كان محمد بن سحنون، وهو من أكابر علماء أفريقية وفضلائهم، جالساً ذات يوم للتدريس في المسجد، إذ أتاه إنسان يتخطّى رقاب الناس حتى وصل إليه فجلس، وظل يعارض كلام ابن سحنون ويسخر منه ويحاول تفنيد حججه، وابن سحنون صابر يتأدّب في جوابه ومحاورته. فبقي على ذلك أياماً كثيرة، وكان إذا رآه ابن سحنون مقبلاً، قال لجماعته: أفسحوا له! فيأتي الرجل ويجلس ويشرع في تسفيه أقوال ابن سحنون. ثم انقطع بعد ذلك مدة، فسأل ابن سحنون عنه من حضره فقالوا: لا نعرف خبره. فقال: اطلبوه! فإذا وجدتموه فآتوني به. فوجدوه فآتوا به إليه. فأخذه وخلا به، وقال له: ما منعك من الحضور إلى مجلسنا؟ فقال له: يا سيدي، لي بنات قد كبرن، واحتجن إلى التزويج، وأنا فقير. فقال لي بعض العلماء من أعدائك الحاسدين لك: إذا استطعت أن تُشَوِّش على ابن سحنون مجالسه وتُنغِّصَ عليه فيها حتى يدع التدريس في المسجد، فنحن نُزيل فقرك ونُجهّز بناتك. فبقيت تلك المدة أجيء إليك فأقذفك وأشتمك وأفعل ما قد رأيت لعلك تغضب فتترك التدريس ويحصل لي ما اتفقوا عليه، فلما أيست من غضبك تركتُ ذلك إذ لا فائدة فيه. فقال ابن سحنون: لو كنت أخبرتني بحاجتك في أول يوم لقضيتُها لك. وجهّز ابن سحنون بناته. من كتاب "بدائع السِّلْك في طبائع المُلْك" لابن الأزرق.
الروابط المفضلة