الخميني ، أنصاره والمعجبون به وصرف أنظارهم عن العقيدة

إن هاتين الفكرتين للخميني (فكرته عن الإمامة والأئمة ، وتوجيه الطعن والتهم الموجهة إلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم) لم يعد أمراً خافباً، بل إن رسائله هذه قد وزعت في إيرران وخارجها بعدد هائل يبلغ مئات الآلاف، وبناءً على ذلك، فقد كان من المتوقع أن دعوته سوف لا تنال قبولاً وإعجاباً في طبقة المسلمين السنين _وهي الكثرة الغالبة في المسلمين- بل تُرفض رفضاً باتاَ ، خصوصاً بعد ما ثبت زيف معتقداته وأساسه ونقضه لغقيدة التوحيد الأساسية للمة الإسلامية ، وعقيدة المشاركة في النبوة ، التي هي النتيجة الحتمية المنطقية لتعريف الإمامة وامتيازات الأئمة ، وبعد ما تحقق طعنه وتجريحه لشخصيات الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، الذين يحتلون أرفع محل في قلوب المسلمين بعد رسول الله e في الحب والتعظيم ، وكان عهد حكمهم أمثل عهد وأفضل نموذج للحياة لا تاريخ الإسلام فقط ، بل في التاريخ الإنساني في العالم كله ، في ضوء التاريخ الموثوق به ، وعلى إجماع من شهادة المؤرخين المسلمين وغير المسلمين ، كان من المتوقع أن لا يعتبر الخميني بعد ذلك كله حامل لواء الثورة الإسلامية ومؤسس الحكومة الإسلامية ومنشئها ، والقائد المثالي لدى المسلمين السنيين على أقل تقدير ، ولكن الذي يبعث على الأسف والاستغراب أن بعض أوساط المسلمين التي تحمل لواء الفكر الإسلامي وتتمنى للإسلام الإزدهار والغلبة وتدعو إليه ، أحلته محل ((الإمام المنتظر)) وأبدت له من الإعجاب والحب ما بلغ إلى حدود العصبية حيث لا تحتمل كلمة انتقاد له في أي حال ، ولقد بلغت بنا التجربة والمشاهدة إلى تقدير أمرين :
أهمية العقيدة في الإسلام ، والنتائج الخطيرة لصرف النظر عنها:
1- لم يعد مقياس المدح والذم والانتقاد والتقريظ في أوساط كثيرة ، هو الكتاب والسنة ، وأسوة السلف ، وصحة العقائد والمذهب ، بل إن إقامة حكومة مطلقة باسم الإسلام والفوز بالقوة ، أو توجيه تحدٍّ إلى معسكر غربي وإحداث العراقيل في طريقه ، يكفي لمن يتولى ذلك أن يكون قائداً محبوباً ومثالياً .
2- تفقد العقيدة أهميتها لدى جيلنا الجديد المثقف إلى حد خطير جداً ، وذلك واقع يبعث على القلق والاضطراب ، فإن العقيدة هي الخط الفاصل بين دعوات الأنبياء ومقاصد مجهوداتهم وعواملها ، وبين دعوات غيرهم ومقاصد جهودهم ، تلك العقيدة التي لا يرضى الأنبياء وخلفاؤهم بالمساومة أو التفاهم عليها بأكبر ثمن ، إن مقياس الرفض والقبول والاستحسان والاستهجان ، وشروط الفصل والوصل عندهم هي العقيدة ، وهذا الدين الذي لا يزال موجوداً بصورته الأصلية – على الرغم من ضعف المسلمين- إنما هو مدين في بقائه واستمراره للاستقامة والصلابة والحمية والغيرة في شأن العقيدة ، فإن حملة الدين ودعاته لم يستسلمون في هذا المجال أمام أي قوة أو جبروت أو امبراطورية واسعة ، ولم يرضوا بالسكوت على عقيدة أو دعوى خاطئة فضلاً عن أن يكونوا قد قبلوها أو وافقوا عليها لمصلحة دنيوية للإسلام والمسلمين ، أو طمعاً في التفادي من خلاف وشقاق ، إن صمود الإمام أحمد بن حنبل (ت : 241ﻫ) ومقاومته وصبره على ضرب السياط ، وآلام التعذيب في السجن ، من أجل إنكاره على عقيدة خلق القرآن تجاه حاكمين مسلمين ، بل إزاء حاكمين من أكبر حكام ذلك العصر ، وهما الخليفة مأمون الرشيد بن هارون الرشيد ، والخليفة المعتصم بن هارون الرشيد ، وكذلك معارضة الإمام أحمد الفاروقي السرهندي ، رحمه الله – المعروف بمجدد الألف الثاني في الهند – (م 1034ﻫ) لأعظم إمبراطور في عصره ، وهو الإمبراطور ((أكبر)) ضد عقيدته بالألف الثاني ، ودعوى الإملمة والاجتهاد ووحدة الأديان التي نادى بها ، ثم استمرار الإمام على ذلك وإصراره عليه إلى عهد جهانكير حتى تغير مجرى الحكومة المغولية ، مثالان للاستقامة والصلابة في العقيدة والغيرة عليها ، وإلا فإن تاريخ الإسلام زاخراً بحكايات رائعة الكلمة حق . عند سلطان جائر ، والعمل بحديث ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)9 إن هذا السلطان الجائز قد يكون ملكاً شخصياً ، وقد يكون الرأي العام ، وأحياناً ((الشهرة العامة)) ، وأخرى انتصارات مغرية ودعاوى مدوية ، ويشهد التاريخ والتجربة أن المواقف الأخيرة أكثر ابتلاءً ومحنة .
الواقع أن تعاليم الإسلام الحقيقة والعقيدة السليمة الصحيحة ، هما النهران اللذان لا يتغير مجراهما في أي حال ، ولا يغور ماؤها في أي حين ، أما القوى السياسية ، والثورات الطارئة ، ووجود الحكومات ونهايتها ، والدعوات والتحركات ، كلها بمثابة الأمواج التي تنشأ وتتلاشى ، إذا كان النهر جارباً نحو الوجهة الصحيحة ، ويكون الماء صافياً جارياً فلا خطر عليه ، ولكن العقيدة إذا تسلل إليها الفساد ، فمعنى ذلك أن النهر قد تغير عن مجراه الصحيح وحل فيه الماء العكر محل الماء الصافي ، لذلك فإنه لا يجوز الخضوع أمام دعوة أو حركة ، وأمام أي ازدهار أو تقدم لبلد ، وأمام أي إصلاح جزئي لمجتمع ، أو دعاوى ووعود بإصلاح فساد حقيقة يكمن وراءها سر بقاء الملة وصيانة الدين وهي الحقيقة التي تقلق علماء كل عصر ، وحفظة الشريعة والسنة في كل زمان وترغمهم في بعض الأحيان على أداء مسؤوليتهم التي لا تحمد عاقبتها ، وإلى يشير الحديث الشريف :
((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)) (1)

==========

(1) مشكاة المصابيح / ص 36 الفصل الثاني .