االشيخ د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي
إن من يطلع على مطالب الطائفة الشيعية المقدمة لولي العهد يجد مفهوماً جديداً لحرية الأقلية ليس له نظير ؛ لا في تاريخنا الإسلامي ولا في المجتمعات الديموقراطية المعاصرة التي تقرر بدهياً أن المطالبة بالحرية إلى حد التجاوز إلى حرية الآخرين هو عدوان يجب على الكافة رفضه . وتقرر بالبداهة أيضاً أن للدولة حق معاقبة المواطنين إذا ارتكبوا ما يحظره الدستور ( كترويج المخدرات مثلاً ) وإسقاط الاحتجاج عليه بدعوى الحرية !!
والسابقة الوحيدة لتحقيق مطالب الشيعة ن والنتيجة المنطقية لها هي استبداد الأقلية بحكم الأكثرية مثلما حدث للمعتزلة حين فرضوا على الأمة عقيدة القول بخلق القرآن ، ومثل بعض الدول الأفريقية التي يحكمها النصارى مع أن المسلمين فيها 95% أو أكثر .
إن مطالبة أي طائفة بحرية العبادة شيء ومطالبتها بالتحكم في عقائد الأمة كلها شيء مختلف تماماً .
وفي هذه البلاد يولد الشيعي ويموت شيعياً دون أن يحاسبه أحد على ذلك وهذه هي حدود حرية الاعتقاد . أما ما يعتقده أهل السنة في الشيعة وغيرهم وما يجب عليهم من بيان الحق ودعوة الأمة إلى العقيدة الصحيحة وتربية أبنائهم عليها في مناهجهم وغيرها فهذا واجب ديني على أهل السنة لا يحق للشيعة ولا غيرهم المطالبة بإسقاطه ، ولا يجوز للحكومة الاستجابة له وإلا فقدت شرعيتها ووقعت في ظلم الأكثرية لمصلحة الأقلية وناقضت دستور البلاد ومفهوم الحرية نفسه !!
وهذا ما وعته الدول المعاصرة في العالم الإسلامي وغيره ، والأمثلة على هذا كثيرة ؛ فطائفة " شهود يهوه " مثلاً تطالب بحقوقها في البلاد الكاثوليكية ، لكن غاية ما تطلبه هو السماح لها بأداء شعائرها وطبع منشوراتها؛ أما أن تطالب الكاثوليك بأن لا يتحدثوا عن عقائدها ولا يطبعوا منشوراتهم المخالفة لعقائدها فهذا ما لم تحلم به ولم تطالب به .
وطائفة " المورمن " في أمريكا ليست ببعيدة عن هذا ؛ فهي تحاول باسم حرية المعتقد التخلص من القوانين الفيدرالية المخالفة لعقيدتها لكن لا يصل بها الأمر إلى حد المطالبة بأن تفرض على الأمريكيين كلهم ألا يتحدثوا عن عقيدتها وألا يكتبوا ضدها في الكنائس والمناهج والإعلام . ولم يخطر ببال الحكومة الأمريكية أن تجامل " المورمن " وتراجع نفسها ودستورها في قضية تعدد الزوجات وهي مسألة اجتماعية تتماشى مع مفهوم الحرية وتقرها الأديان والأعراف العالمية ، فكيف يراد من الحكومة السعودية بل والمجتمع السعودي نقض عقيدته وإيمانه وأساس وجوده ومصدر شرعيته ؟!
إن على الأمريكان أن يعلموا أن تعظيمنا لكتاب الله تعالى واعتقادنا بحفظه من التحريف ، وتعظيمنا لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واعتقادنا بطهارتها وبراءتها ، وكذلك تعظيمنا لقدر وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيخي الأمة أبي بكر وعمر أعظم من تمسكهم في حظر تعدد الزوجات !!
وفي دول العالم الإسلامي أقليات بوذية وغيرها لم تصل بها المطالبة إلى حد إلغاء العلوم الشرعية وحذف المواد التي تدل على كفرهم وفساد دينهم من المناهج والمدارس الإسلامية ، ولم يشترطوا أن يكون لهم في كل مؤسسة حكومية وزير أو مسئول ، فالكل هناك يحترم دستور البلاد ويقبل نتيجة الاقتراع ، ونحن هنا في بلادنا دستورنا الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح و لا نحتاج إلى صناديق أصلاً لإثبات أن الشيعة أقلية ضئيلة ، وأن مطالبتها بأن تتحكم في الأكثرية السنية لا يستند إلى أي حق شرعي أو قانوني ؛ بل هو نوع من استغلال مشكلات الحكومة السياسية والإدارية والأمنية للمزايدة وإثبات الوجود مستندين إلى ما تقوله بعض التقارير الأمريكية ويردده بعض السذج من الكتاب :
— من التحايل الواضح التذرع بدعوى الوحدة الوطنية لمسخ عقيدة البلاد وزلزلة كيانها ، فإن أهم شروط المواطنة الالتزام بالدستور ، والمطالبة بمخالفة الدستور فضلاً عن المطالبة بتغييره هي خروج على واجب المواطنة في كل بلاد العالم ولا سيما إذا صدرت من فئة قليلة تريد أن تضطهد الأكثرية وتقيد حريتها في العمل السياسي بل في التعبير والاعتقاد ؟!!
وإن واقع الشيعة المشهود واضح في بيان مدى صدق دعوى الشراكة في الوطن فهم في كل مرة يشعرون ان الحكومة مشغولة أو ضعيفة يتمردون و يثورون .. !!
كما ان الأوصاف التي أطلقها كاتبو العريضة على علماء السنة كافية في التعبير عن الهدف الذي يسعون إليه وهو إذلال أهل السنة أو استئصالهم وليس التعايش معهم ، ولا سيما وأن أكثر الموقعين معرّفون بوصف (( عالم دين((
ومن هذه الأوصاف الواردة في العريضة (( المغرضين .. ، المنتفعين .. ، الكراهية والبغضاء القائمة على بعض التوجهات المذهبية .. ، الفتاوى التحريضية .. ، الشحن الطائفي .. ، التعصب .. ، الحقد .. ، الكراهية والنفور .. ، .. الخ ((
هذا ما طفح به القلم في عريضتهم المختصرة ، ولا شك أن ما تخفي صدورهم أكبر ، وهذا ما قدموه لولي عهد المملكة الذي يعلمون تقديره واحترامه لعلماء بلاده / فماذا يقولون إذا كتبوا للأمريكان أو للمنظمات الدولية لتحريضهم على البلاد حكومةً وعلماء وشعباً ؟؟؟
وهل هذا أسلوب من يريد الحوار أم الانتقام ؟؟؟
— إن ما طالب به هؤلاء هو في حقيقته تغيير دستور البلاد . وفي كل بلاد العالم التي تحتكم إلى دساتير وضعية لا يستطيع حزب أن يغيّر الدستور إلا إذا ملك أغلبية الثلثين فأكثر من نواب الأمة أو صوّت الشعب للتعديل بنفس الأغلبية في استفتاء عام ، أما أن يكتب أشخاص ورقات ويجمعوا عليها توقيعات فتنقلب الأمة على دستورها فهي سابقة خارقة لا نظير لها أبداً .
ولو أن أهل السنة أو الإسماعيلية أو غيرهم في إيران جمعوا ملايين التوقيعات لما غيّرت جمهورية إيران دستورها الذي ينص على التمذهب بالمذهب الشيعي الإثنا عشري دون غيره من مذاهب الشيعة والإسلام ، وإذا كان هذا حال الدساتير الوضعية فهل يملك أحد أن يغير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعقيدة أهل السنة والجماعة أو إبطال ما يعارض مذهب الشيعة منها أو تعليق العمل به . ولا سيما في دولة ما قامت أصلاً ولا اجتمع الناس حولها إلى على هذا الدستور الفريد المعصوم الذي ما عاداه جبار إلا قصمه الله ، وما القرامطة والصليبيون والتتار إلا أمثلة لذلك .
— إن هذا التغيير لو حدث كما يطالب هؤلاء سيحوّل حكومة هذه البلاد إلى إحدى حكومتين لا ثالث لهما :
1- إما حكومة شيعية تضطهد من يخالف عقيدة الشيعة من السنة والطوائف الأخرى ، وهذه هو معنى ألا يتحدث أحد ولا يفتي ولا ينشر شيئاً يخالف عقيدة الشيعة . أما الشيعة فلهم الحرية المطلقة في هذا كما تضمنت المطالب .
2- وإما حكومة علمانية لا دينية تفتح باب الصراع الديني على مصراعيه باسم الحرية ، وهذا سيؤدي إلى سقوط شرعيتها وإيقاد نار الحرب الأهلية التي إذا اشتعلت فلن يطفئها أحد . وهذا ليس من مصلحة الشيعة أنفسهم فإن الأكثرية إذا استثيرت سوف تفعل ما قد يصل إلى استئصال الأقلية من الوجود وما حدث في لبنان عبرة لمن اعتبر ، مع أن نسبة الشيعة هنا لا تساوي شيئاً إذا قيست بنسبة بعض القرى النصرانية في لبنان قبل الحرب الأهلية التي خسرت الكثير بعدها .
— أن الشيعة يهددون تلميحاً وتصريحاً بأنه إذا لم تعطهم الحكومة ما يريدون فسوف يتحالفون مع العدو الأجنبي وهذا يكشف عن حقيقة ما يريدون وأنه الابتزاز وليس الوحدة الوطنية !!
— أنهم هم الذين قدموا للأمريكان نماذج من مناهج التعليم يقولون إنها ضد اليهود والنصارى لكي يساعدهم الأمريكان في تغيير المناهج التي تخالف عقائد الشيعة وليس وراء هذا من ابتزاز للدين والوطن .
ومعلوم أن التحالف بين الأقليات وبين أعداء الأمة سُنّةٌ متّبعة ، فتاريخ الدروز مع الإنجليز ، والنصيرية مع الفرنسيين ، لا يختلف أبداً عن تاريخ الموازنة مع اليهود في لبنان ، أو اليهود مع الحلفاء في تركية ، والنتيجة في كل الأحوال تدمير عقيدة الأكثرية وكيانها ووجودها .
— أن الشيعة فرق شتى يقاتل بعضها بعضاً ويكفره في كل مكان ، والمتقدمون بالطلب هم فئة منهم فقط ، فلينتبه إلى أساليبهم في التنافس والمزايدة في المطالب بغرض كسب الأتباع وليس الحرص على حقوقهم المزعومة ، وقد اعترف حمزة الحسن بأن عريضة المطالب تضم شيوعيين وعلمانيين ، فإذا كان الموقعون غير متفقين فيما بينهم على منهج دراسي أو دَعَوي فماذا يريدون أن يفرضوا على الأمة كلها – ومنها الفرق الشيعية التي تناصبهم العدا - ؟
— أن بعض الناس ينافق الشيعة ويتحدث هو الآخر عن حقوقهم بنفس لغتهم وهو لا يدري ما هي الحقوق وإلى أين تنتهي ، وهو بذلك يوقظ فتنة وشقاقاً دون أن يشعر ، ولو أنه كان في منصب إداري واستجاب لما يريدون هم أو غيرهم فسيجد نفسه مسخّراً لتنفيذ مطالب متناقضة من كل طائفة ، وفي النهاية لا بد أن يضع حداً يقف عنده الجميع .
وهذا الحد يجب أن يوضع الآن على أساس من الدستور المحكم كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين في أهل البدع . وأسوأ من هذا أن تستجيب الحكومة لهذه الطائفة أو تلك فتبدأ سلسلة من التنازلات لا حدّ لها ، ومن أخطر الأمور على وحدة الأمة أن يصبح في البلد مناهج مختلفة للتعليم ، وأجهزة مختلفة للقضاء ، وما أشبه ذلك من مقدمات التقسيم والتفتيت .
ومعلوم أن للشيعة تاريخاً طويلاً مع من يولِّيهم ويدنيهم ويجعلهم يتحكمون في أمور الأمة ، وليس ما حدث أيام " بني بويه " ثم ما فعله " ابن العلقمي " من الانحياز لهولاكو والإشارة بقتل الخليفة العباسي الذي هو من أهل البيت إلا نماذج من ذلك .
— إذا تحدث الشيعة عن الظلم والاضطهاد .. الخ في قناة الجزيرة أو غيرها فيجب على أصحاب المراكز في الحكومة والكتاب الأثرياء من الشيعة أن يردوا عليهم ويكذبوهم ، وإلا ما فائدة مداهنتهم وإعطائهم فوق ما يستحقون من المناصب والمناقصات .
وما جدوى فتح الإعلام لهم ؟ أم أن هذا توزيع للأدوار بينهم ؟
الروابط المفضلة