تربع الشيخ جارح وسوى عمامته والتفت على أحد طلبته الذين تحلقوا حوله وكأن على رؤوسهم الطير قائلاً:
- أين بلغنا في درس الأمس يا بني؟.
- بلغنا قول المؤلف : " والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك".
- نعم ، نعم ، وقلت لكم : إن الحق هو ما عليه جماعتنا المباركة ، ومن خالفنا فقد تنكب عن الجماعة ، و ابتدع في الدين ، وخالف سبيل المؤمنين ، و..
وفجأة...
سمعوا طرقاً شديداً على الباب..
فقطع الشيخ حديثه ، والتفت إلى أحد الطلبة الذي هب إلى الباب ففتحه...
وإذا برجل أشعث الرأس مسوّد الوجه يصيح:
- يا شيخ .. يا شيخ ... بيت (عادل) يحترق..
فما زاد الشيخ على أن التفت – وهو جالس - إلى مصدر الصوت:
- وما شأني؟.
- نريد منك ومن طلابك المساعدة..
- وهل تريد مني إصلاح ما أفسده (عادل) بسبب إهماله؟.
- يا شيخ ...البيت مليء بالنساء والذرية!..
- هو السبب ، هذا نتيجة إهماله..
وأومأ إلى من فتح الباب فأغلقه بوجه الرجل ، وعاد إلى المجلس ، فأكمل الشيخ درسه وقال :
- واعلموا أيها الأبناء أن من تكلم في جماعتنا المباركة فهو رجل ضال ، مبتدع ، خبيث.
فسأل أحد الطلبة:
- حتى لو كان من أهل السنة؟.
- كيف هذا ؟ أنت لم تفقه إلى هذا الوقت ؟ كيف يتكلم أحد على جماعتنا المباركة ويكون من أهل السنة؟ هذا مبتدع ، بل أخبث من أهل البدع لأنه يلبس على الناس أكثر...
وقطع الحديث طرق على الباب أشد من الأول...
فهب أحدهم لفتح الباب ، فإذا بذلك الرجل نفسه يصيح :
- يا شيخ ... الحريق قد وصل إلى بيت (صالح)...
- صالح ... أتعني ذلك المبتدع ؟..
- يا شيخ ... هبوا لإنقاذ من في بيته ، ثم انصحوه.
فأومأ برأسه وقال :
- هذه عقوبة عاجلة من الله لهذا المبتدع.
وأومأ إلى من فتح الباب فأغلقه.
وأكمل الشيخ قائلاً:
- انظروا إلى العقوبة العاجلة لهذا المبتدع الخبيث ، فإنه من المتسترين بمذهب السنة ، ولكن الله هتك أستاره لما تكلم بجماعتنا المباركة ، ثم زاد عليه العقوبة فاحترق بيته.
فقال أحد الطلبة:
- يا شيخ ... ولكني أعرف (صالحاً) ... ولم أر عليه أي بدعة!..
- هذا لأنك لم تتمكن في علم (الجرح والتعديل) بعد ، وهذا ما يجعلني أقول لكم أن المتستر بالسنة أخطر من المبتدع المصرح ببدعته ، هذا الرجل رأيته مرارا ً في المسجد لا يلتفت إليّ ولا يسلم عليّ ويعرض عني.
- هل هذه بدعة؟.
- نعم ، نعم ، لو كان من جماعتنا المباركة لسلم علي!.
وقطع الحديث طرق شديد للمرة الثالثة ، فلما فتح الباب ، إذا بنفس الرجل يصيح :
- يا شيخ .. الحريق قد وصل إلى المسجد.
فالتفت إليه الشيخ ، ثم قال :
- قد ظننت هذا الأمر ، لأنه مسجد لا يسلم من صلاة المبتدعة فيه ، قد أكثرت علينا أيها الرجل ، لا تأت إلينا مرة أخرى .
- يا شيخ ...المسجد!.
- وإن كان مسجداً ... السبب الأول هو (عادل) وهو الذي يبوء بالإثم .
وأومأ إلى من فتح الباب فأغلقه.
فأكمل الشيخ :
- انظروا إلى شؤم البدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله ... حتى المسجد لم يسلم.
- يا شيخ ... ولكن لماذا لا نعينهم في إخماد النار عن المسجد؟.
فتنحنح الشيخ ، ثم قال :
- يا بني ... إن الذين يقومون بإطفاء الحريق أخلاط من الناس ، منهم المبتدع ، ومنهم الفاسق ، وجماعتنا نقية منهم ، ولو شاركناهم لأصابنا شيء من شؤمهم.
ثم التفت إلى أحد الطلبة وقال له :
- اقرأ بارك الله فيك.
وقبل أن يقرأ ...دوى صوت شديد أفزعهم...
فهبوا جميعاً يتسابقون – ومعهم شيخهم – إلى الباب...
وما إن فتحوه وخرجوا...
حتى سقط جدار بيتهم...
وقد اندلعت منه ألسنة النيران من كل جهة ...

الشيخ ناصر الفهد