بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
قرأت في إحدى الصحف المحلية مقالاً لأحد الكتاب يلتمس فيه عدم إيقاف مسلسل ( طاش ما طاش ) !! لكي يكون مائدة رمضانية في كل عام !!
وأنا هنا لن أناقش ما ذهب إليه هذا الكاتب ، ولكني أريد أن أقف وإياكم على خلفية ما صنعه ( طاش ما طاش ) في الناس ،،
لماذا اكتسب المسلسل هذه الشهرة ؟
لماذا تعلق به الناس ؟
ما السر وراء هذه الضجة التي يقيمها كل عام وفي شهر الله المبارك ؟
لنرجع إلى بدايات هذا العمل ، والذي كان يمثل شخصين موهوبين ومعهما مخرج في بداية الطريق - اختلافا معه بعد ذلك - ، اعتمدا على أسلوب ( القفشات ) والمشاهد القصيرة ، متخذين من الضحك لأجل الضحك هدفاً بحد ذاته ،،،
ولكن و مع مرور الوقت تحول من كونه للضحك إلى برنامج يحمل أفكاراً ورسائل ، وتظافرت جهود القائمين عليه بجذب أسماء أخرى إلى صفوفه ، وتظاهروا علينا به ، ثم تطور الحال إلى أن طلب القائمون عليه مشاركة الجماهير في إعداد حلقاته ، ورتبوا على ذلك جوائز ، وساعدت أجهزة الدولة البرنامج ببذل التسهيلات له إضافة إلى اختيار الوقت الذهبي لعرضه بعد الإفطار .
ولنرجع إلى السؤال : ما الذي جعل هذا البرنامج يحوز على هذه الشعبية ؟
إن الإجابة على هذا التساؤل ليست صعبة ، فنظرة خاطفة إلى عمر البرنامج تبين لك الجواب ،،
إنها عشر سنوات من العمل الدؤوب المتكامل ،
بدأ العمل صغيراً ضعيفاً وحيداً في الساحة ، اعتمد على الإضحاك فكسب عيون المشاهدين ، ثم تطور بعد ذلك ليكون أكبر عامل جذب للإعلانات ، ثم دغدغ مشاعر المشاهدين ببعض الانتقادات لأجهزة الدولة والتي لم تكن لتعرض في العلن سلفاً ، مما وفر له أرضية عند المتلقي ،،،
ومن هنا ومع هذه التربية التي دامت عشر سنوات فطمت عيون وعقول المشاهدين على هذا البرنامج فلم تلفت إلا إليه ، بل لم تنظر إلى ما سواه من برامج ومسلسلات أحدثها أساطين الفن القدماء منهم من غادر الدنيا ومنهم من ينتظر نسأل الله لنا ولهم الهداية ، إذ ظلت برامجهم ومسلسلاتهم في دائرة ضيقة لم تنقل انتقال طاش ما طاش ، مما حدا بكثير منهم أن ينضوي حتى عباءة طاش ما طاش ،،،
هذا ما يجسد مكانة طاش ،،،
نعم ، لقد انتقل هذا البرنامج إلى أن أصبح موجهاً ، ويحمل أفكاراً خطيرة ، بل أصبح أداة هدم واضحة ،
ومن هنا كان اعتمادنا على إنكار ما يبث في هذا البرنامج من مخالفات - والحال أنه قد تشربه الناس طيلة هذه السنوات - على مجرد الخطاب والتحذير لن يؤثر كثيراً في جمهور الناس ، والتي ترى فيه متنفساً ، إضافة إلى ما يزينه الشيطان في النفوس تجاهه ولا تنس حظ النفس الأمارة بالسوء ،،
نعم أعلن طاقم ( طاش ما طاش ) على أنه الأخير ، ولكن يبقى أعمدة طاش ما طاش ؛ طاقم العمل والممثلون والأفكار ، كلهم موجودون ؛ لتتبلور جهودهم في فكرة أخرى غير طاش ما طاش ، وليأت برنامج آخر يحمل الراية بعد طاش ما طاش .
ما أريد أن أصل إليه في هذه السطور أنه ينبغي علينا أن نعي خطورة الوسيلة الإعلامية ، وأن يتزامن إنكارنا لما تحويه تلك البرامج من أفكار ، مع سعي جاد منا لعمل مدروس يكون بديلاً ناجحاً ومؤثراً .
أنا لن أخوض في مسألة التمثيل من حيث جوازه وعدم جوازه ، ولكني أضع قاعدة عامة ينبغي علينا أن نأخذ بها ،،
لا بد من أن يتزامن الإنكار والرد مع عمل مدروس وجاد ، لا بد لنا من أن نفعل جانبي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما سبيل الفلاح ،،،
ينبغي علينا أن نبادر وأن نسبق الآخرين ، لا أن نتفرج على ما يفعلونه فقط ،،،
إن الزمن قد تغير ، وبقدر ما تكون عندك الوسيلة الإعلامية المؤثرة بقدر ما يصل صوتك بالحق الذي معك .
نعم نحن لا ندعو إلى الانسياق والسباق من أجل السباق ، بل نحن أصحاب دعوة ، نريد تبليغها للناس كافة وبالوسائل المشروعة والشرعية ، وفي المباح من الوسائل - ولله المحد - غنية عما سواها .
ومن جانب آخر فإننا لا نريد أن تأخذنا نظرية المؤامرة بعيداً ،،
لم يكن نجاح طاش ما طاش متوقفاً على الدعم الرسمي له فقط ، ولا تلازم إلى حد ما بين ما يحمله من أفكار وبين الدعم الذي يلقاه ،
فهناك برامج أخرى لم يتوفر لها ما توفر لهذا البرنامج من دعم ، وما ذاك إلا لأن هذا البرنامج قد وصل إلى عقول الناس وقلوبهم ، والصراع الآن على من يكسب المشاهد ،
إن برنامج ( مواهب وأفكار ) ، لما حوى مادة جدية وجيدة ، وبلغ مكانة في نفوس المتابعين توفر له الدعم على المستوى الرسمي ، بل حاز على جائزة أفضل برنامج مقدم للأطفال في العالم العربي ،، ومن هنا فإني أضرب ببرنامج ( مواهب وأفكار ) مثلاً ليعلم بأن العمل الذي يصل إلى المشاهد هو الذي سيفرض نفسه سواء حمل أفكاراً جيدة أو سيئة .
أما وإني لأدعو رافعاً الصوت : بأنه ينبغي على الناس أن لا ينساقوا في هذا الشهر الكريم بل ولا حتى في غيره إلى الملهيات وإن كانت مباحة ، إلا أنه يبقى اختلاف الناس ، ما بين جاد ، وآخر يستجيب لمن يدعوه ، وقد عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل ،،
والناس مختلفون منهم من يأخذ الكتاب بقوة ويكون من السابقين ، ومنهم من يبقى في دائرة المقتصدين ، منهم من تريد منه أن لا يقع في الحرام وليبق في دائرة المباح ، وآخرون تسأل الله تعالى أن يكفيك شرهم .
والدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى الحكمة والموعظة الحسنة ، { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب } .
أسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً ، وأن يتقبل منا في هذا الشهر الكريم أعمالنا الصالحة ، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ، والحمد لله أولاً وآخراً .
الروابط المفضلة