.
ففي الدنيا وإذا حدث زلزال فإن البيت الذي تسكنه، والحائط الذي تتكئ عليه، وهذه الاعمدة التي يقف بيتك عليها كلها تنقلب.. وبدل ان تحميك تضرك، اليس كذلك ؟
فان الجبال كلها ستندك في الوديان وتسقط من اعلاها الى اسفلها، وفي يوم القيامة هكذا. هذا الزلزال في الدنيا الذي اذا بلغ سبع درجات على مقياس ريختر فانه لا يبقى شيء، وإذا اصبح 10 او 15 درجة - اعوذ بالله -
{ إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت }
لعل هذه الكلمة ( يوم ترونها ) تعني ان الانسان يرى هذا الزلزال.فالله عز وجل يحيي البشر، ويبعثهم فيقومون وينظرون، وبعدما يقفوا كلهم ياخذهم الزلزال العظيم.
يقول يا ايها البشر الذين ابتنيتم البيوت، وشيدتم القلاع، وفعلتم ما فعلتـم، انتـم ايهـا البشـر انظـروا كيـف ان الارض تميـل وتمشـي { وكانت الجبال كثيبا مهيلا} (المزمل/14)
كيف ان الجبال تمشي وكأنها قطن. سلسلة جبال هملايا بقمتها تتزحزح عن مكانها وتترنح كأنها سفينة تتلاقفها الامواج في بحر هائج.
تصور عندما يقول ربنا: { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت } .. هذه الامرأة التي ارضعت الطفل من حليبها، واصبح هـذا الطفـل جزءا من روحها وتفكيرها، فإذا بها تذهل عنه، فتأخذ هذا الطفل وترميه الى جانب وتهتم بنفسهـا وتقـول: ( وانفساه ).
البشر كلهم يجتمعون يوم القيامة مذهولين لا يدرون بماذا يلتجئون والى اين يذهبون، فإذا رأو النبي آدم عليه السلام يتجهون اليه ويحشمونه ان يأتي وينقذهم من هذه الورطة التي هم فيها.
فيقول انا ايضا مثلكم إذهبوا الى ولدي نوح، فتذهب الناس الى النبي نوح عليه السلام ويقولون يا شيخ المرسلين ان مقامك عند الله تعالى عظيم، فخلصنا مما نحن فيه فيقول النبي نوح انا ايضا دعيت على قومي فأغرقوا، انا ايضا مبتلى. إذهبوا الى ولدي ابراهيم، ومن ابراهيم الى موسى، ومن موسى الى عيسى الى ان ينتهي الامر الى نبينا الاكرم محمد صلى الله عليه وآله.
وتذهب البشرية الى النبي محمد صلى الله عليه وآله فتجده باب الرحمة، وشفيع الامة، وهو ما يفتأ يدعو الله عز وجل: ( إلهي امتي.. إلهي امتي ) فتلتجئ عنده التجاء الضمأى الى ماء عليل.
هذه القيامة { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد }
ويا حبذا قبل ان نشهد تلك الهزة ان نهز قلوبنا قليلا، ونلينها.
تصور انت الان تبـني بيتا احلـى البيـوت، وتأثثه بأحسن الاثاث وترتبه بأحسن الترتيب، ولكـن لا تضـع لهـذا البيـت باب، وحين تنـام، وياتي سارق ويدخل ويأخذ الذي يريده ويخرج، دون ان يقف امامه أي حائل، فإذا اردت ان تبيـع هـذا البيـت فأنـك لا تـجد من يشتريه بنفس القيمة التي صرفتها في بنائه، لماذا ؟ لانه بيت لا امن فيه، ولذلك لا قيمة له.
كذلك فإن الانسان اذا لم يكن يعرف كيف يدخل اليه الشيطان ويسرق إيمانه، فمهما يزيد في ايمانه فإنه لا ينفعه شيئا، لان في أي لحظة قد يأتي الشيطان ويسرق ايمانه ويذهب وهو غافل عنه. لذلك فإن اهم نقطة، ان نحاول ان نعرف الشيطان فكيف نتمكن من معرفة الشيطان؟
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله } (الحج/3-4)، يعني لا يهديه الى الطريق الصحيح، { ويهديه إلى عذاب السعير}، الى الجنة يأخذه الى النار.
فأهم شيء هو ان نعرف الشيطان، والطريق لمعرفة الشيطان هو ان نعبد الله بعلم. فمن يجادل في الله بغير علم ولا يعرف الطريق وليست لديه خريطة واضحة، فإن الشيطان يخدعه، ولكن الذي يعرف الطريق الصحيح فإن الشيطان لا يخدعه. لذلك من المستحب شرعا ان يختلي كل انسان في كل 24 ساعة بنفسه ساعة واحدة حتى يتعلم الفقه والمعارف القرآنية، لان الواحد منا إذا تعلم وتفقه في الدين يكون عنده بصيرة وعلم. وعندما يأتي له الشيطان ليضله، لا يتمكن منه.
فنسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا، وان يجعلنا ممن يعتصمون به، ويستعيذون به من شر شياطين الجن والانس انه سميع مجيب.
الروابط المفضلة