انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 7 12345 ... الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 70

الموضوع: **** شخصيــــــــــــــــــــــــــــــــــات & شخصيــــــــــــــــات ****

  1. #1
    عظيمة الشوق's صورة
    عظيمة الشوق غير متواجد زهرة لا تنسى "زهرة الحوار""نبض وعطاء" "شعلة الصوتيات"
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الموقع
    حتماً سأكون رهينة قبري يوماً مـا فاللهم رحمتك أرجوا
    الردود
    4,160
    الجنس
    امرأة

    w00t **** شخصيــــــــــــــــــــــــــــــــــات & شخصيــــــــــــــــات ****


    *

    *

    *

    *



    بســـم الله الرحمن الرحيــم ....
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    يالله حيّــهم .. كيف الحال مع البرد ..<< فاضية .. لابس من جد ذا الأيام موت مو برد الله لايعذبنا ..

    المهم .,.,

    هذه فكرة رأيتها في احدى المنتديات وأعجبتني .. حتى استمتعت والله في قراءة الردود .. هي عبارة أني أذكر لكم شخصية من الشخصيات سواءً نبي او صحابي أو تابعي أو ... وهلمّ جرا ..

    ويأتي من بعدي ويعطينا نبذة تعريفة عنه أو موقف أو قول مأثور ..وهكذا .. واللي يجاوب يضع شخصية للتحدث عنها ..

    مفهوم ولالأ << تراي ماأعرف أشرح ولا شي راحمه أخواني كل شوي ناطلي واحد بالله إشرحيلي وأنا ميييييح .


    نبدأ بالشيخصات:

    ماذا تعرف (ين) عن``~'*&#164;!||!&#164;*'~`((محمد صلى الله عليه وسلم ))`~'*&#164;!||!&#164;*'~`


    وبردودكم يتم لي الفرح والسرور ...

    <<<وكل يوم تعالوا << لالالا مو الحين تنقال هذي تقولينها للي يعقبون على كلامك كذا وضحتي لهم إنك سارقه هالجملة من نجومة . << فضيحة البنت ..
    آخر مرة عدل بواسطة عظيمة الشوق : 24-01-2006 في 06:12 AM
    إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ

  2. #2
    شروق الامل... غير متواجد زهرة لا تنسى "إشراقة الحرف - زهرة الحوار "
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الموقع
    أحب زوجي
    الردود
    10,864
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    2
    [quote]
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    يالله حيّــهم .. كيف الحال مع البرد ..<< فاضية .. لابس من جد ذا الأيام موت مو برد الله لايعذبنا ..

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    يالله حيّــهم .. كيف الحال مع البرد ..<< فاضية .. لابس من جد ذا الأيام موت مو برد الله لايعذبنا
    الله يحييك يالغاليه

    والله بررررررررد خاصة اليوم وامس ..

    والله فكرة رائعه مثل صاحبه الموضوع

    <<<وكل يوم تعالوا << لالالا مو الحين تنقال هذي تقولينها للي يعقبون على كلامك كذا وضحتي لهم إنك سارقه هالجملة من نجومة . << فضيحة البنت ..


    هههههههههههههههههههه

    ياحبي لك ونجوم
    § •°• رحلتي مع السعادة , ومن أين بدأت وكيف أصبحت , شاركوني فرحتي بها •°• §
    الاستغفار بنية طلب شئ معين !!! ما حكمه ؟

    قصص للمداوميين على الأستغفار وقيام الليل

    http://www.lakii.com/vb/a-6/a-754247/

    أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
    وأتوب إليه


    قال ابن القيّم : إذا أردت أن تعرف قيمتك عند الله فانظر بماذا يشغلك ؟!




    اللهم اغفر للمؤمنيين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات



  3. #3
    عظيمة الشوق's صورة
    عظيمة الشوق غير متواجد زهرة لا تنسى "زهرة الحوار""نبض وعطاء" "شعلة الصوتيات"
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الموقع
    حتماً سأكون رهينة قبري يوماً مـا فاللهم رحمتك أرجوا
    الردود
    4,160
    الجنس
    امرأة
    نووووووووضه يبيلك ضربة

    تدرين ليش ..

    نبدأ بالشيخصات:

    ماذا تعرف (ين) عن``~'*&#164;!||!&#164;*'~`((محمد صلى الله عليه وسلم ))`~'*&#164;!||!&#164;*'~`

    ماتعرفين شي عن حبيبك محمد
    إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    الموقع
    ..ღ ..اللهُمّ إني اسألُكَ الأُنسَ بقرْبك ..ღ ..
    الردود
    8,280
    الجنس
    أنثى
    التدوينات
    6
    التكريم
    • (القاب)
      • بهاء الحرف
      • مبدعة استراحة الإخاء
      • لمسة مبدعة صيف 1429هـ
      • لمسة الإبداع
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة

    موضوع رائع

    ماذا اعرف عن حبيبنا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم
    محمد ابن عبدالله رسول الله الله صلى الله عليه وسلم
    معلم الناس سيدنا وحبيبنا خاتم الانبياء والمرسلين
    محبته تفوق محبة ابي وامي و من كل غااالي
    كيف لا وهو من علمنا هذا الدين كيف لا وهو من اخرج الناس من الظمات الى النور
    احب خلق الله
    ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)
    حمّله الله الرساله ليبلغهالنا فكم تاذى في سبيل ذلك كم احتمل من الاذى لذلك بابي هو وامي صلوات الله وسلامه عليه
    ارسله الله رحمة لهذه الامه
    كان خلقه القرآن الكريم كما اخبرت عن ذلك امنا عائشة رضي الله عنه
    معلمنا الدين والاخلاق
    ماذا نحن بعده صلوات الله وسلامه عليه
    لاخير الا دل امته عليه ولاشر إلا وحذرها منه
    كان كثير السكوت لا يتكلم لغير حاجة
    كم صبر وتاذى في سبيل الدعوة
    محبته تفوق كل مخلوق على وجه الارض
    قال الله تعالى : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "

    حسبنا الله ونعم الوكيل على من تعرض لشخصه عليه الصلاة والسلام
    حسبنا الله ونعم الوكيل
    حسبنا الله ونعم الوكيل

    كم تعجبني هذه الابيات
    نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا
    نلام على محبتك ويكفي لنا شرفٌ نلام وما علينا
    ولما نلقكم لكن شـوقـاً يذكرنـا فكيف إذا التقينا
    تسلّى الناس بالدنيا وإنـا لعمـر الله بعدك ما سلينا


    غاليتي فاقده غالي هذا مااستطعت كتابته الآن
    اود أن يستمر الحديث عنه صلوات الله وسلامه عليه ارجوا ذلك ياغاليه

    اللهم صل على محمد عدد ماذكره الذاكرون وعدد ماغل عنه الغافلون

    ودمتي بود
    آخر مرة عدل بواسطة شمووخ همّه : 24-01-2006 في 10:20 PM
    :

    " عرفتُ الحياةَ طريقاً إليك ، وليست مُناي ولا مُستقرّي ،، ❤️"

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الردود
    719
    الجنس
    أنثى
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    موضوع قيّم جدا وممتع ايضا جزاك الله خير

    محمد وما ادراك ما محمد صلى الله عليه وسلم هو افضل البشرية على الاطلاق

    حين خلق الله الخلائق اطلع عليهم ووجد افضلهم حبيبنا عليه افضل الصلوات والتسليم



    ولي عودة

  6. #6
    عظيمة الشوق's صورة
    عظيمة الشوق غير متواجد زهرة لا تنسى "زهرة الحوار""نبض وعطاء" "شعلة الصوتيات"
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الموقع
    حتماً سأكون رهينة قبري يوماً مـا فاللهم رحمتك أرجوا
    الردود
    4,160
    الجنس
    امرأة
    شمووووووووووووووخ همه

    أهلا بكِ ياحبيبة

    رائع ماسطرتي ولكن اين الشخصية التي أخترتيها لنتحدث عنها؟؟


    ريم أنتي وييييييييييينك زين رجعتي

    الله يجزاكش خيراً على ماكتبتي بس وين الشخصية ؟؟

    شكلكم مافهمتوا

    على العموم الشخصية التالية

    ماذا تعرف عن عمر بن عبد العزيز ..
    اللي يجاوب يحط شخصية نتكلم عنها
    إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    مــع الله جلاَ في عُلاه
    الردود
    4,755
    الجنس
    أنثى
    يالله حيّــهم .. كيف الحال مع البرد ..<< فاضية .. لابس من جد ذا الأيام موت مو برد الله لايعذبنا ..


    فقدقد

    الله يبقيتس ويخليتس لعين ترجيتس

    وتلومينا يوم رجعنا من روضة خريم بعد ماذبحنا البرد وشهبنا وتقولين خكاريه

    وجا لتس يوم تشكين فيه من البرد

    صج عاد البرد هالايام إبتلاء من الله سبحانه

    برررررد برررررد احيان تثلج يديني

    المشكله ماأطيق القفاز وماقدر أخبي يديني خاصة

    وانا اطقطق على الكيبورد مادري وش اسوي فيها

    ننتظر يصنعون لنا كيبورد بمجرد ما نطالع الزر ينضغط بنفسه < هالإختراع بسلمه للمختصين

    طلعت كثير صح

    بس ماعليه مادام ان الموضوع موضوع فاقدتني كيفي


    يلا نرجع لمحور حديثنا

    ماذا تعرف عن عمر بن عبد العزيز ..


    اختيار موفق يافقودة احب هالإنسان جميع الخصال الطيبة

    اجتمعت فيه رحمه الله وجمعنا به في الفردوس الاعلى من الجنة



    مواقف من حياة عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه

    أخي المسلم ان الكلام عن حياة الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز يحتاج منا الى تأمل وتدبر فأنت لا تكاد تلم بصورة من صور حياته الفريدة حتى تسلمك الى اخرى اكثر بهاء فتعالوا لنعيش هذه اللحظات مع حياة الخليفة الخامس اول هذه المواقف يرويها احد الشعراء وهو (دكين بن سعيد الدارمي) فيقول: امتدحت عمر بن عبدالعزيز يوم كان واليا على المدينة فأمر لي بخمس عشرة ناقة من كرائم الابل فلما صرن في يدي تأملتهن فراعني منظرهن أي أدهشني منظرهن وكرهت أن امضي في فجاج الارض وحدي خوفا عليهن ولم تسمح نفسي ببيعهن وفيما انا كذلك قدمت علينا رفقة تبتغي السفر نحو ديارنا في (نجد) فسألتهم الصحبة فقالوا : مرحبا بك ونحن سنخرج الليلة فأعد نفسك للخروج معنا فذهبت الى عمر بن عبدالعزيز مودعا فوجدت في مجلسه شيخين لا اعرفهما فلما هممت بالانصراف التفت اليّ عمر وقال يا دكين ان لي نفسا تواقة فان عرفت انني بلغت اكثر مما انا فيه فأتني ولك مني البر والاحسان.
    فقلت اشهد لي بذلك ايها الامير فقال : أشهد الله تعالى على ذلك فقلت ومن خلقه فقال هذين الشيخين وكان هذان الشيخان هما الاول سالم بن عبدالله بن عمر الخطاب والثاني أبو يحيى مولى الامير فانصرف بالنوق الى ديار قومه ثم دارت الايام دورتها ويقول دكين فبينما أنا بصحراء في أرض اليمامة في نجد.
    اذا ناع ينعي امير المؤمنين سليمان بن عبدالملك فقلت للناعي ومن الخليفة الذي قام بعده؟
    فقال عمر بن عبدالعزيز فما ان سمعت مقالته حتى شددت رحالي نحو بلاد الشام فلما بلغت دمشق لقيت جريرا منصرفا من عند الخليفة وجرير هذا شاعر معروف من كبار شعراء العصر الاموي يقول (دكين فانطلقت حتى بلغت دار الخليفة فاذا هو في باحة الدار وقد احاط به اليتامى والارامل واصحاب الظلامات فلم اجد سبيلا اليه من تزاحمهم عليه فرفعت صوتي قائلا:
    يا عمر الخيرات والمكارم
    وعمر الدسائع العظائم
    اني امرؤ من قطن من دارم
    طلبت ديني من اخي المكارم
    معنى الدسائع هي الجفنة العظيمة التي يستعملها اهل الجود في اطعام المساكين وقطن وادي بحضرموت ـ دارم ـ بنو دارم من عرب الحجاز ـ المهم ان مولى عمر بن عبدالعزيز وهو ابو يحيى عرف هذا الرجل فقال يا امير المؤمنين ان عندي لهذا البدوي شهادة عليك فقال عمر اعرفها ثم التفت الي وقال : أدن مني يا دكين فلما صرت بين يديه مال عليه وقال: اتذكر ما قلته لك في المدينة من ان نفسي ما نالت شيئا قط الا تاقت اي اشتاقت ورغبت الى ما هو اعلى منه فقلت نعم يا امير المؤمنين فقال: وها أناذا قد نلت غاية ما في الدنيا وهو ـ الملك ـ فنفسي تتوق الى غاية ما في الاخرة وهو الجنة وتسعى الى الفوز برضوان الله عز وجل ولئن كان الملوك يجعلون الملك سبيلا لبلوغ عز الدنيا فلاجعلنه الى بلوغ عز الاخرة ثم قال يا دكين
    اني والله ما اخذت شيئا من اموالهم لا درهما ولا دينارا منذ وليت هذا الامر وانني لا املك الا الف درهم فخذ نصفها واترك لي نصفها فأخذت المال الذي اعطانيه فوالله ما رأيت أعظم منه بركة فهذه صورة اخي المسلم تدل على مدى صدق الخليفة العادل في وعده وقوة ذاكرته وعزمه على ان يجعل من الحكم سببا لدخوله الجنة اما الصورة الثانية من حياة سيدنا عمر فيرويها لنا قاضي الموصل (يحي بن يحيى الغساني) فيقول : بينما عمر بن عبدالعزيز يطوف ذات يوم في اسواق حمص ليتفقد الباعة ويتعرف على الاسعار اذ قام اليه رجل عليه بردان احمران وقال يا امير المؤمنين : لقد سمعت انك امرت من كان مظلوما ان يأتيك فقال : نعم وها قد اتاك رجل مظلوم بعيد الدار فقال عمر: واين اهلك ؟ فقال الرجل في (عدن) فقال عمر والله ان مكانك من مكان عمر ببعيد ثم نزل عن دابته ووقف امامه وقال ما ظلامتك ؟ اي ما هو الظلم الذي وقع عليك؟
    فقال ضيعة لي وثب عليها رجل ممن ينتسبون اليك وانتزعها مني فكتب عمر كتابا الى (عروة بن محمد) واليه على عدن يقول فيه اما بعد فاذا جاءك كتابي هذا فاسمع بينة حامله يعني دليله وحجته فان ثبت له حق فادفع اليه حقه ثم ختم الكتاب وناوله للرجل
    فلما هم الرجل بالانصراف قال له عمر على رسلك اي لا تعجل انك قد اتيتنا من بلد بعيد ولا ريب في انك استنفذت اي انفقت في رحلك هذا زادا كثيرا وابليت ثيابا جديدة ولعله نفقت لك دابة ـ نفقت اي هلكت وماتت.
    ثم حسب ذلك كله فبلع احد عشر دينارا فدفعها اليه وقال اشع ذلك في الناس حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته بعد اليوم مهما كان بعيد الدار
    فانظر ايها المسلم الكريم الى هذه المواقف المشرقة في حياة من سبقونا في الاسلام كان هناك تواضع بين الناس وكان هناك تراحم فيما بين المسلمين فندعو الله ان يوفقنا ويهدينا الى سواء السبيل اللهم آمين

    المصدر


    __________________________

    الشخصية اللي وقع اختياري عليها

    :: محمد بن المنكدر ::



    وجزاتس الله من الخير الكثير فقودتي الغالية

    على دعواتس الطيبه لأمي الحبيبة

  8. #8
    شروق الامل... غير متواجد زهرة لا تنسى "إشراقة الحرف - زهرة الحوار "
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الموقع
    أحب زوجي
    الردود
    10,864
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    2
    أبو بكر رضي الله عنه :
    أولاً: أسمه ونسبه وكنيته وألقابه:
    هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي ، ويلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفتى من الإبل، والجمع بكارة وأبكر وقد سمَّت العرب بكراً، وهو أبو قبيلة عظيمة ولُقب أبوبكر صلى الله عليه وسلم ، بألقاب عديدة كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب منها:
    1- العتيق:
    لقبّه به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد قال له صلى الله عليه وسلم : أنت عتيقُ الله من النار فسُمِّيَ عتيقاً وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر فأنت عتيق الله من النار ، فمن يؤمئذ سُمي عتيقاً ، وقد ذكر المؤرخون أسباباً كثيرة لهذا اللقب، فقد قيل: إنما سمي عتيقاً لجمال وجهه ، وقيل لأنه كان قديماً في الخير ، وقيل سمي عتيقاً لعتاقة وجهه ، وقيل إن أم أبي بكر كان لايعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي ، ولا مانع للجمع بين بعض هذه الأقوال، فأبي بكر جميل الوجه، حسن النسب، صاحب يد سابقة الى الخير، وهو عتيق الله من النار بفضل بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له .
    2- الصديق:
    لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أنس صلى الله عليه وسلم أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، وأبوبكر، وعمر، وعثمان، فوجف بهم فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .
    وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتقول: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم الى المسجد الاقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناسُ، كانوا آمنوا به وصدقوه وسعى رجال الى أبي بكر، فقالوا: هل لك الى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليله الى بيت المقدس! قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة الى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!! قال نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبوبكر الصديق .
    وقد أجمعت الأمة على تسميته بالصديق لأنه بادر الى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ولازمه الصدق فلم تقع منه هناة أبداً ، فقد اتصف بهذا اللقب ومدحه الشعراء:
    قال ابو محجن الثقفي:
    وسُمِّيت صديقاً وكل مهاجر
    سواك يُسَمَّى باسمه غير منكر
    سبقت الى الاسلام والله شاهد
    وكنت جليساً في العريش المشهر
    وأنشد الأصمعي ، فقال:
    ولكني أحبّ بكل قلبي
    وأعلم أن ذاك من الصواب
    رسول الله والصدِّيق حبَّاً
    به أرجو غداً حسن الثواب
    3- الصاحب:
    لقبه به الله عز وجل في القرآن الكريم: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة، الآية:40 وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود هنا هو أبوبكر صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار: لو أن أحدهم نظر الى قدميه لأبصرنا تحت قدميه!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما .
    قال الحافظ رحمه الله: ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا......... إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}فإن المراد بصاحبه هنا أبوبكر بلا منازع ، والاحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ولم يشركه في المنقبة غيره .
    4- الأتقى:
    لقبه به الله عز وجل في القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} سورة الليل، الآية: 17. وسيأتي بيان ذلك في حديثنا عن المعذبين في الله الذين أعتقهم أبوبكر صلى الله عليه وسلم .
    5- الأواه:
    لقب أبو بكر بالأواه وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله تعالى، فعن ابراهيم النخعي قال: كان أبوبكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته .
    ثانياً: مولده وصفته الخَلْقية:
    لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر ، وقد نشأ نشأة كريمة طيبة في حضن أبوين لهما الكرامة والعز في قومهما مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه .
    وأما صفته الخِلقية، فقد كان يوصف بالبياض في اللون، والنحافة في البدن، وفي هذا يقول قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان رجلاً نحيفاً، خفيف اللحم أبيض ، وقد وصفه أصحاب السير من افواه الرواة فقالوا: أن أبا بكر صلى الله عليه وسلم اتصف بأنه: كان أبيض تخالطه صُفرة، حسن القامة، نحيفاً خفيف العارضين، أجنأ ، لايستمسك إزاره يسترخي عن حقويه رقيقاً معروق الوجه ، غائر العينين ، اقنى ، حمش الساقين ، ممحوص الفخذين ، وكان ناتئ الجبهة، عاري الأشجاع ويخضب لحيته، وشيبه بالحناء والكتم .
    ثالثاً: أسرته:
    أما والده، فهو عثمان بن عامر بن عمرو يكنى أبا قحافة أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ياأبا بكر هلا تركته، حتى نأتيه، فقال أبوبكر: هوأولى أن يأتيك يارسول الله، فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنأ أبا بكر بإسلام أبيه ، وقال لأبي بكر غيروا هذا من شعره، فقد كان رأس أبي قحافة مثل الثغامة .
    وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم في توقير كبار السن واحترامهم ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا .
    وأما والدة الصديق، فهي سلمى بن صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكنيتها أم الخير أسلمت مبكراً وسيأتي تفصيل ذلك في واقعة إلحاح أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم على الظهور بمكة .
    وأما زوجاته؛ فقد تزوج صلى الله عليه وسلم من أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهنّ على التوالي:
    1- قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر ابن مالك:
    اختلف في إسلامها ، وهي والدة عبدالله وأسماء وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية- وقد جاءت بهدايا فيها أقط وسمن الى إبنتها أسماء بنت أبي بكر بالمدينة، فابت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فأرسلت الى عائشة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لِتُدْخِلها ولتقبل هديتها، وأنزل الله عز وجل {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة المتحنة، الآية:8 أي لايمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير الى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء، والضعفة منهم كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولايمنعكم أيضاً من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم، بأداء مالهم من الحق، كالوفاء لهم بالوعود، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة، إن الله يحب العادلين، ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم .
    2- أم رومان بنت عامر بن عويمر:
    من بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة بمكة، فتزوجها أبوبكر، وأسلمت قديماً، وبايعت، وهاجرت الى المدينة وهي والدة عبدالرحمن وعائشة رضي الله عنهم، وتوفيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة ست من الهجرة .
    3- أسماء بن عُمَيس بن معبد بن الحارث:
    أم عبدالله، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديماً قبل دخول دار الأرقم، وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم الى الحبشة، ثم هاجرت معه الى المدينة فاستشهد يوم مؤتة، وتزوجها الصديق فولدت له محمداً روى عنها من الصحابة : عمر، وأبو موسى، وعبدالله بن عباس، وأم الفضل امرأة العباس، فكانت أكرم الناس أصهاراً فمن أصهارها: رسول الله وحمزة، والعباس وغيرهم .
    4- حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير:
    الانصارية، الخزرجية وهي التي ولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته وقد أقام عندها الصديق بالسُّنح .
    وأما أولاد أبي بكر رضي الله عنهم فهم:
    1- عبدالرحمن بن أبي بكر:
    أسن ولد أبي بكر: أسلم يوم الحديبية، وحسن إسلامه وصحب رسول الله وقد إشتهر بالشجاعة وله مواقف محمودة ومشهودة بعد إسلامه .
    2- عبدالله بن أبي بكر:
    صاحب الدور العظيم في الهجرة، فقد كان يبقى في النهار بين أهل مكة يسمع أخبارهم ثم يتسلل في الليل الى الغار لينقل هذه الأخبار لرسول الله وأبيه، فإذا جاء الصبح عاد الى مكة، وقد أصيب بسهم يوم الطائف، فماطله حتى مات شهيداً بالمدينة في خلافة الصديق .
    3- محمد بن أبي بكر:
    أمه أسماء بنت عميس، ولد عام حجة الوداع وكان من فتيان قريش، عاش في حجر علي بن أبي طالب، وولاه مصر وبها قتل .
    4- أسماء بنت أبي بكر:
    ذات النطاقين أسن من عائشة، سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات النطاقين لأنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبيها سفرة لما هاجرا فلم تجد ماتشدها به فشقت نطاقها، وشدت به السفرة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهي زوجة الزبير بن العوام وهاجرت الى المدينة وهي حامل بعبدالله بن الزبير فولدته بعد الهجرة فكان أول مولود في الاسلام بعدالهجرة، بلغت مائة سنة ولم ينكر من عقلها شيء، ولم يسقط لها سن، روى لها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ستة وخمسون حديثاً، روى عنها عبدالله بن عباس، وأبناؤها عبدالله وعروة، وعبدالله بن أبي مُلَيْكة وغيرهم وكانت جوادة منفقة توفيت بمكة سنة 73هـ .
    5- عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها:
    الصديقة بنت الصديق تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وأعرس بها في شوال، وهي أعلم النساء، كناها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبدالله، وكان حبه لها مثالاً للزوجية الصالحة .
    كان الشعبي يحدث عن مسروق أنه إذا تحدث عن أم المؤمنين عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق المبرأة حبيبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم ، ومسندها يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث 2210 اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري باربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين ، وعاشت ثلاثاً وستين سنة وأشهراً، وتوفيت سنة 57هـ، ولا ذرية لها .
    6- أم كلثوم بنت أبي بكر:
    أمها حبيبة بنت خارجة. قال أبوبكر لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك فقالت: هذه أسماء قد عرفتها فمن الاخرى قال: ذو بطن بنت خارجة، قد ألقي في خلدي أنها جارية فكانت كما قال: وولدت بعد موته ، تزوجها طلحة بن عبيدالله وقتل عنها يوم الجمل، وحجت بها عائشة في عدتها فأخرجتها الى مكة .
    هذه هي أسرة الصديق المباركة التي أكرمها الله بالاسلام وقد اختص بهذا الفضل أبو بكر صلى الله عليه وسلم من بين الصحابة وقد قال العلماء: لايعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا آل أبي بكر الصديق وهم: عبدالله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن ابي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأيضاً محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة صلى الله عليه وسلم .
    وليس من الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده، وأدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأدركه أيضاً بنو أولاده: إلا أبوبكر من جهة الرجال والنساء -وقد بينت ذلك- فكلهم آمنوا بالنبي وصحبوه، فهذا بيت الصديق، فأهله أهل إيمان، ليس فيهم منافق ولايعرف في الصحابة مثل هذا لغير بيت أبي بكر رضي الله عنهم.
    وكان يقال: للإيمان بيوت وللنفاق بيوت؛ فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من المهاجرين، وبني النجار من بيوت الإيمان من الانصار .
    رابعاً: الرصيد الخُلقي للصديق في المجتمع الجاهلي:
    كان أبو بكر الصديق في الجاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم، وذلك أن الشرف في قريش قد انتهى قبل ظهور الاسلام الى عشرة رهط من عشرة أبطن، فالعباس ابن عبدالمطلب من بني هاشم، وكان يسقي الحجيج في الجاهلية، وبقي له ذلك في الاسلام وابو سفيان بن حرب من بني أمية، وكان عنده العقاب راية قريش، فإذا لم تجتمع قريش على واحد رأسوه هو وقدموه، والحارث بن عامر بن بني نوفل، وكانت إليه الرفادة، وهي ماتخرجه قريش من أموالها، وترفد به منقطع السبيل، وعثمان بن طلحة بن زمعة بن الاسود من بني أسد، وكانت إليه المشورة فلا يُجمع على أمر حتى يعرضوه عليه، فإن وافق ولاهم عليه، وإلا تخيّر وكانو له أعواناً، وأبو بكر الصديق من بني تيم وكانت إليه الأشناق وهي الديات والمغارم، فكان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً صدقوه، وامضوا حمالة من نهض معه، وإن احتملها غيره خذلوه، وخالد بن الوليد من بني مخزوم، وكانت إليه القبة والأعنة، أما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها مايجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان على خيل قريش في الحرب. وعمر بن الخطاب من بني عدي، وكانت إليه السفارة في الجاهلية، وصفوان بن أمية من بني جمح، وكانت إليه الأزلام. والحارث بن قيس من بني سهم، وكانت إليه الحكومة وأموال آلهتهم .
    لقد كان الصديق في المجتمع الجاهلي شريفاً من أشراف قريش وكان من خيارهم، ويستعينون به فيما نابهم وكانت له بمكة ضيافات لايفعلها أحد .
    وقد اشتهر بعدة أمور منها:
    1- العلم بالأنساب:
    فهو عالم من علماء الأنساب وأخبار العرب، وله في ذلك باع طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبي طالب وغيره، وكانت له مزية حببته إلى قلوب العرب وهي: أنه لم يكن يعيب الأنساب، ولايذكر المثالب بخلاف غيره ، فقد كان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها، وبما فيها من خير وشر ، وفي هذا تروي عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها .
    2-تجارته:
    كان في الجاهلية تاجراً، ودخل بُصرى من أرض الشام للتجارة وارتحل بين البلدان وكان رأس ماله اربعين ألف درهم وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية .
    3-موضع الألفة بين قومه وميل القلوب إليه:
    فقد ذكر ابن اسحاق في السيرة أنهم كانوا يحبونه، ويألفونه، ويعترفون له بالفضل العظيم، والخلق الكريم، وكانوا يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته ، وقد قال له ابن الدغنه حين لقيه مهاجراً، إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتكسب المعدوم وتفعل المعروف ، وقد علَّق ابن حجر على قول ابن الدغنه فقال: ومن أعظم مناقبه أن ابن الدغنه سيد القارة لما رد عليه جواره بمكة وصفه بنظير ماوصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث، فتواردا فيها نعت واحد من غير أن يتواطأ على ذلك، وهذه غاية في مدحه لأن صفات النبي صلى الله عليه وسلم منذ نشأ كانت أكمل الصفات .
    4-لم يشرب الخمر في الجاهلية:
    فقد كان أعف الناس في الجاهلية ، حتى إنه حرّم على نفسه الخمر قبل الإسلام، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مرّ برجل سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه. فقال أبو بكر: إن هذا لايدري ما يصنع، وهو يجد ريحها فحماها ، وفي رواية لعائشة ... ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية .
    وقد أجاب الصديق من سأله هل شربت الخمر في الجاهلية؟ بقوله: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعاً لعرضه ومروءته .
    5-ولم يسجد لصنم:
    ولم يسجد الصديق رضي الله عنه لصنم قط، قال أبو بكر رضي الله عنه في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشّمُ العوالي، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يُجبني فقلت: إني عار فأكسني، فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرَّ لوجهه وهكذا حمله خلقه الحميد وعقله النير، وفطرته السليمة على الترفع عن كل شيء يخدش المروءة وينقص الكرامة من أفعال الجاهليين، وأخلاقهم التي تجانب الفطرة السليمة، وتتنافى مع العقل الراجح، والرجولة الصادقة ، فلا عجب على من كانت هذه أخلاقه أن ينضم لموكب دعوة الحق ويحتل فيها الصدارة ويكون بعد إسلامه أفضل رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ، وقد علق الأستاذ رفيق العظم عن حياة الصديق في الجاهلية فقال: اللهم إن امرأً نشأ بين الأوثان حيث لادين زاجر، ولاشرع للنفوس قائد، وهذا مكانه من الفضيلة، واستمساكه بعرى العفة والمروءة ... لجدير بأن يتلقى الإسلام بملء الفؤاد، ويكون أول مؤمن بهادي العباد، مبادر بإسلامه لإرغام أنوف أهل الكبر والعناد، ممهد سبيل الاهتداء بدين الله القويم، الذي يجتث أصول الرذائل من نفوس المهتدين بهديه، المستمسكين بمتين سببه .
    لله در الصديق رضي الله عنه فقد كان يحمل رصيداً ضخماً من القيم الرفيعة، والأخلاق الحميدة والسجايا الكريمة في المجتمع القرشي قبل الإسلام وقد شهد له أهل مكة بتقدمه على غيره في عالم الأخلاق والقيم والمثل ولم يُعلمْ أحد من قريش عاب أبا بكر بعيب ولانقصه ولا استرذله كما كانوا يفعلون بضعفاء المؤمنين ولم يكن له عندهم عيب إلا الإيمان بالله ورسوله .
















    المبحث الثاني
    إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته الأولى



    أولاً: إسلامه:
    كان إسلام أبي بكر رضي الله عنه وليد رحلة إيمانية طويلة في البحث عن الدين الحق الذي ينسجم مع الفطر السليمة ويلبي رغباتها، ويتفق مع العقول الراجحة، والبصائر النافذة، فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قَطَعَ الفيافي، والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية وتنقل من شمالها إلى جنوبها، وشرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً، بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وكان كثير الإنصات لكلمات النفر الذين حملوا راية التوحيد، راية البحث عن الدين القويم ، فقد حدّث عن نفسه فقال: كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نُفيْل قاعداً، فمرّ ابن أبي الصَّلْتِ، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا، فقال:
    كل دين يوم القيامة إلا
    ما مضَى في الحنيفية بُور
    أما إنّ هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، قال: فخرجت أريد ورقة بن نوفل -وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصّدر- فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي، إنّا أهل الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسباً. قلت: ياعمّ ومايقول النبي؟ قال: يقول ماقيل له؟ إلا إنّه لايظلم، ولايُظلم ولا يُظالم، فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدّقته ، وكان يسمع مايقوله أمية بن أبي الصلت:
    في مثل قوله: ألا نبي لنا منا فيخبرنا
    مابعد غايتنا من رأس مجرانا
    إني أعوذ بمن حج الحجيج له
    والرافعون لدين الله أركانا
    لقد عايش أبو بكر هذه الفترة، ببصيرة نافذة، وعقل نير، و فكر متألق، وذهن وقاد، وذكاء حاد، وتأمل رزين ملأ عليه أقطار نفسه، ولذلك حفظ الكثير من هذه الأشعار، ومن تلك الأخبار، فعندما سأل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً -وفيهم أبو بكر الصديق قائلاً: من منكم يحفظ كلام -قيس بن ساعدة- في سوق عكاظ؟ فسكت الصحابة، ونطق الصديق قائلاً: إني أحفظها يارسول الله،
    كنت حاضراً يومها في سوق عكاظ، ومن فوق جمله الأورق وقف قيس- يقول: أيها الناس: اسمعوا وَعُوا، وإذا وعيتم فانتفعوا إن من عاش مات ومن مات فات، وكل ماهو آتٍ، آت، إن في السماء لخبراً، وإنَّ في الأرض لعبراً، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور، ليل داج، وسماء ذات أبراج!!
    يُقسم قيس، إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه. مالي أرى الناس يذهبون، ولايرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا ثم أنشد قائلاً:
    في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصــــائر
    لمــــــا رأيت موارداً للموت ليس لهــا مصائر
    ورأيت قومي نحوها يسعى الأكابر والأصاغر
    أيقنت أني لامحالـــة حيث صــار القوم صائر
    وبهذا الترتيب الممتاز، وبهذه الذاكرة الحديدية، وهي ذاكرة استوعبت هذه المعاني يقص الصديق ماقاله قس بن ساعدة على رسول الله وأصحابه .
    وقد رأى رؤيا لما كان في الشام فقصّها على بحيرا الراهب ، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأي شيء أنت؟ قال: تاجر، قال: إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر ذلك أبو بكر في نفسه .
    لقد كان إسلام الصديق بعد بحث وتنقيب وانتظار وقد ساعده على تلبية دعوة الإسلام معرفته العميقة وصلته القوية بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فعندما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يدعو الأفراد إلى الله وقع أول اختياره على الصديق رضي الله عنه، فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه، وكريم سجاياه، كما يعرف أبو بكر النبي بصدقه وأمانته، وأخلاقه التي تمنعه من الكذب على الناس فكيف يكذب على الله ؟
    فعندما فاتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الله وقال له: .. إني رسول الله ونبيه، بعثني إلى الله وحده لاشريك له، ولاتعبد غيره، والموالاة على طاعته ، فأسلم الصديق ولم يتلعثم وتقدم ولم يتأخر، وعاهد رسول الله على نصرته فقام بما تعهد ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين .
    وبذلك كان الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال الأحرار، قال إبراهيم النخعي، وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر: أول من أسلم أبو بكر. وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت أبي ومشيختنا: محمد بن المنكدر، وربيعة بن عبدالرحمن، وصالح بن كيسان وسعد بن ابراهيم وعثمان بن محمد الأخنس وهم لايشكون أن أول القوم إسلاماً أبو بكر ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من صلى أبو بكر ثم تمثل بأبيات حسان:
    إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة
    فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
    خير البرية أتقاها وأعدلها
    إلا النبي وأوفاها بما حملا
    الثاني التالي المحمود مشهده
    وأول الناس صدق الرسلا
    وثاني أثنين في الغار المنيف وقد
    طاف العدو به إذ صعد الجبلا
    وعاش حميداً لأمر الله متبعاً
    بهدى صاحبه الماضي وما انتقلا
    وكان حب رسول الله قد علموا
    من البرية لم يعدل به رجلا
    هذا وقد ناقش العلماء قضية إسلام الصديق، وهل كان رضي الله عنه أول من أسلم، فمنهم من جزم بذلك، ومنهم من جزم بأن علياً أول من أسلم، ومنهم من جعل زيد بن حارثة أول من أسلم، وقد جمع الامام ابن كثير رحمه الله بين الأقوال جمعاً طيباً فقال: والجمع بين الأقوال كلها : أن خديجة أول من أسلم من النساء
    -وقيل الرجال أيضاً- وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة، وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب -فإنه كان صغيراً دون البلوغ على المشهور- وهؤلاء كانوا آنذاك أهل بيته صلى الله عليه وسلم ، وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر الصديق، وإسلامه كان أنفع من اسلام من تقدم ذكرهم إذ كان صدراً معظماً، ورئيساً في قريش مكرماً، وصاحب المال وداعية الى الاسلام وكان محبباً متآلفاً يبذل المال في طاعة الله ورسوله ثم قال: وقد أجاب أبو حنيفة صلى الله عليه وسلم بالجمع بين هذه الأقوال فإن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر، ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين .
    وبإسلام أبي بكر عم السرور قلب النبي صلى الله عليه وسلم حيث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: فلما فرغ من كلامه -أي النبي صلى الله عليه وسلم - أسلم أبوبكر فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، ومابين الأخشبين أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر . لقد كان ابوبكر كنزاً من الكنوز ادخره الله تعالى لنبيه وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الموطئين أكنافاً، من الذين يألفون ويؤلفون، والخلق السمح وحده عنصر كافٍ لإلفة القوم وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: أرحم أمتي بأمتي ابوبكر ، وعلم الأنساب عند العرب، وعلم التاريخ هما أهم العلوم عندهم، ولدى أبي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر منهما، وقريش تعترف للصديق بأنه أ علمها بأنسابها وأعلمها بتاريخها، ومافيه من خير وشر، فالطبقة المثقفة ترتاد مجلس أبي بكر لتنهل منه علماً لاتجده عند غيره غزارة ووفرة وسعة، ومن أجل هذا كان الشباب النابهون والفتيان الأذكياء يرتادون مجلسه دائماً، إنهم الصفوة الفكرية المثقفة التي تود أن تلقى عنده هذه العلوم، وهذا جانب آخر من جوانب عظمته، وطبقة رجال الأعمال، ورجال المال في مكة، هي كذلك من رواد مجلس الصديق، فهو إن لم يكن التاجر الأول في مكة، فهو من أشهر تجارها، فأرباب المصالح هم كذلك قصاده، ولطيبته وحسن خلقه تجد عوام الناس يرتادون بيته، فهو المضياف الدمث الخلق، الذي يفرح بضيوفه، ويأنس بهم، فكل طبقات المجتمع المكي تجد حظها عند الصديق رضوان الله عليه ، كان رصيده الأدبي والعلمي والاجتماعي في المجتمع المكي عظيماً، ولذلك عندما تحرك في دعوته للاسلام استجاب له صفوة من خيرة الخلق .
    ثانياً: دعوته:
    أسلم الصديق صلى الله عليه وسلم وحمل الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاسلام دين العمل والدعوة والجهاد، وأن الايمان لايكمل حتى يهب المسلم نفسه ومايملك لله رب العالمين ، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَلا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} سورة الأنعام، الآيتان: 162،163 وقد كان الصديق كثير الحركة للدعوة الجديدة، وكثير البركة اينما تحرك أثر وحقق مكاسب عظيمة للاسلام، وقد كان نموذجاً حياً في تطبيقه لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} سورة النحل، الآية: 125.
    كان تحرك الصديق صلى الله عليه وسلم في الدعوة الى الله يوضح صورة من صور الايمان بهذا الدين والاستجابة لله ورسوله صورة المؤمن الذي لايقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ماآمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة سرعان ماتخمد وتذبل وتزول، وقد بقي نشاط أبي بكر وحماسه للاسلام الى أن توفاه الله عز وجل لم يفتر أو يضعف أويمّل أو يعجز .
    كانت أول ثمار الصديق الدعوية دخول صفوة من خيرة الخلق في الاسلام وهم: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن مضعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمن بن عوف، وأبوسلمة بن عبدالأسد، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم، وجاء بهؤلاء الصحابة الكرام فرادى فأسلموا بين يدى رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فكانوا الدعامات الاولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم أعزه الله و أيده وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، رجالاً ونساءً، وكان كل من هؤلاء الطلائع داعية الى الاسلام، وأقبل معهم رعيل السابقين، الواحد والإثنان، والجماعة القليلة، فكانوا على قلة عددهم كتيبة الدعوة، وحصن الرسالة لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق في تاريخ الاسلام .
    وإهتم الصديق بأسرته فأسلمت أسماء وعائشة وعبدالله وزوجته أم رومان وخادمه عامر بن فهيرة، لقد كانت الصفات الحميدة والخلال العظيمة والأخلاق الكريمة التي تجسدت في شخصية الصديق عاملاً مؤثراً في الناس عند دعوتهم للاسلام، فقد كان رصيده الخلقي ضخماً في قومه وكبيراً في عشيرته، فقد كان رجلاً، مؤلفاً لقومه، محبباً لهم، سهلاً، أنسب قريش لقريش بل كان فرد زمانه في هذا الفن، وكان رئيساً مكرماً سخياً يبذل المال، وكانت له بمكة ضيافات لايفعلها أحد، وكان رجلاً بليغاً .
    إن هذه الأخلاق والصفات الحميدة لابد منها للدعاة إلى الله وإلا أصبحت دعوتهم للناس صيحة في واد، ونفخة في رماد، وسيرة الصديق وهي تفسر لنا فهمه للإسلام وكيف عاش به في حياته حريٌّ بالدعاة أن يتأسوا بها في دعوة الأفراد إلى الله تعالى.
    ثالثاً: ابتلاؤه:
    إن سنة الابتلاء ماضية في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم والدول، وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام وتحملوا رضوان الله عليهم من البلاء ماتنوء به الرواسي الشامخات وبذلوا أموالهم ودماءهم في سبيل الله، وبلغ بهم الجهد ماشاء الله أن يبلغ، ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا الابتلاء، فلقد أوذي أبو بكر صلى الله عليه وسلم وحُثي على رأسه التراب، وضرب في المسجد الحرام بالنعال، حتى مايعرف وجهه من أنفه، وحمل الى بيته في ثوبه وهو مابين الحياة والموت ، فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لمّا اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً الحّ أبو بكر صلى الله عليه وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنَّا قليل. فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرق المسلمين في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أوّل خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويُحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر صلى الله عليه وسلم ، حتى مايعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تميم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحَمَلت بنو تميم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولايشكون في موته، ثم رجعت بنو تميم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة والده وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فمسّوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه. فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: والله مالي علم بصاحبك. فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر سألك عن محمد بن عبدالله. فقالت: ما أعرف أبا بكر ولامحمد بن عبدالله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك. قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دَنِفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قوماً نالوا منك لأهل فسق وكفر إنني لأرجوا أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلاشيء عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم. قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: فأكب عليه رسول الله فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر : بأبي وأمي يارسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله، وأدع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار. قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت .
    إن هذا الحدث العظيم في طياته دروس وعبر لكل مسلم حريص على الاقتداء بهؤلاء الصحب الكرام ونحاول أن نستخرج بعض هذه الدروس التي منها:
    1-حرص الصديق على إعلان الإسلام واظهاره أمام الكفار وهذا يدل على قوة إيمانه وشجاعته وقد تحمل الأذى العظيم حتى أن قومه كانوا لايشكون في موته، لقد أشرب قلبه حب الله ورسوله أكثر من نفسه، ولم يعد يهمه -بعد إسلامه- إلا أن تعلوا راية التوحيد، ويرتفع النداء لا إله إلا الله محمد رسول الله في أرجاء مكة حتى لو كان الثمن حياته، وكاد أبو بكر فعلاً أن يدفع حياته ثمناً لعقيدته وإسلامه.
    2-إصرار أبي بكر على الظهور بدعوة الإسلام وسط الطغيان الجاهلي، رغبة في إعلام الناس بذلك الدين الذي خالطت بشاشته القلوب، رغم علمه بالأذى الذي قد يتعرض له وصحبه وماكان ذلك إلا لأنه قد خرج من حظ نفسه.
    3-حب الله ورسوله تغلغل في قلب أبي بكر على حبه لنفسه، بدليل أنه رغم ما ألم به، كان أول ما سأل عنه: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يطعم أو يشرب، وأقسم أنه لن يفعل حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا يجب أن يكون حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند كل مسلم أحب إليه مما سواهما حتى لو كلفه ذ لك نفسه وماله .
    4-إن العصبية القبلية كان لها في ذلك الحين دور في توجيه الأحداث والتعامل مع الأفراد حتى مع اختلاف العقيدة، فهذه قبيلة أبي بكر تهدد بقتل عتبة إن مات أبو بكر .
    5-تظهر مواقف رائعة لأم جميل بنت الخطاب، توضح لنا كيف تربت على حُبَّ الدعوة والحرص عليها، وعلى الحركة لهذا الدين، فحينما سألتها أم أبي بكر عن رسول الله قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبدالله، فهذا تصرف حذر سليم، لأن أم الخير لم تكن ساعتئذ مسلمة وأم جميل كانت تخفي إسلامها، ولاتود أن تعلم به أم الخير، وفي ذات الوقت أخفت عنها مكان الرسول صلى الله عليه وسلم مخافة أن تكون عيناً لقريش ، وفي نفس الوقت حرصت أم جميل أن تطمئن على سلامة الصديق ولذلك عرضت على أم الخير أن تصحبها إلى ابنها وعندما وصلت للصديق كانت أم جميل في غاية الحيطة والحذر من أن تتسرب منها أي معلومة عن مكان رسول الله وأبلغت الصديق بأن رسول الله سالم صالح ، ويتجلى الموقف الحذر من الجاهلية التي تفتن الناس عن دينهم في خروج الثلاثة عندما: هدأت الرجل وسكت الناس .
    6-يظهر بر الصديق بأمه وحرصه على هدايتها في قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار. إنه الخوف من عذاب الله والرغبة في رضاه وجنته، ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم أبي بكر بالهداية فاستجاب الله له، وأسلمت أم أبي بكر وأصبحت من ضمن الجماعة المؤمنة المباركة التي تسعى لنشر دين الله تعالى، ونلمس رحمة الله بعباده ونلحظ من خلال الحدث قانون المنحة بعد المحنة.
    7-إن من أكثر الصحابة الذين تعرضوا لمحنة الأذى والفتنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق صلى الله عليه وسلم نظراً لصحبته الخاصة له، والتصاقه به في المواطن التي كان يتعرض فيها للأذى من قومه فينبري الصديق مدافعاً عنه وفادياً إياه بنفسه، فيصيبه من أذى القوم وسفههم، هذا مع أن الصديق يعتبر من كبار رجال قريش المعروفين بالعقل والإحسان .
    رابعاً: دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
    من صفات الصديق التي تميز بها: الجرأة والشجاعة، فقد كان لايهاب أحداً في الحق، ولاتأخذه لومة لائم في نصرة دين الله والعمل له والدفاع عن رسوله صلى الله عليه وسلم فعن عروة بن الزبير قال سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله غافر، آية:28. وفي رواية أنس رضي الله عنه أنه قال: لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر صلى الله عليه وسلم فجعل ينادي ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله . وفي حديث أسماء: فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقال: أدرك صاحبك. قالت فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لايمس شيئاً من غدائره إلا رجع معه ، وأما في حديث علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم فقد قام خطيباً وقال: يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين فقال: أما إني مابارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي عليه أحد من المشركين، فوالله مادنا منه أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لايهوي إليه أحد إلاّ أهوى إليه فهذا أشجع الناس. قال ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش فهذا يُحادُه، وهذا يتلتله ويقولون أنت جعلت الآلهة إلهاً واحداً فوالله مادنا منه أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فبكت القوم، فقال عليّ: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه .
    هذه صورة مشرقة تبين طبيعة الصراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، والإيمان والكفر، وتوضح ماتحمله الصديق من الألم والعذاب في سبيل الله تعالى كما تعطي ملامح واضحة عن شخصيته الفذة، وشجاعته النادرة التي شهد له بها الإمام علي صلى الله عليه وسلم في خلافته أي بعد عقود من الزمن، وقد تأثر علي صلى الله عليه وسلم حتى بكى وأبكى.
    إن الصديق صلى الله عليه وسلم أول من أوذي في سبيل الله بعد رسول الله، وأول من دافع عن رسول الله، وأول من دعا الى الله ، وكانت الذراع اليمنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرغ للدعوة وملازمة رسول الله وإعانته على من يدخلون الدعوة في تربيتهم وتعليمهم وإكرامهم، فهذا ابوذر صلى الله عليه وسلم يقص لنا حديثه عن إسلامه ففيه: ...فقال أبوبكر: ائذن لي يارسول الله في طعامه الليلة - وأنه أطعمه من زبيب الطائف ، وهكذا كان الصديق في وقوفه مع رسول الله يستهين بالخطر على نفسه، ولا يستهين بخطر يصيب النبي صلى الله عليه وسلم قل أو كثر حيثما رآه واستطاع أن يذود عنه العادين عليه، وانه ليراهم آخذين بتلابيبه فيدخل بينهم وبينه وهو يصيح بهم: ويلكم أتقتلون رجلاً ان يقول ربي الله؟ فينصرفون عن النبي وينحون عليه يضربونه، ويجذبونه من شعره فلا يدعونه إلا وهو صديع .
    خامساً: انفاقه الأموال لتحرير المعذبين في الله:
    تضاعف اذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه مع انتشار الدعوة في المجتمع المكي الجاهلي حتى وصل الى ذروة العنف وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم، ولتجعلهم عبرة لغيرهم، ولتنفس عن حقدها وغضبها بما تصبه عليهم من العذاب وقد تعرض بلال صلى الله عليه وسلم لعذاب عظيم ولم يكن لبلال صلى الله عليه وسلم ظهر يسنده، ولا عشيرة تحميه، ولا سيوف تذود عنه، ومثل هذا الانسان في المجتمع الجاهلي المكي يعادل رقماً من الأرقام، فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع ويباع ويشترى كالسائمة، أما أن يكون له رأي أو يكون صاحب فكر، أو صاحب دعوة أو صاحب قضية، فهذه جريمة شنعاء في المجتمع الجاهلي المكي تهز أركانه، وتزلزل أقدامه، ولكن الدعوة الجديدة التي سارع لها الفتيان وهم يتحدون تقاليد وأعراف آبائهم الكبار لامست قلب هذا العبد المرمي المنسي، فأخرجته إنساناً جديد في الحياة ، قد تفجرت معاني الايمان في إعماقه بعد أن آمن بهذا الدين وانضم الى محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه في موكب الايمان العظيم وعندما علم سيده أميةبن خلف، راح يهدده تارة ويغريه اطوراً فما وجد عند بلال غير العزيمة وعدم الاستعداد للعودة الى الوراء الى الكفر والجاهلية والضلال، وفحنق عليه أمية وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً، فأخرجه الى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له: لاتزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى وأجاب بلال بكل صبر وثبات: أحد أحد. وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة ، فقصد وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقال له: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى! قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال أبوبكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت؛ فقال: هو لك فأعطاه أبوبكر الصديق صلى الله عليه وسلم غلامه ذلك وأخذه فأعتقه ، وفي رواية اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً ، ماأصبر بلال وماأصلبه صلى الله عليه وسلم ! فقد كان صادق الاسلام، طاهر القلب، ولذلك صَلُب ولم تلين قناته أمام التحديات وأمام صنوف العذاب، وكان صبره، وثباته مما يغيظهم ويزيد حنقهم، خاصة أن كان الرجل الوحيد من ضعفاء المسلمين الذي ثبت على الاسلام فلم يوات الكفار فيما يريدون مردداً كلمة التوحيد بتحد صارخ، وهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه .
    وبعد كل محنة منحة فقد تخلص بلال من العذاب والنكال، وتخلص من أسر العبودية، وعاش مع رسول الله بقية حياته ملازماً له، ومات راضياً عنه.
    واستمر الصديق في سياسة فك رقاب المسلمين المعذبين واصبح هذا المنهج من ضمن الخطة التي تبنتها القيادة الاسلامية لمقاومة التعذيب الذي نزل بالمستضعفين فدّعم الدعوة بالمال والرجال والأفراد فراح يشتري العبيد والإماء المملوكين من المؤمنين والمؤمنات منهم عامر بن فهيرة شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأم عبيس، و زنِّيرة وأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش: ماأذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله ماتضر اللات والعزى وماتنفعان، فرد الله بصرها ، وأعتق النهدية وبنتها وكانتا لامرأة من بني عبدالدار مرّ بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول: والله لا أعتقكما أبداً: فقال ابو بكر صلى الله عليه وسلم حِلُّ يأم فلان فقالت: حل أنت، أفسدتهما فأعتقهما؛ قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. وقال: قد أخذتهما وهما حرتان ألينها طحينها. قالتا: أو نفرغ منه ياأبابكر ثم نرده إليها؟ قال: وذلك إن شئتما .
    وهنا وقفة تأمل ترينا كيف سوى الاسلام بين الصديق والجاريتين حتى خطابتاه خطاب الند للند، لاخطاب المسود للسيد، وتقبل الصديق على شرفه وجلالته في الجاهلية والاسلام - منهما ذلك، مع أنه له يداً عليهما بالتعق، وكيف صقل الاسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لهما طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله الحيوان والطير، ولكنهما ابتا - تفضلاً، إلا أن تفرغا منه، وترداه إليها .
    ومر الصديق بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الاسلام، وهو يومئذ مشركاً يضربها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا عن ملالة فتقول: كذلك فعل الله بك فابتاعها أبوبكر فأعتقها .
    هكذا كان واهب الحريات، ومحرر العبيد، شيخ الاسلام الوقور، الذي عرف بين قومه، بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ولم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزءً كبيراً من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله، وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الاسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب .
    كان المجتمع المكي يتندر بأبي بكر صلى الله عليه وسلم الذي يبذل هذا المال كله لهؤلاء المستضعفين، أما في نظر الصديق، فهؤلاء إخوانه في الدين الجديد فكل واحد من هؤلاء لايساوي عنده مشركي الأرض وطغاتها، وبهذه العناصر وغيرها تبنى دولة التوحيد، وتصنع حضارة الاسلام الرائعة ولم يكن الصديق يقصد بعمله هذا محمدة، ولا جاهاً، ولا ديناً، وإنما كان يريد وجه الله ذا الجلال والإكرام لقد قال له أبوه ذات يوم: يابني إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاً جلد يمنعوك، ويقومون دونك؟ فقال أبوبكر صلى الله عليه وسلم : ياأبت إني إنما أريد ماأريد لله عز وجل، فلا عجب إذا كان الله سبحانه أنزل في شأن الصديق قرآناً يتلى الى يوم القيامة قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَىوَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىوَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىوَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىوَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىإِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىوَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَىفَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىلا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَىالَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىوَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَىالَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىوَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىإِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَىوَلَسَوْفَ يَرْضَى} سورة الليل، الآيات: 5-21.
    لقد كان الصديق من أعظم الناس إنفاقاً لماله فيما يرضي الله ورسوله.
    كان هذا التكافل بين أفراد الجماعة الاسلامية الأولى قمة من قمم الخير والعطاء، وأصبح هؤلاء العبيد بالاسلام، أصحاب عقيدة وفكرة يناقشون بها وينافحون عنها، ويجاهدون في سبيلها، وكان إقدام إبي بكر صلى الله عليه وسلم على شرائهم ثم عتقهم دليلاً على عظمة هذا الدين ومدى تغلغله في نفسية الصديق صلى الله عليه وسلم ، وما أحوج المسلمين اليوم أن يحيوا هذا المثل الرفيع، والمشاعر السامية ليتم التلاحم والتعايش، والتعاضد بين أبناء الأمة التي يتعرض ابناءها للابادة الشاملة من قبل أعداء العقيدة والدين.
    سادساً: هجرته الاولى وموقف ابن الدغنة منها:
    قالت عائشة رضي الله عنها: قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار: بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون، خرج أبوبكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى برك الغماد لقيه ابن الدغنة -وهو سيد القارة - فقال: أين تريد ياأبابكر؟ فقال ابوبكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك ياأبابكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فأنا لك جار. ارجع وأعبد ربك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبابكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبابكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ماشاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لابي بكر، فلبث أبوبكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبوبكر رجلاً بكاءً لايملك عينه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا الى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبابكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمته، فإنا قد كرهنا أن نغفرك ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة الى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع اليّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبوبكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل ، وحين خرج من جوار ابن الدغنة، يعني ابوبكر، لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد الى الكعبة فحثا على رأسه تراباً، فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة، أو العاص بن وائل - فقال له أبوبكر صلى الله عليه وسلم : ألا تر مايصنع هذا السفيه، فقال: أنت فعلت ذلك بنفسك، وهو يقول: ربي ماأحلمك، أي ربي ماأحلمك، أي ربي ماأحلمك . وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها:
    1- كان ابوبكر في عز من قومه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فهاهو ابن الدغنة يقول له: مثلك ياأبابكر لايخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأبوبكر لم يدخل في دين الله طلباً لجاه أو سلطان، ومادفعه الى ذلك إلا حب الله ورسوله مما يترتب على ذلك من ابتلاءات، أي أنه لم يكن له تطلعات سوى مرضات الله تعالى، إنه يريد أن يفارق الأهل والوطن والعشيرة ليعبد ربه لأنه حيل بينه وبين ذلك في وطنه .
    2- إن زاد الصديق في دعوته القرآن الكريم ولذلك اهتم بحفظه وفهمه وفقهه والعمل به، وأكسبه الاهتمام بالقرآن الكريم براعة في تبليغ الدعوة، وروعة في الاسلوب، وعمقاً في الأفكار، وتسلسلاً عقلياً في عرض الموضوع الذي يدعو إليه، ومراعاة لأحوال السامعين وقوة في البرهان والدليل .
    وكان الصديق يتأثر بالقرآن الكريم ويبكي عند تلاوته وهذا يدل على رسوخ يقينه وقوة حضور قلبه مع الله عز وجل ومع معاني الآيات التي يتلوها، والبكاء مبعثه قوة التأثير إما بحزن شديد أو فرح غامر، والمؤمن الحق يظل بين الفرح بهداية الله تعالى الى الصراط المستقيم، والإشفاق من الانحراف قليلاً عن هذا الصراط، وإذا كان صاحب إحساس حيَّ وفكر يقظ كأبي بكر صلى الله عليه وسلم فإن هذا القرآن يذكِّره بالحياة الآخرة ومافيها من حساب وعقاب أو ثواب، فيظهر أثر ذلك في خشوع الجسم وانسكاب العبرات، وهذا المظهر يؤثر كثيراً على من شاهده، ولذلك فزع المشركون من مظهر أبي بكر المؤثر وخَشُوا على نسائهم وأبنائهم أن يتأثروا به فيدخلوا في الإسلام .
    لقد تربى الصديق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ كتاب الله تعالى وعمل به في حياته وتأمل فيه كثيراً وكان لا يتحدث بغير علم، فعندما سئل عن آية لايعرفها أجاب بقوله: أي أرض تسعني أو أي سماء تُظِلنُّي إذا قلت في كتاب الله مالم يُرد الله ومن أقواله التي تدل على تدبره وتفكره في القرآن الكريم قوله: إن الله ذكر أهل الجنة، فذكرهم بأحسن أعمالهم وغفر لهم سيئها، فيقول الرجل: أين أنا من هؤلاء؟! يعني: حسنها، فيقول قائل: لست من هؤلاء، يعني: وهو منهم ، وكان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استشكل عليه بأدب وتقدير واحترام، فلما نزل قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} سورة النساء، الاية:123 قال ابوبكر يارسول الله، قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءاً؟ فقال: ياأبابكر، ألست تنصب؟ الست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به .
    وقد فسر الصديق بعض الآيات مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} سورة فصلت، الآية: 30 قال فيها: فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة، فلم يلتفتوا بقلوبهم الى ماسواه لا بالحب ولا بالخوف، ولا بالرجاء ولا بالسؤال ولا بالتوكل عليه، بل لا يحبون إلا الله ولا يحبون معه أنداداً، ولايحبون إلا إياه، لا لطلب منفعة، ولا لدفع مضرة، ولا يخافون غيره كائناً من كان، ولا يسألون غيره ولا يتشرفون بقلوبهم الى غيره ، وغير ذلك من الآيات.
    إن الدعاة الى الله عليهم أن يكونوا في صحبة مستمرة للقرآن الكريم، يقرؤه ويتدبروه ويستخرجوا كنوزه ومعارفه للناس، وأن يظهروا للناس مافي القرآن من إعجاز بياني وعلمي وتشريعي ومافيه من سبل إنقاذ الانسانية المعذبة من مأسيها وحروبها، بأسلوب يناسب العصر، ويكافئ ماوصل إليه الناس من تقدم في وسائل الدعوة والدعاية، ولقد أدرك أبوبكر صلى الله عليه وسلم كيف تكون قراءة القرآن الكريم في المسجد على ملأ من قريش وسيلة مؤثرة من وسائل الدعوة الى الله .
    سابعاً: بين القبائل العرب في الأسواق:
    قد علمنا أن الصديق صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالأنساب وله فيها الباع الطويل: قال السيوطي رحمه الله تعالى: رأيت بخط الحافظ الذهبي رحمه الله من كان فرد زمانه في فنه... أبوبكر في النسب ، ولذلك استخدم الصديق هذا العلم الفياض وسيلة من وسائل الدعوة ليعلم كل ذي خبرة كيف يستطيع أن يسخرذلك في سبيل الله، على اختلاف التخصصات، وألوان المعرفة، سواء كان علمه نظرياً أو تجريبياً، أو كان ذا مهنة مهمة في حياة الناس ، وسوف نرى الصديق يصحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عرض نفسه على قبائل العرب ودعاهم الى الله كيف وظف هذا العلم لدعوة الله فقد كان الصديق خطيباً مفوهاً له القدرة على توصيل المعاني بأحسن الألفاظ، وكان رضي الله عنه يخطب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حضوره وغيبته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في الموسم -يدعو الناس الى متابعة كلامه تمهيداً وتوطئة لما يبلغ الرسول، معونة له، لا تقدماً بين يدي الله ورسوله ، وكان علمه في النسب ومعرفة أصول القبائل مساعداً له على التعامل معها، فعن علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه.... الى أن قال ثم دفعنا الى مجلس آخر عليه السكينة والوقار فتقدم أبوبكر فسلم فقال من القوم؟ قالوا: شيبان ابن ثعلبة فالتفت ابوبكر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق قد غلبهم لساناً وجمالاً وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر فقال: أبوبكر كيف العدد فيكم فقال مفروق: إنا لانزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة فقال أبوبكر: وكيف المنعة فيكم فقال مفروق: إنا لأشد مانكون غضباً حين نلقى وأشد مانكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخا قريش؛ فقال أبوبكر: إن كان بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هوذا. فقال: مفروق إلام تدعونا ياأخا قريش؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدعوكم الى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأني عبدالله ورسوله والى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشاً قد تظاهرت على الله وكذّبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد فقال مفروق: وإلام تدعو أيضاً ياأخا قريش فوالله ماسمعت كلاماً أحسن من هذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} سورة الانعام، الآية: 151 فقال مفروق: دعوت والله الى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك ثم رد الأمر الى هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ: قد سمعت مقالتك ياأخا قريش وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول ولا آخر لذل في الرأي وقلة نظر في العاقبة أن الزلة مع العجلة وأنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقداً ولكن نرجع وترجع وننظر ثم كأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى -وأسلم بعد ذلك- قد سمعت مقالتك ياأخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا إنما نزلنا بين صيرين أحدهما اليمامة والاخرى السمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماهذان الصيران؟ فقال له أما أحدهما فطوق التزيد أي ماأشرف من الأرض -وأرض العرب، وأما الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لانحدث حدثاً، ولا نؤي محدثاً ولعل هذا الأمر الذي تدعو إليه تكرهه الملوك، فأما ماكان مما يلي على بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره غير مقبول، فإن أردت أن ننصرك مما يلي العرب فعلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماأسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أريتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان: اللهم فلك ذاك .
    وفي هذا الخبر دروس وعبر وفوائد كثيرة منها:
    1- ملازمة الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا جعله يفهم الاسلام بشموله وهيأه الله تعالى بأن يصبح أعلم الصحابة بدين الله، فقد تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الاسلام وتربى على يديه في معرفة معانيه، فاستوعب طبيعة الدعوة ومر بمراحلها المتعددة واستفاد من صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتشرب المنهج الرباني، فعرف المولى عز وجل من خلاله، وطبيعة الحياة، وحقيقة الكون، وسر الوجود، وماذا بعد الموت ومفهوم القضاء والقدر، وقصة الشيطان مع آدم عليه السلام وحقيقة الصراع بن الحق والباطل، والهدى والظلال، والايمان والكفر، وحببت إليه العبادات كقيام الليل، وذكر الله وتلاوة القرآن فسمت أخلاقه، وتطهرت نفسه وزكت روحه.
    2- وفي رفقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان صلى الله عليه وسلم يدعو القبائل للاسلام استفاد الكثير، فقد عرف أن النصرة التي كان يطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوته من زعماء القبائل أن يكون أهل النصرة غير مرتبطين بمعاهدات دولية تتناقض مع الدعوة ولا يستطيعون التحرر منها، وذلك لأن احتضانهم للدعوة والحالة هذه يُعرضها لخطر القضاء عليها من قبل الدول التي بينهم وبينها تلك المعاهدات، والتي تجد في الدعوة الاسلامية خطراً عليها وتهديداً لمصالحها .
    ان الحماية المشروطة أو الجزئية لاتحقق الهدف المقصود فلن يخوض بنو شيبان حرباً ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه، ولن يخوضوا حرباً ضد كسرى لو أراد مهاجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبذلك فشلت المباحثات .
    3- إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه كان هذا الرد من النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى بن حارثة حيث عرض على النبي حمايته على مياه العرب دون مياه الفرس، فمن يسبر أغوار السياسة البعيدة يرى بعد النظر الاسلامي النبوي الذي لايسامى .
    4- كان موقف بني شيبان يتسم بالاريحية والخلق والرجولة وينم عن تعظيم هذا النبي، وعن وضوح في العرض، وتحديد مدى قدرة الحماية التي يملكونها وقد بينوا أن أمر الدعوة مما تكرهه الملوك، وقدّر الله لشيبان بعد عشر سنوات أو تزيد أن تحمل هي ابتداءً عبء مواجهة الملوك، بعد أن أشرق قلبها بنور الاسلام، وكان المثنى بن حارثة الشيباني صاحب حربهم وبطلهم المغوار الذي كان من ضمن قادة الفتوح في خلافة الصديق فكان وقومه من أجرأ المسلمين بعد إسلامهم على قتال الفرس، بينما كانوا في جاهليتهم يرهبون الفرس ولا يفكرون في قتالهم، بل إنهم ردوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعد قناعتهم بها لاحتمال أن تلجئهم الى قتال الفرس، الأمر الذي لم يكونوا يفكرون به أبداً، وبهذا نعلم عظمة هذا الدين الذي رفع الله به المسلمين في الدنيا حيث جعلهم سادة الأرض مع ماينتظرون في أخراهم من النعيم الدائم في جنات النعيم .




    المبحث الثالث
    هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة



    اشتدت قريش في أذى المسلمين، والنيل منهم فمنهم من هاجر الى الحبشة مرة أو مرتين فراراً بدينه...ثم كانت الهجرة الى المدينة ومن المعلوم أن أبا بكر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً فكان أبوبكر يطمع أن يكون في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها تحدثنا عن هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها صلى الله عليه وسلم حيث قالت: كان لايخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة ، في ساعة كان لايأتي فيها قالت: فلما رآه أبوبكر، قال: ماجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث. قالت: فلما دخل، تأخر له أبوبكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عني من عندك. فقال: يارسول الله، إنما هما إبنتاي، وماذاك فداك أبي وأمي! فقال: إنه قد أذن بي في الخروج والهجرة. قالت: فقال أبوبكر: الصحبة يارسول الله؟ قال: الصحبة. قالت: فوالله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أحد يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يانبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا فاستأجرا عبدالله بن أرقط رجلاً من بني الديل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركاً -يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما .
    وجاء في رواية البخاري عن عائشة في حديث طويل تفاصيل مهمة وفي ذلك الحديث : ......قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوساً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً ، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج من عندك، فقال أبوبكر: إنما هم أهلك. فقال: فإني قد أذن لي في الخروج فقال أبوبكر: الصحبة بأبي أنت يارسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، قال ابوبكر: فخذ بأبي أنت يارسول الله إحد راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحسن الجهاز، ووضعنا لهم سفرة في جراب، فقطمت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف ، لقن ، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما حيث تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل -وهو لبن منحهما ورضيفهما ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد ابن عدي -هادياً خريتا- والخريت الماهر- قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل .
    لم يعلم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب، وأبوبكر الصديق، وآل أبي بكر، وجاء وقت الميعاد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي بكر صلى الله عليه وسلم ، فخرجا من خوخة ، لأبي بكر في ظهر بيته، وذلك للإمعان في الاستخفاء حتى لاتتبعهما قريش، وتمنعهما من تلك الرحلة المباركة، وقد اتعدا مع الليل على أن يلقاهما عبدالله بن أريقط في غار ثور بعد ثلاث ليال ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة الى المدينة ، ووقف عند خروجه بالحزورة في سوق مكة وقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله الى الله، ولولا أني أخرجت منك ماخرجت .
    ثم أنطلق رسول الله وأبوبكر والمشركون يحاولون أن يقتفوا آثارهم حتى بلغوا الجبل -جبل ثور- اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرآوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، وهذه من جنود الله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} سورة المدثر، الآية:31.
    وبالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرتكن إليها مطلقاً، وإنما كان كامل الثقة في الله، عظيم الرجاء في نصره وتأييده، دائم الدعاء بالصيغة التي علمه الله إياها ، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} سورة الاسراء، الآية:80.
    وفي هذه الآية الكريمة دعاء يُعلّمه الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ليدعوه به، ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وكيف تتجه إليه؟ دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج، كناية عن صدق الرحلة كلها، بدئها وختامها، أولها وآخرها ومابين الأول والآخر، وللصدق هنا قيمته بمناسبة ماحاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه ليفترى على الله غيره، وللصدق كذلك ظلاله: ظلال الثبات، والاطمئنان والنظافة الاخلاص {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قوة وهيبة استعلى بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين، وكلمة {مِنْ لَدُنْك} تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء الى حماه.
    وصاحب الدعوة لايمكن أن يستمد السلطان إلا من الله، ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله، لايمكن أن يستظل بحاكم أو ذى جاه فينصره ويمتعه مالم يكن أتجاهه قبل ذلك الى الله والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان والجاه، فيصبحون لها جنداً وخدماً فيفلحون، ولكنها هي لاتفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه، فهي من أمر الله، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه .
    وعندما أحاط المشركون بالغار، أصبح منهم رأي العين طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم الصديق بمعية الله لهما: فعن ابي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: ماظنك ياأبابكر باثنين الله ثالثهما ؟
    وسجل الحق عز وجل ذلك في قوله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة، الآية:40.
    وبعد ثلاث ليال من دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الغار خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار، وقد هدأ الطلب، ويئس المشركون من الوصول الى رسول الله، وقد قلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد استأجرا رجلاً من بني الديل يسمى عبدالله بن أريقط وكان مشركاً وقد أمِناهُ فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما وقد جاءها فعلاً في الموعد المحدد وسلك بهما طريقاً غير معهودة ليخفي أمرهما عمن يلحق بهم من كفار قريش ، وفي أثناء الطريق الى المدينة مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأم معبد ، في قديد ، حيث مساكن خزاعة، وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثر: وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضاً .
    وقد أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه من يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً فله مائة ناقة وانتشر هذا الخبر عند قبائل العرب الذين في ضواحي مكة وطمع سراقة بن مالك بن جعشم في نيل الكسب الذي أعدته قريش لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهد نفسه لينال ذلك، ولكن الله بقدرته التي لايغلبها غالب، جعله يرجع مدافعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان جاهداً عليه .
    ولما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كانوا يفدون كل غداة الى الحرة، فينتظرون حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعد ماأطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه مبيضين ، يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته، يامعشر العرب هذا جدكم ، الذي تنتظرون، فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عوف، وذلك يوم الخميس الأثنين من شهر ربيع الأول ، فقام أبابكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك .
    كان يوم وصول الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الى المدينة يوم فرح وابتهاج لم تر المدينة يوماً مثله، ولبس الناس أحسن ملابسهم كأنهم في يوم عيد، ولقد كان حقاً يوم عيد، لأنه اليوم الذي انتقل فيه الاسلام من ذلك الحيز الضيق في مكة الى رحابة الانطلاق والانتشار بهذه البقعة المباركة المدينة، ومنها الى سائر بقائع الأرض لقد أحس أهل المدينة بالفضل الذي حباهم الله به، وبالشرف الذي اختصهم الله به، فقد صارت بلدتهم موطناً لإيواء رسول الله وصحابته المهاجرين ثم لنصرة الاسلام كما أصبحت موطناً للنظام الاسلامي العام التفصيلي بكل مقوماته ولذلك خرج أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج ويقولون يارسول الله يامحمد يارسول الله ، وبعد هذا الاستقبال الجماهيري العظيم الذي لم يرد مثله في تاريخ الانسانية سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل في دار أبي أيوب الانصاري صلى الله عليه وسلم ، ونزل الصديق على خارجة بن زيد الخزرجي الأنصاري.
    وبدأت رحلة المتاعب والمصاعب والتحديات، فتغلب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم للوصول للمستقبل الباهر للأمة والدولة الاسلامية التي استطاعت أن تصنع حضارة إنسانية رائعة على أسس من الإيمان والتقوى والإحسان والعدل بعد أن تغلبت على اقوى دولتين كانتا تحكمان في العالم، وهما الفرس والروم ، وكان الصديق صلى الله عليه وسلم الساعد الأيمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بزوغ الدعوة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم ، وكان ابوبكر صلى الله عليه وسلم ينهل بصمت وعمق من ينابيع النبوة: حكمة وإيماناً، يقيناً وعزيمة، تقوى وإخلاصاً، فإذا هذه الصحبة تثمر: صلاحاً وصدِّيقية، ذكراً ويقظة، حُباً وصفاء، عزيمة وتصميماً، إخلاصاً وفهماً، فوقف مواقفه المشهودة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سقيفة بني ساعدة وغيرها من المواقف وبعث جيش أسامة وحروب الردة، فأصلح مافسد، وبنى ماهُدم، وجمع ماتفرق، وقوّم ماانحرف ، إن حداثة هجرة الصديق مع رسول الله فيها دروس وعبر وفوائد منها:
    أولاً: قال تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة، الآية40.
    ففي هذه الآية الكريمة دلالة على أفضلية الصديق من سبعة أوجه ففي الآية الكريمة من فضائل أبي بكر صلى الله عليه وسلم :
    1- أن الكفار أخرجوه:
    الكفار أخرجوا الرسول ثاني أثنين فلزم أن يكونوا أخرجوهما، وهذا هو الواقع.
    2- أنه صاحبه الوحيد:
    الذي كان معه حين نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا هو أبوبكر، وكان ثاني أثنين الله ثالثهما. قوله {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} ففي المواضع التي لايكون مع النبي صلى الله عليه وسلم من أكابر الصحابة إلا و احد يكون هو ذلك الواحد مثل سفره في الهجرة ومقامه يوم بدر في العريش لم يكن معه فيه إلا أبوبكر، ومثل خروجه الى قبائل العرب يدعوهم الى الاسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة أبوبكر، وهذا اختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم .
    3- أنه صاحبه في الغار:
    الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس، عن أبي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم ، قال: نظرت الى أقدام المشركين على رؤسنا ونحن في الغار، فقلت: يارسول الله لو أن أحدهم نظر الى قدميه لأبصرنا. فقال: ياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما . وهذا الحديث مع كونه مما اتفق أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول فلم يختلف في ذلك اثنان منهم فهو مما دل القرآن على معناه .
    4- أنه صاحبه المطلق:
    قوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} لايختص بمصحابته في الغار، بل هو صاحبه المطلق الذي عمل في الصحبة كما لم يشركه فيه غيره -فصار مختصاً بالأكملية من الصحبة، وهذا مما لانزاع فيه بين أهل العلم باحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال من قال من العلماء: إن فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره .
    5- أنه المشفق عليه:
    قوله {لا تَحْزَنْ} يدل على أن صاحبه كان مشفقاً عليه محباً له ناصراً له حيث حزن، وإنما بحزن الإنسان حال الخوف على من يحبه، وكان حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يقتل ويذهب الاسلام، ولهذا لما كان معه في سفر الهجرة كان يمشي امامه تارة، ووراءه تارة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون وراءك ، وفي رواية أحمد في كتاب فضائل الصحابة: ...فجعل أبوبكر يمشي خلفه ويمشي أمامه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مالك؟ قال: يارسول الله أخاف أن تؤتى من أمامك فأتقدم، قال: فلما انتهينا الى الغار قال أبوبكر: يارسول الله كما أنت حتى أيمه...فلما رأى أبوبكر حجراً في الغار فألقمها قدمه، وقال يارسول الله إن كانت لسعة أو لدغة كانت بي . فلم يكن يرضى بمساواة النبي؛ بل كان لايرضى بأن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعيش؛ بل كان يختار أن يفديه بنفسه وأهله وماله. وهذا واجب على كل مؤمن، والصديق أقوم المؤمنين بذلك .
    6- المشارك له في معية الاختصاص:
    قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} صريح في مشاركة الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعية التي اختص بها الصديق لم يشركه فيها أحد من الخلق... وهي تدل على أنه معهم بالنصر والتأييد والإعانة على عدوهم - فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله ينصرني وينصرك ياأبابكر، ويعيننا عليهم، نصر إكرام ومحبة كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} سورة غافر، الآية 51. وهذا غاية المدح لأبي بكر؛ إذ دل على أنه ممن شهد له الرسول بالايمان المقتضي نصر الله له مع رسوله في مثل هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره الله .
    وقال الدكتور عبدالكريم زيدان عن المعية في هذه الآية الكريمة وهذه المعية الربانية المستفادة من قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أعلى من معيته للمتقين والمحسنين في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} لأن المعية هنا لذات الرسول وذات صاحبه، غير مقيدة بوصف هو عمل لهما، كوصف التقوى والإحسان بل هي خاصة برسوله وصاحبه مكفولة هذه المعية بالتأييد بالآيات وخوارق العادات .
    7- أنه صاحبه في حال إنزال السكينة والنصر:
    قال تعالى {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا...} سورة التوبة، الآية 40 فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد فلأن يكون صاحبه في حضور النصر والتأييد أولى وأحرى، فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها. وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أنما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بالجنود التي لم يرها الناس لصاحبه فيها أعظم مما لسائر الناس. وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه .
    ثانياً: فقه النبي صلى الله عليه وسلم والصديق في التخطيط والأخذ بالأسباب:
    إن من تأمل حادثة الهجرة رأى دقة التخطيط فيها ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها ومن مقدماتها إلى ماجرى بعدها يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً وأن التخطيط جزء من السنة النبوية وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ماطولب به المسلم وأن الذين يميلون إلى العفوية بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السُّنة أمثال هؤلاء مخطئون ويجنون على أنفسهم وعلى المسلمين .
    فعندما حان وقت الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم في التنفيذ نلاحظ الآتي:
    أ-وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت رغم ماكان يكتنفها من صعاب وعقبات، وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروساً دراسة وافية، فمثلاً،
    1-جاء صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقت شدة الحر -الوقت الذي لايخرج فيه أحد بل من عادته لم يكن يأتي له لماذا؟ حتى لايراه أحد.
    2-إخفاء شخصيته صلى الله عليه وسلم أثناء مجيئة للصديق وجاء إلى بيت الصديق متلثماً، لأن التلثم يقلل من إمكانية التعرف على معالم الوجه المتلثم .
    3-أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يخرج من عنده، ولما تكلم لم يبين إلا الأمر بالهجرة دون تحديد الإتجاه .
    4-وكان الخروج ليلاً ومن باب خلفي في بيت أبي بكر .
    5-بلغ الاحتياط مداه، باتخاذ طرق غير مألوفة للقوم، والاستعانة بذلك بخبير يعرف مسالك البادية، ومسارب الصحراء، وكان ذلك الخبير مشركاً مادام على خلق ورزانة وفيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لايحجم عن الاستعانة بالخبرات مهما يكن مصدرها ، وقد بين الشيخ عبدالكريم زيدان أن القاعدة والأصل عدم الاستعانة بغير المسلم في الأمور العامة، ولهذه القاعدة استثناء وهو جواز الاستعانة بغير المسلم بشروط معينة وهي: تحقق المصلحة أو رجحانها بهذه الاستعانة، وأن لايكون ذلك على حساب الدعوة ومعانيها، وأن يتحقق الوثوق الكافي بمن يستعان به، وأن لاتكون هذه الاستعانة مثار شبهة لأفراد المسلمين، وأن تكون هناك حاجة حقيقية لهذه الاستعانة على وجه الاستثناء، وإذا لم تتحقق لم تجز الاستعانة ، وقد كان الصديق صلى الله عليه وسلم .
    م ن ق و ل

    § •°• رحلتي مع السعادة , ومن أين بدأت وكيف أصبحت , شاركوني فرحتي بها •°• §
    الاستغفار بنية طلب شئ معين !!! ما حكمه ؟

    قصص للمداوميين على الأستغفار وقيام الليل

    http://www.lakii.com/vb/a-6/a-754247/

    أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
    وأتوب إليه


    قال ابن القيّم : إذا أردت أن تعرف قيمتك عند الله فانظر بماذا يشغلك ؟!




    اللهم اغفر للمؤمنيين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات



  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الموقع
    مــع الله جلاَ في عُلاه
    الردود
    4,755
    الجنس
    أنثى

    w00t

    نبض بانثر

    انا حددت شخصية ماقلت أختياري

    قلت محمد بن المنكدر رحمه الله

    ماقلت ابوبكر الصديق رضي الله عنه

    فقوده
    عليتس بالمكنسة

    < قاعده الحين ادور لتس شخصية من الانمي

  10. #10
    عظيمة الشوق's صورة
    عظيمة الشوق غير متواجد زهرة لا تنسى "زهرة الحوار""نبض وعطاء" "شعلة الصوتيات"
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الموقع
    حتماً سأكون رهينة قبري يوماً مـا فاللهم رحمتك أرجوا
    الردود
    4,160
    الجنس
    امرأة
    نجوووووووومة جزاتس الله خير على ماسطرتي ومن منا يملّ من سيرة ذلك الزاهد عمر بن عبد العزيز

    نبوووووووضه الله يجزاتس خير بس الشخصية كانت محمد بن المنكدر من اللي جاب طاري ابو بكر !

    فقوده
    عليتس بالمكنسة
    للأسف ماعندي إلا العجرة اللي بغيت أكسرها على ظهرتس خخخخ

    محمد بن المنكدر أعرف عنه القليل ولكن عن بحثي ظهر لي أنه من التابعين << ماأدري إذا كانت صحيحه

    ولخص الحافظ ابن حجر في " التقريب " الحكم عليه فقال : لين الحديث .

    الشخصية هذي خبرتي فيها قليلة

    صححي أخطائي ..


    الشخصية التالية

    أسمـــــــــــــــاء بنت أبي بكر << إذكروا أي شي عنها ..
    إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ