.
.
.
الحمد لله هادي البشرية .. و خالق عجائب الكونية .. و مسيّر الأجرام السماوية ..
سبّح بحمده و ثنّى بملكوته كل من سكن أرجاء البريّة و البحريّة و الجويّة ..
ثم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا يساويه أحدٌ من المخلوقات عزَّ من خلق ، و أندى من رزق ، و أرحم من فلق ..
و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله سيد سادة القدوات خيرُ من عبَد ، و أطهر من وُجِد ، و أطهر من سجد ..
ثم أما بعد :..
قال أحدهم في حال إنسان اليوم ..
و حال المرء في الدنيا غريـــبُ .. و أبلغُ ما بدا منه عجيـبُ
يبغي الفلاح و يرنو فضل سيّده .. و درب قدوته من النارِ قريبُ
لابد للسير في الطريق الوعرة المجهولة المعالم من دليلٍ يدلك على الصحيح من الطُرق و بجهدٍ مبذولٍ يسير
، و أيضًا أنت بحاجةٍ للزاد و العتاد للمجابهةِ و إن استدعى الأمر للمخاطرة فستكون على أهبــــتِ
الاستعداد التام ..
هذه و بإطارٍ غيرِ مزخرفٍ ولا تعلوه النقوش و الأحجار الكريمة حالنا مع الدنــــيا
فَكَرٌّ يدفع بصاحبه للمعالي ، و فرٌّ يحميه من المهاوي
[ 1 ]
استيقظ كعادته من نومٍ يرهق الكاهل ولا يدعو للنشاط حتمًا ، فعشرةٌ إلى اثني عشرة ساعةً من النوم تكفي لفرديْن
إلا أنه يقوم الليل ، كل ليلة .. !
لا غريب في ذلك فمعلمه و قدوته يقوم معه الليل و عند الانتهاء من ذلك يرجع صاحبنا إلى البيت لا يعرف من الدنيا
إلا الطريق إلى سريره فينام نومةً تُلغى بها صلاة الفجر من ( المينيو ) و يتبعها أحيانًا إلا إذا تكرّم و لغى العصر مع
الظهر .. !
غريبٌ أمر صاحبنا .. و قدوته
[ 2 ]
في أحد ليالي العشر الأواخر و بعد صلاة القيام التي تملأ سماءه إيمانًا و روحانية ، يقف ( سعدون ) و الدمع
يجري على خده ، أتدرون لماذا .!؟
لأنه يستمع لمقطوعةٍ غنائية تقول ( نار يا حبيبي نار ) وما يدري أخونا سعدون أن قدوته المباركة نائمٌ لـــم
يصلي القيام ..!
غريبٌ أمر سعدون .. و قدوته
[ 3 ]
كان يحلم .. كما يحلم الجميع و لكنه كان مستيقظًا و هذا ما يسمونه بأحلام اليقظة ( جميلةٌ هي تلك الأحلام ) أنه يقـــف
ببشته و أمامه اللاقط أو المايك و خلفه جمعٌ غفيرٌ من المصلين كان يحلم صاحبنا أنه يقف موقف إمام الحرم المكي ، و
أمامه تلك الكعبة المشرفة و التي متى تقع العين عليها إلا تنهال موجاتٌ إيمانيةٌ عطرة تسرق الألباب و تُعمي العيون
بجمال سوادها ..
إلا أنا صاحبنا و لسوء الحظ ، كان في قبره ..
أتدرون كيف ختم حياته الوردية .. كان يغني كما دربه قدوته العظيم ..
غريبٌ حال ميتنا .. و قدوته
[ 4 ]
رقصت على أنغامِ فالس و أُطربت على عزف شوبان صحيحٌ أن الحال لم يوصلها للنبيذ و لم تكن تجرأ على ذلك ، إلا أنها
كانت تدخن ، تسقط من حين لآخر أمام معاصيها ، تبجّلها و تجلّها المعصية إلى درجة العشق ، هذا ما يسمونــــــه
بالشعور المتبادل ..
إلا أن دوام الحال من المحال ، فعلى مسمعٍ من ( آمين ) أمّنت و في عينيها ابتساماتٌ و آهاتٌ تحكي لنا ماضيها الأليم ..
حيوا معي ( سلمى ) مغسّلة الموتى ..
غريبٌ هو حال سلمى .. و قدوتها
[ 5 ]
أتذكرون قدوة بطلنا الذي يقوم الليل و ينام عن الفرائض ..
هو بطل هذه الفقرة ..
و الذي بدى واضحًا عليه علامات الانصياع لأوامر قدوته الغريب الأطوار ، و الذي كان يدعي الإستقامة و رائحة الدخان
تفوح منه إلا أن لحسن الظن مكانًا في ذلك ، و كما قالوا في الأثر ( خطيئة القدوة تدعو للإنتحار ) إلا أن صاحبنا لـــم
ينتحر بعدما تحرش به قدوته و هم راجعون من صلاة العشاء ..
غريبٌ أمر القدوة .. و قدوته
؟؟؟؟؟؟؟؟
حالنا في هذه الدنيا ليس بحاجةٍ إلى تقييم ، فكثيرٌ منا يُخطئ التقييم فيكون أقرب للهاوية منه للقمة ،
فيظن الظن الإثم فيمن أصلحه الله تعالى ، و بذلك قد يسيّر ذاته وفقًا لمنظار الهوى ..
كلنا نتخذ من رسولنا الكريم قدوةً طاهرةً لأفعالنا و أقوالنا ، إلا أنه لا عيب في ثانوية الاختيار ، و تحديـــــد
قدوةٍ تساير واقعك الحي كالوالد مثلاً ، و البعض يحبذ الأئمة و العلما ، كلٌّ بحسب مقتضى اختياره ، سليمًــــا
كان أم خاطئًا ، و لا زلنا نشتكي و إلى هذه الأثناء من لا مبالاة شبابنا في اختيار قدواتهم و التي في الأصل
أنهم صلّاح ..
و حتى يكون الاختيار خاليًا من عنصر المفاجأة لابد من أن يمر المرشح على جهاز الأشعة المُحمدية و التي
لا تسير إلا ببطاقة الكتاب الكريم لابد أن يكون القدوة مثالاً مشرقًا و مصغرًا للشريعة المحمدية ، لا في صغائر
الأمور ولا في كبائرها كل الأمور سواء في الحُكم و التعامل ..
و كما قيل آنفًا أن الوسطية هي الخيرية في كل أمر كان ، فموضوع القدوة مثلاً إن غالى به البعض فقد يصل
بهم إلى تجاوزٍ عظيم في العقيدة و المُسلَّمَات التشريعية و إن لم يؤخذ به فالنفس لا يكبح جماحها إلا هواها ،
و من اتبع النفس هواها فقد ضل ..
و من ذلك .. فإن تنصيب و ترشيح القدوة ليس بالأمر الهين ، إنما يُعدّ لذلك العدة و يستوجب العمل بالمقتضيات
فالقدوة ليس أنشودة متى ما شئنا نلحنها ، إنما القدوة أفعالٌ لتطبيقها جاهزون ..
إلا أن سؤال المليون هنا .. هل ما عليه شباب هذا الزمن يؤهلهم لانتقاء قدواتهم ..!؟
إلا أن الجرح الذي يداوى بالكي لن تزول آثاره و على مر السنين ، فمهما ابتذلنا في مفهوم القدوة و مكنّا
له مكانته سنبقى عاجزين عن تأطير حقوقه علينا ، فما زال الجرح الذي غار خوالجنا و الذي ما زال بحاجة
للتطهير و إن بات الكي هو الحل في ذلك ، فقد انتشرت عادةٌ صحيحٌ أنها امتدت إلى كونها قاعدة و بعضهم
جعلها نظريةً في هذا الزمن ، ألا و هي ( حسنات القدوة ، لا تشفع له عند زلله ) فقد اتجه البعض إلى تجاهل مبدأ
الفرصة إلى هدم ما بنته الأيام و تهميش دور القدوة ..
و لاح ذاك البريق الذي ينادي بأن خير الخاطئين التوابون ، إلا أن بعض من فضلوا الثبات على الرأي المغلوط
على الإعتراف بالخطأ قد أنكروا كونونية هذه المحنة ، و اعتبروها حافزًا لمن يسيرون مع الركبان ترفـــــعًا
منهم فقد طالوا السماء ظنًا منهم أن السماء فضاءٌ من السحب تسوع الخاطئين ، و تناسوا أنهم في مرحلـــــة
القيادة ، مثل هؤلاء القدوات و الذين اغتر بهم بعض شبابنا و الذين ينادون بالحرية التشريعية و اتباع ما أمر
الله به على وجهٍ مغلوط ، لا يأمنون على مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمة و هم الفئة التي تُنعت فالفئة الضالة ..
مثل هذه النماذج المختلفة من القدوات ، ما خُلقت إلا للاتباع ، فهناك العالم الجهبذ بطلابه الأعلام ، و في المقابل
عالمٌ رضي على نفسه الخسران و أتبع النفس هواها فكان عظيمًا في صياغة الكلمة و مخارجها فاتبعـــــــــــه
أولو المخارج ..
و على ذلك فمن الواجب علينا أن نسيّر ما ابتغته لنا تعاليم ديننا الحنيف وما شرعته شرعة الباري في النظر
إلى القدوة ، وما يندرج تحت ذلك من ضوابطٍ و آدابٍ تستوحى أركانها من سنة المصطفى خير قدوةٍ عــــلى
وجه البصيرة ..
و أخيرًا .. لابد على مؤمنٍ عاقلْ أن يجعل من نفسه نصيبًا لإصلاح غيره و أن يرى في النصيحة
مبتغىً و هدفًا لا معنىً و سَلفًا ..
و أن يجاهد في نشر ما أمره الله تعالى على الوجه الذي يليق به سبحانه و النهي عما نهاه سبحانه فذلك
ركنٌ سادسٌ على أركان الإسلام كما ذكر أولو العلم
.. الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ..
و ليكن على الدرب شعارنا أنى اتجهنا ..
..[ و لتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون ]..
الروابط المفضلة