أحسن الله عزاءكم ..وعظم أجركم .. وجبر مصيبتكم.. خطبة الجمعة 13/7/1423
الشيخ مشبب القحطاني ....
أما بعد أيها المسلمون :
( أحسن الله عزاءكم ، وعظم أجركم ، وغفر لميتكم ، وجبر مصيبتكم )
كلمات نسمعها تقال لتعزية أهل الميت ، وأكثرنا سبق أن قالها في مناسبات عدة ..
والسؤال الذي أطرحه لنفسي ثم لأخواني الكرام ، متى تقال لأهلنا هذه الكلمات .؟؟؟
متى يأتي الناس إلى بيوتنا يعزون أهلنا فينا ..؟؟؟
متى يأتي الناس إلى بيوتنا قولون : أحسن الله عزاءكم وعظم أجركم في فلان ..؟؟
هل سيأتون بعد عشرين سنة أم بعد سنة أم سيأتون اليوم .. ؟؟
الله أعلم متى سيأتون ..هذا جوابنا جميعا ..
أخي في الله .. هل أنت مستعد للموت؟؟
هل عزيت نفسك في نفسك ؟؟ قبل أن يُعزى أهلك فيك ؟؟
هذا هو السؤال المهم ..
هل تخيلت الناس وهم يجتمعون في بيتك للتعزية؟؟ ما هي حال زوجتك وأولادك وأمك وأبوك ان وجد أحد منهم ؟؟
هل تخيلت نفسك وأنت بين يدي المغسل يقلبك ذات اليمين وذات الشمال ..
هل تخيلت نفسك ، وقد وضعت في القبر ، وأهيل عليك التراب .. وأنت تسمع قرع نعال الناس وقد ذهبوا إلى بيوتهم بعد ان فرغوا من دفنك؟؟
هل تخيلت منكرا و نكير وقد أقعدوك ن وسألوك عن ربك ودينك ونبيك ؟؟
أيها الأخوة في الله : نحن بأشد الحاجة إلى تذكر الموت وما بعده من آمال وآلام .. خصوصا بعد أن رجع الجميع من قضاء إجازاتهم ، وأقبلوا على أعمالهم ودراستهم وتجارتهم ..والله أعلم بما فعلوا وقصروا في الأيام الماضية ..
أيها المسلمون : إن موضوع الموت موضوع يكره البعضُ سماعه والتذكير به ، لانغماسهم في الدنيا وزينتها .. ولوقوعهم في المعاصي والشهوات..
يكرهون ذكره والتذكير به مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بتذكره والإكثار من ذلك..حين قال في الحديث الصحيح ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ) ..
نعم : انه الموت هاد اللذات ، و مفرق الجماعات ..
ان التذكير بهذا الموضوع أمر في غاية الأهمية ،لان الناس قد انشغلوا في دنياهم ، واعرضوا عن مصيرهم المحتوم ، ولم يجدوا إلا من يحثهم على التنافس على مصالح الدنيا الفانية ، سواء في الصحف والمجلات ، أو التلفاز أو في مقرات الأعمال أو في المجالس المنتديات ، بل حتى وفي المقابر التي تعتبر من أهم الأمكنة لتذكر الموت ، تجد بعضهم يتحدث عن الدنيا.
أيها الاخوة : بعض المسلمين يتضايق عند سماعِه لموضوع الموت ، ويطلب من المتحدث أن يسكت ، ويقول ( نريد أن نعيش ، فلا تنغص علينا حياتنا ..)
وهذا الإنسان يقال له (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(8) سورة الجمعة..
ويقال له أيضا ان الذي امرنا أن نسعى في الأرض ، وان نستغل جميع ما فيها من خيرات ..هو الذي امرنا بتذكر الموت ..على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ) ..
وقال أيضا اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فقَالَ الصحابة : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.. قَالَ ( لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)
أيها الاخوة : ان في تذكر الموت وما بعده من أهوال استجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عبثا ، أو تنغيصا على الناس حياتهم ..بل في ذلك استعداد للحياة الحقيقة الأبدية كما قال تعالى ( يا أيها الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (
نعم والله .. ان في الاستجابة لله ولرسوله لحياةً طيبةً في الدنيا والآخرة ..
أيها الاخوة في الله : ان من اكبر أسباب الغفلة عن تذكر الموت وما بعده من أحوال ، هو أن اكثر الناس قد عظموا الدنيا ، وبالغوا في تعظيمها ،وقد غرتهم الدنيا بمظاهرها الخداعة ، ومباهجِها البراقة ..وما عرفوا حقيقتها ..
ولو عرفوها حق المعرفة لهانت عليهم ...فالدنيا وما فيها أهون على الله عز وجل من جناح البعوضة كما قال صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ) أخرجه الترمذي بسند صحيح*
وقد وردت الآيات التي تبين ان الدنيا متاعُ الغرور ، وأنها لهو ولعب ..كما لا يخفى عليكم كقوله تعالى(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا(45)
ولمزيد من بيان حقارتها و التصغير من شأنها فقد قارن النبي صلى الله عليه وسلم بينها وبين الآخرة بقوله ( وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ ، إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ ) أخرجه مسلم واحمد وغيرهما..بسند صحيح.
ومما يزيد الأمر توضيحا فقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا بارتحالها وسرعة انقضائها ، بالمستظل تحت شجرة ثم تركها.. اخرج الترمذي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ ( مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا ، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ) صَحِيحٌ *
أيها الاخوة : ان دارا هذا شأنها لحري بالمسلم ان يقف مع نفسه وقفات كثيرة حيالها ، و يتذكر ما قدم فيها من خير فيحاول ان يستمر عليه ، وما قدم من شر فليتب إلى الله منه ، حتى إذا أدركه هادم اللذات ومفرقُ الجماعات ..كان على استعداد لما بعده من أهوال ..ولقد احسن الشاعر إذا قال : تأهب للذي لابد منه فان الموت ميقات العباد أترضى ان تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
فالموت أيها الاخوة : لا يستأذن أحدا ، ولا يهاب من الحرس والحجاب ، ولا يقبل بديلا ولا كفيلا ولا واسطة ،ولا يفرق بين الصغير والكبير.. و إنما ذلك مرتبط بالأجل ..كما قال تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ).
أن من نعم الله علينا أن أرسل لنا رسلا تذكرنا بالموت ، وتعلمنا بقرب وقوعه ، ولكن بعض الناس لا يفطن لها .. فمن ذلك الأمراض التي تصيبنا وتصيب غيرَنا..
ومنها الضعف في البصر والسمع ..
ومنها موت الأصحاب والأحباب ..
ومنها الحوادث والكوارث ، ومنها بلوغ الأربعين .ومنها الشيب ..الذي فسربه بعضهم قوله تعالى ( أو لم نعمِّرْكم ما يتذكر فيه من تذكر..وجاءكم النذير..).. وقال فيه الشاعر: رأيت الشيب من نذر المنايا ...يذكرني بعمر لي قصيرِ تقول النفس غير لون هذا ...عساك تطيب في عمر يسير ِ فقلت لها المشيب نذيرُ عمري.. ولست مسوداً وجه النذيرِ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) بارك الله لي ولكم في القران الكريم
الروابط المفضلة