إخوتي وأخواتي الأفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد
يسرني أن أهدي إليكم إجابات للتساؤلات التالية ،لعل الله تعالى ينفعنا جميعاً بها :
هل هناك فرق بين الرازق والرزاق؟
ما هي دعوة سيدنا داود لطلب الرزق؟وما هو البغاث؟!!!!
هل أنا مطالَب بالإكثار من الدعاء للرزق؟
هل ينبغي لي أن أقلق على رزقي؟
ما هي أنواع الأرزاق؟
ما هي مفاتيح الرزق؟
هل أطلب من الله الأشياء اليسيرة ،أم الأشياء الكبيرة؟
ما هي الحكمة من تضييق الرزق أحياناً على المؤمن؟
هل ينبغي للمؤمن أن يشتكي للكافر؟!!!!
ما هي أنواع تأديب الله تعالى تأديب للمؤمن ؟
ما هو الرزق الذي ينبغي للمؤمن أن يفرح به حقاً؟
ما هو حجاب الدنيا وحجاب الآخرة؟!!!!
كيف يستفيد المؤمن من معرفة بعض معاني اسم الله الرزاق؟!!!
هذه الإجابات تجدونها في الكلمات التالية ، وهي منتقاة من شرح لبعض معاني إسم الله ((الرزَّاق))لفضيلة الشيخ الدكتور:" محمد راتب النابلسي" وهي منقولة عن موقعه www.nabulsi.com
يقول شيخنا الجليل:
" أيها الإخوة الأكارم :نتحدث اليوم عن بعض معاني اسم الله تعالى((الرزاق)) ، وقد ورد هذا الاسم في قوله تعالى في سورة الذاريات :"إنَّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القوة المتين"(58)
والرزاق -كما تعلمون- صيغة مبالغة ، وإذا جاء اسم الله عز وجل بصيغة المبالغة فمعنى ذلك أنه يرزق العباد جميعا مهما كثر عددهم ويرزق الواحد منهم رزقاً وفيراً لا حدود له ، إما على مستوى مجموع المرزوقين ، وإما على مستوى كمية الرزق ، لذلك لم تأت الرازق بل أتت الرزَّاق ، لأنه يرزق كل العباد ويرزق العبد الواحد كل شيء ، وإذا أعطى أدهش .
وورد هذا الاسم في قوله تعالى على شكل فعل مضارع في سورة العنكبوت :"وكَايِّن من دابةٍ لا تحمل ُ رِزقَها اللهُ يرزقُها وإياكم وهو السميعُ العليم"(الآية 60)
ومن دعاء سيدنا داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة و السلام ،:" اللهم يا رازق البغاث في عُشِّه" (و البغاث هو أحد فراخ الغراب ،وهي أضعف أنواع الطير) هذا البغاث إذا انفقأت البيضة عنه خرج البغاث أبيض كالشحمة ، يعني قطعا من الشحم ، فإذا رآه الغراب أنكره لبياضه ، لأن الغراب أسود اللون ، فيسوق الله تعالى له بعض الحشرات يتغذى عليها إلى أن ينبت ريشه ويسودُّ لونه عندئذ يتعرف عليه الغراب!!! .
الحقيقة أنه من الخطأ والسذاجة أن تحصر الزرق في الطعام والشراب،فقد قال تعالى:"فتقبَّلها ربُّها بقَبولٍ حَسَنٍ ،وكفَّلها زكريا،كلما دخل عليها زكريا المحراب َ وجد عندها رِزقا،قال يا مَريمُ أنَّى لكِ هذا؟ قالت هو من عندِ الله ، إن اللهَ يرزقُ مَن يشاءُ بغيرِ حساب"(آل عمران-37)
فقال العلماء: " رزَقَ الأبدان بالأطعمة ورزق الأرواح بالمعرفة "، والمعرفة أشرف الرِّزقَين فإذا خصَّك الله بدخل وفير أكلتَ به أطيب الطعام وخص عبدا آخر برزق المعرفة فاعلم علم اليقين أن العبد الآخر أكثر حَظوة عند الله منك لأنه منحه رزق النفوس رزق الأرواح وهي المعارف ، قال الله عز وجل في سورة القصص : "ولما بلغَ أشُدَّهُ واستوى آتيناهُ حُكماً وعِلما،وكذلكَ نجزي المُحسنين"(14)
يا أيها الإخوة الأكارم .أسوق لكم هذه البشارة : " الصلاة من أسباب سعة الرزق!! ".. ما الدليل ..؟ قال الله عز وجل في سورة طه :"وَ أمُُر أهلكَ بالصلاةِ واصطَبِر عليها ،لا نسأَلُكَ رِزقاً نحنُ نرزُقُك،والعاقِبَةُ للتقوى""(132)
استنباط من الآية لطيف جدا ، فإذا أردت أن يزداد رزقك لن أقول لك صلِّ فأنت مصل إنما أقول لك أتقِن صلواتك ، فالخشوع من فرائض الصلاة لا من فضائلها ، وربنا عز وجل حينما أثنى على المؤمنين ، قال في سورة المؤمنون :"قد أفلحَ المؤمنون،الذين هُم في صلاتِهِم خاشعون"(1-2)
ومن آداب العبودية مع الله عز وجل أن يرجع العبد إلى ربه في كل ما يريد ، في الأشياء النفيسة وفي الأشياء الخسيسة ، أن يرجع إليه في كل شيء . أي إن الله يحب من العبد أن يسأله شسع نعله إذا انقطع .. ،فمثلاً لو ضاعت مفاتيح البيت قل اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، اجمع بيني وبينهم ...وهكذا.
ذكر لي أحد الأخوة أنه توجه إلى المدينة المنورة ونسي العنوان الذي سوف يتوجه إليه فدعا الله في الطريق فساقه إلى البيت بشكل يسير بينما إنسان آخر بقي عشر ساعات ضائعا عن مكان البيت .
إذن:إسأله الأشياء الخسيسة كما تسأله الأشياء النفيسة ، وهذا من تمام العبودية لله عز وجل
الدليل .. سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ماذا سأل الله ؟ قال رب أرِني أنظر إليك ، فهذا من الأسئلة النفيسة ،وهو من أرقى الأسئلة ، ولما جاع قال : " ربِّ إنِّي لمِا أنزلتَ إليَّ مِن خَيرٍ فقير " ، وهذا دليل على أن العبد يجب أن يسأل ربه كل شيء .
سيدنا علي رضي الله عنه يقول : " لست مطالَبا بطلَب الرزق ولكنك أمرت بطلب الجنة " فما الذي فعله الناس؟!!! تركوا ما أُمروا بطلبه وطلبوا ما أُمِروا بتركه !!!هذه مشكلة !!مع أن الله سبحانه وتعالى ضمن لهم الرزق بأدلة كثيرة ، قال الله تعالى في سورة الذاريات:" إنَّ اللهَ هو الرزَّاقُ ذو القوة المتين"(58)
وفي سورة الروم: " اللهُ الذي خلَقَكُم ،ثُم رزقَكُم ، ثُمَّ يُميتُكُم ، ثُمّ يُحييكُم ،هَل مِن شُرَكائِكُم مَن يفعلُ مِن ذلكُم مِن شيء؟؟!!!، سبحانه ُ وتعالى عمَّا يُشرِكون"(40)
وفي سورة الأنعام:" ولا تقتلوا أولادَكُم مِن إملاقٍ نحنُ نرزقُكُم وإياهُم،ولا تَقربوا الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بَطَنَ ،ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحق،ذلِكُم وصَّاكُم به لعلَّكُم تعقِلون"(151)
وفي سورة الإسراء:" ولا تقتلوا أولادَكُم خشيةَ إملاقٍ نحنُ نرزقهُم وإيَّاكُم،إن قتلَهُم كانَ خِطئاً كبيرا"(31)
وفي سورة الذاريات:" وفي السماءِ رِزقُكُم وما توعَدون ،فَوَربِّ السماءِ والأرضِ إنَّهُ لحَقٌ مِثلما أنَّكُم تنطِقون"(31-33)
إذن ربنا سبحانه وتعالى طمأننا بأنه تكفَّل لنا برزقنا ، ومع ذلك يجهد الناس ويبيعون دينهم بعرَض من الدنيا قليل من أجل الرزق ، يقول الله سبحانه في الحديث القدسي: " خلقتُ السماوات والأرض ولم أَعْيَ بخلقهن أفَيُعييني رغيف أسوقُه لك كل حين ؟يا بن آدم: لي عليك فريضة ولك علي رزق ، فإن خالفتَني في فريضتي لم أخالفُك في رزقك " . فقد تكفل سبحانه لنا بالرزق وأمرنا أن نسعى للدار الآخرة ، فقال في سورة النجم:"وأَنْ ليسَ للإنسانِ إلا ما سَعى"(39)
ولكن ما الذي يحدث؟! ، إن الذي كُلِّفت في طلبه توانيت في طلبه والذي ضمنه لك الله سعيت إليه .
سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا السلام يقول فيما تروي بعض الكتب : " لا تغتمُّوا لبطونكم"
إنسان توفي أخوه وترك لهم خمسة أولاد ليس له مورد رزق ، فصار يبكي ، ثم التقى بشيخه فقال له ما بالك يا ولدي ؟ قال توفي أخي وترك لي خمسة أيتام ، قال ألم يترك لهم شيئا ؟ قال بلى شيئا يكفيهم سنة قال :"حسناً،حينما تنتهي هذه المؤونة إبدأ بالبكاء" . وتروي المقولة إن هذا الرجل توفي قبل أن ينتهي الرزق بثلاثة أشهر !!!
أعرف شخصا سيهدم منزله ، لسبب تنظيمي ، فضجَّ وزمجر وأرعد ، وتمزق وبكى واستعطف ، وقد وُعد وعدا قطعيا بتأمين بيت لائق له ، ولكنه رغم كل الوعود والمواثيق بقي مضطربا وضجرا ،ثم مات بعد أشهر عدة قبل أن يُهدم بيته .
إذن الإنسان لا ينبغي له أن يهتم للشيء أكثر مما ينبغي .
قال بعض العلماء : " الرازق من غذَّى نفوس الأبدان بتوفيقه ، وحلى قلوب الأخيار بتصديقه " ، دائما الرزق رزقان رزق الأبدان ورزق النفوس
وبعض العلماء فسر القوت برزق الأرواح ، يعني إذا صليت صلاة وأعجبتك ، إذا صليت وبكيت إذا قرأت القرآن وخشع قلبك ، فمعناها أنك قريب من الله عز وجل ، وأن هناك حياة ونبض ، وأن هناك شيئا من الإخلاص . .
قال بعض العلماء : " الرزاق هو الذي خصَّ الأغنياء بوجود الرزق ، وخصَّ الفقراء المؤمنين بشهود الرزاق "!!!
أعطاك طعاما وأعطى الغني طعاما وشرابا وبيتا ودخلا ومركبة وأعطى الفقير المؤمن شهود الرزاق ، إما أن تجد الأرزاق وإما أن تشهد الرزاق ، المجموع ثابت ، هناك نظرية رائعة جدا :تقول: لو جمعتَ كل شيء أعطاك الله إياه وجمع الآخر كل شيء أعطاهُ الله إياه لكان مجموع الاثنين واحدا !!، فإذا أخذ منك بعض البحبوحة عوَّضك عنها ببعض التجلي، وإذا أغرقك في النعيم المادي حرمك من نعيم القرب !!!
فهناك توازن يعبرون عنه بأن المجموع واحد والمجموع ثابت ، وهناك نظرية أخرى ليست في المعنويات في الماديات ، فلو أُعطى الإنسان- مثلاً - درجة للزوجة، ودرجة للبيت،ودرجة للدخل،ودرجة للوظيفة أو المركز الاجتماعي،ودرجة للصحة،ودرجة للوسامة ، تجد أن معظم الناس ينالون مجموع علامات واحد لكنها متفاوتة فيما بينها ، مثلا ثمانية على الزوجة،و اثنان على الأولاد و خمسة على الرزق...إلخ ، فالمجموع خمس عشرة ، اثنتان على الزوجة ثمان على الأولاد خمس على الرزق ،أو عشرة على الرزق ثلاث زوجة اثنان على الأولاد المجموع خمس عشرة ، فلو دققت ترى من له دخل أقل من حاجته هو منعَّم براحة البال التي لا يحلم بها من آتاه الله زرقا وفيرا ، يؤكِّد هذا قوله عليه الصلاة والسلام : " خُذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها همَّا ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر " .
و الزرق أيها الإخوة في أدق تعاريفه هو ما يُنتَفَع به : المال ينتفع به ، العلم ينتفع به ، الخلق ينتفع به ، شعور القلب بالطمأنينة يُنتفع به ، في أدق تعاريف الرزق .
جاء رجل إلى حاتم الأصم ، فقال:" من أين تأكل ؟ فقال من خزائنه، فقال الرجل أيُلقي الله عليك الخبز من السماء ؟!فما هذا الكلام ؟!!! قال حاتم:"لو لم تكن الأرض له لألقى علي من السماء الخبز!!إنه يرزقني من الأرض " !!!
هكذا تجد أن الإنسان حينما يطلب الرزق من الله عز وجل فالله يسوق له الرزق، يلتقي بإنسان صدفة يسأله أتعمل ؟! يقول لا ، يقول له هناك عمل .
الموضوع طويل وله آلاف الشواهد ، قد تُرزق من حيث لا تحتسب قد ترزق بسبب تافه جدا قد ترزق بنظرة ، قد ترزق برسالة جاءتك خطأ قد ترزق ببضاعة كاسدة .
سمعت أن أحد تجار البزورية في الحرب العالمية الثانية باع السكر بزيادة قليلة فجاءت الضابطة فأغلقت المحل بالشمع الأحمر ، إلى أن انتهت الحرب تضاعف السعر مائة ضعف فاغتنى إلى ولد ولده كما يقولون، فقد تُرزق بشيء مزعج ، فالله عز وجل هو الرزَّاق ذو القوة المتين!!! .
الشيء الدقيق أنك إذا علمت أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين أفردتَه بالقصد ، الناس أحيانا يتجهون إلى زيد إلى عبيد إلى فلان إلى هذه الجهة يطمعون ليأخذوا ، ولكن إذا علمتَ أن الله وحده هو الرزاق تُفرده بالقصد ولا تسأل أحدا سواه ، تكسب العزة والكرامة والطمأنينة والحَظوة عند الله عز وجل .
قيل لإنسان آخر :"من أين تأكل؟؟!!!" فقال:" من خزائن ملك لا تدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس "!!!
فخزائن الله عز وجل مفتوحة وخزائنه مملوءة وخزائنه فيها كل شيء ، والدليل . قوله تعالى في سورة الحِجر :"وإنْ مِن شيءٍ إلا عندنا خزائنُه،وما نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَر ٍمعلوم"(21)
من أسخف النظريات أن يقول الإنسان إن موارد الأرض تشح ، إن الأرض مهددة بمجاعة ، إن ازدياد السكان ازدياد هندسي ، "مالتوس" يقول الانفجار السكاني سيوقع الناس بمجاعة كبيرة ، هذه كلها كلمات من لا يعرف الله عز وجل ، لأن كل تقنين أو تقتير أو تقليل في الرزق هو تقليل وتقنين من نوع التأديب لا من نوع العجز ، والإنسان وحده إذا قنن فعن عجز أما الإله إذا قنن فلغاية التأديب فقط .
امرأة أحد العارفين بالله قيل لها كيف يرزقك زوجك قالت زوجي ليس رزاقا بل كيال!! .
فمن الأخطاء الشائعة أخطاء في التوحيد ، يقولون فلان مُعيل ، أي عنده عائلة كبيرة ، والصواب فلان مُعال وليس مُعيل ، المُعيل هو الله عز وجل ، والناس كلهم على مائدة الرحمن .
يتبع
الروابط المفضلة