الدرة التاسعة عشر أجعلتي الله أهونَ الناظرين إليكِ !!
أوجه قولي لكِ – يا من تعصين الله - ألم تتصوري نفسك وأنت تقفين بين الخلائق وإذا بإحداهم يناديكِ:يا فلانة بنت فلان! هلمي إلى العرض على الله، فقمت ترتعد فرائصك ، وتضطرب قدماكِ وجميع جوارحكِ من شدة الخوف، قد تغير لونكِ وحلّ بكِ من الهم والغم والقلق والخوف ما الله به عليم
هل تصورتِ موقفٌكِ بين يدي القوي العظيم، وقلبكِ مملوء من الرعب وطرفُكِ خائف، وأنتِ خاشعة ذليلة، قد أمسكتِ صحيفتكِ00 فوجدتِ بها الدقيق والجليل، فأخذتِ تقرئتِها بلسان كليل وقلب حزين 000 وداخلك الخجل والحياء من الله الغفور الرحيم الذي لم يزل إليكِ محسناً وعليكِ ساتراً0
فبالله عليكِ بأي لسان تجيبينه حين يسألكِ عن قبيح فعلكِ وعظيم جُرمكِ؟! وبأي قدم تقفين غداً بين يديه؟! وبأي طرفٍ تنظرين إليه؟! وبأي قلبٍ تحتملين كلامه العظيم ومساءلته وتوبيخه؟!
ماذا تقولين لله، إذا قال: (( يا عبدي، ما أَجْلَلْتَني ، أما استحييت مني ؟ استخفَفْت بنظري إليك؟ ألم أحسن إليك؟ ألم أنعم عليك؟ ما غرّك بي؟))
أيرضيكِ يا أمَةَ الله أن تكوني ممن يقال لهم: ((أَذْهَبْتُم طيباتكم في الحياة الدنيا))
أُخيّه ! بعد هذا كله، أما زلتِ تصرّين على أنك تحبين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم! أو ليس الجزاء من جنس العمل!


هذا لعمري في القياس شنيعُ ***** تعصي الإله وأنتِ تزعم حُبهُ
إن المحبّ لمن يحب مطيع ***** لو كان حُبك صادقاً لأطعتهُ


فأين التزامك وانصياعك لله.. ورسوله صلى الله عليه وسلم؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍


اعلمي ـ أختاه ـ " أن الأمور إذا إستحكمت وتعقدت حبالها ، وترادفت المعاصي وطال ليّلُها وانزلق المسلم الى ذنب ، وشعر بأنه باعد بينه وبين ربه ، فان الطهور الذي يعيد إليه بقاءه ويردُّ إليه ضياءه ويلفّه في ستار الغفران والرضا ، أن يجنح الى التوبة لذا وجب عليكِ أن تفوضي أمرُكِ لله ، وتتوكلي عليه ، وتثقي بوعده ، وترضي بقضائه وقدره
واعلمي – أن انتظار الفرج من أعظم ثمرات الإيمان ، ومن أجلّ صفات المؤمنين ، وفي ذلك يقول رب العالمين ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ) وما من صبرٍ إلا وراءه نصرٌ ، والكرب مع الفرج ، والعسر مع اليسر ( وأنا عند ظنّ عبدي بي ، فليظنّ بي ما شاء ) حديث قدسي .
أختي الغالية – بحسب إيمان العبد يسعد ، وبحسب حيرته وبعده عن الله يشقى ، فمرارة الذنب تنافي حلاوة الطاعة ، وبشاشة الإيمان ، ومذاق السعادة ... " فالمعاصي تمنع القلب من الجولان في فضاء التوحيد " لذا فإن طريق الاستقامة والإلتزام ليس فيه تعقيد وكبتٌ للحرية كما يظنه البعض، بل كله سعادة وهناء، كله راحة وطمأنينة، وماذا يريد الإنسان في هذه الحياة غير ذلك؟ أما حياة المعصية والذنوب والبعد عن الله فكلها قلق ونكد وحسرة في الدنيا وعذاب في الآخرة ، وقال الحكماء ( المعصية بعد المعصية عقاب المعصية ، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة . فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه إن لم يتب قبل الآجل ، وكذلك كل مذنب ، وهذا معنى قوله تعالى " من يعمل سوء يجز به " )
وحق لمن عصى مُرّ البكاء بكيت على الذنوب لعظم جرمي
لأسعدت الدموع معاً دمائي فلو أن البكاء يرد همي
فبادري وأسرعي أخيّه- فاللحاق بركب التائبين وسلوك طريق الصالحين، فإني والله لكِ من الناصحين وعليكِ من المشفقين، فالتوبة الصحيحة بالحقيقة صعبة، ولكنها سهلة على من أعانهُ الله عز جل في علاه عليها 0
واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا يا نفس توبي فإن الموت قدحانا
نرى بمـصرعه آثـــار موتانا وفي كل يـــوم لنا ميتٌ نشيعه

واعلمي أن التائب تحصل له كسرة خاصة لا تكون لغير التائب كسرة تامة قد أحاطت بالقلب فألقته بين يدي سيده طريحاً ذليلاً منكسراً سريع الدمعة قريب الذكر لله، مخبتاً خاشعاً منيباً رطب القلب بذكر الله لا غروراً ولا عجباً ولا حباً لمدح ولا معايرة ولا احتقاراً للآخرين بذنوبهم وإنما دائم الفكر في الله سبحانه تعالى ربِّ العرش العظيم

مما جناه الهوى والشهوة والقلق كيف القرار على من لا قرار له
فامنن علي به إن كان بي رمق يا رب إذا كان شيء فيه لي فرج

أختي في الله أوصيك ونفسي الأمارةُ بالسوء بتقوى الله والرجوع إليه فانفضي غبار الدنيا والقِِ رداء الكسل عليكِ بالعزيمة الصادقة في مجاهدة النفس، واجعلي آخر حرف من هذا الكتاب بداية لتوبتكِ الصادقة التي تسبقها دمعة تجمل مآقيكِ وينفتح لها قلبك.


( وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ)
MOONLIGHT