د. عبدالله مرعي بن محفوظ

اطلعت على مقال الإعلامي والكاتب الصحافي مساعد الخميس في صحيفة الحياة يوم الأربعاء 4 مارس 2009م، والرد المفعم بالإبداع من قبل معالي الوزير (المفكر) الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي يوم السبت 7 مارس 2009م، وسوف أشارك بعد أن تأكدت أن بقاء معالي الوزير على المسرح الوزاري لن يطول، واقتناعي أتى بعد أن تأكد لي بأن مشكلة البطالة الوطنية - هي بسبب المجتمع بعاداته البالية وتقاليده المتآكلة- وهذا الأمر أكبر من أن يحله مسئول، أو وزارة حكومية، لذلك يا سيدي الوزير سأكون أول الكُتاب المعتذرين لمقامكم الكريم ولمقام وزارة العمل وللمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني على نقدنا غير العقلاني ولا المنطقي.
في لحظة مراجعة لما كتبت سابقاً عن قضية السعودة والتوظيف وتوطينها ودور وزارة العمل في معالجتها، أشهد الله يا سيّدي أن مقالاتي لم تلامس الواقع الفعلي بمشرط الجراح المتمكن، ولم تستوعب كلماتي المتسمة بالهجوم الجهود والعمل المضني للعاملين في وزارتكم الموقرة، حتى وإن ألحقتها بمقالين احتفاليين متفاعلين بعد زيارتي لمركز الملك فهد للتوظيف، وزيارتي للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ولمشاريع عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، إلا أنني أعترف وأعتذر عما جاء في مقالاتي الناقدة لأني عرفت الفرق بين الإحصاءات وتنفيذ الحلول على واقع المجتمع الذي يرغب بالوظائف الحكومية بسبب خجله المتواصل من الوظائف في القطاع الخاص بأشكالها المنوعة وكذلك المهن، لهذا أعتذر لأنني لم أتفاعل مع المشروع الذي يقدمه أحد خيرة شباب هذا الوطن مشروع (فكر لوطن بلا فقر)، بأفكاره الخلاقة، وانطلقت خلف المطالبة بـ (كذبة) توظيف الشباب دون النظر إلى أهمية التأهيل العقلي والمعرفي، أعتذر لأنني أنسقت خلف الشعارات الإعلامية البراقة لقضية التوطين، دون أن يكون في يدي برنامج عملي ادفع وأشارك به إخواني في المجتمع.
مقالي هنا لم يأتِ من باب الألاعيب اللفظية، لا قدر الله، ولكنه يمثل حقيقة آمنت بها متأخراً بعض الشيء، ومن هنا أعلن بأني لن استكين للاعتذار دون العمل والمشاركة، حيث تعلمت من المهندس محمد جميل والشيخ صالح التركي مفهوم التكافل الاجتماعي داخل المجتمع، الذي يمكن أن يختزل التشريع الإسلامي كاملاً بشمولية أدوات وبرامج قابلة للتنفيذ واتحادها تحت راية واحدة وهي: (صلاح أحوال المجتمع يحقق ضمانات الحياة الكريمة لكل فرد من أفراده) وقصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري الذي أتاه يشتكي الفقر وعدم العمل، فعلمه كيف يحتطب ويبيع في السوق، وهذا مثل حي عبر العصور لفكرة العمل وليس فقط كيف نسد رمق ليلة الفقير والمحتاج.
البطالة والفقر ظاهرتان متعددتا الأبعاد والمسئوليات، ولا تمثلان للدولة وأجهزتها وللمجتمع هماً اقتصادياً فقط، وإنما هما أوسع ضرراً لأن بداخلهما العديد من المركبات السلبية وآثارهما تصل وتطال النواحي الاجتماعية والأمنية والتعليمية والصحية، والبطالة تختلف من بلد إلى آخر باختلاف التركيب المجتمعي، فحل قضية الفقر ليس مشروطاً بتوفير الأموال إذا لم تكن هناك أفكار إبداعية لحلها.
الحقائق الموجعة بأن لدينا 2.5 مليون فقير، ولدينا 400 ألف عاطل في ظل وجود 6 ملايين عامل غير سعودي في المنشآت الاقتصادية والصناعية، كذلك هناك 230 ألف أسرة لا تستطيع تملك سكن مناسب، كل هذه الأرقام نستطيع في زمن المعرفة والتكافل الفكري بأن نقضي عليها، نحن نحتاج لتفاعل المجتمع مع مؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات الاجتماعية، والسعي إلى تكوين (مجتمع المعرفة) والمقصود من مجتمع المعرفة؛ هو تجميع مجموعة من المواطنين ذوي الاهتمامات المتقاربة في العمل العام. هؤلاء ليس شرطاً أن يكونوا من ذوي الأموال بقدر أن تكون لديهم أفكار وأدوات صالحة التطبيق لمصلحة المجتمع.
إن القضاء على البطالة والفقر يحتاج منا أن نراهن على (الفكر) كما قال «دافيد بورنستاين» مؤلف كتاب (كيف يمكن تغيير العالم):»... إن القوى الاجتماعية الفاعلة هي (العقول) الخلاقة التي تعمل في كل مكان من أجل إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية عبر الفعل الاجتماعي التشاركي». وقد نجح مجموعة من الرواد في العالم أكثر مما نجحت حكوماتهم في معالجة أنواع من الفقر والبطالة والمرض، هؤلاء أسهموا في حل كثير من مشكلات كبرى في مجتمعاتهم وهم في الأصل ليسوا من المشاهير أو شخصيات سياسية مرموقة أو صناعيين وماليين كبارا، ولكنهم في الواقع أفراد عاديون يشتركون في صفة واحدة وهي أنهم (مجددون اجتماعيون) انطلقوا من «فكرة قوية» مثل (فابيوروسا) الذي ساهم في رفع مستوى معيشة الأسر الريفية في البرازيل من خلال ابتكار تكنولوجيا جديدة للكهرباء مما مكنهم من الاستفادة منها في البيوت والمزارع الصغيرة، وكذلك (فيرونيكا خوسا) التي طورت نموذجاً لمستشفى في جنوب إفريقيا لمرضى الايدز في منزلها، وتجربتها جعلت الحكومة تغير سياسة الرعاية الصحية للدولة.
لذلك فإن أصدق وأجمل كلمة خلال افتتاح مشاريع الشئون الاجتماعية، ما قاله وزير الشئون الاجتماعية العثيمين: «نحن نفتقر للأفكار في محاربة الفقر... وليس الأموال» . وهنا أؤكد أن الفكر أساس كل عمل، والفقر عدو لا يقهر إلا بالعمل وليس البطالة.
ختاماً هناك أشخاص (مجددون اجتماعيون) أمثال الإعلامية هيفاء خالد بمشروعها الذي يسعى للحد من الطلاق ومعالجة مشاكل الإجراءات الرسمية المتعلقة بالطلاق داخل أروقة الجهات المعنية، وكذلك الشاب الإعلامي طراد الاسمري الذي قدم مشروع (فكر لوطن بلا فقر) من خلال أشهر المواقع الاجتماعية (FACEBOOK) وانطلق بهذا المشروع رغم الإمكانيات المحدودة التي استخدمها لنشر هذا المشروع إلا أنه حاز على قبول الجهات الرسمية والمجتمع، وأيضاً الشاب الدكتور أحمد هاشم الذي التفت إلى أصحاب المهن وحمل أفكاراً لحفظ توارث المهن داخل المجتمع بمشروعه (حرفيون)، هذه الطاقات الشابة والمجددة اجتماعياً تجعل أدعياء (قضية التوطين والتوظيف والبطالة) في خجل من مقالاتهم أو آرائهم دون السعي لبلورتها واقعاً، وأنا أحدهم يا معالي الوزير.
abdullahbinmahfouz@gmail.com

المصدر: صحيفة "المدينة"، الأربعاء 11 مارس 2009م.
الرابط: http://www.al-madina.com/node/114507