بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الثمن
ما كادت تنهي صلاة الضحى حتى غابت في تفكير عميق.. كانت قلقة على حال ابنها الشاب، فمنذ أن أطلق لحيته حدث انقلاب شامل في حياته، لقد أصبح خُلُقُه مثالاً للأدب والرقة والمودة معها ومع أبيه، إلا أنه في المقابل استحال إلى شحنة غضب لا تهدأ ضد السلطة الحاكمة ومظاهر الفساد في المجتمع، بل إنه يريد الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية..
"آه يا ولدي! إني أخشى عليك من خطورة هذا الطريق ونهايته المحتومة: السجن أو القتل.. يا بني: فلتطلق لحيتك كما تريد، ولتذهب إلى المساجد كما تشاء، ولتصم ولتصل، ولكن دعك يا بني من الحكومة والحاكم، فهؤلاء القوم الجبارون لا طاقة لنا على تحمل اضطهادهم، ولكن هيهات هيهات، فما زاد عن ابتسامة هادئة، وكلمات رقيقة، وحجج قوية جعلتها في حيرة من أمرها".
أفاقت من شرودها على صوت بائع الصحف وهو يدخل الصحيفة اليومية من أسفل عقب الباب، تناولت الصحيفة وشرعت في قراءتها: "الأراضي المحتلة: عدد الشهداء يصل إلى أكثرمن 300 منذ انطلاق انتفاضة الأقصى"، "كشمير: القوات الهندية تقتل العشرات من المسلمين في العاصمة سرينغهارس"، "محاكمة 25 من الشباب المسلم الطاهر في الأردن لأسباب".
تلقي الصحيفة من يدها.. تعمرها موجة من الصمت الحزين ويضطرب قلبها بالغيظ والألم، وتتصاعد الدماء إلى وجهها بقوة فتكسوه بالحمرة والسواد، تتداعى إلى ذاكرتها مأساة صبرا وشاتيلا.. تتذكر ذلك الفيلم الذي أذيع بعد المذبحة.. تتداعى إلى ذاكرتها صورة قوات الكتائب وهي تقوم بقتل وذبح آلاف المسلمين، وصورتهم وهم يعتدون على فتاة مسلمة ثم يقومون بذبحها.. تتذكر مأساة حما الشام.
تتزاحم أخبارالجرائد اليومية مع ذكريات الماضي القريب.. ثم تجهس في بكاء مرير..
"رحماك يا ربّاه.. أهكذا أمست دماء المسلمين رخيصة بلا ثمن تلعقها خنازير اليهود وكلاب النصارى وعملاؤهم..؟
رحماك ربّي.. أهكذا باتت أعراض المسلمات مشاعاً ينتهكها حثالة البشر متى شاؤوا ؟
فأين المسلمون إذا ً؟
أين حكامهم؟
أين الجبارون؟
لماذا لم يمنعوا اليهود من اجتثاث رقابنا؟
لماذا لم يمنعوهم من انتهاك أعراض فتياتنا ؟
أما زالت لهم كرامة وفي نفوسهم نخوة ؟
أم هي الخيانة الدياثة والعمالة؟ "..
مضى النهار مثقلاً حزيناً موحشاً، وبعد صلاة العشاء أوت إلى فراشها كئيبة النفس، ممزّقة الوجدان، تائهة الخواطر، مشتتة المشاعر.
ودخل الليل، ولكن لم يكن كغيره من الليالي، أبى النوم أن يزور أجفانها، وانتابتها حالة من القلق والإعياء وأشباح القتلى من مسلمي القدس والبوسنة وصبرا وشاتيلا، يتزاحمون من حولها مقطوعي الرؤوس والأطراف، والدماء تغطي أجسادهم وأطياف الفتيات اللاتي انتهك أعراضهن في الشام المباركة تنظر إليها شاحبات الوجوه، منكّسات الرؤوس، يعلوهن الذل والعار وهياكل ، حكام العرب تتراءى أمامها: لكل حاكم وجهان: وجه وديع يبتسم لليهود ويصافحهم، ووجه متجهّم بغيض يلقى به شعبه.. وكأنها ترى فتيات الحي شاحبات الوجه، منكّسات الرؤوس تعلوهنّ الذلّة والعار..
"ما الذي يمنع أن تحدث تلك المذابح مرة أخرى في كل قطر مسلم؟ فلقد أمسى الحكام عملاء وبات الناس جبناء.."
نهضت عن فراشها مذعورة وأضاءت المصباح، لقد اقترب وقت صلاة الفجر ولم تبق إلاّ ساعة واحدة..
اتجهت إلى حجرة ابنها لإيقاظه، فإذا بها تسمع صوته الحاني وهو يتسلل إلى أعماق قلبها من داخل الحجرة بترتيل حزين خاشع { كتب عليكم القتال وهو كره لكم }..
" صدق الله يا بني! نعم، إننا نكره القتال خوفاً على فلذات أكبادنا.
ولكننا اليوم نجد مغبة ذلك من إسلامنا وشرفنا وكرامتنا!!
يا بني، لقد فقهت الآن أن الطريق إلى إسلامنا وعزّتنا وشرفنا لا بد وأن يمر على جثث الحكام العملاء وأذنابهم، وقد تكون أنت وإخوانك ثمناً ندفعه في بداية الطريق..
فلا مناص من دفع الثمن ".
م
ن
ق
و
ل
انا عارفه ان المشرفات الغاليات سينقلوه الى قسم المواضيع المكرره عموما جزاكم الله خيرا
الروابط المفضلة