المقاومة هل هي صدامية أم إسلامية ؟
لم يكن كثير من الغيورين يفرق بين مقاومة صدام حسين ومقاومة الإسلاميين نحو المحتل ، فالهدف واحد والمطلوب واحد ، ولهذا كان الجميع يطلق عبارة المقاومة العراقية حرصاً على وحدة الصف وتوحد الجهود .
وكان تصريحات المحتل وأعوانه من الشيعة تتغير دائماً في وصف مصدر المقاومة حسب ماتقتضيه مصلحتهم ، وعندما بدأت المقاومة كان الأمريكان ورجال الحكم من الشيعة ينسبون العمليات للجماعات السنية ورغبة في التنفير كانوا يطلقون عليها مسمى الجماعات الوهابية الخارجية وصاروا على هذا المنوال ، وكل هذا تحسباً لعودة قوية لرجال صدام حسين من خلال التفاف أتباعه حوله ، غير أن السحر انقلب على الساحر ، فقد كانت مثل هذه الفرقعات الدعائية سبباً كافياً في إشعال الحماس في نفوس الشعب العراق للانخراط في العمل الجهادي الإسلامي نتيجة هذه الدعاية ، كما كانت هذه الدعاية كافية لشحذ همم الإسلاميين للتوجه نحو العراق وهكذا ، بدأت تتغير الخارطة كثيراً وصارت المقاومة الإسلامية تزداد قوة .
ثم حصل الانقلاب في التصريحات الأمريكية والشيعية حيث عرفوا حجم خطئهم الكبير ، فبدءوا في نسبة هذه العمليات لصدام وأتباعهم في عملية يهدفون من خلالها إيقاف ازدهار المد السني الإسلامي والذي بدأ يزحف في أرجاء العراق بحيث صار الشعب السني يحظى بتعاطف الكثيرين معه خاصة وأن عمل الإسلاميين صار منظماً فهم يرْعون الأرملة ويعينون العاجز ويقومون على الكبير ويلاطفون الصغير من خلال الأعمال الإغاثية والدعوية والتي رأى فيها الناس مقدار مايكنه هؤلاء لهم ، وصرنا نسمع عن قصص يحار العقل منها من خلال تأثر العوام بهم ثم تضحياتهم بل وحتى أصحاب الكبائر شاركوا في المقاومة مشاركة فعالة ، فسمعنا مثلاً عن ' أبي حمّود ' والذي يشرب الخمر في الليل ، ويجاهد مع الصالحين في الصباح ، ويقول لمن معه ادعوا لي لعلي أتوب ، حيث كان قبل سقوط بغداد معروفه منكراً ومنكره معروفاً ، وغيره من الأمثلة كثير .
ثم انتقلوا بعد ذلك لوصف المقاومة العراقية بأنها فرع لتنظيم القاعدة الأجنبي ، وأن مايحصل في العراق هو نتيجة خطط نقلتها القاعدة من الحرب الأفغانية لبلاد العراق ، وأن المعركة الآن تدار من خلال قيادات القاعدة في العراق ، ونحن لاننكر أن القاعدة انطلقت بقوة في الحرب العراقية ابتداء وكانت تستحوذ على عدد كبير من العمليات وهذا في أول الاحتلال نتيجة خوف الناس وترددهم في مقابلة المحتل غير أن الوضع اختلف بعد ذلك ، فانطلق العراقيون برجالهم ونسائهم في هذه المهمة مما جعل القاعدة ترى أن الأنسب لها الدخول تحت مظلة جماعة ' أنصار الإسلام ' وهكذا تلاشت القاعدة ظاهرياً من خلال هذا الالتحام ، والذي قطع محاولات الشيعة في إثارة فتنة سنية سنية من خلال حديثهم عن رغبة وهابي السعودية – كما يصفونهم - في تولي زمام الأمور في العراق .

انطلاقة أقوى لأعمال المقاومة
لاشك أن اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يكن بذلك الخبر الذي يسر المؤمنين سواء من أصدقاء صدام أو أعدائه ، فأصدقاؤه على يقين بتغيرات كبيرة وجذرية في حياته في السنوات الأخيرة ، وهذا مايعتقده عدد كبير من الإسلاميين على مستوى العالم ، بل ويعتقد عدد من المفكرين أن سبب الحرب على صدام هو ظهور علامات خطيرة على أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية من خلال توجهه نحو الإسلام [ وتستطيع من خلال هذا الرابط أن تحصل على الجزء الثاني من ملف صدام في الإسلام والذي يحكي التغيرات الأخيرة في حياته http://links.islammemo.cc/xfile/one_news.asp?IDnews=249 ] ، وأما أعداؤه من الإسلاميين فلاشك أن سبب حزنهم هو وقوعه بيد المحتل والذي مافتئ يظهر الشماتة والتهكم بكل من سقط بيده من القيادات العراقية السابقة .
ونحن في هذا الحدث فإنا نتذكر قوله عز وجل : ' وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ' ونظن أن هذه الخيرة ستكون من أوجه عدة :
1- كانت المقاومة مختلفة في كيفية التعامل مع صدام عندما كان حياً ، فبعضهم يرفض مبدأ التعاون معه ابتداء بحكم أن الأرض صارت للجميع وليس لصدام لوحده ولن يكون قتالهم من أجل إرجاع رجل طالما قد حصل منه عليهم الكثير من الحيف وهذه يمثلها جماعة أنصار الإسلام والتي يتبعها مجاهدو العرب والأكراد وقلة من العراقيين العرب ، وطائفة أخرى ترى مبدأ التعاون معه بل ويزيد بعضهم التوجه نحو صدام فلايمانع من القتال لأجل إعادته مقابل أن يقيم حكماً إسلامياً مقبولاً من الجميع ، وطائفة ثالثة وهي التي ينتمي إليها أغلب رجال المقاومة تتعامل مع صدام بذكاء وتحسباً لأي حادث فهي عندما تقابل صدام أو أحدا من أتباعه تقر له بالحكم والولاية وفي نفس الوقت تقاتل جهاداً قوات المحتل وعملائه وكما يقول أحد زعمائها : نحن لانريد أن نحرق ورقة قد نحتاجها يوماً فلو عاد صدام للحكم فسوف يذكرنا نحن ونتوقع أن يكون لنا عنده حظوة خاصة وهو المعروف بأنه لاينسى من أحسن إليه وإن قدر الله قتله أو اعتقاله فإن عملنا غير مرتبط به بأي حال من الأحوال ، وبالتالي نكون قد وفقنا في الحصول على نصيبنا من الاحتمالات الممكنة ، وهذا الرأي كان يراه الفريق السياسي لدى ' مفكرة الإسلام ' بحكم أنه يتعامل مع كل الاحتمالات الحسنة والسيئة .
وبعد أن تم اعتقال صدام فإن هذه الخلافات في وجهات النظر ستزول قريباً أو ستقل بطريقة يمكن من خلالها لمّ الصف وتوحيد الجهود .
2- كما أن الناس قد صدموا من حزب البعث ثلاث مرات في بضعة أشهر ، فسقوط بغداد كان من خلال قادته العسكريين ، ومقتل ابني صدام تم أيضاً من خلال خيانة ترجح أغلب المصادر أنها من أحد أعضائه ، وأخيراً القبض على الرئيس السابق بطريقة لايشك أحد فيها أنها تمت بخيانة جديدة ، وكل هذه الخيانات تجعل من حزب البعث شيئاً من الماضي ، وبالتالي فالقبض على الرئيس العراقي السابق هو في الحقيقة إعلان نهاية الحزب ، والحقيقة التي لايمكن إغفالها أن أعضاء حزب البعث رأوا أن بقاء صدام في الحكم هو نهايتهم المنتظرة وذلك أنه تبرأ من كثير من مبادئ حزبه في سنواته الأخيرة بل وطرد عدداً من أعضائه ، فكان لابد من التضحية به بعدما بدأ بتغيير جِلْد حزبه.
3- شخصية صدام تبقى قوية ومؤثرة ، ويكفي أنك تسمع كثيراً عبارة : لم يحكم العراق سوى شخصين الحجاج وصدام ، وهذا ماجعل كثيراً من الإسلاميين يتخذون أسلوب الملاطفة معه في عمل المقاومة فهو يبقى شخصية يتذكرها العراقيون جيداً ، فهو أول من قتل طموح شيعة إيران ، وأول من أطلق صواريخ على إسرائيل منذ نهاية الحرب العربية الإسرائيلية بخلاف قذائف الكاتيوشا الكرتونية من حزب الله ، كما أنه قتل حلم الهلال الشيعي والذي يقصد به تطبيق فكرة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر من جهة اعتناء أمريكا بأصدقائها الشيعة وأنهم خيارها الناجح في المنطقة ، وفكرة كيسنجر تقوم على أساس إقامة هلال شيعي يمتد من إيران شرقاً ويمر بالعراق وسطاً حتى سوريا ولبنان غرباً وهو مايكفل تقسيم العالم الإسلامي السني إلى قسمين شمالي وجنوبي بحيث تضعف قواه من خلال استعمال أسلوب الإشغال والتشويش من خلال هذه الدول الشيعية .
ولذلك لم يكن هناك أمل كبير في خروج شخصية سنية إسلامية في ظل بقاء صدام ذي الشخصية القوية في صف القتال ، وسوف تحمل لنا الأيام المقبلة شخصيات جديدة في مختلف نواحي مقاومة المحتل سواء منها السياسي أو القتالي خاصة وأن شعب العراق شعب حضارة لاتعجز أرحام نسائه عن إخراج رجال وأبطال .
4-ونختم هذا التفاؤل بحقيقة لم تعد تخفى على أحد في العراق والذي يشهد عودة جماعية للانخراط في الأعمال الجهادية والدعوية ، فتستطيع أن تقف عند أي مسجد ولن نعجب عندما تجده ممتلئاً عن بكرة أبيه وقد افترش الناس الشارع من شدة الازدحام ، وتستطيع أن تدخل أي مسجد فتجد حلقات القرآن قد ملأت أطرافه ، وعندما تسير في الشارع فستجد المرأة العراقية في أبهى صورة إسلامية ، ولن تستغرب انتشار الشريط الإسلامي والكتب الدينية والتي مع شدة فقر الناس فإنهم أخذوا يشترونها وينهلون منها ، وأما الجهاد والمقاومة فقد شاركت فيه حتى النساء مع الرجال من خلال عمليات استشهادية كبيرة والقادم أعظم وأبهى .
[والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون]