السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
المكتبة الوقفية ... نعم، لقد عادت من جديد

منذ زمنٍ بعيدٍ، قال العالم و العابد العربىّ الكبير "سعيد بن المبارك بن على بن عبد الله الإمام ناصح الدين" - كما وردت تسميته فى كتاب السيوطى "بغية الوعاة فى طبقات اللغويين و النحاة" - أقول قال العالم والعابد الكبير "بن المبارك":

لا تحسبنْ أنْ بالكُـ ـتبِ مثلنا ستصيرُ
فللدجاجة ريشٌ لكنَّها لا تطيرُ


نعم، ولكنَّ من عزم أمَّتنا - فى عصرها المجيد - أنها كانت تأخذ بالأسباب و تتوكل على المُسبِّب ربِّ الأسباب.

وإنَّ من أسباب تحصيل العلم - كما قال "الشافعى" فى ديوانه - ما يلى:

أخى، لن تنال العلم إلا بستةٍ سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٍ و حرصٍ و اجتهادٍ و بلغةٍ و صحبة أستاذٍ و طول زمانِ

أو هى (منسوبةً إلى إمام الحرمين - كما سمعنا من الشيخ الجليل "ابى إسحاق الحوينىِّ"):

ذكاءٍ و حرصٍ و افتقارٍ وغربةٍ و تلقين أستاذٍ و طول زمانِ

و على كلٍّ، فلتعذُّر وجود "الأستاذ" فى هذا الزمان، نجد الكتاب و قد ارتقت منزلته عند البيب الفَطِن فصار من أهم وسائل تحصيل العلم . و عن قيمة المعلم "الأستاذ" و قيمة "الكتاب"، أقول أنا متلعثمًا:

لو لم توقِّر مَن يعلِّمك، انتبهْ إنَّ المعلِّم سيِّد العلماءِ
لولاه ما خطَّ العباقرة اسمهم و لما استبانوا (بائهم) من (ياءِ)
أمَّا الكتاب، فذا رسول العِلْم؛ ما هان (الرَّسول) سوى على الجهلاءِ

لذا فإنِّى أسعد بأن أزفَّ إليكم بُشْرَى فتْح "المكتبة الوقفية" العظيمة من جديد، و جزى الله القائمين عليها خير الجزاء. و هاكم الرابط الذى لا يحتاج إلى تعريفٍ لكلّ من يدرك عِظَم "المكتبة الوقفية" العملاقة:

http://www.waqfeya. com/

و أنا أرجو من كلّ من تصل إليه هذه الرسالة أن يبعث بها إلى كلّ من يعرفه - فردًا كان أو مجموعةً بريديةً أو منتدى ... إلى كلّ من تعرف لعلها تُتَداول و ينتفع بها أخواننا فيكتب لنا الله - سبحانه - بها الأجر أحياءً و أمواتًا.


و من الأجدر بنا - نحن المتعلمين - أن نحذو حذو أسلافنا العلماء المجدين و أن نقتفى أثرهم وإن لم نكن بالغِى مكانتهم لسبقهم إيَّانا فى كلِّ علمٍ و فنٍّ. لنكنْ الان - كما كان أسلافنا - أمة العلم .. أمة "إقرأ" و لنحققْ مقول قول من أدرك حكمة القدوة و الاتباع فقال:

فتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلهم إنَّ التَّشَبُّه بالرِّجال فلاحُ

و إذا حاول الشيطان أن يثبِّط من عزائمنا، فلنأخذ العِبْرَة من قول الشاعر الجاهلى "عنترة بن شداد" (المُتوَفَّى سنة 600 م - كما ذكر أحمد بن أمين الشنقيطى فى كتابه "المعلقات العشر و أخبار قائليها") حين شرع فى كتابة معلقته بعد أن سبقه من سبقه من فحول الشعر العربى الجاهلى و على رأسهم جميعًا "امرؤ القيس". فلقد أتى فيها بالجديد المُتحِف و هو الذى قال إجلالاً لمن سبقه و عرفانًا بصنيعهم و اعترافًا بعظم الأمر عليه و اعتذارًا مسبقًا لما قد يقع فيه من خطل، قال - و هو من هو - فى مطلع معلقته المشهورة:

هل غادر الشعراء من مُتَردَّمِ أم هل عرفتَ الدار بعد توهُّمِ

برغم كل من سبقه و ما سبقوه به و برغم اعترافه بذلك (فى الشطر الأول من البيت)، فقد أتى "عنترة" بالجديد لذا لم يَنْسَه التاريخ و لم ينْسَه العالم.

الناس فى صورة التشبيه أكْفاءُ أبوهمُ (آدم) و الأمُّ (حوَّاءُ)
فإن يكن لهم فى أصلها شرفٌ يُفَاخرون به فالطِّين و الماءُ
ما الفضل إلا لأهل العلم؛ إنَّهمُ على الهُدى لمن اهتدى أدلاءُ
و وزن كلأِّ امرئٍ ما كان يحسنه و الجاهلون لأهل العلم أعداءُ

إن مسألة سبق أسلافنا الأفاضل بالنسبة لنا إنما هى مسألة مسئولية تقوم على العمل و الالتزام و هى مسألة قدوة تقوم على العرفان و الاتباع؛ فإذا اضطلعنا بحمل همِّ المسئولية قولاً و عملاً، فعلينا أن نسير على الدرب اعترافًا بالفَضْل و استمراريةً للسَّبْق الذى هو منوطٌ بأمتنا "خير أمةٍ أُخرجَت للناس". و لاشكَّ أنَّ الله - عز و جل - سيكتب للدِّين أن يتجدَّد قَشِيبُه على أيدى المُجِدِّين مِنَّا.

اللهم ارزقنا العلم
و هيئ لنا سُبُله
و يسِّر لنا أسبابه
و أعنَّا على الأخذ بها
بجدٍّ و همةٍ

اللهم ارزقنا حُبَّه
و حُبَّ السعى فى طلبه
من غير كَلَلٍ و لا مَلَلٍ

اللهم وفِّقنا إلى العمل به
على الوجه الذى يرضيك عنَّا
من غير تَبَاهٍ و لا تَعَالٍ
و لا رياءٍ أو شركٍ

اللهم اجعل ثمرة علمنا العمل
و علامة زيادتهما التواضع
و آية عرفاننا بفضلك العبودية و الشكر

اللهم آمين
اللهم آمين