الموضوع نشر بجريدة الرياض عدد 13752 اليوم الجمعة 18-1-1427
صفحة 20

بنات الرياض بين الواقع والخيال!

د. دانية عبدالرحمن الشويعر قراءتي لهذه الرواية ليس لنقدها من حيث أسلوبها أو تماسكها الدرامي أو ترابطها من حيث أدوار شخصياتها أو من أي رواية نقلت أحداثها فهذا متروك للمتخصصين من الأدباء وهم كثر في بلادنا والحمد لله. وليس لتزجية الوقت فلدي الكثير مما يشغلني وإنما دفعني لقراءة هذه الرواية:

كوني من بنات الرياض وأحب هذه المدينة ولا أقبل أن يقال عنها وعن أهلها زوراً وبهتاناً ما قيل والإنسان السوي هو الذي يحترم ويساير قوانين مجتمعه ويحافظ عليها ولكوني طبيبة تخرجت من جامعة الملك سعود طب بشري واعرف أغلب طالبات كلية الطب في الوقت الذي كانت رجاء في كلية طب الأسنان ولم اسمع كلمة تسيء ولا حتى شبهة على أي طالبة في كلية الطب وان الجو الجامعي يتصف بالجد والعمل الصارم في كل أنحاء الجامعة ولا يوجد وقت لطالبة لأي نوع من العبث الذي أشارت إليه الرواية عن إحدى طالبات كلية الطب وهي لميس.

وطالبة الطب تتصف بالذكاء ورجاحة العقل وبعد النظر وإلا لما استطاعت دخول هذا المجال الصعب جداً الذي يحتاج لطالبه أن يتمتع بصفات جادة ويبدو أن الأخت رجاء لا تعرف كلية الطب البشري وما تحتاجه من وقت لتستطيع الطالبة تأدية واجباتها وإلا لما اختارت لميس لكلية الطب البشري في روايتها لتكون أقرب إلى الصحة. وهذا لا يعني مصادرة حق القصة في الخيال فهو حق لها لكن كان من الواجب أن تشير إلى أن الرواية من بنات خيالها وليست من الواقع أو أن لا تحدد بنات مدينة معينة لتكون أقرب إلى الصحة.

هذا يؤكد أن كل ما قيل عن بنات الرياض هو مجرد خيال أبعد عن الواقع وقد يكون قصد منه الإثارة وتعدد طبعات الكتاب.

وقد ذكرت الأخت رجاء بعض الأمور التي من المفيد الاطلالة عليها وتفنيدها والرد عليها حتى لا تكون حقيقة مسلمة عند من يقرأ الرواية من خارج الرياض.

1- في الصفحة 39 قالت إن سديم أجبرت على البصم على قبول الزواج وعدم التوقيع حينما قالت لها خالتها (إن الشيخ يقول تبصم ولا توقع لأن التوقيع للرجال فقط) سذاجة ما بعدها سذاجة في أي عصر أنت يا أخت رجاء تعيشين؟ والدتي لم يقال لها هذا الكلام ووقعت على وثيقة الزواج وليس بصما ألا تدركي انك تصورين لمن هم يجهلون السعودية أن المملكة بلد متخلف بعكس ما نعيشه من واقع نفخر به. هذا عقوق يا أخت رجاء لوطن أنت تفخرين بالانتماء له كما نفخر فكيف تشوهين سمعته بهذا الرأي الجائر الذي لا يمت للحقيقة بصلة.

2- الإساءة الثانية في صفحة 54 تحدثت عن ساكني القرى في السعودية بأنهم بدو لا يعرفون حتى الشكولاته ولا الاتكيت وأمور أخرى كثيرة يجهلونها، ثقي ان قرانا وسكانها بخير ويعرفون الأمور الحلال أكثر مما تعرفين اللهم إلا أنواع الخمور وبعض المواقع في الدول الغربية فيشرفهم أنهم لا يعرفونها كما لا تعرفها بنات المدن في المملكة أيضاً.

3- في الصفحة 55 الرواية تشمت بخلق الله وتصف رجالنا بالتماسيح والنساء بالسحالي وليس لي تعليق.

4- في الصفحة 56 سخرت المؤلفة من مباني الجامعة في عليشة وهذه كلمة صادقة وخدمة للعلم ولطلابه تحمد لها ولعل الله يبعث لهذه الجامعة من يغير من وضعها الذي أكل عليه الزمن وشرب.

5- تقول المؤلفة في الصفحة 58 ما معناه إن بعض الطالبات التحقن بكلية الطب لتجتمع بالشباب فقط. هل يقول هذا عاقل أو يصدقه حتى الغبي كليات الطب البشري يا أخت رجاء أكبر مما تعتقدين ليست الدراسة فيها فسحة يلجأ لها أي إنسان يرغب في اللهو والمتعة كليات الطب لا يقبل بها إلا المتميز علماً وخلقاً وممن يملك القدرة على السيطرة على مقاومة كل ملذات الحياة ومتعها لا اشك انك تجهلين ما تحتاجه كلية الطب البشري من جهود أو أن ما تقوليه مجرد خيال للتسلية والترويج للرواية.

6- يوم الفالنتاين في الصفحة 69 ذكرت ان كل الطالبات في الجامعة يحتفين بهذا اليوم ويلبسن الملابس الحمراء والشنط الحمراء كل الطالبات تفاءلت يا أخت رجاء أكثر من اللازم ألم أقل انه مجرد خيال مراهق والله يا أخت رجاء ان هذا اليوم يمر دون أن تشعر به أغلب بنات الرياض.

7- في الصفحتين 144-115 صورت الحياة الزوجية في السعودية بصورة لم اسمع بها ولم اعشها فقط قرأت عنها في ألف ليلة وليلة ولا تمت للحقيقة بصلة وأكثر ما نقرأ في الصحف عن أخبار القتل وسوء المعاملة بين الزوجين هو من خارج الرياض بل من خارج المملكة ولله الحمد.

8- تقول الكاتبة في الصفحة 118 (اطل كل أسبوع على الناس بتطورات جديدة وأحداث شيقة جعلت الجميع ينتظر يوم الجمعة للحصول عليها وتنقلب الدوائر الحكومية وقاعات الجامعات وأروقة المستشفيات وفصول المدارس صباح كل سبت إلى ساحات لمناقشة أحداث الإيميل الأخير) يا أخت رجاء ألا تخجلين من هذا التواضع وهل الناس بهذه السطحية والتفاهة حتى تنحدر إلى هذا المستوى ألا تشعرين انك حلقت كثيراً في الخيال؟

أؤكد لك أن أغلب الناس وأنا واحدة منهم لم يعرفوا عن هذه الايميلات أي شيء وانهم مشغولون فيما هو أهم واعظم وهو مستقبلهم وخدمة وطنهم وأخشى أن هذا الحلم استيقظت منه واردت معرفة تفسيره.

9- خالة سديم بدرية تملك في منزلها في الرياض بيانو أبيض قديم كان طارق ابن خالتها يتلقى دروساً في العزف عليه وجاء ذلك في الصفحة 119 وهذا يؤكد أن العائلة ليست من عوائل الرياض لا الصغيرة ولا المتوسطة ولا الكبيرة والجميع يعرف الأسباب.

10- ميشيل (تلاحظ أن الرأي العام في بلادها لا يعبر بالضرورة عن الرأي العام الفعلي لأن الناس كانوا يترددون كثيراً قبل أن يدلوا برأيهم في قضية انتظار أن تتحدث إحدى الشخصيات القوية أو أحد أصحاب الكلمة المسموعة بين الناس ليقوم البقية بتأييده)، جاء هذا في الصفحة 188 - وهذا نقد اجتماعي ان لم ينفع فلن يضر وهو ملاحظ في أغلب المجتمعات في العالم العربي وقد يكون تأدباً في الحديث أو احتراماً للمرجعية.

11- في الصفحة 206 تقول رجاء (أنا لا أكتب شيئاً عجيباً أو مستنكراً كل ما أقوله تعرفه البنات جيداً في مجتمعي أو في محيطي).

لا يا أخت رجاء في محيطك الله هو الذي يعلم لكن في مجتمعك وما كتبته عن بنات الرياض لا يعرفه إلا أنت وأكد لك وللجميع أن سكان الرياض بكل شرائحهم ومن سبق له زيارة الرياض ومن سكان الممكلة أو خارجها لن يصدق أغلب ما جاء في الرواية وسوف يعتبر ما جاء في هذه الرواية ما هو إلا دغدغة لعواطف البسطاء من الناس وترويجاً لرواية مبتدئة تحتاج لمثل هذا، الخوف ان توسوس هذه الرواية في عقول بعض منهم خارج المملكة ويعتقدون صحة بعض ما جاء في هذه الرواية فيستغربون أو قد يشمتون.

الرياض التي عرفت وعرف أهلها بالاستقامة والتمسك بالفضيلة والسلوك الحسن داخل البيت وخارجه رجالاً ونساء يقال عنها ما قيل وعلى لسان بنت من بناتها (وشهد شاهد من أهلها). أقل ما يقال عن هذا القول (هو عقوق للرياض وأهلها) سامحك الله.

أما تمجيدها للشباب الحجازي وحضارتهم وذوقهم وأسلوب حياتهم مع المرأة ومع الآخرين فنحن نعرف عن الحجاز وشبابه وعوائله أكثر مما تعرف رجاء فقد زاملناهم وجاورناهم ونعرف فيهم من الفضائل وسموا الخلق والذوق واحترام الجار الشيء الكثير ولم نلاحظ ما أشارت إليه الرواية من انفلات لا في بنات الحجاز ولا في شبابه لكن ما لا نعرفه ونرفضه ما ذكرته عن الشباب النجدي ورجاله من شراسة وقلة ذوق وتخلف حضاري في سلوكهم مع الآخرين ووضع مثل هذه المقارنة أقل ما يقال عنها انه بعث لشعوبية من أناس وصفهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعلوج.

شباب نجد والحجاز يا أخت رجاء أحفاد من وحدوا هذه الجزيرة وجعلونا نعيش في أرضها في أمن واستقرار وبحبوحة من العيش الكريم نحسد عليها هؤلاء الشباب طليعة الأمة ورجاء مستقبلها وقت الشدة سوف تعرفين من هؤلاء وسيتبين الخبيث من الطيب والحكم أوقات الرخاء على الناس قد يجانبه الصواب.

موضوع أخير تمنيت أن الرواية لم تتطرق له أو عالجته بشكل أفضل وهو موضوع الشيعة والسنة أو تركه لمن يقدر على تقليص الفجوة المفتعلة ويساهم في طمرها بين فئات المسلمين بدلاً من نبشها بأسلوب غير إصلاحي.

أرجو أن اقرأ الرواية الثانية من رجاء أكثر اتزاناً واقدر على تصوير مجتمعها بأمانة الكاتبة المصلحة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

منفووووووول