ضياع الاطفال
مأساة المسلمين في أسترا: ضياع الأطفال وتشرد الأسر
إقليم استرا على البحر الادرياتيكي الخاضع حالياً للسيطرة الكرواتية، يبلغ عدد سكانه مليونا ونصف المليون ساكن، يعيش المهجرون المسلمون هناك أوضاعاً صعبة ومعظمهم من المهجرين الذين طردوا في الحرب ويحلمون بالعودة لديارهم التي لا تزال في أيدي الصرب والكروات، وبقوا هم مشردين، ينشدون السلام، ويتلظون بنار الحرب وإلى اليوم بعد أكثر من خمس سنوات على توقيع اتفاق دايتون للسلام الذي استثناهم أو نساهم، واستحال الى مجرد قصاصات من ورق. في بولا، التقنيا أصنافا كثيرة من المآسي.
نتيجة الزواج المختلط وكان اللقاء الأول مع صحافي بوسنوي يدعى صالح هوجيتش، وهو من منطقة دوبوي البوسنوية التي يسيطر عليها حتى الآن صرب البوسنة يبلغ من العمر 57 عاما، لا يشكو من الجوع والخوف وانعدام الأموال وإن أصابه من ذلك الكثير والكثير ولكن مشكلته أعمق غورا وأبعد أثرا، يحدثنا عن ذلك بنفسه قائلاً: «كنت متزوجا من إمرأة صربية تعرفت عليها منذ أمد بعيد على اساس إقامة اسرة مشتركة، كانت الشيوعية تحرض على ذلك، قبلت الزواج منها رغم أن لها طفلاً من رجل آخر، ربيته في بيتي وأطعمته من كد يميني، ولا يزال يرى بالمعروف الذي قدمته إليه فهو يتصل بي من حين إلى آخر بعد خروجه مع أمه للسويد». ويذكر قصته مع زوجته فيقول: «كنا نعيش حياة عادية مع بعضنا حتى اندلعت الحرب، وعندها تغيرت تماما واعلمتني أنما لم تعد زوجتي، لكن الذي لم تخبرني به هو هروبها الى السويد وأخذها ابني الذي هو ثمرة زواجنا.
المنسيون في بولا كثير، أقوام من المسلمين يعيشون على أقل من الكفاف ووجودهم مهدد في كل لحظة في اطراف المدينة تعيش مجموعة من العوائل البوسنوية المسلمة معظمهم من النساء والأطفال، قادهم البحث عن المآوى الى بيوت خربة مهجورة، بدون ماء وبدون كهرباء ولم يجدوا بدا من البقاء فيها على تلك الحال المزرية والحياة المذلة.
دخلنا احدى الخرب التي تأوي إليها أرملة تعيش مع أم زوجها وطفلين أصغرهم كان عمره 7 سنوات، كيف يعيشون، ماذا يأكلون وما يلبسون؟ لن أجيب... نكاية في الشهامة! لأنني لا أكتب تقريرا!!! سألت الابن الأكبر عدنان (12 سنة) ماذا قال له أبوه في آخر مرة رآه فيها أجاب: «قال لي وهو يعانقني بحرارة أتمنى أن أراك ثانية، حاول أن تجتهد في دروسك وأسمع لأمك وأطع أوامرها» وعن دراسته اجابت الأم انه الأول في صفه، ويذهب باستمرار للمسجد وشهد له الإمام بأنه من أنجب الطلبة، تقول الأم: «كثير من كبار السن ماتوا من الغم والحزن» وعن نفسها تقول: «أنا هنا الأم والأب (...).
يسألونني عن ديني التقينا في بولا مع أسرة بوسنوية مهجرة تتكون من أب وأم لهما بنت معها ثلاثة أطفال استشهد والدهم في البوسنة يقول الجد وقد ظهرت عظام صدره ومعظم اجزاء جسده كسرج قديم. جئنا هنا عام 1990 وكنت أعمل في كرواتيا بعد احالتي على التقاعد في البوسنة حيث كنت أعمل بسكك الحديد، وما زلت رغم تقدمي في السن أبحث عن عمل، وكلما أقف أمام صاحب عمل يصفعني بالسؤال المكرر هل أنت مسلم؟!.
أما زوجة الشهيد فتشكو من مرض في ظهرها، ولأنها لا تملك ثمن الدواء ومراجعة الطبيب كانت إلى ذلك الحين طريحة الفراش، أما الأبناء فهم أمير 14 سنة وعثمان 12 سنة وثامر 10 سنوات كلهم يذهبون للمدرسة ويواظبون على الحضور للمسجد.
اسمها بريقو مينا من مواليد 1944م تعيش عند احدى بناتها المتزوجات من صرب وكروات وضعها الصحي جيد وتشوب بشرتها الحمرة مما يعني أنها لا تعيش مشكلة مادية رغم تقدمها في السن. تقول: «طردونا من بنيالوكا ولم يشفع لي زواج ابنتي من صربي فهاجرت الى كرواتيا مع ابنتي المتزوجة من كرواتي، وعن حالة ابنتها المتزوجة من صربي في بنيالوكا قالت أنها لا تعلم عنها شيئا وعن أسباب ودوافع زواج بناتها من صرب وكروات قالت: يعيشون عيشة واحدة ولم يكن هناك اختلاف، وفي فترة الشباب يتعرف الشباب على الفتيات ويتم الزواج.
الصرب أخذوا أولادي وجدناها عند احدى جاراتها، واسمها سليمانة جنانوفيتش من مواليد عام 1952م ومن منطقة زفورنيك التي لا تزال خاضعة للسيطرة الصربية، تبدو وكأنها عصا لاكتها النار من شدة المعاناة وألم فقد فلذات الأكباد. تقول: «لما دخل الصرب الى منطقتنا جمعوا جميع الأطفال الذين اخذهم الصرب الى بلغراد، وكانوا يعدون بالمئات وكان أبنائي الأربعة (ثلاث بنات وطفل) من بين الأطفال الذين خطفهم الصرب وقد رجع منهم اثنان ورفض الصرب ارجاع بناتي الأخريات ولا أدري حتى الآن هل هن بين الأحياء أو الأموات» يقول ألمير الذي تمكن من العودة «اخذونا قسرا من البيوت وحشرونا في حافلات (باصات) حيث لم يقدموا لنا أثناء السير أي طعام ولم يسمحوا لنا بالنزول لشرب الماء، وحال وصولنا الى بلغراد انزلونا من الحافلات وأمرونا بالتفرق في المدينة وعدم التجمع، ذهب الأطفال والفتيات كل في حال سبيله وبقيت أنا وأختي مذهولين، بقينا يومين ننام على الرصيف ونستعطف المارة، كان أغلبهم ينهروننا ويستهزئون بنا» ويضيف «بعد يومين من العذاب وجدت أنا وأختي عملا في بعض الحدائق نقطف الزهور وفي الليل ننام في مستودع صاحب العمل وعندما نفرغ من قطف الزهور نقوم بتنظيف المستودعات وأضطر احيانا للعمل في انزال البضائع من الشاحنات» وعن كيفية عودته قالت الأم «أعرف امرأة تتردد على بلغراد فطلبت منها البحث عن أولادي وقد عرفت عنوان ابني هذا من مركز الشرطة وهذا يعني أن الشرطة الصربية كانت تعلم بكل التفاصيل، لقد استغرقت فترة العودة ستة شهور، أعادت لي الأمم المتحدة إبني ألمير وأخذت ابنتي لإيطاليا أما الأخريات فلا أعلم عنهن شيئا». ألمير بعد عودته من بلغراد رفضت المدارس قبوله لأنه تجاوز السن القانوني، أما والده سياد فيقول «هنا لا يوجد ماء ولا كهرباء، أعمل أحيانا في حفر القبور، وقطع الخشب واجلاء الثلج، أما الأقارب فلا أعلم عنهم شيئا هل هم فوق الأرض أم تحت أديمها» وأظهر يديه المتورمتين.والدي لم يمت كان اليوم الذي خرجنا فيه من دوبوي ممطرا، توجهنا الى الغابة، لنتجنب رصاص القناصة الصرب، «ومن هناك أدخلنا والدي في قارب صغير وعبر بنا نهر لييتسا حيث استقبلنا آنذاك الجيش البوسنوي ووفر لنا المبيت في الجامع، ثم انتقلنا الى منطقة تيشن، حيث بقينا هناك حوالي شهر ننام في المدرسة ومن ثم انتقلنا الى كرواتيا ومن يومها ونحن هنا» هكذا بدأ الشاب صادمير حديثه معنا عن رحلة العذاب التي قاساها مع عائلته الى أن وصل الى كرواتيا ليستأنف رحلة جديدة وعذابا جديدا بطعم ومذاق جديدين، وعن سبب اختيارهم لبولا يقول: «والدي كان يرغب في الذهاب بنا الى مدينة زينستا لكن جدي طلب من السائق التوجه الى كرواتيا وكان القرار قرار جدي حيث وصلنا عبر البحر الى ربيكا ثم بازين حتى حططنا رحالنا هنا، حيث ومن الوهلة الأولى أحسست بالغربة، كل الوجوه جديدة وكنت وقتها صغيرا، كان الأطفال الكروات يعيرونني بأنني مهجر، ويطلبون مني باشمئزاز العودة الى البوسنة، ولو عاد والدي الى هنا مرة اخرى في ذلك الوقت لطلبت منه أن يعيدنا الى البوسنة ولكنه لم يعد، لقد اصابه القناصة الصرب برصاصة قاتلة، وهو يمارس عمله في انقاذ النساء والأطفال من الموت والمذابح التي كان الصرب يقيمونها في كل قرية آمنة عزلاء من وسائل الدفاع عن النفس، ولكني سأري والدي يوما ما، سأراه في الجنة، عندما قالوا لي بأن والدي قتل لم أصدق لم أكن استطيع ان اسمع ذلك، وحتى الآن لا نعرف له قبرا ولم ير أحد جثمانه» أما الى متى سيبقون في ذلك المكان، على تلك الحال فهم جميعا في انتظار العودة الى ديارهم التي انتظروها كثيرا وابعدوا عنها طويلا، وكما غطى الغرب على المذابح بالحديث عن جهود الاغاثة، يغطي اليوم اجرامه السياسي وظلمه الاجتماعي للمسلمين في البوسنة والهرسك بالحديث على محاكمات غير عادلة لمجرمي الحرب الصرب في البوسنة والهرسك.
رد مع الاستدلال
جزاك الله خيرا ...
كتبت بواسطة الدّرَرْ..~
الروابط المفضلة