السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
بداية ، أنا سعيدة
رغم أنني أمر بظروف خاصة تضيق علي الدنيا بما رحبت، إلا أن لحظة عزة بالانتماء هذا الصباح، جعلتني أشعر بفرح عميق لم أذقه منذ زمن. و هنا وقفة :
ياااه ما أتفه هذه الدنيا و مشاكلها لو أننا نرقى بهمنا و نجعله هم القضية..
دعوني أخبركم ماذا جرى :
كنت في درس اللغة الفرنسية الأسبوعي الذي أحضره في معهد تابع للسفارة الفرنسية في أيرلندا
أنا المسلمة العربية الوحيدة بينهن، و جميعهن أيرلنديات كاثوليكيات، عدا المعلمة ، فهي نصرانية أيضاً، و لكنها فرنسية.
أيرلندا بلد نصراني محافظ و متدين نسبياً، و المسلمون فيه قلة، لذا معرفتهم بالإسلام و المسلمين طفيفة، و مصدرها الأساسي هو الإعلام الغربي للأسف ..
هن عادة يعاملنني بود، خاصة أنني أبذل جهدي لكي أطبق مبدأ الدعوة من خلال حسن التمثيل
اليوم كنا نتدرب على الحوار من خلال عمل جماعي : معنا مجموعة أسئلة عن فرنسا، و إجابات محتملة لها ، و على أعضاء كل مجموعة أن يتفقن على الإجابة الصحيحة لكل سؤال.
كل شيء يسير كالعادة بجو لطيف، إلى أن وصلت ضمن مجموعتي إلى سؤال " لماذا توجد مساجد في فرنسا ؟".
أسرعت إحداهن باختيار الإجابة " آثار الغزو العربي قديما" ، فوافقتها أخرى، و قبل أن يكتبن الإجابة بشكل نهائي ، قلت : تمهلن، بل الإجابة الصحيحة هي " لأن الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا"
لن أطيل عليكم بوصف ردات فعلهن الأولى، بل سأكتفي بالقول أنها تراوحت ما بين الإنكار و الإستهزاء..
فبالنسبة لسيدات أيرلنديات في منتصف العمر، الإسلام هو دين أولئك الذين يأتون من بلاد بعيدة هنااااك هناك في الصحراء ما وراء الجبال .. و هنا وقفة أخرى :
هل نعي فعلاً مقدار حجم مسؤوليتنا بالتبليغ ؟..
لدى إصراري، اقتنعن باختيار إجابتي على أساس أنني أدرى منهن بشؤون المسلمين. فهدفنا الجليل في نهاية المطاف ليس البلد و لا الدين، إنما هو الفوز بأكبر عدد من الإجابات الصحيحة
حان وقت إعلان مجموعتنا إجابتها الموحدة على الملأ، فسارعت إحداهن بالقول : نحن غير مقتنعين، و لكن فلانة (أنا) تدعي أن الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا (سبحان الله كم يغيظها الأمر)
قد يهيأ لكم أنني أنقل مشهدأ من مسرحية إن قلت :
ساد صمت مطبق لدى نطقها بتلك العبارة (الإتهامية)، و اتجهت الأنظار المندهشة إلي ، فاكتفيت بالإبتسام، و نظرت إلى المعلمة التي حسمت المعضلة بقولها : إذاً اشكروها، لأنكم المجموعة الوحيدة التي أجابت بشكل صحيح!
عادت الغوغاء و علت الأصوات و التساؤلات من جديد، فاستدركت المعلمة كلامها بمفاجأة كانت مدهشة بالنسبة لي ، و بمثابة صاعقة بالنسبة لهن :
بل إن أردتن المزيد من الدقة ، هذه الإجابة الصحيحة في الكتاب، و لكن الكتاب مطبوع عام 2002م. أما اليوم في 2007م، فالإسلام بات الديانة الأولى في فرنسا !
الله أكبر أسلمت فرنسا
صراحة لا أدري مدى صحة كلامها ( رغم أنه ليس مستغرباً)، و لكنها - وهي النصرانية الفرنسية - أكدته أكثر من مرة بلهجة الواثق مما يقول. لعل الأخوات في فرنسا يفدننا في هذا الشأن..
ودي أن أصف لكم كيف زلزلت إفادتها الحضور.. أنا نفسي كنت متفاجئة ..
أول عبارة ( أو بالأصح إستغائة) انطلقت : يا إلهي ! و تلاها العديد من : غير معقول .. لا بد أنها تمزح .. هل أنت متأكدة مما تقولين؟؟ و سمعت البعض يضحكن من هول الصدمة...
ثم هدأت العاصفة قليلا و بدأن يفكرن بعقلانية أكثر : لعلك تقصدين أن باب الهجرة الواسع جعل الوافدين يفوقون أهلا البلاد عدداً ؟
فأجابت بالنفي ، و أن الجيل الثالث من المهاجرين المسلمين باتوا اليوم فرنسيين مثلهم مثل غيرهم، و أن الإسلام لا يقتصر في فرنسا على أولي الجذور العربية..
توجهت الأنظار إلي ( خالية من كل مظاهر الود السابقة ) من جديد ، فقلت لهم : لم الدهشة يا سيدات. بل الأمر منطقي جداً.. ألا تعرفن أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشاراً في العالم ؟ و هذا الأمر لا يقتصر على فرنسا ، بل لقد قرأت حديثا عن أعداد كبيرة لمعتنقي الإسلام سنوياً في ألمانيا و هولندا و السويد و غيرها.. و الأمر منطقي جدا، لأن الجاليات الإسلامية في هذه البلدان كبيرة ، و بالتالي فإن شعوب البلاد يختلطون بالمسلمين و يتعرفون على دينهم من خلالهم ، و ليس من خلال الإعلام الذي يصورنا لكم كإرهابيين متخلفين.
هنا وقفة : لا أخفيكم أنني أثناء تفوهي بهذا الكلام انتابني شعور بالقلق و الحزن، فالبعض يمثلون الإسلام بشكل أكبر إساءة مما يفعل الإعلام الغربي، والله المستعان.. هذا من أشد الأمور التي تشعرني بالأسى..
ختمت كلامي بسؤالهن : هل فكرت إحداكن يوما أن تقرأ، أو تسأل مصدر ثقة عن الإسلام ؟ إن فعلتن، زال كل سبب للدهشة التي أراها على وجوهكن الآن..
بعدها عدنا إلى الكتاب و إلى قواعد اللغة الفرنسية
عند نهاية الدرس ، تجاذبنا أطراف هذا الحديث مرة أخرى، و لعله يكفي أن أقول لكم أنهم يظنون أن الإسلام يدعو إلى أن تأكل المرأة فضلات طعام الرجل ...
**
دعوني أعود من حيث بدأت : يا الله كم هذا دين عظيم، رقي بنا و بمشاعرنا و بأفكارنا..
أقسم لكم أن الموقف البسيط هذا(والذي لا يمسني أنا كشخص بالتحديد، يعني لم أقدم فيه شيئاً) جعلني أشعر بعزة حلقت بي و سعادة غمرتني، و أنستني - ولو لبعض الوقت فقط - هموم الدنيا التي كانت تأسرني.
هذا إن دل على شيء، فإنما هو لمسة خفيفة مما جاء في الحديث :
من كانت الدنيا همه، فرق الله عليه أمره، و جعل فقره بين عينيه، و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. و من كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، و جعل غناه في قلبه، و أتته الدنيا و هي راغمة.
شعرت أن الله تعالى يقول لي : إرقِ بنفسك ، تعالي عن سفاسف الهموم، و ركزي على هدفك، و أنا أضمن لكِ ما يشغل فكرك عن الهموم، و ما يملأ قلبك بسعادة تعوض كل نقص و تجبر كل كسر..
هذه المشاعر الراقية التي يحملها كل قلب مسلم لدينه و قضيته، والله لا يوازيها شيء، لا لذة لقيا و لا فرحة نجاح و لا سرور رغد
الخير فينا، في كل مسلم.. و سعادتنا الحقيقية بداخلنا، و لكن الدنيا تلهينا و تغرر بنا و تكبل أيدينا والله المستعان
أسأل الله تعالى أن يردنا إلى قضيتنا، و أن يحيي همها في قلوبنا لكي تحيينا
و أن يردنا إلى إسلامنا سبب عزتنا
اللهم يا رب العالمين اشغلنا بك عنك، و بطاعتك عن معصيتك و بفضلك عمن سواك
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين
الروابط المفضلة