* د. عبد الباسط الجمل
ان جميع مظاهر الكون من موجودات تؤكد ان هناك موجد ومنظم لهذا الكون , هو الذي شاء الاشياء وأوجدها من العدم , وهو وحده القادر على تصريف امورها بنظام دقيق .( انا كل شئ خلقناه بقدر ) .
فالمشئ وهو الله يتصف باللاحدود , والشئ وهو المخلوق يتصف بالحدود , وصعب على المحدود ان يدرك اللامحدود , لانعدام المثلية بينهما والذي عبر عنه الله جل وعلا في قوله : ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) .
وعبر عن عدم قدرة المحدود في أدراك الذات العليا بقوله تعالى : ( لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير ) .
فالمحدود له قوة وقدرة محدودتان والذي حددهما هو اللامحدود وهو الله لانه خالق كل شئ , فالله يتصف بالعلم , والانسان يتصف بالعلم , لكن شتان بين هذا وذاك , بين العلم المطلق الذي لا نهاية له , والعلم المحدود الضئيل الذي لا يعدو كونه قبس ونفحة من الله لذلك الانسان الذي جعله الله خليفة في الارض .
ووقفنا عند قوله ( أحسن الخالقين ) ونسأل هل هناك خالقين غير الله ؟
نعم فالانسان يخلق على سبيل المثال .
لكن ما أبعد المشابهة بين خلقة الله وخلقة الانسان , فالله يخلق من العدم , والانسان يخلق ( يصنع ) مما أوجد الله , وخلقة الله مطلقة اي ما يشاء لانه المشئ لجميع الاشياء .
لكن خلقة الانسان تشمل الجانب اللاحياتي اي الغير حي كالطائرة , كالسفينة ,كالتلفاز ..... الخ .
ولا يمكن للانسان ان يخلق كائناً حياً لعدم علمه بسر الحياة وهو الروح التي هي من أمر الله .
اي ان كل ما أوتيتموه من العلم - مهما كثر - قاصر عن أدراك سر الروح , لأن معنى أدراك سر الروح هو أدراك سر الحياة , الذي يبعث في الجسم صفات الحياة من تنفس وتغذية وأخراج ودوران وتكاثر وهضم وأحساس .... الخ .
لذلك خرجت الروح عن المجال المادي الى مجال لا يعلمه الا الله , وقد حاول أحد العلماء الزج بنفسه في هذا المجال ( مجال النقاش في الروح ) وأستدل على ذلك بأن وزن الانسان في اخر لحظة من لحظات حياته وسجل هذا الوزن , ثم وزن هذا الانسان بعد وفاته ووجد ان الوزن قد نقص .
والنقص في الوزن معناه خضوع الشئ لقوانين الوزن , فالنقص في وزن الانسان المتوفي يرجع لأسباب متعددة منها :
1- بمجرد الوفاة تنقبض الرئتان وتطردان الاوكسجين للخارج والغازات الاخرى وهذا الغازات لها وزن وبخروجها يخرج الوزن .
2- من المعروف ان مراكز التحكم في المخ تتحلل بعد الوفاة بثلاث دقائق وبالتأكيد هذه المراكز لها وزن وتحللها يعني نقص في الوزن .
أذن النقص في وزن الميت مؤكد
اما غير القابلين لمبدأ الحجة بالحجة , اقول لهم : انتم تقولون الروح مادة , والمادة تتصف بالحدود اي يمكن الحصول عليها كجسم مادي , هل يمكن ان تجسموا لنا الروح لنراها ؟
وما دامت الروح مادة , اذن فهناك جينات تتحكم فيها وبالتالي هناك سلسلة عديد ببتيد لها شفرات محددة.
حللوا لنا هذه البروتينات الداخلة في تركيب الروح واكشفوا شفرات الاحماض الامينية الداخلة في تكوين هذه البروتينات واصنعوا لنا روحاً ؟ .... أتقدرون ؟ .
ولذلك جعل الله الروح من أمره , فأدراكها معناه أدراك أمر الله وهذا مستحيل , ادراك لسر الحياة الذي لا يعلمه الا الله لأن الجسد ميت بدون الروح , والدليل على ذلك أن العالمان يوري وميللر تمكنا من صنع مادة البروتوبلازم ( أصل الحياة ) ولكن لم يستطيعا ان يخلقا نسيج حي لعدم وجود سر الحياة معهما , لانهما يجهلان كنه الروح فكيف يحصلان عليها , ومن ثم لا يمكن ايجاد النسيج الحي .
ولذلك ما دام الانسان عارفا بقدر نفسه لن يتعدى حدوده , وقد حدث في الولايات المتحدة الامريكية أن أسس أساتذة الجامعة جمعية لاحياء جثث الموتى .
هذه الجمعية تقوم بحفظ الموتى في كبسولات معينة وبتقنية عالية مقابل مبالغ باهظة تبلغ ملايين الدولارات عن الجثة الواحدة وربما تكتشف وسيلة مع تقدم العلم لاحياء هذه الجثث مرة اخرى . " ان مراكزالتحكم في المخ تتحلل بعد الوفاة بثلاث دقائق فليوجدوا مراكز تحكم ؟ ."
حتى ولو استطاعوا الوصول الى مراكز تحكم هل يستطيعون الوصول لسر الحياة ( الروح ) ان كانوا يستطيعون فليفعلوا .
فالروح هو السر الحياتي المجهول بالنسبة للمحدود والمعلوم بالنسبة للامحدود من ثم فالله أحسن الخالقين لانه يخلق ما يشاء ويخلق من عدم , كما ان الله يخلق ليستفيد المخلوق منه لكن الانسان يخلق ليستفيد هو مما خلق ( صنع ) كما ان مراحل الخلقة تؤكد قول الله تعالى : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
ويتبادر الى ذهن الكثيرين سؤالا هاماً :
كيف يبعث الله من أكله الذئب او اي حيوان اخر ؟
ان الله يبعث الانسان الذي بليت اعضائه كلها بنسب عناصره المكونة لجسده , ولكن ليسمعنى اننا عرفنا ان الانسان سيجمع يوم القيامة مرة اخرى بنسب عناصره اننا عرفنا كنه احياء الموتى , فالحدث معلوم ولكن كيفية حدوث الحدث غير معلومة , بمعنى ان الله سيجمع الانسان يوم القيامة بنسب عناصره لكن كيف سيجمعه ؟
هذا في علم الله , ثم تأتي الرمحلة التي تعنى عملية تنفيذ لهذه النسب في صورة مادية وهي الزيجوت , فالانسنا كما سبق مرسوم على هيئة نسب لعناصره , ولابد لهذا النسب ان تترجم الى شئ مادي وهو الجسد , متى يحدث هذا ؟ يحدث عندما يلتقي الحيوان المنوي بالبويضة اعلى قناة فالوب , ويندمجان معا ليعطيان خلية ثنائية العدد الصبغي ( 2ن ) يتتابع تمايزها ونموها لتعطي في النهاية الجنين .
هذا الجنين يمر بمراحل تسمى ( بالنمو والتكوين الجنيني ) وقد أشار القرأن الى هذه المراحل :
أشار الى مرحلة العلقة والتي تعني في اللغة الدم المتجمد , وبالفعل تم تصوير الجنين في هذه المرحلة ووجد انه يشبه الدم المتجمد , ثم المضغة والتي تشبه اللبان الممضوغ , وقد أكد علماء الاجنة بالتصوير بالاشعة "Rays" ان الجنين في مرحلة المضغة يكون بعضه مخلق والبعض الاخر غير مخلق .
ثم تأتي مرحلة تكوين العظام ثم كساء هذه العظام باللحم ثم الخلق وهو الطفل الذييخرج الى الدنيا في أحسن صورة .
ولكن يجب الاشارة الى انه رغم تعدد مراحل خلقة الانسان الا ان البداية من طين , وهذا ما يؤكده الله - تبارك وتعالى - في قوله : ( الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين ) .
فالبداية من طين لكن هناك مراحل لأتمام هذه الخلقة , وكل مرحلة تمثل جانب من جوانب جلال القدرة وعظمتها والذي لا يمكن مضاهاته مطلقاً .
الحق يستوقف الانسان عند كل مرحلة من مراحل خلقه , لكن يجب على الانسان ان يعلم أن له خريطة نسب لعناصر عددها ستة عشر أزلية ترجمت لذلك الجسد الانساني .
بمعنى أن الانسان ليس له خريطة جينية فقط , بل له خريطة لنسب عناصره ايضا , فهل يستطيع الانسان ان يقوم برسم هذه الخريطة لكل انسان كما اعد الخريطة الجينية ؟ هذا صعب لانه لو استطاع فرضاً ان يرسم خريطة للاحياء هل سيستطيع أن يرسم خريطة للموتى ؟
مستحيل ومن ثم فحقاً صعب على المحدود أن يدرك اللامحدود .
ان استطاع الانسان اللعب في الخريطة الجينية هل يستطيع اللعب في خريطة نسب العناصر ؟ المسألة ليست جينات ولا هندسة وراثية ولا تكنولوجيا جزيئية ولا نسب عناصر , لا المسألة مسألة قدرة الهية لا يمكن محاكاتها او مشابهتها .
وليكن الجميع على يقين منان الله لم يخلق الكون وأوجد له قوانينه التي تسيره , ثم ترك أمر هذا الكون لتلك القوانين , لا بل هو قيوم على هذه القوانين يفعل فيها ما يشاء , ولا يمكن ان يحدث شئ عشوائياً , بل بتقدير من الله .
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة