د. عبدالله مرعي بن محفوظ

توفير الهدر لصالح خزينة الدولة او في تخفيض التبذير في المشروعات العامة ، جميعها تقع ضمن مسئولية الوزير حسب منطوق المادة (10) من نظام مجلس الوزراء ، وهناك من جهة أخرى مراقبة ومحاسبة لكافة الوزارات الحكومية وهي ديوان المراقبة العامة والتي أعطاها النظام وفق الفقرة الثانية من المادة (8) حق محاسبة العامة للتأكد من «حسنُ الإجراءات وسلامة استخدام الأموال واستعمالها واستغلالها»، وموضوع مقالي يسير وفق تصريح وزير المياه والكهرباء في افتتاح معرض ومؤتمر الطاقة والبيئة الذي عقد في منتصف أكتوبر 2008 ، وأشار بان هناك هيئة استشارية شكلت لمراجعة الهدر في استهلاك المياه بسبب سعة الشريحة الأولى التي تصل إلى حدود 100 متر مكعب، اضافة الى الهدر في الطاقة الكهربائية والتي تقدر 45 في المائة من الناتج الكهربائي ، وهذه الإحصائيات عموماً موجودة فعلياً في موقع الوزارة على الانترنت .
نحن نتكلم الان عن (أربعين) مليار ريال توفير على خزينة الدولة سنوياً في مجال الكهرباء ، وكذلك 20 في المائة توفير في فاتورة الكهرباء على المواطن ، ومجلس الوزراء ساهم في تسريع الإجراءات ووافق على إنشاء هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج وحددت مهامها بالارتقاء بالخدمات الكهربائية التي تعنى بالمستهلك وحماية حقوقه ، وأعطى التنظيم الهيئة صلاحية دعم نشاط البحوث والتطوير المتعلقة بصناعة الكهرباء والتجهيزات المساندة له.
وفي موضوع التوفير والعمل لوقف التبذير ، تقوم الهيئات الاستشارية الدنيا ولا تقعد إلا إذا دخل الأمر موضوع التنفيذ ، وهو ما حصل حين ارتفعت أسعار الطاقة والبترول في العالم ، حيث قامت الهيئة الاستشارية الأوروبية بتقديم أبحاث ودراسات للبرلمان الأوروبي الذي بدوره أجبر حكومة الاتحاد الأوروبي على إنفاق (مليار) يورو للبحث عن كيفية وقف الهدر في استخدام النفط واعتماد تكنولوجيا الهيدروجين، وكذلك المفوضية الأوروبية في بروكسيل اقتنعت برأي الهيئة الاستشارية وخصصت 500 مليون يورو من أجل مشروع الهيدروجين الذي تشارك فيه 60 شركة فضلا عن مراكز الأبحاث والجامعات ، وفي موضوع (التوفير) لم تهتم الحكومة الأمريكية بأحوال الفقراء في العالم وان ساهم ذلك في رفع أسعار المواد الغذائية في البلدان الفقيرة واستمرت في إنتاج الإيثانول المستخرج من الذرة ليكون بديلا حيويا للنفط ، كل ما ذكرته هنا يامعالي الوزير سببه الرغبة في توفير (الطاقة) والحد من (الهدر) الذي ينعكس على خزينة الدولة وعلى المواطن مستقبلاً .
صدر موخراً بان وزارة المياه والكهرباء تحتاج إلى مشاريع مستقبلية للكهرباء حسب تصريح الدكتور صالح العواجي وكيل الوزارة لشئون الكهرباء تقدر بـ180 مليار ريال حتى عام 2017، وهناك دراسة منتهية وجاهزة للتطبيق العملي من فريق عمل في القطاع الخاص تقول يمكن توفير 40 ملياراً سنوياً إذا تم تطبيق المواصفات والمقاييس الدولية على (الجهد) الكهربائي المستخدم في أجهزة التكييف الحالية بأنواعها (الشباك - الاسبلت - المركزي) .
وهنا المطالب قد تتحول إلى حقوق قانونية قبل أن تكون مطالب اقتصادية ، خاصة وان لديوان المراقبة العامة حق محاسبة الجهات الحكومية واعتبار (الهدر) اهمالا ومخالفة مالية حسب منطوق الفقرة (3) من المادة (15) والتي تنص على التالي “كل إهمال أو تقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو تعريض مصلحة من مصالحها المالية للخطر” يعد مخالفة مالية يحاسب عليها المسئول .
إذن ما هي الجهة المسئولة عن هذه الأموال ؟ وحتى لا تضيع المطالب وسط الكلمات ، في وجهة نظري القانونية هي جهتان مسؤولتان، وزارة المياه والكهرباء وهيئة المواصفات والمقاييس التي تعمل تحت مظلة وزارة التجارة والصناعة ، طبعاً هناك من يتذكر الممثل احمد زكي حين مثل دور (المحامي) لطفل تعرض للإصابة في الشارع العام ، وطلب من المحكمة الابتدائية استدعاء ثلاثة وزراء وهم وزير المواصلات والصحة والبلدية ، ودار جدل إعلامي وقانوني حول أحقية المحامي مساءلة الوزراء الثلاثة بسبب إصابة طفل !! نهاية الفيلم ان القاضي تفاعل مع الرأي العام ، وطلب الوزراء الثلاثة للمثول امام المحكمة والرد على اتهامات التقصير (انتهى الفيلم) ، وفي موضوعنا لن ينتهي هذا التقصير الى ان يصدر قرار من الوزراء المسئولين باعتماد المواصفات الدولية على اجهزة التكييف.
طبعاً لن اجعل من الحبة قبة كما يقال في الأمثال ، ولكن هناك دراسات وأبحاث مقدمة في هذا الشأن من عدة قطاعات ، وقد تكون هناك دراسات أعمق وأشمل في الجامعات السعودية وفي الأبحاث المقدمة من الطلاب والأكاديميين ، ويجب على الهيئة الاستشارية الإطلاع عليها ورفع تقرير سريع لمعالي وزير المياه والكهرباء ، وعلى نفس المسار يجب التفاعل من وزارة التجارة والصناعة وهيئة المواصفات والمقاييس لتطبيق المواصفات الدولية على أجهزة التكييف (المكيفات) ولتكن ابتداءً من عام 2010م ، أما عن اجراءات التطبيق العملية على ارض الواقع مع مصانع التكييف الوطنية ووكلاء الشركات العالمية وكذلك تطبيق الحد من الآثار السلبية في أولى مراحل التطبيق على مصروفات المواطن ، يتطلب الامر التعاقد مع إحدى الشركات الدولية المتخصصة في هذا المجال، طبعاً دولة الامارات وقطر كعادتهم طبق لديهم المواصفات الدولية منذ زمن ونحن ندعي الخوف على المواطن ، مع ان المتضرر الحقيقي هم وكلاء الشركات العالمية ، حتى يكسب التجار خمسين مليوناً تضيع على الدولة والمواطن أربعين مليار ريال .
ختاماً إن مسالة التوفير المطلوبة في الكهرباء يقابلها (التبذير) في وزارة الصحة الذي اتضح نجاحها اعلامياً وسقوطها عملياً ، معالي الوزراء انتم مسؤولون أمام الله ثم الوطن ثم المليك عن فقدان هذا الثروة الوطنية.
www.abm.com.sa
* نقلاً عن صحيفة "المدينة"، الأربعاء 19 نوفمبر 2008م.