( رمضان ) شهرٌ للعـفــــــــة والاستعفـــــاف

يتردد الحديثُ في أحايينَ كثيرةٍ – على مدار العام - بين المربين والدعاة عن جمال الالتحاف بالعفة ، أوعن وجوب التعفف والاستعفاف ؛ وذلك لأن جِماع الأخلاق العظيمة مركوز في تلك السمة الأصيلة ؛ تدور حولها فضائلُ الصفات ، ويرتبط بها ساميَ الأخلاق ؛ فما من خلقٍ كريم إلا وله بها نسبٌ ، وما من صفة فضيلة إلا ولها إليها سببٌ .فمن هذه الصفات ما كان من أعمال الجوارح ومنها ما كان من أعمال القلوب .
فأما ما كان للجوارح فمثل ما خُص بالعين كخُلق غضِّ البصر عن الحرام ، أو ما كان مختصا بالأذن وهو التنزه عن استماع ما لا يحل ، أو ما كان مرتبطا باللسان مثل الكف عما نهى عنه الشرع الحكيم من شتمٍ أو لعانٍ أو حديثِ زورٍ أوكذب ...إلخ .
وأما ما كان من أعمال القلوب فمثل الطمع فيما عند الناس من متع الدنيا ، أو التطلع إلى ما لا يُستطاع من المال أوغيره بحيث يَجُر إلى ما لا يُحمد ، قال تعالى : " ولاتمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرةَ الحياة الدنيا لنفتنَهم فيه ورزقُ ربك خيرٌ وأبقى " طه/ 131
والمسلم مطالبٌ بأن يكون عفيفا متعففا- طوال العام - عن الصفات الرديئة والأخلاق الدنيئة التي نهاه عنها الدينُ السمح الذي يدعو إلى كل فضيلة وينهى عن كل رذيلة .
فإذا أظل شهرُ رمضانَ الناسَ وهبت نسائمُه عليهم ؛ تطامنت حرارةُ نفوسٍ ، واعتدل اعوجاج أُخَر ؛ فأما الأولى فإنها طالما جهِدتْ وتصببت عرقا وهي تسعى في هجير الأيام تحاول مدافعة وساوس أو مجانبة خبائث ، وأما الثانية فقد وقعت في الشَرَك فاستسلمت ، أو نزلت إلى غيابة الجُب فانتكست فمنها من لم يصح عندها صائحُ يا بشراى ؛ فأُهمِلت ، ومنها من مُدتْ إليها يدُ واردِ قافلةِ الدعاة فما أجابته انخداعا بماءٍ قليل أو سرابٍ مخاتلٍ .
فكان رمضان لهؤلاء وهؤلاء كالمنارة للرُّبان احتوشته ظلماتُ بحرٍ هائجٍ عظيمِ المخاطر، فلم يكد أحد منهم يراها- أي المنارة - حتى طابت نفسه فاطمأنت ، واستقرت روحه فقويت ، فأخذ من أسباب النور أسبابا يستمسك بها ليصل ، وظل يجهد نفسه جَدفا أو سباحةً لينجوَ .وهذا ما يفهم من قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة / 183 ورحم الله الرافعي إذ يقول في شهر الصيام :
فَديتُك زائرًا فـي كل عـــام تُحيَّا بالسلامةِ والســلامِ
وتُقبلُ كالغمـام يَفيــضُ حينًا ويبقى بعده أثرُ الغمــام
وكم في الناس من كَلِفٍ مَشوقٍٍ إليك وكم شَجيٍ مُستهــام
بَني الإسلامِ هذا خيرُ ضيــفٍ إذا غشيَ الكريمُ ذرا الكرام

وفي الكلمات الآتية نحاول بحول الله –تعالى – أن نتحدث عن خلق العفة وكيف يُرسَّخ من خلال شهر رمضان الفضيل.