إن الإنسان هو عبارة عن وعاء ممتلئي بالأحاسيس والمشاعر الفياضة التي قد يستطيع بعضنا أن يعبر عنها بالكلام , والمشاعر والأفكار تنقسم إلى ثلاثة أقسام إما أن تكون تعبيرا عن فرحة وبهجة داخلية بما حصل له من حدوث نعمة قد حازها أو حصلت في محيطه , أو تكون تعبيرا عن حزن أو غضب بما جرى له أو أصابه , والثالثة قد لا تكون فرحا ولا حزنا ولكن مشاعر فياضة و تعابير وجدانية عن أمر ما يريد أن يصوغه ويتحدث عنه في كلمات أو شعر ويعبر بها للآخرين , وهذه الأخيرة هي باب واسع يدخل فيه كتابة العلوم بشتى أنواعه وميدان الكلام فيه كبير جدا ومتعدد , ومنه الفلسفة والقضايا الإيمانية والتفكر في مخلوقات الله وطرح الأسئلة عن كل شيء والبحث عن أجوبة لتلك الأسئلة لعلها تشفي غليل السائل وتريحه بعد عناء البحث , والتعبير بالكلام وسيلة من أجل أن يجد ضالته لتهدأ نفسه من التفكير من طلب العلم بذلك الشيء.
والغضب خلق متواجد في نفس الإنسان لا ينفك عنه ولا مجال لإلغائه بالكلية وهو متفاوت من شخص إلى أخر ومن أسرة إلى أسرة أخرى , ولكن يمكن السيطرة عليه بالسيطرة على مسبباته وبواعثه , وتدريب النفس على كظم الغيظ وكبح اندفاع النفس وثورتها نحو الانتصار للنفس والثأر يقول الله عز وجل ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) الشورى (37 ), إن الغضب هو استياء وتعبير عن استياء لما حصل , والغضب هو ردة فعل لفعل حصل قبله وإشارة للطرف الأخر بأنك قد تجاوزت حدودك ودخلت إلى أماكن محظورة كان عليك أن تقف عندها , وقد يعبر عن هذا الغضب بارتفاع نبرة الصوت عند الكلام أو تغير في تعابير الوجه بانقباضها والإحجام أحيانا عن الكلام لشدة الغضب , ويرتفع مع الغضب سرعة ضربات القلب مع احتقان الدم في الوجه وغيره من علامات يتبين للمشاهد أن هذا الإنسان بلغ به الغضب مبلغا شديدا وقد يصيب بعضهم رعشة في الجسم وتعرق شديد , وأحيانا يتحول الغضب إلى التعبير بالضرب بالأطراف كالأيادي والأرجل والدخول في معارك مع الطرف الأخر , فكل ما يصنعه الغاضب هو تعبير عن الم معنوي قد تسبب له أحد ما بالإساءة إليه , فأراد بهذه التعابير أن ينهى هذا الشخص من تكرار هذا العمل معه أو أن يرد الإساءة بأسائه مثلها أو أشد , وأحيانا تصل الأمور إلى السب والشتم وحمل الأحقاد والضغينة وتتطور الأمور إلى كيد ومشاحنات وحتى الاقتتال , والإنسان الحساس قد يعبر عن غضبه أحيانا بالبكاء إذا أسيئ إليه وخاصة الفتيات اللواتي لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
لقد أصاب موسى عليه السلام من قومه أذى شديدا وهو يجتهد في تعليمهم ما ينفعهم وكانوا كثيرا ما يتحايلون بكثرة السؤال والالتفاف على أنبيائهم حتى تطاولوا على الله ووصفوه بالبخل تعالى الله عما يقولون , يقول الله عز وجل " وقالت اليهود يد الله مغلولة " المائدة (64) وكذلك وصفوا الله بالفقر قال الله تعالى " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " العمران (181 ) فمن هذا نستخلص أن أتباع موسى هم من أصعب الأقوام تمردا على أنبيائهم , ومن أكبر المواقف التي وقعوا فيها وجعلت موسى يطيش غضبا من فعالهم عندما أخبره ربه وهو في مناجاته في الجبل أن قومه من بعده قد عبدوا العجل , فنزل إليهم موسى عليه السلام من الجبل وهو يستشيط غضبا وكان يحمل معه ألواحا مكتوبا فيها وصايا من ربه فلما وصل إليهم ألقى الألواح حتى تكسرت وبدأ بأخيه وأمسك بلحيته يجره إليه من شدة الغضب , لأنه مؤتمن على قوم موسى من بعده , فلم يعطي أخاه فرصة ليوضح له ما جرى من شدة الغضب , حتى بدأ هارون يهدئ من غضب أخيه ويشرح له الذي حصل ليتبدد غضب موسى عليه السلام شيئا فشيئا , وكل ذلك الغضب كان من موسى عليه السلام لله ولنصرة دين الله وخوفا من عودة الناس إلى الكفر من جديد , فكيف لا يقبل الناس في أزماننا هذه غضبة العلماء حينما يرون الناس يتفلتون من دين الله ليعودوا إلى الشرك وعبادة القبور والتبرك بها , إن الغضب لدين الله أمر محمود إن لم يكن واجبا تحمى به شرائع الإسلام إذا لم يؤدي إلى مفاسد قد لا يجتني منها الإسلام خيرا .
إن غالب قضايا القتل يكون السبب فيها الغضب , فيبدأ الشجار بإساءة بسيطة ثم يتطور إلى سباب ثم إلى اقتتال ثم تزهق الأرواح , إن غالب حالات الطلاق هو من نتائج الغضب حيث يختلف الزوجان ثم ترتفع أصواتهم وتبدأ الشحناء بينهم ثم يقع الطلاق , إن الغضب يقع بين الناس في الأسواق وفي المدارس وداخل البيوت والتوتر تراه في كل مكان , بل رأيت أحد المرات وأنا على الطريق العام سائق سيارة يمر بسيارته مسرعا ويبصق على صاحب سيارة أخرى أعترضته في الطريق فلحق به الآخر وأدركه عند الإشارة وحصل بينهما شجار طويل تعطلت بسببهما حركة السير , وحدثتني بعض الأخوات أنه حصل بين بعض النسوة شجار في أحد الأسواق وتماسكن بالأيدي حتى أن إحداهن كشفت حجاب الأخرى أمام الناس لشدة ما دار بينهن من عراك كل ذلك بسبب الغضب وعدم ضبط النفس , فأين الحلم يا عباد الله , وأين العافين عن الناس , وأين المتسامحين , لماذا نفوسنا ضيقة ونحن سمانا الله أخوة , لماذا لا نربي أنفسنا على الصبر على الأذى والصفح عن الناس والتغافل عن هفوات الجاهلين .
لقد جاء أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد فجره من ردائه وجذبه إليه بشدة حتى أثرت في صفحة عنقه صلى الله عليه وسلم وقال له يا محمد أعطني من مال الله الذي أعطاك , هكذا بجلافة الأعراب وسوء ألأدب , وقال هذا الكلام لنبي عظيم , بل ناداه بأسمه مجردا كأنه رجلا عابرا في السوق فما كان من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن تبسم في وجهه وقال أعطوه من الصدقة ... وانتهى الأمر , فأنظر إلى صبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم إذا أساء إليه أحد من العوام الذي لا يعرف قدر الأنبياء كيف يتصرف معه , فنحن نعيش بين أناس يحتاجون إلى صبر وإرشاد وتعليم , وقد تصدر الإساءة إلينا أحيانا من نسائنا وقد تكون من أبنائنا فيجب تحملهم وامتصاص غضبهم حتى لا يتطور إلى ما هو أسوء من ذلك , فما أجمل صورة الإنسان وهو يبتسم وما أبشع صورته وهو غاضب ينتصر لنفسه ,فإذا سمعت ما يسوؤك فتجاهل ما سمعت وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم , وإذا أصابك الغضب فغادر المكان الذي أنت فيه وتوضأ حتى تبرد وتذهب عنك حرارته , وإذا غضبت وكنت واقفا فا أجلس أو أستلقي على جنب , فتخلق يا أخي الكريم بخلق الصبر فإنه وقار وحسن أدب ولا يجرفك طيش الغضب بسبب هفوات الناس , فإنه نقص وضعف في حقك , وفي حق عالم الدين مذمة , أسئل الله أن لا تزل أقدامنا بسبب الغضب وحب الانتصار على الناس وعلينا الاستمساك بهدي الإسلام يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " ليس القوي بالصرعة بل القوي الذي يملك نفسه عند الغضب " أي ليس القوي الذي يملك قوة في بدنه ويصرع بها الناس عند منازلتهم بل القوي الذي يمسك نفسه عند الغضب فلا يصدر منه شيء يفرح به الشيطان , أسئل الله أن يجنبنا شرور أنفسنا ويبعدنا عن نار الغضب والحمد لله رب العالمين
ادعو لي بدرية الصالحة وهداية زوجي
الروابط المفضلة