الثبات

منذ ستة أشهر بدأت أستعد لزواجي ...

خطوة أولى ..

بحثت عن ذات الدين ... لم أجد صعوبة في ذلك ...

أثُني على المرأة خيراً ... وذُكرت عندي بذكرٍ حسن ...

تقدمت لوالدها ... شيخٌ وقور جاوز الستين من عمره ...

لم أتعجب من طريقته في الحديث وتبسطه معي ‍

ولكني تعجبت عندما سألني ... من إمام مسجدكم ؟

لعله بدأ السؤال عن معرفتي من هناك

استخرت بالله في أمر هذا الزواج ... صليت صلاة الإستخارة ...

وجدت الارتياح التام

وعندما استقرت الأمور... وعلمت بالموافقة

بقي هناك أمر ... قدمت خطوة .. وأخرت أخرى

كيف سأفاتح الشيخ في ذلك

لم أخش عدم الموافقة ... لكن جهل البعض بالحكم الشرعي في ذلك ربما يُحرجُك ..

عقب الشيخ على طلبي

هذا أمر حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما "

وخير للجميع اختصار الطريق

من الآن ينتهي كل شيء ... خير من أن يكون هناك شئ غداً ...

لم يقف الأمر هنا ... بل بدأ شهر العسل ... خطوات متلاحقة ...

شهر التأثيث وما يتبعه من تجهيز ...

لا أعرف الأسواق ... ولا أين أذهب ..

ولكني اختصاراً لوقتي ... فضلت الشراء من الأماكن القريبة ... وإن كان الثمن أغلى ... فوقتي
أثمن عندي من زيادة في المال ...

كلما تعبتُ من البحث والشراء ... تذكرت أن ذات الدين ستسكنه ...

فرحت وهان التعب ...

يوماً ... ركبت عائداً محملاً ... تعلو محياي الإبتسامة ...

لكنها تزول سريعاً ...عندما فتحت المذياع ...

ماذا تسمع ... جراحٌ للمسلمين في كل مكان ...

أخبار القتل والتعذيب تُفزعك ... تُطفيء بريق ابتسامتك

وتتقطع نياط قلبك وأنت تسمع ... إنهم يُذبحون كالخراف ...

رحم الله زماناً مضى ...

عاتبت نفسي ... كيف تهنأ لك الإبتسامة ...

وأنت تسمع ... وترى ...

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

اختفت الإبتسامة سريعة كما أتت ... وحُق لها ذلك ...

فكرت كثيراً ... تأملت واقعي ...

فأنا داعية ... جُل وقتي خارج عملي الرسمي وهبته للدعوة ...

وما بين الوقتين وهو قليل جعلته للقراءة ...

أحياناً أحتاج لساعات أطول من ساعات النهار لانجز عملي

سؤال عريض ... كيف سأوفق بين ذا ... وتلك ... ؟

ولكني كلما تذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نبي هذه الأمة ومعلمها وقائدها ...

استطاع رغم أعباء الرسالة أن يعطي كل ذي حق حقه ...

فهو النبي القائد ... والمربي الموجه .. والقاضي الحاكم ..

أعمالٌ لا نهاية لها ..

ورغم ذلك ... كان نعم الزوج ... ونعم الأب ...

كان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله وكان يمزح مع زوجاته بما يدخل السرور إلى قلوبهن

ويقص لهن القصص ... ويسمتع إلى قصصهن

بل سابق عائشة رضي الله عنها ... سبقته مرة ... وسبقها أخرى ...

تضاءلتُ عند نفسي ..

تذكرتُ من يُهمل في حقوقه الزوجية ... ويُبرر ذلك بضيق الوقت ... وكثرة المشاغل

تذكرتُ من إذا دخل بيته كأنه أسدٌ يزمجر وسيف مصلت ...

لا يهنأ أهله بعيش حتى يُغادر المنزل ...

هواجس خطرت ... سرعان ما تبددت ...

محاضرةٌ بسيطة ... مسابقة ثقافية للصغار

دفٌ ونشيد للنساء ...

ووزع إهداء لكل من شاركنا الفرحة كتابٌ ... وشريط ...

نعم المرأة ... أدبٌ وخلقٌ ... وعفاف

لا تسمع صوتها إلا همساً ... ولا تملأ فراغها إلا تسبيحاً

ما أبديت أمراً ... إلا قدمت رغبتي ورضاي ...

ما سألتها عن شأن ... إلا قالت ؟؟

ما السنَّةُ في ذلك ؟

لم يخطر ببالي أن هذه المرأة الوادعة ... الهادئة

ستكون بغير ذلك ...

ذات يوم ... أُرهقت أعصابي ... وكُدّرَ خاطري ...

وأحببتُ أن أسمع رأيها ... فهي زوجتي ... وأم أبنائي

أصواتٌ هادئة ... ذلك هو حديثنا ...

وواصلتُ .. بعد مقدمة طويلة ...

تعرفين أن باب الدعوة طريقٌ طويل ... وشاق محفوف بالمكارة ... ربما

آخذ من وقتك ... وأُقصِّر في حقكِ ...

بل ربما ... وربما ...

لم تدعني أُتم حديثي ...

كالجبل الواقف قوةً وثباتاً ... تحدثت ...

وقتي ‍‍... إن كان للدعوة فقد وهتبك إياه ..

وهل رأيت دعوة دون مكاره ومشاق ...

أين قراءتك لكتب التاريخ والسير ؟‍

من الذي يُطعمنا ... ويكسونا ... أهو أنت ... ؟

{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ... }

كالسهام اصابت مقتل

طفلٌ وأنا أسمع نثر الدُرر

تأملت بريق عينيها ... وهي تدعو لي بالتوفيق

عند آخر كلمة طرقت أذني

أسمعتها صوتي بقوة ...

أنتِ امرأةٌ ... بألف امرأة ...


المصدر : الزمن القادم للشيخ عبدالملك القاسم حفظه الله
موقع دار القاسم للنشر والتوزيع على الرابط التالي : http://www.dar-alqassem.com/


------------------
(اللهم آتنا في الدنياحسنة وفي الآخرة حسنة وقناعذاب النار)