مفكرة الإسلام : سقطت بغداد قبل عدة أشهر فسقطت تبعاً لذلك عراق الخلافة في يوم لانظن أنه وقع لأرض الإسلام شيئ يقاربه في القرون المتأخرة ، فكان يوماً عظيماً على نفوس المسلمين مازالت جراحه لم تشفَ ولن تشفَى حتى يكتب الله النصر لهذا البلد الكريم ، وعلى النقيض من ذلك كانت الأفراح قد تعالت من بيوت أحفاد ابن العلقمي شيعة العراق فدكّوا وأفسدوا وغيّروا بلداً كاملة في مخطط رهيب نشرت المفكرة جزءاً منه قبل أكثر من ثلاثة اشهر حتى غيروا الكثير من المعالم الرسمية والشعبية انتظاراً ليوم الاقتراع الموعود والذي يطالبون به الآن لاعتلاء سدة الحكم في عراق السنة المغصوب ، وبدأ الناس بعدها في مرحلة المراجعة والمحاسبة فقرروا أن يعيدوا سيرة المثنى وغيره من أبطال العراق مستعيدين أيام القادسية والمدائن ، وانطلقت أولى شرارات المقاومة من أهل العراق من الفلوجة [ والبعض يقول أنها كانت من الرمادي والفخر لهما جميعاً ] ولم تكن بداية المقاومة العراقية موفقة ، حيث الخوف كان يسيطر على الجميع فصدام مازال مصدوماً بخيانة القيادات العسكرية من حزب البعث وتسليمهم لبغداد والذين رأوا أن صدام لم يعد خيارهم المفضل في ظل توجهه التدريجي نحو الخير خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه ، ومن جهة أخرى فإن الشعب يعيش مرحلة صدمة الاحتلال وبيع البلاد من قِبَل الزعامات الشيعية والقيادات البعثية .
وكانت المبادرة من ضيوف العراق من بقايا المجاهدين العرب والذين باعت أغلبهم قيادات البعث العسكرية الخائنة للشيعة حيث تم إبادة كثير منهم على يد الشيعة في مقابر جماعية في منطقة صدام أو كما تسمى الثورة وتم قتل عدد منهم في مستشفيات بغداد على يد رجال الدين الشيعة وأتباعهم ، وهؤلاء المجاهدون التفوا حول مقاتلي القاعدة والذين كانوا من أكثر الجميع تنظيماً بحكم عملهم الجهادي السابق في أفغانستان والبوسنة وبدءوا في عملياتهم من أول سقوط بغداد في مناطق الشمال من العاصمة غير أنهم قرروا الدخول مع جماعة أنصار الإسلام لكونها الأعرف بالأرض العراقية كما أنهم خشوا أن يحصل لهم الأذى من خلال جواسيس الشيعة والأكراد من أتباع الحوزات الشيعية وقوات طالباني الكردية والذين يستطيعون التعرف عليهم في الغالب من أشكالهم ، وهذا مايفسر توقف أي عمل قتالي للقاعدة في العراق خلال الأشهر الماضية.
وأما العراقيون فقد بدأت الثقة تزرع في نفوسهم رويداً رويداً ، وكان انطلاق شرارة المقاومة بعد عشرة أيام من الاحتلال ولكنها كانت مقاومة خجلة ، وصارت الوتيرة القتالية تزداد يوماً بعد يوم حتى أصبحت تقف وجه الند للقوات المحتلة من خلال عمليات خاطفة وموفقة كثيراً ، ومع هذا التقدم بدأت الثقة ترجع لأعضاء حزب البعث وخلاياه العسكرية فانطلقت أولى عملياتهم بعد ثمانية عشر يوماً ، ولكن الجميع منهم كان يشعر بالخوف وعدم الثقة في الآخر نتيجة ماحصل من كبار قادتهم العسكريين ، مما جعل عدداً كبيراً من الألوية والعمداء ينضمون لعمليات المقاومة الإسلامية لأنهم كما يقول أحد هؤلاء : مصدر ثقة واطمئنان ، وبدأ الخوف يتلاشى من نفوس أهم جهتين عسكريتين لدى صدام بعد سقوط حكمه وهما فدائيو صدام وقوات النخبة والتي كانت مكلفة أصلاً بالعمل بعد سقوط حكم صدام حيث إنها منتخبة من القوات العراقية الخاصة ، وقد كانت نسبة العمليات العسكرية في بداية الحرب تتجه نحو المقاومة الإسلامية بنسبة تتجاوز السبعين في المائة والبعث قرابة العشرين في المائة والباقي عبارة عن عمليات متفرقة لمجموعات وطنية وإسلامية صغيرة وشعبية فردية ، وبدأت بعدها النسب تتبدل نتيجة خطابات صدام الحماسية والتي خلا أكثرها والأخيرات منها بالذات من أي شيء قد يفقده تعاطف الناس معه ، كما ساهمت حالة العجز الأمريكي من عملية اعتقاله في رفع أسهمه ، حتى أصبحنا نشاهد بعض المظاهرات التي تنادي باسمه وبعودته لسدة الحكم ، وصار الالتفاف الشعبي حوله أكثر وقد ارتفعت نسبه في العمليات حتى وصلت إلى أكثر من ثلاثين في المائة خلال فترة وجيزة ، وزاد التعاطف معه بعد قتل ولديه عدي وقصي وحفيده مصطفى غير أن هذا التعاطف كان من قِبَل العامة ، أما أتباعه من فدائي صدام وقوات النخبة فقد كانت هذه قاصمة لهم في أحلامهم لأن قتل عدي وقصي تم في الغالب بخيانة داخلية ، وبالتالي مازالت الخيانة تعصف بحزب البعث واحتمال القضاء على الجميع صار وارداً ، فمن استطاع قتل قصي وعدي فلن يعجزه قتل جميع القيادات العسكرية مما جعل أعداداً مهمة تترك العمل معهم وتنخرط في المقاومة الإسلامية تراوحت رتبهم العسكرية مابين لواء وعميد وعقيد ومادون ذلك ، وهذا يفسر النقلة الكبيرة التي تمت على عمليات المقاومة الإسلامية في الأشهر الأخيرة من حيث دقة التنظيم وجودة التنفيذ وهي مادفع القوات المحتلة إلى الاعتراف بها بل وتجاوزت كل التوقعات عندما أصابت الرئيس الأمريكي في مقتل حيث دخل بغداد دخول الخائفين في ليلة ظلماء من غير مرح أو فرح ثم ولّى هارباً من غير نور من طائرة متجهة نحو أرض النجاة ، أما بريمر فقد جعلته قذائف المقاومة لايتجاوز قصره إلا قليلاً من خلال زيارات خاطفة معتذراً بأنه يحب الجلوس في قصره كثيراً لأنه يحب أن يتذوق الكباب العراقي المشوي ، كما قامت المقاومة العراقية الإسلامية كذلك بتسوية مبنى الأمم المتحدة بالأرض مخلفة مندوب عنان مقتولاً تحت أنقاضها ، ولم تتوقف عند هذا بل زادت من جرأتها بأن صبت قذائفها نحو الفندق الذي يسكن فيه نائب وزير الدفاع الأمريكي في العراق والذي خرج بعدها مباشرة من أرض الجحيم كما يحلو للجنود الأمريكان أن يسموها .