د‎‎‏ عبدالله مرعي بن محفوظ
تقدم محمد عبدالقادر الفضل رئيس مجلس الغرف السعودية مع أعيان ‏وتجار جدة، ‏للتهنئة والسلام على سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ‏الأمير نايف بن عبدالعزيز ‏آل سعود، وكان محور الحديث الطبع ‏الغالب على أهلها وهو (التجارة)، أما جواب ‏الأمير نايف فكان عن ‏التنمية وتطوير الأعمال وأثرها الأمني على محافظة جدة ، ‏عاصفة ‏ذهنية استمرت أكثر من ‏75‎‏ دقيقة ، والحوار شمل تفاصيل عن معوقات ‏فسح ‏البضائع بميناء جدة الإسلامي وتأخر نتائج المختبرات ،واقتراح ‏سموه بتأسيس ‏شركات للعمالة حتى لا يتعطل القطاع الخاص بطلب ‏تأشيرات العمل ولتساهم ‏بالقضاء على المتخلفين ، بعدها خرج الجمع ‏مقدرين لسموه عمق فكره وسرعة ‏تفاعله لإرضاء ربه ثم المليك ‏والوطن ‏.‎‏ ‏ومن هذا المنطلق أبحر مع القارئ ، وأسأل الله أن أوفق في ‏طرحي، حيث الحديث ‏عن جدة أو محافظها قد يحسب بأنه نوع من ‏الإطراء الاجتماعي ، ولكن في واقع ‏الأمر مقالي يتحدث عن جوانب ‏إدارية وتنموية حصلت في المرحلة الخامسة ‏لمحافظة جدة ‏(1425 – ‎‎1430‎هـ)‏ ، وأحاول بقدر استطاعتي كشف إيجابيات ‏وسلبيات المراحل ‏الزمنية السابقة ، والعوامل التي امتصها محافظ جدة من رحيق ‏إمارة ‏منطقة مكة المكرمة خلال ‏12‎‏ عاماً بأزهارها وأشواكها ، لذلك أجد ‏نفسي أمام ‏وجهة نظر تستحق ألاّ تفلت من بنات أفكاري أو من مداد ‏قلمي الذي بين أصابعي.‎‏ ‏وقبل الخوض في تنمية جدة ، سوف اكتب ‏عن الأمير وإلانسان في آن واحد ‏..‎‏ وهو ‏مشعل بن ماجد ، الشخصية ‏المتزنة ، صاحب القلب الرحيم والتواضع الجم والأدب ‏الحكيم ، وهذا ‏الأمر يثبت عملياً أن ‏( المسؤول ) ‏ كلما ازداد خُلقه رفعة كلما ازداد ‏‏تواضعه مع المواطن ، فخلال عضويتي في مجلس إدارة الغرفة ‏التجارية ، سمحت ‏لي الظروف بالطواف حول المشاكل الإدارية ‏والتجارية التي تمر كل يوم على ‏الغرفة التجارية لتنتهي اجرائياً في ‏مكتب الاستقبال بمحافظة جدة حسب النظام ، بدلاً ‏من مكتب المحافظ ‏حسب اعتقادنا بعلاقة الغرفة مع المحافظة ،‎ ‎فقد جعلنا محافظ جدة ‏نغير ‏قناعتنا (الارستقراطية) ‏ وذلك بحل مشاكلنا حسب القواعد الإدارية ، ‏وطوال هذه ‏الفترة لم نستطع كسر هذا النظام ، حتى أصبحنا مقتنعين ‏بأن ‏( البيروقراطية )‏ ‏الحكومية أفضل حلاً من الواسطة ومن تجاوز ‏الأنظمة طلبا للحل السريع ، وقاعدة ‏محافظ جدة مرتبطة بقناعة جازمة ‏أن لا أحد أعلى من النظام ، والنظام الإداري عنده ‏متوازٍ مع النظرية ‏الاجتماعية خاصة في مهرجان جدة الصيفي ومنتدى جدة ‏الاقتصادي ‏حيث يقول ‏: )‎هناك فارق بين تطوير ثقافة مجتمع جدة وبين تغييرها )‏ ‏‏وهذا الرأي لا يفرضه بحكم منصبه بل يناقشه فكرياً مع القائمين عليها ‏، لانه الأكثر ‏اقتناعاً باستراتيجية الأمير خالد الفيصل نحو العالم الأول ‏، وبفكره نحو تطوير ‏القواعد الاجتماعية حسب المراحل الزمنية التي ‏وضعها في اللقاء الأخير بجامعة أم ‏القرى ، لذلك يقول الأمير مشعل ‏بن ماجد ‏:‎‏ ‏
إن ثقافة المجتمع هي ‏(النظام) الحي والفاعل لسلامة المجتمع ، فمتى ‏ضعفت ‏أصبحت الغاية هي ‏”‎تحقيق الرغبات الشخصية‘‘‎‏ ، دون اعتبار ‏للجماعة وسلامتها ، ‏والنظام الاجتماعي يقوم على ضبط سلوك الفرد ‏نحو الاستقرار ، ولا يجوز الشك ‏بالقيم والثقافة الداخلية وإحلال ثقافة ‏التغريب ، فيصبح ضبط سلوك الأفراد بعد ذلك ‏عسيراً ‏.‎‏ ‏ وانتقل من فكر محافظ جدة إلى التنمية في عروس البحر التي ازدهرت ‏وشهدت نمواً ‏تجارياً ملحوظاً لموقعها على البحر الأحمر ، بعد اتساع ‏مساحتها بـ ‏(3810)‎‏ كيلو ‏مترات مربعة وبلوغ سكانها ‏(3.8)‎‏ ملايين نسمة ، ‏فأصبحت أكبر وأقوى المدن اقتصادياً ‏لما تحتويه من مقومات ‏اجتماعية وتاريخية لعوائلها التجارية ، وخلال ستين عاماً ‏حصل بها ‏نمو مطرد وسريع خلال أربع مراحل كما يلي ‏:‎‏ ‏
-‎‏المرحلة الأولى من ‏(1345-1365‎هـ) : وهي مرحلة التوحيد ‏والاستقرار ‏واستتباب الأمن ، وتدفق الكثير من القبائل الرحل ، وكذلك ‏المهاجرين العرب ‏وخاصة من حضرموت بحثاً عن الأمن والاستقرار ‏والعمل ‏.‎
-‎‏المرحلة الثانية ‏(1365- 1395‎هـ) :‏ مرحلة النفط ، ومن أهم ‏إنجازات هذه ‏المرحلة التي تمت في عهد الأمير فواز رحمه الله تعالى ‏ميناء جدة الإسلامي ‏، ومطار الملك عبد العزيز الدولي ، وجامعة ‏الملك عبد العزيز ، والمنطقة ‏الصناعية الأولى والثانية ‏.‎‏ ‏

-‎‏المرحلة الثالثة ‏(1395-1415‎هـ) :‏ مرحلة الطفرة الاقتصادية ، وبدا ‏‏واضحاً التفاعل الإداري ما بين الأمير ماجد بن عبدالعزيز رحمه الله ‏تعالى ‏وبين أمانة جدة ومدى تحكمها في إدارة البيئة ووضع الأنظمة ‏التخطيطية ‏والمعمارية لإقامة مبانٍ حديثة ، واتصفت هذه المرحلة ‏بالتخطيط الحديث ‏والنمو السريع ، وهي نهاية مراحل التنمية الحقيقية ‏لمحافظة جدة ‏.‎
-‎‏المرحلة الرابعـة ‏(1415- 1425‎‏ هـ) :‎‏ وهي مرحلة لم تواكب ‏التخطيط ‏العمراني والتوسع بخدمات المياه والصرف الصحي ، وبعدم ‏صيانة المدارس ‏والمستشفيات والشوارع ، لعدم اعتماد مبالغ جديدة ‏للمشاريع من وزارة ‏المالية فتدهور الوضع العام سريعاً ، مع الجهود ‏العظيمة التي بذلها الأمير ‏الهمام عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله ‏تعالي ، ولكن ثمارها أتت في ‏المرحلة الخامسة‏.‎
وهنا قد يتساءل القارئ لماذا تم استثناء أمير منطقة مكة المكرمة ‏ومحافظ جدة من ‏المسئولية في المرحلة الرابعة ، أقول بعد توضيح ‏أمير منطقة حائل الأمير سعود بن ‏عبد المحسن في جريدة الشرق ‏الأوسط عام ‏2005‎م ، والذي طرح بكل شفافية ، أن ‏أمراء المناطق ‏والمحافظين ليس لهم أي تأثير على المشروعات التي تقام في المنطقة ‏‏، وليس لهم أي رقابة تنفيذية على مدراء القطاعات الحكومية ، فكل ‏أمين أمانة ‏أو بلدية أو مدير عام مرجعه الأساسي الوزير المختص ، ‏دون الالتزام او تقيد ‏بتوصيات مجلس المنطقة ، ومع ذلك وضع الأمير ‏خالد الفيصل وكالة كاملة للتنمية ‏في إمارة منطقة مكة للمتابعة ‏.‎‏ ‏
ختاماً ، منطقة مكة المكرمة بكاملها تعيش الآن ‏(‎المرحلة الخامسة)‎‏ من ‏مراحل ‏التطوير التنموي ، وهي اليوم تحت أنظار ومتابعة خادم ‏الحرمين الشريفين الملك ‏عبد الله بن عبد العزيز ، ومنها تسعى ‏محافظة جدة بان تكون مدينة التجارة والأعمال ‏، وتكون الميناء ‏الرئيسي للمملكة العربية السعودية ، لذلك فان جدة التي لها هذا ‏التاريخ ‏العميق في جبين الوطن أرى أن وصفها اعلامياً بوصف ‏”‎غير”‏ فيه ‏تقليل من ‏شأنها ومكانتها الحقيقية ، والأفضل واللائق بمكانتها أن يكون ‏وصفها ‏بـ ‏”‎‏ بوابة الحرمين الشريفين ’’


المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 15 ابريل 2009م.
رابط المقال: http://al-madina.com/node/127389