ربما يكون من المقبول أن نجد بعض النساء يطالبن بحصول المرأة على حقوقها التي أهدرت إما بفعل تقاليد وعادات بعيدة عن الدين وإما نتيجة لفهم مغلوط وخاطئ عن المرأة لكن من غير المقبول أن تحاول بعض النساء القفز على كونها أنثى فتأتي من الأفعال والسلوكيات التي لا يأتيها إلا الرجال بما يجسد حالة جديدة من إهانة المرأة التي تكون هذه المرة بيد المرأة نفسها.
فالمرأة المسترجلة نموذج جديد للحط من المرأة وكينونتها التي تستمد قيمتها وقدرها من كونها امرأة وليس من كونها جنس رابع لا هو رجل ولا هو امرأة بعد أن فقدت أنوثتها وجمالها ولم تكتسب ما للرجال من صفات.
ظاهرة قديمة

في البداية يؤكد الدكتور" أحمد عبد العال" ، مدرس الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن ظاهرة النساء المسترجلات ظاهرة قديمة حيث كان هناك الكثيرات من النساء اللائي يحاولن التشبه بالرجال من أجل نيل الاحترام والتقدير والوضع الاجتماعي الذي يحظى به الرجل في مجتمع كان لا يزال ينظر للمرأة بشئ من التحقير وهو ما يفسر مثلا ما قامت به الملكة المصرية القديمة "حتشبسوت" والتي وبحسب ما تشير تماثيلها وضعت على ذقنها لحية مصطعنة كي تبدو وكأنها رجل.
وقال الدكتور عبد العال إن الإسلام تنبه لهذه الظاهرة منذ البداية حيث تواترت الكثير من الأحاديث النبوية التي حذرت كل من الرجال والنساء على السواء من انتهاج كل منهما طريق التشبه بالآخر انطلاقا من أن هذا التشبه يعد أوضح صورة ومثال للخروج والتمرد على الفطرة الإنسانية التي خلق الله الناس عليها وجعل منهم الذكر والأنثى ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" ويروي أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وراكب الفلاة وحده".
وأضاف الكتور عبد العال أن المرأة المسترجلة تضر بنفسها قبل أن تلحق الضرر بالمجتمع بتلك الصورة المشوهة التي تبدو عليها في مجتمعها والتي بلا شك تثير اشمئزاز وضجر كل الأسوياء من الرجال والنساء فهي ليست امراة تراعي ما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة وهي ليست رجل بطبيعة خلقتها وتكوينها.
وأشار فضيلته إلى أن أكبر ضرر يعود على مثل هذه المسترجلة هو أنها قضت على مستقبلها الأسري الفطري فهي بكل تأكيد أحد نوعين فإما أن تكون قد وصلت إلى حد الشذوذ والزهد في الرجال فلا تتزوج وبالتالي لا تنجب ولا يكون لها أبناء فتحرم من الامومة والاستقرار وإما أن يكون "استرجالها" في حدود الملبس والسلوك الرجولي وهي في هذه الحالة ستفقد زوجها الذي سيأبى بطبيعة الحال أن تكون زوجته شبيهة بالرجال وهنا ستكون احتمالات التفكك الأسري واردة أيضا وهو ما سيهدد وضع الابناء في حال وجودهم.
وأوضح الدكتور عبد العال أن تزايد هذه الظاهرة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية يكشف عن أن خللا كبيرا ينتاب هذه المجتمعات على مستويات مختلفة وهو ما يدفع إلى القول بأهمية التحرك السريع من كل المعنيين من علماء ودعاة وخبراء نفسيين وتربويين فضلا عن تفعيل دور الاسرة الذي أصبح وبكل أسف دورا غائبا في ظل الانشغال الدائم للآباء والأمهات.
سلوك شاذ
ويقول الأستاذ "أسامة رجب عبد الظاهر" ، الباحث النفسي ، إن ما أثار حفيظة الكثيرين تجاه ظاهرة المسترجلات هو انتشار الظاهرة بدءا من تسعينات القرن الماضي وحتى الآن في بعض الدول الخليجية .
وأضاف عبد الظاهر أن هؤلاء المسترجلات استبدلوا ذلك اللفظ بلفظ آخر وهو "البويات" وهو الجمع العربي لكلمة "بوي" الإنجليزي والذي ترجمته ولد حيث تصبح الفتاة "البوي" وكأنها ولد بالفعل في ملبسها سلوكها وطريقة تعاملها مع الآخرين حيث يقمن هؤلاء بحلق ذقونهن وشواربهن وتقصير شعورهن ولبس البنطلونات والقمصان الواسعة بل إن بعضهن يقمن بارتداء حزام على صدورهن من أجل إخفاء مظاهر الأنوثة هذا بالإضافة إلى الصوت العالي والخشن.
وأشار عبد الظاهر إلى أن الأخطر في هذه الظاهرة هو تقليد البويات للرجال فيما يخص العلاقة مع الفتيات حيث يقوم بعض البويات بإقامة علاقات خاصة مع زميلاتهن أو أصدقائهن فيصدر من الطرفين أفعال وسلوكيات مشينة ربما تتطور فيما بعد لتصبح علاقات جنسية شاذة.
وأكد الأستاذ عبد الظاهر أن لهذه الظاهرة أسباب ودوافع بعضها يرتبط بالأسرة والآخر يرتبط بالمجتمع وبالتالي فإن التعامل معها ومحاولة العلاج تستلزم تضافر كل الجهود من أجل الحد منها وإلا فإن الظاهرة ستستفحل خاصة وأن منطقتنا العربية والإسلامية معرضة لحملات ترويج مثل هذه السلوكيات الشاذة بعد أن تحول العالم وفي ظل ثورة الاتصالات الهائلة إلى قرية صغيرة.
وشدد عبد الظاهر على أهمية الدور الذي لابد وأن يقوم به الدعاة والوعاظ والقنوات الدينية حيث يجب أن يلتفت هؤلاء إلى هذه المشكلات الاجتماعية التي باتت تهدد المجتمعات الإسلامية وتقضي على أهم ما يميزه في ظل حالة الضعف العلمي والتقني وهو البناء المجتمعي المتماسك مشيرا إلى أن هذه القنوات يمكن أن تؤثر بالفعل على الكثيرات من اللائي على شفا الوقوع في فخ إدمان هذا السلوك وذلك بتوضيح الموقف الإسلامي من التشبه بالرجال والتحذير مما يمكن أن يلحق بالمرأة إذا ما تقلدت هذه السلوكيات والتنبيه إلى ما يحاك لهن من قبل أعداء الأمة من مخططات لإفسادهن.
دورات تدريبية
من جانبها تقول الأستاذة لمياء سليمان مدرسة رياضيات بالمرحلة الثانوية في إحدى دول الخليج إنها لاحظت خلال عملها طيلة أربع سنوات قضتها في مدرسة للبنات أن هناك بعض الفتيات يسلكن سلوكا غريبا ليس من المعتاد أن تسلكه فتاة إذ أنهن وبمجرد دخولهن للمدرسة يبدون وكأنهن شباب.
وأضافت الأستاذة لمياء أن من الطبيعي أن يكون في كل مجتمع من يأتي بتصرفات مشينة ومستهجنة فهذا أمر اعتاد عليه الجميع لكن من غير الطبيعي أن يصر البعض على أن يقوم بهذه التصرفات بكل هذه الجرأة وهو ما رايته من هؤلاء الفتيات اللائي يلقبونهن بـ "البويات" فلا أنسى أبدا ما رأيته عندما دخلت أحد الفصول فوجدت بوية تقوم بسلوك شائن أمام بقية الطالبات وهو ما أصابني بحرج شديد وعجز تام عن التفوه بكلمة واحدة.
وقالت الاستاذة لمياء إنني ومن خلال تجربتي المتواضعة أطالب بزيادة حصص الدين حتى يتسنى لمدرسي ومدرسات الدين من توعية الفتيات بخطورة هذا السلوك كما أطالب بأن يحصل المدرسون والمدرسات في المراحل التعليمية المختلفة على دورات تدريبية للتعريف بكيفية التعامل مع مثل هذه الحالات في حال اكتشافها في الفصل أو المدرسة.
وتحكي رشا محمد سويلم الإخصائية الاجتماعية في إحدى مدارس البنات عن فتاة مسترجلة كانت تتابع حالتها فتقول كانت الفتاة تتسم بسلوك عدواني تجاه زميلاتها عندما تختلط بهن لأنها كانت في الغالب منطوية على نفسها نافرة من صداقة البنات على حد قولها وعندما كنت أجلس معها لاحظت خشونة في يديها وإهمالها الشديد في مظهرها وإرتداءها لساعة يد "رجالي".
الحقيقة أن الفتاة كانت تعاني من مشاكل نفسية معقدة ولم يكن الحديث معها سهلا فالفتاة هي الابنة الخامسة لأسرة فقيرة وكان والدها دائما ساخطا على إنجابه للبنات وهو ما دفعها لكراهية جنسها وكانت الفتاة تعمل بيديها معه في أعماله عسى أن يغير والدها من رايه فيها وهو ما لم يحدث.


تحقيق في موقع وفاء لحقوق المرأة