السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لقد استمعنا للعين والقلب وهما تتبـــــادلان الاتهام ,,
والآن سنستمع للكبد التي نصبت نفسها حكماً وقالت كلمتها وحكمها في كلٍ من العين والقلب
فهيا أخياتي لنشهد معاً حكم الكبد ...,, وهل سيكون حكمها عـــــادلاًً ؟؟
****************
فلما سمعت الكبد تحاورهما الكلام , وتناولهما الخصام ,
قالت : أنتما على هلاكي تساعدتما ,
وعلى قتلي تعاونتما . ولقد أنصف من حكى مناظرتكما ,
وعلى لساني متظلماً منكما :
يقــول طرفي لقــلبي هِـجت لي سقـماً ,, والعـين تزعم أن القـلب أنـكاها
والجـسم يشـهـد أن العـين كـاذبـةٌ ,, وهي التي هـيجت للقـلب بـلــواها
لولا العيـون وما يجـنين من سـقـمٍ ,, ما كنت مطّرحاً من بعـض قـتـلاها
فـقــالـت الــكـبـد المـظـلـومة ائـتـدا,, قــطعـتماني ومـا راقـبتـما الله ..
يقول آخر :
يقـول قـلـبي لـطرفي أن بـكى جـزعاً ,, تـبكي وأنت الذي حـمّلـتني الوجعا
فـقـال طـرفي له فـيما يعـاتبه ,, بل أنت حمّـلـتني الآمال والـطمـعا
حـتى إذا ما خلا كـلٌّ بـصاحبه ,, ِكلاهـما بـطـويل السـقـم قـد قـنعا
نادتهـما كـبـدي لا تبعـدا فـلـقـد ,, قـطعـتماني بما لاقـيتما قــطعا ..
وقال آخر :
عــــاتبت قلــبي لمـــا ,,, رأيـت جســمي نحيــلاً
فألـــزم القــلب طــرفي ,,, وقــال كنـت الــرسولا
فقـــال طـرفي لقلــبي ,,, بـل كنـت أنت الـدلـيــلا
فقــلـــت كــفّــا جميعــاً,,, تركـتمــاني قـتيــلا ..
ثم قالت الكبد : أنا أتولى الحكم بينكما .
أنتما في البلية شريكا عنان , كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان ,
فالعين تلـتذ , والقلب يتمـــنى ويشتهي ..
وإن لم تدرككما عناية مقلّب القلوب والأبصار , وإلا فما لك
يا عين من قرة ولا للقلب من قرار ..
قال الشاعر :
فـــوالله ما أدري أنفـسي ألـومها ,, على الحـب أم عـيني المشـومة أم قـلبي
فــإن لـمت قـلبي قال لي العـين أبصرت ,, وإن لـمت عـيني قالت الـذنب للقـلب
فـقــلبي وعـيني قد تقـاسـمـتما دمـي ,, فـيا رب كـن عــوناً على العـين والقـلب ..
وقالت الكبد :
والحاكم بينكما الذي يحكم بين الروح والجسد إذا اختصما
بين يديه فإن في الأثر المشهور :
لا تزال الخصومة يوم القيامة بين الخلائق حتى تختصم
الروح والجسد فيقـــول الجسد للروح :
أنت التي حركتني وأمرتـــــني وصرفــتني , وإلا فــأنا
لم أكن اتحرك ولا أفعل بدونك فتقـول الـروح له :
وأنت الذي أكلت وشربت وباشرت وتنعمت ,
فأنت تستحــق العـقـــوبة ,
فيرسل الله سبحانه إليهما ملكاً يحكم بينهما فيقـــول :
مثلكما مثل مقعد بصير وأعمى يمشي ,
دخلا بستاناً فقال المقعد للأعمى : أنا أرى ما فيه من الثمار
ولكن لا أستطيع القيام , وقال الأعمى :
أنا أستطيع القيام ولكن لا أبصر شيئاً , فقال له المقعد :
تعالى فاحملني فأنت تمشي وأنا أتناول ,
فعلى من تكون العقوبة ؟ فيقول : عليهما , قال : فكذلك انتما ..
روضة المحبين ونزهة المشتاقين / لابن قيــم الجوزية ..
الروابط المفضلة