.................: هذه نص رسالة بعثها أحد معتقلي سجن جوانتنامو بكوبا إلى أهله عن طريق منظمة الصليب الأحمر :



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد :

إلى العائلة الكريمة وعلى رأسهم أبي وأمي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياكم الله ويا أهلاً وسهلاً . هنأكم الله وأسعدكم دنيا وآخرة ، فهذه الرسالة الثانية التي أرسلها إليكم ، وأطلب منكم السماح والمعذرة على الرسالة الأولى لأني كتبتها على عجل ، وأقول لكم أني بخير وسعادة لا يعلمها إلا الله .

وأريد منكم أن تصبروا وتتقوا الله وتراقبوه في السر والعلن ، وأن تحرصوا وتتواصوا كل بيتكم بقيام الليل والصلاة على وقتها ؛ فإنها أحب الأعمال إلى الله ، وأن تخلصوا أعمالكم إلى الله عز وجل ، واعلموا وأيقنوا كل اليقين بأن أكلنا وشربنا ونومنا وضحكتنا وكلامنا وكل أعمالنا لكما بهما أجراً لأنكما سبب وجودنا على هذه الأرض ، فجزاكم الله خير الجزاء ، وأدخلكم فسيح جناته ، واعذرونا على التأخير وسوء كتابة الرسالة ، واعلموا أنها من ابنكم المشتاق ، وسلِّموا على جميع الجيران والأقارب ، ولا تنسونا من الدعاء والسلام .

لتحميل أصل الرسالة اضغط هنا



ولـ " *********" تعليق على هذه الرسالة ، فهذا الشاب أسير في معتقل لا تتوفر فيه وسائل العيش الكريمة للسجناء ، ويكفي أنهم هم السجناء الوحيدون على مر التاريخ الأمريكي الذين لا يوجد لهم مسمى قانوني في سابقة لم يعهدها العالم المتحضر ، ومع ذلك ترى في رسالة هذا الشاب صوراً رائعة جداً نتوقف عند البعض منها :

1-الثبات على المبدأ : فهذا الشاب بين قوم لا تدخل في قلوبهم الرحمة والعطف ؛ بل يخشى عليه من الضرر من قِبَلهم إذا ما غضبوا منه أو أحسوا منه معاداتهم ، ومع ذلك تجد أصل الولاء والبراء هو دينه وشرعته ، فيبدأ رسالته بقوله : " ولا عدوان إلا على الظالمين " ، وهذا درس لكل من تنازل عن مبادئه تحت أي ضغط أو إغراء بحيث أصبحت ثوابته الدعوية مجرد ذكريات تجول بخاطره من حين لآخر .

2-أدبه الجم مع أهله ووالديه : فالعائلة وصفها بأنها " كريمة " ، وخص والديه بهذه الرسالة بالنص عليهما ، ليبين للناس كيف أن هؤلاء الشباب حتى وهم في أسوأ المعتقلات لم ينسوا حق أهلهم ووالديهم .

3- تهيئة النفوس لقبول النصح والتوجيه : وذلك من خلال قوله " حياكم الله ويا أهلاً وسهلاً هنأكم الله وأسعدكم دنيا وآخرة " ولنا أن نتساءل . هل يعقل أن يكون هؤلاء إرهابيين كما وصفتهم الصحافة العربية قبل الغربية وهم بمثل هذا الأدب والحرص ؟ وهل يعقل أن يكون هؤلاء مجرمين وقطاع طرق قد نزعت الرحمة من قلوبهم وهم يرجون السعادة لغيرهم في الدنيا والآخرة ؟

4-أين جنته ؟ : عندما قرأنا قوله : " وأقول لكم أني بخير وسعادة لا يعلمها إلا الله " تعجبنا أشد العجب ففي سجن جوانتنامو بكوبا مالا يوجد في سجون التعذيب العالمية بدءاً من اللباس الذي يبلغ وزنه عدة كيلوات من الجرامات ، وكذلك الكمامات التي تضيق التنفس وتخنقه ، والقفازات الثقيلة وأغطية الأعين التي قد تعمي الأبصار ، وسدادات الآذان التي أصمت آذانهم وغيبتهم عن حياتهم الطبيعية ، وأخيراً غرف لا تخصص إلا للحيوانات الشرقية أما الحيوانات الغربية فهي في مكان مريح وفخم ومهيء ، ومع ذلك يشعر بسعادته في هذا المحيط وتذكرنا قول شيخ الإسلام عندما هدد بالسجن وغيره حيث قال رحمه الله تعالى : " مايفعلون بي ، سجني خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة . جنتي في صدري " .

5-أمنيته وأمله في أهله : لم يتمنى هذا الأسير من أهله في رسالته هذه كعادة الأشخاص العاديين بأن يتوسلوا ويبكوا عند أصحاب القرار ، أو أن يقدموا تنازلات وتنازلات ؛ ولكنه كان يتمنى منهم سبعة أمور :

· الصبر على ما أصابهم في هذا الابن وفي بقية المسلمين .

· تقوى الله سبحانه في كل ما يصدر منهم .

· مراقبة الله عز وجل في السر والعلن .

· الحرص على قيام آخر الليل .

· عد التفريط بالصلاة لأنها كما قال أحب الأعمال إلى الله .

· إخلاص النية لله سبحانه في الأقوال والأفعال .

· القيام بشعيرة التواصي والنصح فيما بينهم من خلال قوله " وتتواصوا " .

وعجباً لهذا الشاب المؤمن .. كل هذه الأمور يحرص على أهله فيها وتكون هي من أعظم اهتماماته هناك في معتقله البربري .

6-من لا يشكر الناس لا يشكر الله : هذا هو في الحقيقة عنوان كلامه الأخير ، فلم تنسه تلك الآلام التي يعيشها عن شكر والديه اللذين ربياه على طاعة الله والبعد عن معاصيه فقال : " واعلموا وأيقنوا كل اليقين بأن أكلنا وشربنا ونومنا وضحكتنا وكلامنا وكل أعمالنا لكما بهما أجراً لأنكما سبب وجودنا على هذه الأرض " ، ثم أعقب هذا بكلمات الابن البار دائماً في الدعاء لوالديه فقال " فجزاكم الله خير الجزاء ، وأدخلكم فسيح جناته " .

7-حبه وشفقته لمجتمعه : لم يكن هذا الشاب أنانياً في الحرص والحرقة على دين الله بحيث يحصره على أهله ووالديه وإنما كان كان حريصاً على هداية أقاربه وجيرانه مع ماهو عليه من السلاسل في يديه والقيود على رجليه .

8-هنيئاً لمن كان هذا سلاحه : ويختم رسالته بالسلاح الذي ما قام به مؤمن إلا ورفع الله عنه همه وأزال غمه ، هذا السلاح لم يكن جديداً علينا ، فقد دعا به إبراهيم عندما ألقي في النار ، ودعا به موسى على فرعون عندما حصره في اليم ، ودعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تكالبت عليه قريش ، إنه السلاح الوحيد الذي لا يرده الله ، ووعد بنصر صاحبه ، إنه السلاح الوحيد الذي تفتح به أبواب السماوات كلها . إنه الدعاء .

( منسوخ )