يتحدث الشيعة- ويكثرون من الحديث – عن كونهم يمثلون الأكثرية من سكان أهل العراق، وأن أهل السنة والجماعة لا يشكلون فيه إلا أقلية قليلة هي ربما أقل من بعض الأقليات الأخرى الموجودة فيه !

وقد ازداد حديثهم هذا كثرة في الفترات الأخيرة خصوصاً بعد الاحتلال: تسمع هذا في الإذاعات والفضائيات، وتقرأه في الكتب والنشرات ، وتجده على ألسنة الناس، حتى من أهل السنة أنفسهم.

في الوقت نفسه تجد أهل السنة يعرضون عن هذا ولا يذكرونه أبداً حذراً من الإثارة الطائفية رغم أن الطرف الآخر لا يحذر مما يحذرون، ويكثر من ذكر ما لا يذكرون !

لقد آن لنا أن نسأل : هل صحيح ما يقوله الشيعة من أنهم الأغلبية وأن أهل السنة هم أقلية ؟ أم أنه مجرد إشاعة تلقتها الألسن ورددتها الأفواه فرسخت في الأذهان لطول التلقي وكثرة الترديد، لا لأنه يقوم على مستند من العلم أو أساس من الواقع ؟

وآن لنا نجيب عن هذا السؤال لأجل أن يعلم الناس الحقيقة من الزيف في الداخل والخارج.

· حقائق لابد من تقديمها :

وقبل مناقشة الموضوع نقاشاً علمياً إحصائياً أود تقديم الحقائق التالية :

1- الحق يقوم على الحقيقة والعلم، ويعتمد البرهان والدليل، والباطل يقوم على التزوير والخداع، ويعتمد الدعاية والتضليل وخلط الأوراق والتلاعب بالألفاظ.

والله يقول [ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ] [البقرة من الآية 111].

2- يمتاز العقل الجمعي للمجتمع البشري – أو قل : عقل المجتمع كمجموع – بقابليته على التأثر بما يكثر وروده عليه ، والتصديق بما يكرر طرقه على سمعه من معلومات مهما كانت خاطئة أو بعيدة عن الواقع ! فكل ما يكثر اشاعاته ونشره على أسماع المجتمع تجده – بعد مدة – يرسخ ، ويمسي كحقيقة مسلمة في أذهان الكثيرين من أفراده.

هكذا انتشرت العقائد الباطلة والأفكار الفاسدة، والنظريات الهدامة، بل الخرافات والأساطير في جميع المجتمعات . ولكل مجتمع عقائده وأفكاره وخرافاته وأساطيره التي رسخت فيه كحقائق مسلمة نتيجة الإشاعة والطرق المستمر، وما اليهودية والنصرانية والبوذية والمجوسية والشيوعية إلا أمثلة على ما أقول.

ومن هذا الباب وجود ما يسمى بـ [الخطأ الشائع] فكثير من المعلومات والاعتقادات والتصورات إن هي إلا أخطاء شائعة لو دُرست علمياً ومُحصت على ضوء الدلائل والبراهين لظهر زيفها وبان خطؤها، ولذلك قيل: [كل مكرر مقرر]. ولأهل الباطل مقولة مشهورة تعتمد على هذه الخاصية التي يمتاز بها العقل الجمعي هي: [ اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس].

3- إن التفرقة الاجتماعية والتجزئة السياسية ليست حلاً لأي طائفة أو فئة من فئات المجتمع، مهما كان حجمها كثيراً أم قليلاً، أكثر أم أقل. فليس الحل بأن تستحوذ الفئة الكبيرة أو الأكبر على مقدرات البلد، وتظلم الفئات الأخرى وتهضم حقوقها، ولا بأن يقسم البلد أو تتناحر فئاته على أساس اختلاف هذه الفئات.

إن جميع بلدان العالم تتشكل مجتمعاتها من فئات مختلفة في انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية والفكرية، ولقد ضمت دولة الإسلام تحت جناحها عشرات الأقوام والمذاهب وإلحاديان.

إن الحل في وجود قانون متوازن يسري في أوصال المجتمع فيحفظ للكل حقوقهم.

وتأسيساً على ما سبق أقول: ليس دافعنا فيما نكتب أن نثبت أننا الأكثرية لتكون لنا الحصة الأكبر، فإن كل مسلم واع ووطني صادق لا تقف مطامحه دون الحصة الكاملة يتشارك فيها مع الجميع على قدم المساواة والعدالة.حصة يكون الجزء فيه كأنه هو الكل، والكل ممثلاً للجزء. إن صاحب الدار لا يرضى بحصة أو حجرة له فيها مع اللصوص. لكن بأن تكون هذه الحجرة لزوجته وتلك لأخيه وثالثة لولده إذا كان هذا التوزيع ضمن الدار الواحدة. إن الذي يريد التقسيم تحت أي ذريعة سارق لئيم، وإن الذي يريد أن يفوز بالحصة الأكبر على حساب الآخرين ظالم معتد أثيم، وفي تراثنا قصة مشهورة ملخصها أن امرأتين جاءتا الى سيدنا سليمان عليه السلام تختصمان في ولد ذكر كل واحدة منها تدعى أنه ولدها دون الأخرى، وحين نادي عليه السلام بالسكين ليقسمه بينهما ولولت إحداهما وقالت: انه لصاحبتي، بينما ظلت الأخرى ساكتة فعرف سليمان عليه السلام أن الولد لتلك التي لم ترض بالقسمة فحكم به لها. إننا نرفض التجزئة ونرفض الظلم على أي أساس كان وأية نسبة كانت.

4- ديننا دين الجماعة والمحبة والصلة وحسن الجوار. ونحن [أهل السنة والجماعة]. السنة عندنا معناها الحق والدين كله، والجماعة هي الوحدة والتآلف المقابل للفرقة والتناحر، فانتماؤنا للإسلام حسب معادلة لها طرفان أحدهما السنة والآخر الجماعة.

وسلوكنا قائم على المحافظة على التوازن بين طرفي هذه المعادلة بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر ولا يكون على حسابه. فنحن نؤمن بالحق ونصرح به، وفي الوقت نفسه نمد يد التعاون والأخوة والجماعة إلى الآخرين.

ودولة الإسلام كانت تضم أدياناً متعددة عاش أصحابها جنباً إلى جنب مع المسلمين، وحين طاردت الصليبية فلول اليهود في الأندلس بعد انهيار دولة الإسلام لم يجد اليهود ملاذاً لهم إلا أرص المسلمين ودولتهم فهاجروا إليها. والله تعالى يقول [ ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ] [المائدة: من الآية 2 ] ويقول [ لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ] [ الممتحنة 8 ، 9 ].

وحين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وجدها مختلفة الأديان والأعراق، لكن حين أقام دولته أقامها على أساس الوحدة الوطنية، وليس على الأساس التفرقة الدينية أو العنصرية.

العراق بلد فيه نصارى وفيه مسلمون وفيه يهود كذلك، وهؤلاء أديانهم مختلفة، ولكن هذا الاختلاف في الدين لا يمنع التقاءهم على مصلحة بلدهم. فهم – وإن اختلفوا دينياً – يجب أن يتحدوا وطنياً.

وفي العراق كذلك طائفتان كبيرتان هما أهل السنة والجماعة والشيعة، واختلاف هاتين الطائفتين دينياً لا يمنع التقاءهما سياسياً ووطنياًن بل هذا واجب شرعي ومطلب وطني، عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم من أجل تحقيقه وترسيخه، وعليهم أن يشيعوا بين جماهيرهم وعوامهم أن الاختلافات الدينية أو الطائفية لا ينبغي أن تكون عقبة في سبيل الوحدة الوطنية.

ولأكمال الموضوع بالأرقام ادخل على هذا الرابط
أضغط هنا