بسم الله الرحمن الرحيم
بكـــــر أبو زيـــــد
عالمُ أمّة .. وواسع علم .. تئن تحت وطأة يده الأقلام !!
د. محمد العريفي
كان فارس التصنيف، فائق التأليف، سائغ العبارة، جميل الإشارة ، لا يعدم قارئ كتبه الفوائد، ولا يفقد الشوارد، فلو طلبت لطلب كتبه أكباد الإبل، وقطعت الفيافي والسبل، ما ندم المسافر إليها، ولا خاب التاعب عليها، كيف لا؟ وهو جليس الكتاب، والمنقطع عن الخلان والأحباب .. نعم كان قليل المجالسة للناس، كثير المصاحبة للكتاب، فلا تراه يصرف وقتاً في مجالس الأنس، إلا في حديث أو درس، ولا تكاد تراه إلا مفتياً أو كاتباً حتى بلغت مؤلفاته أكثر من ستة وستين مؤلفاً. ?كان ينفرد بالتأويل في حل عويص المشكلات وكشف المدلهمات، وإذا رأيت همته في التأليف رأيت أن الرجل يحترق ليرفع راية الإسلام ويعلي كلمة الدين ويعز الشريعة. فمن ذلك أنه لما رأى بداية ظهور المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين ألف كتابه (المدارس الأجنبية الاستعمارية تاريخها ومخاطرها) فكان كاشفاً لعوارها هاتكاً لأستارها، ولما رأى الأفكار المنثورة في الأمة عبر الأفلام والمسلسلات ألف كتابه (التمثيل حقيقته وحكمه وتاريخه)، ولما رأى فتنةً تفرق بعض طلبة العلم، وتراشق بعضهم مع بعض، وجرأة البعض في الحكم على البعض بالتبديع والتفسيق ألف كتابه (تصنيف الناس بين الشك واليقين)، وألف في الأعياد المبتدعة مثل كتاب (عيد اليوبيل بدعة في الإسلام)، وألف في فنون مختلفة مثل كتاب (السبحة تاريخها وحكمها)، وكتاب (خصائص جزيرة العرب)، وكتاب (حراسة الفضيلة) وقد أثنى العلماء على كتبه واهتموا بها. ?الشيخ بكر أبو زيد إذا رأيته رأيت فيه الأدب الجم والخلق الرفيع والسمت الصالح .. أوتي الشيخ رحمه الله علماً غزيراً وخلقاً كريماً وفصاحة قل نظيرها، وكان فقيهاً مجتهداً يسير مع الدليل حيث سار، كان إذا سئل لا يتسرع في الإجابة بل يسأل عن دقائق الأمر المطروح حتى يستوعبه ويتصوره بدقة ثم يجيب. حدثني بعض طلبة العلم قال: دخلت على الشيخ رحمه في مكتبه في دار الإفتاء في أوائل انتقاله إليها وتعينه عضواً في الإفتاء، قال: فكان الشيخ في مكتبه يتلقى أسئلة الناس عبر الهاتف وعبر مجيئهم إليه في المكتب، قال: فلما دخلت عليه سألته عن تعينه مفتياً في مثل هذه الدار للإفتاء وعن ملازمته السابقة لمن سبق من العلماء، قال: فالتفت إلي وقال: هل تصدق قبل أن آتي إلى دار الإفتاء وأبدأ في تلقي أسئلة الناس من كل مكان من داخل المملكة وخارجها بأنواعها وأصنافها كنت أظن أني قد حويت العلم كله، ولكني لما جلست وبدأت أسمع استفتاءات الناس وجدت أنه ليس لدي من العلم إلا قطرات، ثم أشار على ورقة صغيرة كان قد وضعها على مكتبه، عليها رقم شخص مع اسمه، قال: هل ترى هذه الورقة مع هذا الرقم؟ قلت: نعم. قال: هذا اتصل بي وسألني عن أنه إذا طاف في سطح الحرم فهل يجوز له أن يدخل من خلال المسعى أثناء الطواف أم ينبغي له أن يتجنب دخول المسعى؟ يقول الشيخ: فبحثت هذه المسألة فيما عندي من معلومات فلم يتيسر لي فأخذت رقمه، وقلت له: سأباحث المشايخ في المسألة وأنظر فيها وأتأمل ثم أتصل بك وأرد عليك الجواب. فانظر أولاً كيف أن العالم إذا خالط الناس ازداد علماً وأيقن أنه لا يزال إلى تحريك المعلومات في ذهنه، ثم انظر ثانياً إلى تحرجه من الإفتاء في مسألة قد يعدها كثير منا من المسائل الصغيرة. ?كان الشيخ بكر رحمه الله له شغف منقطع النظير في القراءة ومجالسة التصانيف، حدثني بعض المقربين منه أنه استعرض كتب مكتبة الشيخ، قال: دخلت وجعلت أستعرض هذه الكتب، قال: وجدت أكثر من تسعين في المائة من هذه الكتب عليها تعليقات بخط الشيخ رحمه الله. ?يقول الشيخ بكر أبو زيد عن نفسه: ما أدخلت مكتبتي كتاباً إلا وقرأته قبل ذلك، فإن ضاق وقتي أو كان موضوع الكتاب غير مهم قرأت مقدمة الكتاب والفهرس ثم وضعته في المكتبة. وقال مرةً: ما ألفت كتاباً قط إلا وقرأت في موضوع الكتاب ما لا يقل عن مائتي كتاب ومقال. ويقول كذلك عن نفسه: قرأت فتاوى ابن تيمية مرتين في خلال أسفاري، أقرؤها في الطائرة وفي انتظاري في المطار. ?كان يعشق الكتب فكان يتعامل مع الكتاب وكأنه أحد أبنائه حتى إن أحد المشايخ استعار منه كتاباً نادراً ثم طال بقاء هذا الكتاب عند هذا الشيخ فطلبه الشيخ بكر مراراً حتى صرح له ذلك الشيخ بأن الكتاب قد ضاع فبقي الشيخ بكر متحسراً ونادماً لسنين طويلة لأجل فقد الكتاب.
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
المصـــدر
الروابط المفضلة