مـوســى أم أســامـــة؟ بقلم: د. بــاســـم خــفــاجــي*

Articles@khafagi.com

=============================================
لم تكتب هذه الكلمات لتكون توثيقاً تاريخياً دقيقاً ..
ولم يراعى أن تتطابق المقارنات التي قد توحي بها،
ولكنها شموع لعلها أن تخفف من ظلمة ليل الأمة إلى أن يأذن الله للفجر أن يبزغ.
=============================================

تروي النصوص وكتب التاريخ قصة بلدة كان يحكمها فرعون.... كانت بلدة قد اجتمعت لها كل مقومات حضارة زمانها، ولكنها كانت تهزأ بالإله وتحتقر باقي شعوب الأرض. وكان فرعون يحكم هذه البلدة ولكنه كان يخشى دائماً على بلاده من أعداء الخارج.. ممن قد يهددون حضارة بلاده وأمنها وسلطانه.. كان فرعون يستعين بحكماء بلده ومفكريها لكي يعيونه على معرفة أماكن الخطر، وكانوا دائماً يشيرون عليه أن الخطر سيأتي من الشرق، وأن صراع الحضارات سيكون مع أبناء الشرق.. فهناك الأرض المقدسة .. وعلى أطرافها يعيش قوم يقولون أنهم أولاد أنبياء .. وأن العالم سيؤول لهم. وتحرك فرعون للقضاء على ذلك الخطر القادم من الشرق.

حاول فرعون لسنوات وسنوات أن يضطهد هؤلاء القوم من شرق بلاده .. أعلن لهم ولكل من حولهم أن حضارة الفرعون أتت لتبقى، وقيم بلاد الفرعون لابد وأن تسود .. أعلنها مدوية للعالم أن فرعون وبلاده هما الملاذ للبشرية، وقال "ما أريكم إلا ما أرى" .. وأخبرهم أن في اتباع حضارته طريق الرشاد..

وفي ذلك العالم .. ولد طفل صغير .. أمه غريبة في ديار قومها .. تخشى عليه ولكنها تؤمن بالله... عاش الطفل حياة مترفة، ولكنه كان يعلم دائماً أنه جاء من بيت دين، وأنه جاء من شعب الشرق المقهور... جاء في زمان الفرعون، ولكن كيف لفرعون أن يتخيل أن يكون هذا الطفل يوماً ما خطراً يهدد عرش حضارته.

وتمضي الأيام .. ويكبر الطفل ويصبح شاباً .. ويخرج ليتعرف على عالمه الصغير، ولكنه يقع من البداية ضحية لتصرفات بني قومه .. ويتهم لقوته وجراءته.. وينفى من داره ويخرج من بلاده خائفاً يترقب... وتنزع عنه حقوق الإقامة في دياره وديار كل فرعون، ويمضي الشاب بعيداً .. وينسى العالم ذلك الشاب إلى حين .. فما عرف قدره أحد ولم يعرف أبناء قومه أنه سيكون ذا شأن عظيم .. ويستمر فرعون في احتقار أبناء الشرق، ويستعبد طائفة منهم، ويقهر طائفة.. وتمضي الأيام.

وذات يوم يتسامع العالم بعودة الشاب إلى الظهور مرة أخرى بين أبناء قومه .. عاد من غيبته يحمل هموم قومه .. ويدعو إلى خلاصهم من قهر فرعون .. عاد الشاب متوكئاً على عصاه يخاطب فرعون أن يدع قومه وشأنهم ... ويهتز العالم.. ويفزع فرعون .. ويتملك الخوف بلاد الحضارة .. وحتى أبناء الشرق المهزوم فزعوا من الشاب .. وما جاء به من دعوة إلى التخلص من تسلط الفرعون وبلاد الفرعون .. خشي أبناء الشرق من الشاب ومن رسالته ومن لهجة خطابه .. فقد ألفوا أن يكونوا عبيداً للفرعون .. ألم يقنع فرعون الكل أنه هو المخلص للبشرية .. ألم يقل لهم "ما علمت لكم من إله غيري" ولم يعترض عليه أحد.

وتتحرك أجهزة الفرعون الأمنية والإعلامية والفكرية للقضاء على طموح الشاب، ولتمنع انتشار أفكار هذا الشاب التي من شأنها أن تغير من موازين قوى العالم الذي استقر بقبول الفرعون وبلاد الفرعون قوة عظمى تتحكم في كل العالم.. لم يتخيل الفرعون كيف لهذا الشاب أن يخرج من بين أبناء الشرق النائم. سخر فرعون من هذا الشاب، وتناقلت الأنباء سخريته من هذا الشاب الذي لا عز له في نظر الفرعون .. كيف يجرؤ هذا "الذي هو مهين ولا يكاد يبين" كما أسماه الفرعون .. كيف له أن يتحدى الأنظمة العالمية التي استنتها بلاد الفرعون.. ويبقى الشاب مصراً على دعواه ..

وتنبري وسائل الإعلام الفرعونية لكي تظهر لأبناء البلدة، ولكل العالم أن هذا الشاب لا يملك شيئا، وأنه ليس بقادر على أن يفعل شيئاً وإنما هي كلمات وفقط كلمات.. ويتحداه الفرعون أن يأت بدليل أو آيه على قدرته أن يكون صاحب قضية، ويفعل الشاب، ويهتز العالم هزة لم تعرفها بلاد الفرعون من قبل..

وتتنادى أجهزة الإعلام الفرعونية أن هذا الشاب قد جاء "ليخرجكم من أرضكم" لكي يحتفظ وحده بالكبرياء له ولقومه، وأنه سيهدد كل ما استقر لفرعون وقومه من عز وحياة هنيئة وناعمة.. وتتنادى أجهزة فرعون العسكرية إلى العالم لكي يساندها في مهمة القضاء على هذا الخطر الذي يهدد أمن البلاد. وينتشر رسل فرعون في المدائن يجمعون كل من يمكن أن يتصدى لدعوة هذا الشاب. وتبدأ المساومات..

الكثير أعلن استعداده لتقديم الخدمات، ولكن الجميع تساءل عن الأجر .. تساءل المرتزقة وهم على أبواب الفرعون "إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين" .. ويجيب الفرعون بنعم ويضيف إن هذا العمل سيضمهم أيضاً إلى المقربين .. ويالها من جائزة لعبد اشتاقت نفسه أن يقترب أكثر ليخدم سيده.

واجتمعت الجموع لتشهد حلقة من حلقات الصراع الذي اجتمع له مرتزقة العالم من جانب فرعون، وشاب يمثل أمه الشرق من جانب آخر .. وأخرج فرعون وسحرته ما لديهم من سحر .. فهم سادة الإعلام .. ويملكون زمام التأثير على أبناء العالم أجمع .. وهم أصحاب القوة، وبرعوا في كل سلاح، وبهروا أعين الناس .. وقال الناس كيف لشاب أن يأتي بمثل هذا السحر العظيم .. كيف له أن يتحدى القوة العظمي التي ملكت مفاتيح العلوم .. وأتقنت كل أنواع السحر ..

ولكن نسي الجميع أن للشاب رباً سينصره .. وتحدث الشاب .. فإذا بكلماته وما ألقاه تخاطب القلوب فتأسر من أمن منها .. وتلقي الفزع في قلوب المرتزقة وأتباع الفراعين .. إنها ليست قوة الشاب .. ولكنه وضوح الحق .. لم يحتج الشاب إلى إتقان فنون سحر الفراعنة، ولكنه احتفظ بسر النجاة وهو الإيمان الذي لا يهتز.

وأعاد فرعون صياغة المعركة .. تهرب من مواجهة فشله في تحقيق هدفه من القضاء على الشاب، وعلى دعوة الشاب.. انطلقت وسائل إعلام الفرعون مرة أخرى لتنشر القاذروات عن الشاب على العالم .. لعل ذلك أن يوقف التعاطف الذي بدأ الشاب يحصل عليه بين أبناء الشرق، ففتحت ملفات قديمة، وألقيت التهم يمنة ويسرة، وحذر الشباب في بلاد الشرق من الخطر الفكري لهذا الشاب ..

وتساءل علية القوم لأول مرة .. وهم يخاطبون فرعون ... سألوه هل ستترك هذا الشاب وقومه ليفسدوا في الأرض، وليقضوا عليك وعلى الحضارة التي أقمناها في ديار هذه البلدة، ورد فرعون بعنف أنه لن يترك هذا الأمر يمضي دون عقاب رادع لهذا الشرق الذي أنجب هذا الشاب، وأعلن أنه سيقتل أبنائهم ولن يترك حتى نسائهم، وطمأن الجميع أن أبناء بلاد الفرعون قادرون على قهر هذا الشرق، وتناقل الإعلام عبارة الفرعون " وإنا فوقهم قاهرون".

حاول الشاب أن يطمئن قومه أن العاقبة للمتقين، ولكن كيف لهم وهم يرون قوة فرعون المادية تجتمع لكي تسعى للقضاء عليها، واعترضوا على الشاب، وعنفوه، وذكروه أنهم قد أوذوا من قبل من هذا الفرعون، وسيؤذون مرة أخرى بسبب تصرفات هذا الشاب، ولم يجد الشاب إلا أن يدعو ربه أن يهلك عدوهم .. وهو يعلم يقينا أن دعاءه سيستجاب له ولو بعد حين.. وتمضي القصة

ويبدأ عقاب الله لفرعون وبلاده بأن يهتز الاقتصاد .. وتنقص الثمرات، وتنتشر الكوارث لعلهم يذكرون .. ولعلهم يرجعون .. ويستمر الصراع .. ويكتشف العالم أجمع من هو المؤيد بالحق ومن الذي طغى في الأرض وجعل أهلها شيعا.

وتبقى صفحات التاريخ المعاصر مفتوحة .. وتتعلق العيون والقلوب بما كتبته النصوص عن تاريخ الفراعنة .. وعن جهاد الشباب .. باحثة عن بصيص أمل في النجاة .. منقبة عن مستقبل الشاب .. وعن نهاية الفرعون .. وتبقى لنا وقفة نذكر أنفسنا والجميع فيها أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن الدروس والعبر المستفادة منه لا شك تتكرر.. وقد تكون الفوارق بين الشخصيات – عبر التاريخ - كبيرة سواء في جوانب الأفضلية والخيرية، أو في درجات الشر، ولكن يبقى التدافع بين الأمم والصراع بين الحضارات أحد أقوى محركات عجلة تاريخ البشرية، ولعل التاريخ المعاصر أن يجيب لنا جميعاً عن مستقبل الشاب، وعن مصير البلدة ولا أشك أنكم قد عرفتم أيضاً من هو الفرعون؟


* رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية الدولية - واشنطن - الولايات المتحدة