.........أمة الوجبات السريعة .........
كامبردج بوك ريفيو
هل حدث لك أن ابتعت وجبة "بغ ماك" (الوجبة الكبيرة) أو شربت الحليب المطعم من ماكدونالدز، أو تناولت علبة البطاطس المقلية من المطعم المحلي الذي يبيع الوجبات السريعة؟ هذا الكتاب يمكن أن يجعلك تفكر مرتين قبل تكرار هذه المشتريات التي تبدو في الظاهر عادية وغير مؤذية. يأتي هذا العرض الذي يفضح فيه أريك شلوسر صناعة الوجبات السريعة في الوقت المناسب، ويقدم معلومات تصدم القارئ وتشعره بالغثيان حقا.

نمط أميركي معولم :
ربما كان أغلبنا يدرك أن المأكولات التي تقدم لنا في مطاعم ماكدونالدز ليست بالطازجة ولا هي من نتاج الحقول المحلية. لكن يشعر معظم المستهلكين بالرضا عن مذاق وسعر وسهولة الحصول على الوجبات السريعة، وأصبح تناول الأميركية منها مظهرا عالميا يقضي على العادات المحلية في أساليب تناول الطعام وما يرافقه.

ويشير كثيرون -ومنهم المفكر العربي عبد الوهاب المسيري- إلى أن التنميط العالمي الذي يحدث على "جبهة الأكل" والذي يتصف بالسرعة والفردية والانقطاع عن الأساليب التقليدية التي تتصف بالبطء والجماعية، ليس سوى مظهر من مظاهر "العلمنة الشاملة" -كما يسميها- والتي تنظر إلى كل مجالات الحياة من زاوية مادية استهلاكية بحتة بما في ذلك أنماط الأكل والنوم والتنقل وسائر جوانب الحياة العادية.

”
يشير كثيرون إلى أن التنميط العالمي الذي يحدث على جبهة الأكل والذي يتصف بالسرعة والفردية بخلاف الأساليب التقليدية، ليس سوى مظهر من مظاهر العلمنة الشاملة التي تنظر إلى مجالات الحياة من زاوية مادية استهلاكية بحتة بما في ذلك أنماط الأكل والنوم والتنقل
”
قد يصنف هذا الكتاب على أنه من كتب علم الاجتماع، لكنه في الواقع أكثر من ذلك بكثير، فهو يهمنا جميعا وينبغي أن ينظر إليه على أنه واحد من الأعمال التي تستكشف الحضارة الحديثة والمضامين الإشكالية للعولمة، ففيه معالجة مزدوجة لظاهرة الطعام السريع، معالجة فكرية فلسفية اجتماعية من جهة، لكن عملياتية وفحصية من جهة أخرى.

تساؤل عن المصدر :
ويرى شلوسر -مؤلف الكتاب- أن مئات الملايين من الناس يشترون الوجبات السريعة كل يوم دون أن يفكروا في المصدر الذي تأتي منه، ولا في الكيفية التي تصنع بها، ولا في النتائج التي تتركها على مجتمعهم.

ويقول إنه انكب على كتابة بحثه هذا انطلاقا من إيمانه بأن على الناس أن يعرفوا الأمور التي تختفي وراء الواجهات البراقة لهذه الصناعة التي تقدر بعشرات المليارات سنويا. وعلى الرغم من أن الكتاب يتناول بشكل رئيسي ما يجري في أميركا، فإنه يشمل أيضا المجتمعات الحديثة والجانب المظلم من الرأسمالية والعولمة ويستحق أن يحظى بجمهور عالمي من القراء.

لقد تغلغلت الثقافة الأميركية في كل أنحاء العالم تقريبا، ونظام الوجبات السريعة جزء من تلك الثقافة. فهناك أكثر من 30 ألف مطعم ماكدونالدز عبر العالم، وتعتبر أكبر مالك لمبيعات المفرق عالميا.

يشير شلوسر إلى أن الوجبات السريعة بخلاف السلع الأخرى كالموسيقى أو الأفلام أو الملابس، تدخل الجسم وتصبح جزءا من المستهلك، ومع ذلك فإنه لا توجد صناعة أخرى تفتح أمامك نافذة بهذا الحجم ترى من خلالها طبيعة الاستهلاك الجماعي". فإذا كنت ممن يؤمنون بالقول المأثور "قل لي ماذا تأكل، أقل لك من أنت"، فإن عليك أن تقرأ هذا الكتاب. وإذا رغبت في معرفة الجهة التي تسهم بتمويلها عندما تبتاع لك أو لأطفالك "هابي ميل" (الوجبة السعيدة) أو الكيفية التي يهدد بها ذلك صحتك، فإنك في حاجة إلى الحصول على نسخة من كتاب "أمة الوجبات السريعة".

إن الاستعراض والفحص الذي يقوم به شلوسر لجميع جوانب العملية الإنتاجية القائمة وراء وجبة الهامبرغر والبطاطا المقلية التي تتناولها، استطلاع واسع شامل، ولا يخلو من الدقة ومليء بالتحذير. فمن مزارع تربية الماشية إلى تغليف اللحوم، إلى ظروف العمل، إلى التسويق، والجريمة، والتسمم الغذائي، يتابع المؤلف تدعيم نظريته القائلة إن "الوجبات السريعة أثبتت مكانتها كقوة انقلابية في الحياة الأميركية، فخلال فترة قصيرة نسبيا من الزمن ساعدت صناعة الوجبات السريعة على تغيير نوعية الطعام الأميركي، كما غيرت معه المشهد، والاقتصاد، وقوة العمل، والثقافة الشعبية". ما فعلته الوجبات السريعة بأميركا أخذ بالتأثير في مناطق أخرى من العالم.

”
تغلغلت الثقافة الأميركية في جميع أنحاء العالم تقريبا، ونظام الوجبات السريعة جزء من هذه الثقافة، فهناك أكثر من 30 ألف مطعم ماكدونالدز عبر العالم، وتعتبر أكبر مالك لمبيعات المفرق عالميا
”
ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: الأول يحمل عنوان "الطريقة الأميركية"، ويبحث في أصول الوجبات السريعة وتاريخها ومؤسسيها.

ويحدثنا هذا القسم عن الإخوة ماكدونالدز الذين ابتدؤوا مشروعهم في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي في مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، عندما قدموا نظاما من نوع "اخدم نفسك بنفسك"، وهو واحد من الابتكارات العديدة التي عملت على تقليص الكلفة وتحسين عمليات الإنتاج التي تستخدمها اليوم صناعة الوجبات السريعة. ويدرس هذا القسم من الكتاب عددا من سلاسل المطاعم الشهيرة مثل تاكوبيل، وكي أف سي، ودنكن دونتس، وبرغر كنغ، وبيتزا هت. وتسود هذه الحالات جميعا مفارقة تقوم على كون جميع مؤسسي هذه المطاعم تقريبا رجالا عصاميين بدؤوا مشوارهم كمتمردين على المؤسسات التقليدية، وتحدوا العرف المعتاد، في حين باتت مؤسساتهم اليوم رمزا متميزا للنمطية.

يقدم القسم الأول الدليل على صحة الكليشيه التي تقول "من الأسمال إلى الثروة" والتي ترتبط في أذهاننا جميعا بأميركا، وهي إمكانية توسيع المشاريع عن طريق العمل الشاق والروح التجارية. لكن السماح لتلك المشاريع بأن تزدهر من دون قيود يتسبب في نواقص ما تلبث أن تطفو على السطح.

يبحث شلوسر في الممارسات التي تخص العمل في ماكدونالدز وغيره من سلسلة المطاعم، ويلقي نظرة على إستراتيجيات التسويق غير المنضبطة التي تستهدف الأطفال والمدارس، ويكشف المغالطات في نظام منح الامتياز الذي تعتمد عليه معظم سلاسل مطاعم الوجبات السريعة. كما يستطلع الكتاب العلاقة المشبوهة بين صناعة الوجبات السريعة وصناعة التسلية، وعلاقات الترويج المتبادلة بين ماكدونالدز وديزني وهوليود على سبيل المثال، إذ يجري تقديم الطعام نفسه كنوع من التسلية أو الترفيه من أجل كسب ولاء المستهلك الفتي وجعله يعتمد على ذلك النوع من الطعام. ومن بين الجوانب الصادمة التي يكشفها شلوسر في هذا الكتاب، استغلال هذه الصناعة للشباب كمستهلكين وكأيدٍ عاملة رخيصة وقابلة للاستبدال.


لحم وبطاطا :
يبدأ القسم الثاني الذي يحمل عنوان "لحم وبطاطا" بفصل يقدم الجانب الفكه من الكتاب، وهو الجانب الذي غالبا ما يظهر هنا وهناك رغم المحتوى الجاد الذي يحمله الكتاب. يقوم شلوسر بزيارة إلى معمل جي آر سمبلوت للبطاطا المقلية في مدينة أبردين بولاية أوهايو حيث يتم إعداد مليون باوند من البطاطا المقلية كل يوم. يصف المؤلف العملية السريالية التي شاهدها وما تتميز به من دقة غير معقولة، فيقول "رأيت تحت قدمي كوما من البطاطا يبلغ عمقه عشرين قدما، وعرضه 100 قدم، ويصل طوله إلى طول ملعبين لكرة القدم (لاحقا) عندما تم رصد شائبة على قطعة من البطاطا المقلية، أطلقت ماكينة العزل التي تعمل بالعين الضوئية نفخة من الهواء المضغوط أطاحت بالقطعة المعنية جانبا ثم تولت سكاكين آلية متناهية الصغر إزالة الشائبة".

في الفصول المتبقية، يكشف شلوسر عن حقائق صادمة أخرى تتعلق بالممارسات الخطرة والفاسدة في صناعة المجازر والماشية، يبعث البعض منها على الغثيان، ويتعلق بحالات الإصابة بجرثومة E Coli التي تنتشر فجأة والتي لم تحصل على التوثيق المناسب وتعود إلى المكونات المشبوهة من اللحم الذي يصنع منه الهامبرغر.

”
يتمتع لوبي الوجبات السريعة وشركات تصنيع الزراعة الكبرى بنفوذ هائل غالبا ما يستخدم في الحيلولة دون إصدار التشريعات وأنظمة الإنتاج المطلوبة
”
يتمتع لوبي الوجبات السريعة وشركات تصنيع الزراعة الكبرى بنفوذ هائل غالبا ما يستخدم في الحيلولة دون إصدار التشريعات وأنظمة الإنتاج المطلوبة. وقد كانت صناعات تغليف اللحوم والوجبات السريعة على الدوام من أكبر مصادر الدعم المالي الذي يتلقاه الحزب الجمهوري. يشمل هذا الكتاب مساحة واسعة من الموضوعات، وتظهر الهوامش التفصيلية مدى شمولية البحث الذي قام به المؤلف الذي حرص على تحديث الكتاب في طبعته الأخيرة بإضافة تذييل يتعلق بمراجعة ما سبق أن توصل إليه من نتائج على ضوء المعلومات الجديدة التي جاءت بها أزمة "جنون البقر". كما يضم التذييل المراجعات التي صدرت للكتاب، الجيد منها وغير الجيد على حد سواء.

بقي أن نقول إن بعضا مما يتبادر إلى الذهن بعد قراءة هذا الكتاب هو مقولات داعية العولمة الأميركي المعلق المعروف توماس فريدمان الذي كتب أكثر من مرة حول "نظرية الأقواس الذهبية" أي رمز مطاعم مكدونالدز, والتي يقول فيها إن أي دولتين فيهما مطاعم ماكدونالدز -كإشارة ورمز للعولمة والسوق الحرة- لا تخوضان الحروب بعضهما ضد بعض. ورغم سطحية مثل هذه المقولة, فإن ما يبدو هو أن الحروب التي تسببها مطاعم مكدونالدز تقوم على جبهات أخرى ليست خارجية, بل اجتماعية وصحية وثقافية داخلية.

"أمة الوجبات السريعة" كتاب صالح جدا للقراءة، وهو يدعم استنتاجاته التحذيرية بالحقائق دون اللجوء إلى أسلوب التخويف. ومن مزاياه الأخرى أنه يحث على اتخاذ الإجراءات على المستويين القاعدي والعالمي. ينجح الكتاب في تذكيرنا بأن وراء أي بضاعة استهلاكية تواجهنا، توجد عدة عمليات لابد من معرفتها، وأن شراء تلك البضاعة يعني اختيارا من جانبنا ومصادقة على تلك العملية. فإذا كان المطلوب التخفيف من التأثيرات الضارة للإنتاج الجماعي، فإن الدرس الذي نستخلصه من هذا الكتاب هو أن علينا أن نكون أكثر حذرا إزاء السلع التي نصرف عليها نقودنا.

المصدر :الجزيرة نت

جزاك الله خير اختى على هذه المعلومات ..

الحمد لله الذي عافانا من الوجبات السريعة
و جعلنا من امة الوجبات البطيئة

نعم فالطبخة عندنا تقعد ساعات حتى تخلص.. و اوقات نكون معزومين عند ناس على الغذاء.. فنأكل العصر..

و الحمد لله