السنة الحسنة والبدعة السيئة
المتتبع لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن الجديد المحدث في شأن الأمة ورد فيه مجموعة من الروايات كلها صحيح أو حسن لكن القارئ لها من غير أهل الاختصاص ربما يقف حائرا كيف يتصرف في هذه الروايات وكيف يجمع بينها، أما الفقهاء من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يعجزهم ذلك لما منحهم الله من سعة الأفق والقدرة على الجمع بين النصوص المتعارضة التي قد تشكل على الآخرين، ونحن في هذا اللقاء سوف نقوم بعرض هذه النصوص ثم نبين كيف نوجه هذه النصوص توجيها لا يتعارض مع الشريعة الغراء وحكمتها.

النص الأول :

ما رواه المنذر بن جرير عن أبيه قالكنا عند رسول الله صلى الله عليه وسل في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلال فإذن وأقام فصلى ثم خطب فقال { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشق تمرة قال فجاء رجل من الانصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثبات رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). رواه مسلم وغيره.

ومحل الشاهد في هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء)

قال الأحوذي : أي أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين.

فقد دلت هذه الرواية أنه يجوز استحداث السنن الحسنة التي فيها نفع للناس من غير أن تعارض نصا شرعيا من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وأن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجره شيء.

وإذا لا حظنا السنة الحسنة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أنها دعوته للناس لجمع التبرعات لأصحاب الفاقة والحاجة كما تفعل الجمعيات والمؤسسات الخيرية اليوم.

وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الدعوى وهذا الفعل سنة حسنة مأجور من فعلها ومن اتبعه من الناس.

كما نفهم أن السنة الحسنة هي التي لها أصل في الشرع كما ذكره العلماء والفقهاء كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى.

ويعضد هذا الحديث الصحيح حديث آخر ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) مسلم وأبو داود والترمذي.

وذلك لقوله تعالى: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (النحل:25)

الحديث الثاني :
عن عائشة رضي الله عنها قالتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد).رواه البخاري 2/959. ( أمرنا هذا ) ديننا هذا وهو الإسلام. ( ما ليس فيه ) مما لا يوجد في الكتاب أو السنة ولا يندرج تحت حكم فيهما أو يتعارض مع أحكامها
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)رواه مسلم

وقد دلت هاتان الروايتان:

أن من اخترع شيئا ليس في دين الله سبحانه وتعالى أو ليس من دين الله فهو مرود عليه، ولا يجوز قبوله ولا اعتباره من دين الله في شيء مما يستوجب على العلماء متابعة ما يحدثه الناس أفرادا وجماعات مما ليس من دين الله تعالى أو مما ليس في دين الله سبحانه وتعالى، فالأمر مقيد وليس مطلق بمعنى أن ما يحدث من أمور لها أصل في دين الله فهي مقبولة وما ليس له أصل من دين الله فهو غير مقبول.

قال أهل العربية الرد هنا بمعنى المردود ومعناه فهو باطل غير معتد به وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات- المخالفة لشريعة الله تعالى ودينه أو المعارضة لهما بما اشتملت عليه من منكر أو ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى-..

قال ابن عيسى قال النبي صلى الله عليه وسلم " من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد.

قال الشافعي البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم وجاء عن الشافعي أيضا ما أخرجه البيهقي في مناقبه قال المحدثات ضربان ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة.فتح الباري:13/253.

الرواية الثالثة:
عن العرباض صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يارسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله تعالى.

ومكان الشاهد في هذه الرواية قوله عليه الصلاة والسلام : ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).

فقد دلت الرواية الأخيرة هذه على أن محدثات الأمور تعتبر من البدع المنكرة وهي بالتالي من الضلالة التي تودي بصاحبها إلى النار.

وإذا توقفنا عند هذا النص وزعمنا أن كل المحدثات بدعة على ما تدل عليه ظاهر هذه الرواية فإننا سنقع في الحرج الكبير واستهزاء الكافرين والعلمانيين بهذا الدين ويحق لهم أن يهزؤوا بديننا لو تمسكنا بحرفية هذا النص من غير أن نجمع بينه وبين النصوص سالفة الذكر وكيفية الاستفادة منها مما يجلي هذا التعارض ويبعد اتهام الإسلام وشريعة الله تعالى بالتخلف وعدم الصلاحية لكل زمان ومكان.

قال ابن حجر رحمه الله : والمراد بقوله كل بدعة ضلالة ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام.

قال الحافظ بن رجب في كتاب جامع العلوم والحكم فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة.

فقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة هذه وروى عنه أنه قال إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه.

وبما تقدم يتبين لنا أن هناك سنة حسنة ويوافقها البدعة الحسنة وهي التي لها أصل في هذا الدين، وهناك سنة سيئة ويقابله البدعة الضلالة وهي التي لا أصل لها في دين الله تعالى أو كان فيها ما يخالف شرع الله سبحانه وتعالى ، وأن المحدثات في الإسلام لا تأخذ حكما واحدا فمنها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، والقبيح منها ما لا اصل له في دين الله تعالى ولا مستند له من الشرع.

أقسام البدع أو السنن:
وعلى ما تقدم فتنقسم البدع أو السنن التي يحدثها العلماء أو الناس إلى خمسة أقسام كما ذكرها الإمام النووي والعز بن عبد السلام ووافقهما كثير من أهل العلم وهي واجبة ومحرمة ومستحبة ومكروهة ومباحة.

فالواجبة منها ما كان تركه يؤدي إلى مفسدة عظيمة، وفعله يؤدي إلى منفعة عظيمة للإسلام وللمسلمين، كجمع القرآن في مصحف واحد، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما قال: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إعادة كتابة المصحف في ست نسخ من عثمان رضي الله عنه ، وحرق ما سواها من نسخ وتوزيع تلك النسخ على الأمصار والأقطار الإسلامية حتى لا تختلف الأمة في قراءة القرآن الكريم لما رأى اختلافهم في قراءته، وجمع عمر بن الخطاب المسلمين على إمام واحد في صلاة التراويح ، وكانوا يصلون أفرادا في المسجد النبوي الشريف.

وجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل البخاري ومسلم وأئمة الحديث وكل هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا التابعين من أمته عليه الصلاة والسلام.

ومنها : علوم الرجال وهو ما يسمى بالتراجم، وهي التي عرفنا منها الرجال ومكانتهم وعدالتهم وضبطهم وأمانتهم ، وهو ما يسمى بعلم الجرح والتعديل.
ومنها علوم الحديث التي تبين الروايات الصحيحة من الضعيفة والموضوعة أي المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنها تدوين علوم الفقه وتفسير القرآن الكريم وشروح أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سهلوا على المتعلمين وطلبة العلم في عصورنا المتأخرة معرفة مراد الله سبحانه وتعالى ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النصوص.

ومنها: رد علماء الكلام على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك في علوم العقيدة . وإنشاء المجالس النيابية التي تراقب الحكام والحكومات في أدائها لتحاسبها على تقصير أو تضييع للأمانة أو مطالبة بتعديل أحوال المسلمين ورفع معاناتهم، حيث أصبح الملك مغنما والنفاق سياسة والرشاوي هدية.

ومن البدع المحرمة أو السنن السيئة والقبيحة ما أحدثه أهل الأهواءمن القدرية والمرجئة والمشبهة في علوم العقيدة، وما اخترع في عصرنا الحاضر من أسلحة الدمار بقصد إبادة المسلمين وأهل الإسلام وكل من خالف اليهود والنصارى، ومنها أندية القمار، والملاعب التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، والملاهي والكازينوهات التي يجتمعون فيها للشرب والطرب والرقص وعرض الأجساد واللحوم المحرمة، والسباقات التي يكون فيها قتل للنفوس وتدمير للممتلكات.

والمندوبة كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي كالاجتماع على صلاة التراويح وبناء المدارس والربط والكلام في التصوف المحمود وعقد مجالس المناظرة إن أريد بذلك وجه الله. وإنشاء الجامعات والمعاهد والمستشفيات والمراكز العلمية ومراكز البحوث، والجمعيات الخيرية والإسلامية التي تقوم بالدعوة إلى الله تعالى، وعمل الخير وتوصيل الصدقات والزكوات إلى مستحقيها، وكانت هذه مهمة الدولة الإسلامية من قبل، وما تقيم من دورات علمية وثقافية وغيرها من أنشطة قصد بها نفع المسلمين.

وإحياء المناسبات الإسلامية التي تربط الناس بدينهم وتذكرهم بما ذكرهم الله تعالى به والدليل على ذلك ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم من قصص السابقين من الأمم فقال سبحانه وتعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} يوسف.

وقوله سبحانه وتعالى: { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 176) الأعراف. وقوله تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}يوسف/3.

فعلى من يقص القصص؟، ولماذا يقص على المسلمين القصص للأمم السابقة أو للأنبياء السابقين؟ أو ليس ذلك لإحياء الذكرى والاتعاظ والاعتبار والتعلم، فإحياء الذكريات الإسلامية من هذا القبيل مادامت لم تخرج عن الآداب الإسلامية والهدي النبوي الشريف.

فإحياء الذكريات من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومولده، وغزواته وجهاده وجهاد أصحابه حتى لا ينسى ذلك كما هو حال أبنائنا وبناتنا في هذه الأيام وكل ذلك من هذا الباب والله أعلم.

والمباحة كالمصافحة عقب الصلوات والعيدين والتوسع في المستلذات من أكل وشرب وملبس ومسكن، وصناعة السيارات والقطارات والطائرات لتيسير سبل الاتصال ووسائل الهاتف والتلفاز والكومبيوتر وغيرها مما يسهل على المسلمين الوصول إلى العلم وما يفيدهم.

فيتبين لنا مما تقدم أن هناك سننا أو بدعا واجبة ومستحبة ومباحة، وأن هناك سننا أو بدعا سيئة أو قبيحة ومحرمة وهي من الضلالة التي تأخذ بصاحبها إلى النار وعلى هذا يجب أن نفهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

أحمد محمود آل محمود
لإخوة الإسلام ساهموا معنافي بناء الوقف الخيري لصالح اليتامى وطلبة العلموالأسرالفقيرة
1 - التكلفة الإجمالية لبناء الوقف الخيري 1.868.000مليونوثمانمائة وثمانية وستين ألف دينارا ،2 - عدد شقق المبنى 61شقة - 3مجموع التبرعات السابقة :1.090.000 مليون وتسعين ألف د .ب - 4عدد الشقق الباقية 29شقة. - 5تكلفة الشقة 35.000 ألفدينار فقط. - 6السهم الذهبي 1000 دينار ،السهم الفضي 500 دينار ، السهم البرونزي 50 دينار ولا حد لأقلالتبرع

.للتبرع حساب الصدقة الجارية بنك البحرين الإسلامي: 1.587265.1.1المصرف الشامل: 501.2002213.101

عدد المستجيبين 7/ قيمة المساهمة : 6.920 ستة آلاف وتسعمائة وعشرين دينارا فقط
فهلموا إلى مغفرة من ربكمورحمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـللاتصال : هاتف الصدقةالجارية:0097317676270 / 0097339676270 / 0097317671788 / فاكس17465311 /ص ب 22484 محافظة المحرق